أبرياء ومتهمون!

بدأ الصباح بداية مثيرة …

استيقظ الشياطين الخمسة فلم يجدوا «عثمان» … كانت السادسة صباحًا فتصوروا أن «عثمان» ذهب يتمشى وسيعود … ولكن حتى الساعة السادسة لم يظهر «عثمان» … السابعة لم يظهر «عثمان» … الثامنة والنصف «عثمان» ما زال متغيبًا.

قال «أحمد»: لقد بدأ أخيرًا اشتباكنا مع العصابة … إنهم كما أحسست في البداية قريبون منا. وقد بدءُوا هم. وعلينا أن نرد …

كان يتحدث وهو ينظر إلى قرص الشمس الصاعد … وكوب الشاي في يده يرتشف منه مفكِّرًا، وقد حملت كلماته إلى الشياطين إحساسًا بأنهم مقبلون في هذا اليوم على شيء ما خطير … فأخذ «بو عمير» يراجع الأسلحة التي معهم … وأخذ «خالد» يطوح بذراعه في الهواء وكأنه يضرب عدوًّا غير منظور.

وعاد «أحمد» يقول: سأذهب مع «بو عمير» لمقابلة الدكتور «رينيه» رئيس البعثة الأثرية … وسوف أحدثه عن شكوكي في «لنك»، وستذهب «زبيدة» لمقابلة «لنك» … وأهم ما يجب أن نلاحظه أدوات الحفر التي يستعملونها … إنني أتوقع أن يلفت نظرنا شيء … وسيكون هذا الشيء هو بداية البحث.

إلهام: ولكن كيف تفضي بشكوكك عن «لنك» وأنت لا تملك حتى الآن شيئًا ضده؟ إن رجلًا يقتل ثعبانًا بمسدس لا يعني أنه رجل عصابات … وأنه اشترك في سرقة عربة القطار … إلى آخره.

قال «أحمد» في هدوء: إنني لن أتحدث عن ثعابين وعن قطارات الذهب. إنني سأتحدَّث فقط عن غياب «عثمان»، وأقول إنني أشتبه أن «لنك» قد تشاجر معه … وسأرى ردود الفعل … إنني بالتعبير الأدبي أريد أن ألقي حصاة في الماء الراكد … لنرى ماذا سيحدث … تمامًا كما قال «عثمان» إن الأرض انشقت … لقد كان يعَبِّر عن شيء أحسَّه ولكن لم يدركه عقله … وأنا أحس أن «لنك» له يد في عملية القطار … وإن كانت الأدلة المتوفرة لا تقنع العقل.

خالد: وماذا عني وعن «إلهام»؟

أحمد: ستنتظران عودة «عثمان». وتفتحان عيونكما جيدًا … لقد عرف «لنك» أننا نشتبه فيه. وأعتقد أن له يدًا في اختفاء «عثمان»، وقد يسعى لعمل آخر ضدنا.

اتجه «أحمد» و«بو عمير» إلى الفندق حيث ينزل الدكتور «رينيه» مدير البعثة وممولها، وبقيت «زبيدة» في انتظار موعد ذهابها إلى «لنك» في التاسعة.

واتصل «بو عمير» ﺑ «رينيه» من قاعة الاستقبال … وقال له إن صديقه «أحمد» يريد مقابلته لأمر هام … فطلب منهما الصعود فورًا إلى الجناح الذي ينزل به. وسرعان ما كان الاثنان يستقلان المصعد إلى فوق.

استقبلهما المليونير العالم بابتسامة مرحبة … كان طويلًا ونحيفًا وبلحيته الصغيرة الشقراء وعويناته الذهبية كان يمثِّل العالم خير تمثيل.

