الفصل الخامس

مصر في حكم الإمبراطور الجديد

أرسل الإمبراطور إلى نيقتاس يُثبته في حكم الإسكندرية، وإن شئت قلت إنه جعله نائبًا عن الملك في مصر،١ وأصبح أصحاب «فوكاس» بين قتيل قُضي عليه، أو طريدٍ مُبعَد، أو مرتدٍّ ترك الجانب الخاسر وهجره؛ فكان همُّ «نيقتاس» أن يُعِيد للحكم المدني الروماني نظامه، وأن يُعِيد للجيش الروماني كِيانه، وكان هذان آلتَي الدولة الرومانية تحتفظ بهما بملك مصر. وكان الحكم المدني والجيش كلاهما في يد السادة الحاكمين ليس فيهم أحد من أقباط مصر أهل البلاد؛ فكان ذلك الحكم من هذا الوجه أشبه شيء بحكم الإنجليز في الهند، على أنه يختلف عنه اختلافًا عظيمًا كان سببًا في القضاء عليه؛ وذلك أن حكومة مصر لم يكن لها إلا غرضٌ واحد، وهو أن تبتزَّ الأموال من الرعية لتكون غنيمة للحاكمين، ولم يُساورها أن تجعل قصد الحكم توفير الرفاهة للرعية، أو ترقية حال الناس والعلو بهم في الحياة، أو تهذيب نفوسهم، أو إصلاح أمور أرزاقهم؛ فكان الحكم على ذلك حكم الغُرباء، لا يعتمد إلا على القوة، ولا يُحسُّ بشيء من العطف على الشعب المحكوم. وكانت في يد الحكام عاصمة البلاد الإغريقية، كما كانت في يدهم العاصمة المصرية القديمة منفيس، وحِصنها العظيم حِصن بابليون الروماني على الشاطئ الشرقي من النيل، وكذلك كانوا يملكون مدائن عدةً حصينة يلي بعضها بعضًا بين أسوان في الجنوب والفرما في الشمال، وكان جند الحكومة وجُباة ضرائبها ينتشرون من تلك المدائن يُظهرون هيبة السلطان ويجمعون الأموال، على حين كان تجار الروم واليهود يحلُّون حيث شاءوا تحميهم جنود الربط، يُنافسون الأقباط في التجارة منافسةً شديدة.
وكانت الإسكندرية من أشقِّ بُلدان العالم حكمًا؛ لأنها كانت تجمع أخلاطًا من الناس من إغريق بيزنطة وآخرين وُلدوا بمصر وقبط وسوريين ويهود وعرب وغرباء من جميع البلاد، ولكن يلوح أن نيقتاس قد كسب إجلال أهل الإسكندرية وإن لم يكسب حبهم، مع ما عُرِف عنهم من التقلب وحب الخروج. وكان من أول ما أمر به أن رفع عنهم جباية المال ثلاث سنوات، فكانت تلك يدًا مازَهم بها زادتهم تقديرًا له بعدما رأوا من غنائه في الحرب، وليس ثمةَ شكٌّ الآن في أنه بقي مُقيمًا في الإسكندرية.٢ حقًّا إنا نسمع بأنه كان في بيت المقدس قبل زحف الفُرس عليها، ويقولون إنه أنقذ بعض الآثار المقدَّسة — الحربة والإسفنجة — من أن تُدركها يد الفُرس، ولكنه عاد إلى الإسكندرية بعد ذلك كما سنرى؛ فالحقيقة هي بلا شكٍّ أن هرقل أمره أن يسير إلى الشام لعله يدفع عنها الفُرس، ولم يكن عنده علم بمقدار ما أتَوا به من الجيوش الجرَّارة، فلم يستطع نيقتاس إلا أن يُسرع عائدًا إلى مصر.
