اللغز!

كانت الساعة التاسعة من صباح أحد أيام شهر أغسطس الحارة … والشياطين اﻟ «١٣» قد قسَّموا العمل بينهم في مقرهم ببيروت … ثلاثة منهم في قسم بيع السيارات والدرَّاجات … وثلاثة في قسم الإلكترونيات والأجهزة الكهربائية … بينما استعد الباقون للخروج إلى الجبل … هربًا من جوِّ بيروت الرطب الحار إلَّا «إلهام» التي تقرر أن تبقى في الدور الثاني من المقر … قريبًا من جهاز اللاسلكي.

وكان الشياطين يستبعدون أن يتصل بهم رقم «صفر» في هذا اليوم … فليست هناك أخبار من فترة طويلة … حتى إن «باسم» قال: لو استمر الحال هكذا فسوف نصبح أكسل شياطين في العالم … إذا كان هناك فيه شياطين غيرنا!

ورغم أن الشياطين كانوا يقومون بتدريباتهم اليومية … بين البحر … وقاعة الرياضة في المقر … واستخدام الخناجر والمسدسات على اللوحات الثابتة والمتحركة، إلا أنهم كانوا في أعماقهم يدركون أن لا شيء يشحذ قواهم مثل مغامرة … ولكن الشهور مضت دون أخبار …

وركب «خالد» و«فهد» و«زبيدة» سيارة … و«عثمان» و«بو عمير» و«ريما» سيارة ثانية من الجاراج الذي يقع أسفل المقر … عندما لاحظ «خالد» أن الضوء الأصفر في صدر الجاراج يعطي إشارة متقطعة … وكان «خالد» قد أدار موتور السيارة وكاد ينطلق بها … ولكنه لم يكد يرى الضوء حتى أوقف الموتور وأخذ يعد الإشارات المتقطعة … وعرف من عددها أن عليهم أن يتوقفوا … وكانت عيون الشياطين الستة معلَّقة بالضوء … وانطفأ الضوء الأصفر … وحل محله الأحمر … وكان معناه: اصعدوا فورًا!

فُتِحَتْ أبواب السيارتين … وقفز الستة من أماكنهم … وفي نفس الوقت كانت نفس الإشارة قد أُعطيت في قسم بيع السيارات وفي قسم الأجهزة الإلكترونية … وسرعان ما كان الشياطين الستة الآخرون يغادرون القسمَين مسرعين إلى فوق … بينما أسرع العملاق الأسمر «سرور» المشرف على المقر إلى قسم السيارات … وأسرعت «بديعة» المشرفة الأخرى إلى قسم الأجهزة الإلكترونية.

عندما صعد الشياطين إلى فوق … أسرع «أحمد» إلى غرفة اللاسلكي … وناولته «إلهام» أول تقرير وصل من رقم «صفر» وكان مكوَّنًا من خمس كلمات فقط:

من رقم «صفر» إلى ش. ك. س.

انتظروا تقريرًا هامًّا بعد لحظات!

وجلس الشياطين في الصالة الواسعة … بينما ظلت «إلهام» لتتلقى التقرير … مرَّت الدقائق بطيئة … ومال «عثمان» على «زبيدة» وهمس: هل تتوقعين شيئًا هامًّا؟

ابتسمت «زبيدة» وقالت: هل تراهن؟

عثمان: زجاجة كوكولا منِّي، مقابل كوب عصير ليمون تصنعينه بيديكِ!

زبيدة: أُوافق!

عثمان: تقرير طلب معلومات عن شخص وصل إلى بيروت.

فكَّرت «زبيدة» قليلًا ثم قالت: تقرير أهم من ذلك!

عثمان: مثل ماذا؟

زبيدة: مثلًا حادث هام وقع.

عثمان: قبلت الرهان.

وعاد الصمت يلفُّ القاعة … ثم دخل «أحمد» غرفة اللاسلكي، وعاد ممسكًا بورقة أخذ يقرؤها لحظات والعيون ملتفَّة به … ولاحظ الجميع أن علامات الاهتمام والدهشة واضحة على وجهه وقالت «زبيدة» ﻟ «عثمان»: أعتقد أنك ستقوم لإحضار زجاجة الكوكا كولا.

لوى «عثمان» فمه ثم قال: أُفضِّل الانتظار.

وخرجت «إلهام» تمسك ورقة أخرى ناولتها ﻟ «أحمد» الذي جلس إلى مائدة الاجتماعات … وسرعان ما أحاط بالمائدة المستديرة بقية الشياطين.

هزَّ «أحمد» رأسه ثم همَّ بالكلام … ولكنه عاد فأغلق فمه، وناول التقرير إلى «إلهام» التي بدأت على الفور تقرأ:

وقع اليوم حادث خطير … فقد سُرِقَتْ عربة قطار محمَّلة بالذهب في جمهورية مصر العربية … وكانت ضمن قطار بدأ رحلته من أسوان إلى القاهرة في حراسة مسلحة!

وسكتت «إلهام» لحظات ثم مضت تقرأ:

والذهب نُقل من تنزانيا إلى السودان ثم نُقل من السودان إلى أسوان حيث شُحِنَ في القطار، وسبب نقله بالقطار ما وصل إلى سلطات الأمن أن عصابة قوية تنوي اختطاف الطائرة التي سيُنقَل عليها الذهب، وقد كان القطار مكوَّنًا من سبع عربات، وكانت عربة الذهب هي العربة الرابعة … قبلها ثلاث عربات وبعدها ثلاث عربات … وكانت الحراسة في العربة الأولى خلف قطار السحب نفسه … ثم في العربة الأخيرة … مكونة من أربعة رجال مسلحين بالمدافع الرشاشة!