ونظر «رينيه» إلى «أحمد» وقال: ما هو الشيء الهام الذي أردت مقابلتي من أجله؟

تحفَّز «أحمد» وركَّز نظراته على وجه العالم الهادئ وقال: اختفى أحد زملائي ليلة أمس في الظلام … ولم يظهر حتى الآن … وإني أشتبه أن أحد رجال بعثتك له دخل في اختفائه …

زوى «رينيه» حاجبيه ثانيةً واحدة، وتقلص فكه قليلًا وقال: من هو الرجل الذي تشتبه فيه يا صديقي؟

قال «أحمد»: «لنك» …

رينيه: وكيف اشتبهت فيه؟

ولدهشة «بو عمير» الشديدة، سمع «أحمد» يروي قصة غريبة، قال «أحمد»: لقد تصادق أمس «لنك» مع فتاة من زميلاتي اسمها «زبيدة»، وقد صحبها «لنك» في الظلام إلى ناحية معسكرنا، ثم سمعناها تستغيث فأسرع زميلنا «عثمان» لنجدتها واشتبك مع «لنك» في معركة بالأيدي … وفي الصباح لم نجد صديقنا … وأعتقد أن «لنك» قتله …

رفع «رينيه» وجهه وابتسم قائلًا: إنك تتسرع في الاستنتاجات والاتهامات يا صديقي الشاب.

ولدهشة «بو عمير» مرةً أخرى قال «أحمد» بعصبية زائدة: إذا لم يعد صديقي خلال ساعة واحدة فسوف أخطر رجال الشرطة، وسأتهم «لنك» بقتله أو اختطافه.

قال «رينيه»: أرجو أن تتمالك أعصابك قليلًا يا صديقي الشاب. ودعني أعالج هذه المسألة … إن «لنك» ينام في المعسكر … وسأُرسل سكرتيرتي إليه وستعود به وسنعرف الحقيقة منه.

وقام «رينيه» وخرج من الغرفة، وغاب بضع دقائق ثم عاد قائلًا: ستذهب بالسيارة وتعود فورًا.

وطلب «رينيه» بعض المشروبات ثم قال ﻟ «أحمد»: إن مظهر «لنك» يوحي بالشر فعلًا، وعندما تقدم للانضمام إلى البعثة ترددت كثيرًا في قبوله. ولكن لم يتقدم إلى البعثة مهندس سواه!

أحمد: ألم تشتبه في تصرفات «لنك» أثناء عمله؟

ضاقت عينا «رينيه» وقال: أي تصرفات … علاقاته بالآخرين مثلًا؟

أحمد: لا … ألم يكن يتغيب عن عمله أحيانًا … ألم يكن يختفي في بعض الليالي؟

وقف «رينيه» بعد حديث «أحمد» وقال وقد بدا عليه التفكير: نعم … لقد لاحظت ذلك فعلًا، ولكن ما معنى هذا؟

أحمد: لعلك سمعت يا دكتور «رينيه» عن حادث سرقة قطار الذهب؟

رينيه: نعم!

أحمد: إنني أشك أن «لنك» له ضلع في الحادث.

رينيه: ليس هذا ببعيد … بمنتهى الصراحة لقد اكتشفت أن أوراق «لنك» التي قدمها للالتحاق بالبعثة كانت مزيفة، ولكن للأسف كان هذا بعد وصولنا إلى مصر. وقد قررت أن أختبره، ولدهشتي الشديدة أثبت جدارة في العمل، وهكذا تغاضيت عن موضوع الأوراق حتى العودة إلى فرنسا. فلم أحب أن يعلق بسمعة البعثة التي أرأسها أية شائبة.

وسكت «رينيه» لحظات ثم مضى يتجوَّل في الغرفة. وقد بدت عليه علامات الضيق وعاد يقول: سوف أسلمه لرجال الشرطة بيدي الآن، وسأقدِّم لهم أوراقه المزيفة.

وفي هذه اللحظة دق جرس التليفون … وأسرع الدكتور «رينيه» يرد وسمعه الصديقان وهو يقول بصوت مرتفع: غير معقول؟ كيف؟! أبلغي الشرطة!