ولكن من سوء الحظ أن تاريخ مصر في هذه الفترة عسيرٌ إدراكه؛ فإن ديوان «حنا النقيوسي» لا يذكُر عنها شيئًا، وعليه جُل اعتمادنا إلى ذلك الوقت؛ فإن بالنسخة التي ننقل عنها نقصًا كبيرًا؛ إذ تُغفل ثلاثين عامًا من ذلك الوقت، وكأن يدًا أثيمة قد عمدت إلى ذلك الكتاب فأودت بكل ما فيه ذكر لحكم هرقل. غير أننا نجد ذكر كثير من حوادث بعض أنحاء الدولة في بعض مؤلفات الأرمن،٣ أو كتب سِواهم من أهل الشرق التي كُتبت في هذا العصر، ولكن ما أشبه هؤلاء بمؤرخي بيزنطة في أنهم لا يذكُرون إلا النزر اليسير عن مصر. على أننا نستطيع أن نلمح خلال الظلام سير الحوادث الكبرى التي عصفت بسلطان الدولة البيزنطية في مصر في أواخر حياة ذلك الإمبراطور.
فإذا نحن أردنا أن نعرف تاريخ مصر في مدة الأعوام الثلاثين التي بين ولاية هرقل وبين الفتح العربي، فلا مَناص لنا من أن نلجأ على الأكثر إلى ما كتبه رجال الكنيسة أو ما كتبه رجال لهم ميولٌ دينية قوية تجعلهم غير أمناء في رواياتهم؛ فالحقُّ أن أمور الدين في القرن السابع كانت في مصر أكبر خطرًا عند الناس من أمور السياسة، فلم تكن أمور الحكم هي التي قامت عليها الأحزاب واختلف بعضها عن بعض فيها، بل كان كل الخلاف على أمور العقائد والديانة، ولم يكن نظر الناس إلى الدين أنه المَعين الذي يستمدُّ منه الناس ما يُعينهم على العمل الصالح، بل كان الدين في نظرهم هو الاعتقاد المجرد في أصولٍ معيَّنة. وكان الناس لا يكادون يُحسُّون شيئًا اسمه حب الوطن، وما كانت عداواتهم عند اختلاف الجنس والوطن لتثور ويتَّقد لهيبها على الأكثر إلا إذا اختلف معها المذهب الديني؛ فكان اختلاف الناس ومناظراتهم العنيفة كلها على خيالاتٍ صورية من فروقٍ دقيقة بين المعتقدات، وكانوا يُخاطرون بحياتهم في سبيل أمورٍ لا قيمة لها، وفي سبيل فروق في أصول الدين وفي فلسفة ما وراء الطبيعة يدقُّ فهمها ويشقُّ إدراكها؛ فحُقَّ على مصر المسيحية قول الشاعر «جوفنال» إذ يصف ما كان بين قومه من النِّزاع والشِّقاق على أيهما أفضل في العبادة؛ عبادة التماسيح أم عبادة القطط؛ إذ قال: «كل مكان يكره الآلهة التي لجيرانه، ويعتقد أن الآلهة الحقيقية هي التي يعبدها هو.»٤ لقد تغيَّر الزمان، ولكن الناس هم هم لم تتغير طباعهم. ومنذ كانت الأحزاب ومناظراتها قائمة على ما كان في الدين من شِيَع وفِرَق كان جل آثار العصر وما تخلَّف من كُتبه تراجم لحياة القديسين والبطارقة، وقلما نجد فيها ذكرًا لأهل الحرب أو السياسة، وعلى هذه الآثار نعتمد في معرفة تاريخ مصر في ذلك العهد.
كان في مصر في ذلك العصر ما كان فيها منذ مجلس «خلقيدونية» في سنة ٤٥١؛ وذلك أن كلتا فِرقتَي المسيحية بمصر كان لها بطريقها، وكانت أمورها الدينية مستقلة، ولكن هذا لم يذهب بشيء من شدة الخلاف الثائر بين الأحزاب، ولم يُقلل من متاعبه. نقول هنا للمرة الثانية إن الحزبين بمصر كانا يُعرَفان باسمين مشهورين: أولهما حزب اليعاقبة وهم القبط، والثاني حزب الملكانية٥ وهم حزب الملِك. وكان اليعاقبة على مذهب «المونوفيسيين»، وأكثرهم وإن لم يكونوا جميعًا من الجنس المصري،٦ على حين كان الملكانيون يتبعون المذهب الذي أقرَّه مجلس «خلقيدونية»، وكان أكثرهم من أصلٍ إغريقي أو أوروبي. ونجد إجماعًا من المؤرخين، وفيهم «ساويرس الأشمونيني»، على أنه ما ولي إمبراطور إلا سار على سُنة القضاء على مذهب اليعاقبة في مصر قضاءً لا هوادة ولا رحمة، وكان اليعاقبة لا يرضَون إلا بأن يمحوا كل أثر من آثار مذهب «خلقيدونية».