ونظرت «إلهام» إلى الشياطين … ورأت على وجوههم علامات اهتمام طاغية، ومضت تقرأ:

إن المدهش في السرقة … بل الشيء الذي لا يصدق أن عربة الذهب سُرِقت كلها … فالعصابة التي قامت بالسرقة لم تقتحم العربة وتسرق الذهب … بل سرقت العربة نفسها …

قالت «ريما» بتسرُّع: غير معقول!

وابتسمت «إلهام» فقد كان الجزء الأكثر إثارة لم يأتِ بعد، ومضت تقرأ:

والأغرب من كل هذا أن القطار لم يتوقف مطلقًا منذ خروجه من أسوان حتى وصوله إلى القاهرة، فقد أُخليت الخطوط نظرًا لأهمية الشحنة … أكثر من هذا أن الحراس لم يشعروا بشيء مطلقًا، ولم يتنبهوا إلى السرقة إلا عندما وصل القطار إلى القاهرة!

وأخذت «إلهام» نَفَسًا عميقًا ثم قرأت السطر الأخير:

سيصلكم مزيد من التفاصيل بعد قليل … وأرجو أن يستعد ستة منكم للسفر فورًا إلى مصر … يكون بينهم «أحمد» و«عثمان».

وسكتت «إلهام» وران صمت عميق على القاعة … فقد كان كل واحد من الشياطين يفكِّر فيما حدث … وقد كان محور تفكيرهم جميعًا هذا السؤال: كيف يمكن سرقة عربة قطار كاملة من قطار سائر بسرعة كبيرة … هذه العربة في وسط القطار وليست في نهايته حتى يمكن أن يقال إنها فُكَّت مثلًا!

وكانت الإجابة الوحيدة المعقولة هي وجود تحويلة في الطريق تم تحويل العربة إليها … ولكن كيف يمكن تحويل عربة واحدة في منتصف القطار دون تحويل بقية العربات؟

الإجابة التي توصَّل إليها الشياطين وكل واحد منهم يملك ذهنًا متَّقدًا بالذكاء بالإضافة إلى التمرينات والتجارب التي مروا بها … الإجابة كانت: مستحيل … إلا إذا كان هناك ساحر مثلًا أخفى العربة في الهواء!

قام «أحمد» وتحدَّث مع «سرور» من تليفون داخلي … ثم ذهب إلى سبورة معلَّقة على حامل في طرف القاعة … ووقف أمامها ثم رسم قطارًا مكوَّنًا من سبع عربات ووضع علامة «×» على العربة الوسطى ثم وقف أمامها يُفكِّر … وسرعان ما انضمَّ إليه بقية الشياطين ودار حوار ساخن حول الرسم.

قال «أحمد»: لا بُدَّ من وجود تحويلة في الطريق!

رد «عثمان»: أعتقد أنها نفس الإجابة التي حصل عليها كل واحد من الشياطين … ولكن يا «أحمد» … كيف يمكن تحويل عربة واحدة من قطار سائر … إذا كانت هذه العربة في منتصف القطار؟ إن ذلك هو المستحيل بعينه.

أحمد: معك حق … ولكن فَسِّر لي كيف تمَّ هذا؟

بو عمير: التفسير الوحيد … ألَّا تكون العربة قد أُلحِقَت بالقطار على الإطلاق.

أحمد: إن هذا ممكن طبعًا … ولكن المعلومات التي وصلتنا تؤكِّد أن العربة أُلحقت بالقطار.

قالت «زبيدة»: هناك احتمال آخر … أن تكون العربة التي بها الذهب قد أُبدِلَتْ قبل قيام القطار ووُضِعَت في نهاية القطار.

أحمد: مرَّة أخرى نعود إلى المعلومات … إن التقرير يؤكِّد أن العربة الأخيرة كان بها حرَّاس مسلحون … ولو كانت عربة فارغة لكان هذا أفضل تبرير ممكن لما حدث … ولكننا نفكِّر في حدود المعلومات التي لدينا.

ضحك «رشيد» وقال: لا شك أنه ساحر من ذلك النوع الذي يضع الفيل في المنديل … أو يمرر الجمل من ثقب الإبرة!

قال «قيس»: إننا لم نتمرن على محاربة السحرة.

هدى: ما رأيكم في طائرة هليكوبتر تحمل العربة؟

أحمد: أولًا لا أظن أن هناك طائرة هليكوبتر بهذه القوة … ثانيًا، كيف يمكن فصل العربة من العربة السابقة لها … ثم اللاحقة لها … في هذه الحالة لا بد أن تتخلف العربات الثلاث الأخيرة عن اللحاق بالقطار … والمعلومات التي لدينا تؤكد أن العربات الست وصلت إلى محطة القاهرة وهي موصولة ببعضها.

صمت الجميع … واستغرقوا في تفكيرٍ عميق … بينما دق جهاز اللاسلكي مرةً أخرى وأسرعت «إلهام» إليه وقال «قيس»: إنه لغز!

أحمد: فعلًا … إنه لغز لم يسبق له مثيل … وإن حل اللغز سيكون شيئًا مثيرًا لم يسبق له مثيل أيضًا!

وعادت «إلهام» تحمل إليهم تقريرًا جديدًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