ووضع «رينيه» السماعة ثم قال ﻟ «أحمد» و«بو عمير»: لقد اختفى «لنك» لا أحد يعرف كيف ولكني طلبت إبلاغ الشرطة … وسأذهب بنفسي للإبلاغ عنه … ولعله يكون قد سرق شيئًا من المعدات.

وأخذ «رينيه» يفرك كفيه بعصبية ويقول: لقد كان يجب أن أرفضه … من الواضح أنه لص حقير، على كل حال لقد انتهى عملنا، وسنغادر المدينة غدًا في الفجر!

وترك الصديقان «رينيه» يحدث نفسه، وانطلقا مسرعين … وكانت وجهتهما معسكر الشياطين أولًا … كان «خالد» و«إلهام» يجلسان تحت الخيمة، اتقاءً لحرارة الشمس المحرقة … ولم تكن «زبيدة» قد عادت. وروى «أحمد» ﻟ «إلهام» و«خالد» ما حدث ثم قال: سننطلق فورًا إلى معسكر البعثة … إنني أريد أن أراه عن قرب … ولعل «زبيدة» قد تكون لاحظت شيئًا.

وأسرع الأربعة إلى هناك … وكان «رينيه» قد سبقهم … ووجدوه يقف بين أفراد البعثة ولم تكن «زبيدة» موجودة.

قال «أحمد»: أين زميلتنا؟

رينيه: أية زميلة؟

أحمد: «زبيدة» … لقد كانت على موعد مع «لنك» في التاسعة هنا!

التفت «رينيه» إلى رجاله قائلًا: هل حضرت هنا فتاة لمقابلة «لنك»؟

هز الرجال رءُوسهم وقال واحد منهم: لم تحضر إلى هنا فتيات!

وقف الشياطين الأربعة مذهولين … وقال «رينيه»: ما هي حكاية أصدقائكم الذين يختفون كل يوم … إنني لا أكاد أصدق شيئًا!

ثم التفت «رينيه» إلى سكرتيرته وقال: هيَّا بنا!

وركب سيارته وانطلق … وبقي الشياطين الأربعة ينظرون حولهم … وكان رجال البعثة يحزمون أدواتهم وحقائبهم ويضعونها في السيارات الضخمة التي كانت تقف حول المعسكر.

أخذ «أحمد» ينظر حوله متمعنًا مفكرًا. وكانت عيناه الثاقبتان ترمقان كل شيء في المعسكر وتقفان عنده … وفجأة التفت إلى الشياطين الثلاثة وقال: هيا بنا.

وركبوا السيارة وعادوا إلى معسكرهم … وقال «أحمد» موجِّهًا حديثه إلى «إلهام»: هل اللاسلكي على ما يرام؟

إلهام: بالطبع.

أحمد: أرسلي تقريرًا عاجلًا جدًّا إلى رقم «صفر» لا داعي لأن تقولي له ما حدث، اطلبي منه فقط الاتصال بباريس …

إلهام: باريس؟

أحمد: نعم … ليسأل عن بعثة «رينيه بلانكارد» الأثرية.

بدت الحيرة على وجوه الشياطين الثلاثة … ولكن «أحمد» قال بحزم: فورًا من فضلك!

ومن تحت مقعد القيادة في السيارة، أخرجت «إلهام» جهاز اللاسلكي، وبدأت ترسل:

من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر» …

عاجل جدًّا ومهم للغاية …

نريد السؤال عن بعثة «رينيه بلانكارد» الأثرية في باريس. أي معلومات عنها. الرد عاجل جدًّا وهام.

أحمد: اتركي جهاز اللاسلكي مفتوحًا.

ثم التفت إلى «بو عمير» وقال: أريد مقابلة مفتش الآثار الذي قابلته أمس.

بو عمير: نستطيع الالتقاء به في مكتبه. لقد أعطاني عنوانه.

أحمد: هيَّا بنا.

وركبا السيارة، وقال «أحمد»: لا يتحرك أحد منكم حتى نعود. وخذوا حذركم وليكن مسدسك جاهزًا يا «خالد»!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