وقد سبق ذكر مقتل البطريق الملكاني «تيودور» عند فتح «نيقتاس» للإسكندرية سنة ٦٠٩؛ فقد٧ كانت ثورة «هرقل» ثورة على السلطان الإمبراطوري في القسطنطينية، وكان القبط باشتراكهم فيها يؤمِّلون بلا شكٍّ أن يجدوا في الحكم الجديد سيرًا أرفق بهم مما كانوا يجدونه من عسف «فوكاس». والحق أنهم لم يشعروا بخيبةٍ بالغة في أول الأمر؛ فإن البطريق القبطي «أنستاسيوس» بقي على كرسيه ست سنوات بعد خمسٍ قضاها في مدة الثورة، حتى تُوفي في ٢٢ كيهك (أي ١٨ ديسمبر) من سنة ٦١٦ للميلاد.٨ واستطاع الأقباط عند ذلك أن يبنوا في الإسكندرية بعض الكنائس، أو يُعِيدوا بناء أخرى مثل كنيسة «القديس ميخائيل»، وكنيسة «القديس أنجيلوس»، والقديسين «كزماس» و«دميان»، هذا عدا أديرةٍ عدة. وكان «أنستاسيوس» ينصب القسوس ويعتمد المطارنة، ولكن لا ننسى مع ذلك أن الملكانيين كانوا لا يزالون مُحتفظين بسلطانهم في العاصمة، ولهم أكبر الكنائس فيها.
وليس ثمةَ ما يدعو إلى الشك في أن هرقل كان حريصًا كل الحرص على أن يستميل قلوب أقباط مصر، وكان «نيقتاس» في الوقت عينه يرى لزامًا عليه أن يجزيهم على ما قدَّموه من خدمة؛ فإذا كانت حكومة بيزنطة قد أقامت بطريقًا ملكانيًّا بدلًا من «تيودور» القتيل، فإنها اختارته رجلًا أوصى به «نيقتاس» إيصاءً خاصًّا، وكانت حياته الماضية وخُلُقه بحيث جعلاه موضع إعجاب اليعاقبة، حتى بجَّلوه في حياته، وعظَّموه بعد مماته؛ إذ اتخذوه أحد القديسين الذين تُخلَّد أسماؤهم في التقويم القبطي. ومن العجيب أن «نيقتاس» جاء بعد ذلك فساعد مساعدةً كبرى في التوفيق بين «المونوفيسيين» من أهل الشام وبين الكنيسة القبطية. وهذا يدل على أنه كان يميل للأقباط ويعطف عليهم، وأنه لم يكتفِ بأن يسلك معهم مسلك الاعتدال والتسامح.٩
وكان المطران الأكبر الملكاني الذي عُيِّن حديثًا هو «حنا الرحوم» أو هو المحسن. وقد أُطلقَ عليه ذلك اللقب لِما كان يأتيه من أعمال البر والإحسان،١٠ ولكن كرمه لم يكن فوضى؛ فإنه بعث من حوله ليجوسوا خلال المدينة، فيأتوه بخبر «سادته ومساعديه». فلما سألوه عما يعنيه بقوله أجاب قائلًا: «أقصد من تُسمُّونهم أنتم «الفقراء والمساكين»، وأسمِّيهم أنا «السادة والمساعدين»؛ لأنهم في الحق يُساعدوننا ويمنحوننا ملكوت السموات.» وعلى هذا كتبوا له صحيفة بأسماء الفقراء، فأجرى عليهم كل يوم رزقًا، وبلغ عددهم ٧٥٠٠. فلما رأى «نيقتاس» أن البطريق تجري يده بالعطاء جريانَ البحر، نفس عليه ذلك، وجاءه يومًا فقال: «إن الدولة محتاجةٌ أشد الحاجة إلى المال، وإن ما عندك من المال يأتي إليك عن رضًا لا يؤذي أحدًا، فابعث بما عندك إلى بيت مال الدولة.» فقال له البطريق: «إن ما نُقدمه لملك السموات يجب ألا نبذله لملك في الأرض، ولست بمُعطيك شيئًا عن رضًا، ولكن خِزانة الله تحت سريري هذا، وأنت وما تختار لنفسك.» فدعا «نيقتاس» بحُراسه، وأمرهم أن يأخذوا المال من تحته، وفيما كانوا خارجين رأوا قومًا يحملون في أيديهم أواني صغيرة كُتِب عليها «أحسن العسل»، وأخرى كُتِب عليها «عسل لم يُدخن». فسألهم «نيقتاس» أن يعطوه واحدة منها لطعامه، فهمس القوم في أذن البطريق أن فيها ذهبًا، فأرسل حنا آنية منها إلى «نيقتاس» مع رسول، وأرسل إليه أن لا يفتحها إلا في حضوره، ثم قال إن كل الأواني التي رآها وهو خارج لم تكن إلا مملوءة بالمال. فلم يسَع «نيقتاس» مع هذا إلا أن ذهب إلى البطريق، وردَّ إليه كل ما أخذ منه من المال، وكذلك رد الآنية، ثم بعث إليه بمالٍ آخر من عنده.١١
ومِثل هذه القصص تُظهر على الأقل ما كان لرئيس الدين بالإسكندرية من سلطان، وما كان لديه من موارد المال. وإنه لمن المُستطرَف أن نعلَم كذلك أن الكنيسة كانت تملك أسطولًا من السفن التجارية. وقيل إن إحدى تلك السفن ساقتها الريح عن طريقها، وكان عليها عشرون ألف مُد١٢ من القمح، فبلغت السفينة سواحل بريطانيا وكان بها قحطٌ شديد، ثم عادت تحمل من هناك القصدير، فباعه الرُّبان في «بنطابوليس». وجاء في موضعٍ آخر أن جمعًا من السفن يبلغ ثلاث عشرة سفينة عدًّا يحمل كلٌّ منها عشرة آلاف مُد من القمح، ذهب كل ما فيها ضياعًا في البحر الأدرياوي في أثناء عاصفة، وكانت كلها ملكًا للكنيسة، وتحمل عدا القمح حمولةً أخرى من الفضة والمنسوجات الدقيقة، وسوى ذلك من ثمين المتاع.١٣ ولا يمكن أن يشكَّ أحد في أن الكنيسة كان لها قسط من تجارة القمح العظيمة التي كانت رائجة بين الإسكندرية والقسطنطينية، وكان جستنيان قد أعاد لها نظامها ورواجها،١٤ وكان للكنيسة فوق ربح هذه التجارة وفوق ما كان الناس يهبونها طائعين مختارين، أوقافٌ من أرض الزراعة تؤتي أموالًا عظيمة؛ فليس من العجيب إذن أن نرى «حنا الرحوم» يُدهش الناس بإنفاقه. وكان «أندرونيكوس» الذي صار بطريقًا للقبط بعد «أنستاسيوس»، وأدرك عهد «حنا الرحوم» مدة أشهُر، لا يقلُّ عنه شهرةً بثرائه وكثرة إحسانه.
بقيت مصر وفيها بطريقان للمذهبين مدة، وكانت خطة هرقل في مبدأ أمره أن يُوفِّق بين هذين المذهبين العظيمين اللذين اقتسما أتباع الدين المسيحي في مصر، ولكن لم يستطع رئيس الدين القبطي أن يبقى في العاصمة؛ فقد كانت العداوة بين الشيعتين، وإن خمدت، تتَّقد في خفاء، ويندلع منها اللهب إذا ما هبَّ عليها أضعف ريح من الفتنة. ورأت الحكومة أن من الحكمة التفريق بين رئيسَي الدين حتى لا يبقى المتنافسان معًا في العاصمة؛١٥ فإن «أنستاسيوس» مثلًا عندما جاء إليه بطريق أنطاكية كان مُقيمًا في دير «الهانطون»، وهو ديرٌ شهير على الساحل على نحو تسعة أميال إلى غرب الإسكندرية؛١٦ ومن ثَم خرج في موكبٍ مَهيب للقاء ضيفه.١٧ وكذلك لم يذهب إلى الإسكندرية، بل أرسل يطلب قسوسه منها، وعقد في الدير مجمعًا أسفر عن رجوع الاتفاق والاتصال بكنيسة أنطاكية.
ولكن أندرونيكوس خليفة «أنستاسيوس» شذَّ عن هذه السُّنة، سُنة ترك الإقامة بالإسكندرية؛ فقد كان عند انتخابه شمَّاسًا في كنيسة «أنجيليون»١٨ بالإسكندرية، فبقي هناك مُقيمًا في صومعته المتصلة بالكنيسة مدة ولايته، وكانت ست سنوات. والسبب في أنه لم يبعد عن الإسكندرية هو أنه كان من أسرةٍ عريقة، وكان له قوم من أقاربه بين حكام المدينة يمنعونه ويعتزُّ بهم. ولسنا ندري كيف كانت العلاقة بين البطريقين. على أن «حنا الرحوم» مات بعد أشهُرٍ قليلة من ولاية «أندرونيكوس» رئاسة الدين في القبط. ولسنا نعرف على وجه التأكد ما إذا كان جورج١٩ الذي وليَ بعد حنا بطرقة الملكانية قد أقام في الإسكندرية أم لم يُقِم؛ وعلى ذلك فأغلب الظن أن العلاقة بين الاثنين لم تكن ذات شأن عند ذلك.

وليس من المُجْدي أن نأسف لأن أمثال هذه الأخبار المفصَّلة عن الكنيسة، والتي لا تلذُّ كثيرًا للقارئ، هي جل ما بقي من تاريخ مصر في السنوات الخمس أو الست التي جاءت بعد ثورة هرقل، ولكن قد آن لنا أن نخرج من هذه التُّرَّهات إلى السبيل الواضح، فنرى ما كانت تتجاوب به الأنحاء الشرقية من الدولة من جليل الحوادث التي بلغ صداها جوانب النيل. وكان قد جرى القضاء بأن تُزعزَع قوة الرومانيين في مصر وتُصدَّع جدرانها، فتُمهِّد بذلك السبيل إلى الفتح العربي، ولكن النضال الذي كان بين إمبراطورية الرومان ودولة الفُرس كان شائعًا في ميدانٍ فسيح. وإذا أردنا أن نعرف أثره في مصير مصر كان علينا أن نسير وراء حوادثه وتقلُّبات أحواله، ولو كان ذلك إلمامًا غير مفصَّل.

١  تجد وصفًا لا بأس به عن «نيقتاس» في كتاب ﻫ. جلزر الموسوم Leontios Von Neapolis Leben des Heiligen Johannes، صفحة ١٢٩.
٢  هذا ظاهر من كتاب «ليونتيوس» ومن مَراجع أخرى، ولكن يلوح أن حكم «نيقتاس» في الإسكندرية لم يكن معلومًا حتى لمِثل الأستاذ Bury؛ فهو يأخذ عن «جبون» — كما يظهر — ويقول إن «نيقتاس» كان لا يزال يميل إلى أن يسير بجيوشه المسكينة في البر إلى القسطنطينية، سالكًا ذلك السبيل كله خلال مصر وفلسطين وسوريا وآسيا الصغرى. ويقول إن نيقتاس «لم يصل إلى القسطنطينية إلا حوالَي أبريل سنة ٦١٢. ولسنا ندري ماذا عاق سيره، ولعله تأخَّر في الشام ليُحارب الفُرس.» نقلًا من كتابه Hist. of the Later Rom. Emp.، الجزء الثاني، صفحة ٢١٦، هامش ٢.
وقصة هذا السِّباق البري إلى القسطنطينية لا تزيد على أنها قصةٌ خيالية؛ فقد كان قصد نيقتاس مصر، وقد بقي فيها ليحكمها بعد أن فتحها باسم هرقل.
٣  نجد ثبتًا بأسماء المؤرخين من الأرمن في «الجريدة الآسيوية» في المجموعة السادسة من عام ١٨٦٦، المجلد السابع، ص١٠٩.
٤ 
Numina vicinorum.
Odit uterque locus, cum solos credat habendos.
Esse does quos ipse colit.
٥  وهذا الاسم مأخوذ من أصل «ملك»، وهو أصلٌ «مشترك» في اللغات السامية كلها، ويغلب على الظن أن لفظ «الملكانية» المستعمل في مصر مأخوذ عن السريانية؛ وعلى ذلك فليس ثَم من خلط في استعماله قبل أن يفتح العرب مصر.
٦  ويدلنا على ما كان للقبط من الشأن حتى في الإسكندرية ما جاء في كتاب «بروكوبيوس» (المطبوع في أثينا سنة ١٨٩٦، صفحة ٢٢)؛ فإنه لما اختار «جستنيان» المطران «بولص» للإسكندرية جعل له الأمر على الحاكم «رودون»، وظن ذلك يؤدي إلى طاعة أعيان المدينة لمجلس «خلقيدونية». وكان أول ما أتاه «بولص» أن أمر بقتل الشمَّاس «بسوس»، وهو قبطي كان يكتب بالقبطية، وكان أكبر عائق في سبيل سياسة الإمبراطور. ومات «بسوس» وهو يعذَّب، فثار الناس غاضبين، ولم يجد جستنيان وسيلة لتهدئتهم إلا أن عزل «رودون» ثم أمر بقتله في القسطنطينية، ولم يُغنِه دفاعه عن نفسه بإظهار ثلاث عشرة رسالة أتته من الإمبراطور يأمره فيها بأن يُطيع أمر «البطريق».
وجاء بعد «رودون» حاكمٌ آخر اسمُه «ليبريوس»، فصلب رجلًا اسمه «أرسنيوس» كان أكبر عامل على قتل «بسوس»؛ وبهذا تم الانتقام للقس القبطي. ويقول «لكيان» إن «رودون» هو الذي أمر بقتل «بسوس»، ولكن ميله إلى الحزب الملكاني واضحٌ وضوح شهادة «بروكوبيوس» على البطريق بولص.
٧  وقد أخطأ «شارب» في زعمه أن «تيودور» كان مطرانًا (مدة السنوات الثلاث الأولى من حكم هرقل). انظر History of Eg. under The Romans، صفحة ٢٤٠. على أنه جاء في ديوان بسكال أن في هذه السنة (سنة ٦٠٩) قُتل بطريق الإسكندرية (قتله أعداؤه)) وربما كان يقصد القبط، وفي السنة نفسها نُصِّب «زكريا» بطريقًا على بيت المقدس.
٨  يظهر أن هذا التاريخ أقربها للصواب. على أن ضبط التاريخ هنا كما هو في سائر المواضع من أشق الأمور. ويقول «أبو البركة» إن «أنستاسيوس» تُوفي سنة ٦٠٤، وجاء في «الديوان الشرقي» أن وفاته كانت سنة ٦١١ بعد ولاية اثنَي عشر عامًا ومائة وتسعين يومًا. وجاء في كتاب «أكلنسس» أن ذلك كان بين سنة ٦٠٧ وسنة ٦١٩. ولعل هذا أقرب للحقيقة من سواه، لكننا من جهةٍ أخرى نرى «الديوان الشرقي» وهو يُورِد في صراحةٍ أن قدوم بطريق «أنطاكية» اليعقوبي على «أنستاسيوس» كان في السنة التي خرَّب فيها الفُرس بيت المقدس؛ أي سنة ٦١٥. ومن جهةٍ أخرى نرى «ساويرس» يُورِد أن غزوة الفُرس لمصر (وقد كانت سنة ٦١٦) حدثت بعد موت «أنستاسيوس». وهاتان الروايتان يمكن التوفيق بينهما باتخاذ التاريخ الذي اتخذناه في كتابنا؛ وذلك أن نجعل وفاة «أنستاسيوس» في ديسمبر سنة ٦١٦، وإن كان «الديوان الشرقي» ينقض رواية نفسه بأن يجعل موت «أنستاسيوس» في سنة ٦١١ (انظر ملحق الكتاب المرقوم بحرف «ب»، وفيه كلامٌ أكثر تفصيلًا عن مسألة ضبط التواريخ).
٩  عن كتاب «ساويرس» الذي نقل عنه «لكيان» في كتابه Chron Or. (الجزء الثاني، صفحة ٤٤٤). ويذكر «الديوان الشرقي» فوق ذلك أن «أنستاسيوس» لم تقتصر همته على أن بنى كنائس جديدة، بل إنه أرجع إلى القبط كثيرًا مما كان قد استولى عليه الملكانيون من كنائسهم. وما كان يستطيع هذا لولا أن عضده «نيقتاس» وآزره الإمبراطور. انظر كتاب «جلزر» Leontios Von Neapolis (الجزء الثاني، صفحة نمرة ٢١٠)، قطعة من حياة حنا الرحوم تأليف «حنا مسكوس» و«صفرونيوس».
١٠  جاء في «جبون»، وهو قولٌ عجيب فيه ظلمٌ عجيب: «كان إحسان «حنا الرحوم» الذي لا حد له صادرًا عن أحد بواعث ثلاثة؛ فإما أن يكون عن جهل وخرف في العقيدة، وإما أن يكون عن حب للبر، وإما أن يكون عن سياسةٍ يرمي إليها.» ويظهر أنه يظن أن في أيام حنا أُعطيت كنائس الإسكندرية للكاثوليك، واضطُهد مذهب المونوفيسيين، وهذه عبارة تبعد عن أن تصدُق على هذا العصر بُعدًا أكبر من أي عصر آخر.
١١  جاءت هذه الأخبار في كتاب «ليونتيوس»، ونجد روايةً أخرى، وهي مما يحتمل وقوعه جدًّا، وفيها يُقال إن «نيقتاس» طلب المال بأمر من هرقل، وكان في حاجة إليه ليُصلح به الجيش (انظر كتاب ليبو Hist. du Bas Emp.، طبعة سان مارتان، الجزء الحادي عشر، في صفحتَي ٥٢-٥٣).
١٢  نحو كيل «الوبية»، أو هو أقرب إلى خُمس الإردب.
١٣  لعل الكنيسة حصلت على ميزاتٍ خاصة في التجارة منذ منع حاكم الإسكندرية هيفايستوس في أيام جستنيان ما كان معتادًا تقسيمه بين العامة (وقدره ألفُ ألفِ مد)، وكانت تلك عادةً منذ أيام دقلديانوس. وقد بعث ذلك الحاكم إلى الإمبراطور يعيب عادة توزيع القمح، ويصفها بالظلم، وبأنها ليست من الحكمة (انظر كتاب بروكوبيوس، صفحة ٢١٩، طبعة أثينا ١٨٩٦).
١٤  كانت خزائن القمح عند مرسى «فيالي» بالإسكندرية عُرضةً للسطو والنهب كلما ثارت فتنة في طريق من الطرق، فلما جاء «جستنيان» حصَّن الخزائن التي تأتي إليها السفن من النيل بأن بنى حولها سورًا، وكذلك كانت سفن القمح قبل عهده تبقى مدة عند مدخل الدردنيل تنتظر ريح الجنوب تدفعها في سبيلها، فعالج «جستنيان» هذا العائق بأن بنى بناءً عظيمًا ترسو عنده السفن، وتُنزِل أحمالها، وتُفرغ ما بها في الحال، ثم تعود إلى مصر، في حين تحمل جماعةٌ أخرى من السفن ذلك القمح إلى القسطنطينية إذا ما اعتدلت الريح لسيرها.
انظر كتاب «بروكوبيوس» في موضوع «ما بناه جستنيان»، طبعة Pal. Pil. Text Society، الجزء الثاني، صفحة ١٥٢.
١٥  من العدل أن نذكُر أن المقريزي يروي أن «أنستاسيوس» «جعل مقامه في الإسكندرية». ولعل المقصود من هذا أنه كان مُقيمًا بقرب الإسكندرية، وهذا مسلَّم به لا خلاف فيه، ولكن رواية المقريزي عن هذا العصر مضطربة ولا يمكن الاعتماد عليها (انظر ترجمة ملان من ٦٧–٦٩).
١٦  ورد ذكر اسم هذا الدير في اللغة القبطية مرة ⲡⲓⲉⲛⲁⲧⲟⲛ (انظر كتاب زويجه Cat. Cod Copt.، صفحة ٨٩، وصفحة ٩٣)، وورد مرةً أخرى ⲡⲓϩⲉⲛⲁⲧⲟⲛ (انظر الكتاب عينه صفحة ٣٣٧)، وورد مرةً ثالثة ⲡϩⲉⲛⲁⲧⲟⲛ (انظر كتاب أميلنو Geag. de l’Eg. a l’epoque صفحة ٥٣١). والاسم في اليونانية هو «أناتون») أو «إناتون»،) ومعناه التاسع (انظر كتاب (Cotelerius) Mon, Ecc. Gr، صفحة ٤٦٠، وصفحة ٥٢٠؛ وكتاب حنا مسكوس Pratum Spirituale)، وهذا الاسم يُترجم في اللاتينية باسم Ennatum. والمقريزي العربي يذكر ديرًا اسمه «الزجاج» مع دير «أناتون» أو «الهانطون»، ويقول إنه مكرَّس باسم «مار جرجس»، ويروي أن البطريق فيما مضى كان عليه بعد انتخابه في كنيسة المعلقة في حصن بابليون الرومي أن يذهب إلى دير الزجاج، ولكن هذه العادة نُبذت فيما بعد. وهذا يدل بلا شك على ما كان لدير «أناتون» من الشأن عند الأقباط، وقد زاد شأنه في تاريخ القرنين السادس والسابع، وكانت جثة «ساويرس» بطريق أنطاكية محفوظة هناك كما جاء في تقويم الكنيسة. وقد قاموا في ذلك الدير بمراجعة الترجمة السريانية للإنجيل، كما حدث فيه اتحاد كنيسة مصر وكنيسة أنطاكية في ذلك الوقت. ويذكر أبو صالح هذا الدير (راجع كتاب الكنائس والديارات في مصر، طبعة إفنس وبتلر، صفحة ٢٢٩ وهامشها) واسمه في ذلك الكتاب «هونا نادون». ويستخلص «جولد شميت» و«بريرا» أن «أناتون» هو «الزجاج». وأنا مَدين لما كتباه في هذا الموضوع. ويقولان إنه على تسعة أميال إلى غرب الإسكندرية، وإنه كان مكرَّسًا باسم «مار جرجس». ويلوح لي أنه من الواضح أن ذلك الاسم مأخوذ من رقم البريد على الطريق؛ فقد كان ذلك المتَّبَع في مصر مثلما كان متبعًا في قسطنطينية؛ فمثلًا كان الحصن الشهير أو القصر يُسمَّى «الهبدومون»، ومعناه السابع. أما نسبته إلى «مار جرجس» فأكثر غموضًا، فيظهر اسمه «سلاما») في كتاب حنا مسكوس، وكان غير الدير الذي ذكره «ساويرس»، وهو دير «قيرنوس»، ولكن هذا الاسم يجب أن يكون دير «قيريوس» أو دير «قبريوس»، ولكن الحقيقة بلا شك هي أن هذا الدير مثل سائر الأديرة الكبرى كان فيه عدة كنائس داخل أسواره، وكانت هذه الكنائس يُنسَب كلٌّ منها إلى قديسٍ خاص، وهذا قد يُسبِّب شيئًا من الخلط. وكان في الجنوب الغربي من الإسكندرية مما يلي مريوط ديرٌ آخر اسمُه «بميتون») (ومعناه الخامس). ونقرأ عن ديرٍ آخر اسمُه «أجتوكيكاتون» (ومعناه المائة والثمانية) (انظر مجلة Or. chret، سنة ١٩٠١، الجزء الأول، ص٦٥، هامش ١).
١٧  جاء في كتاب السيدة أ. ل. بوتشر The story of The Church in Eg. أن بطريق أنطاكية جاء إلى مصر لائذًا عند غزوة الفُرس. ولكن الحقيقة أنه جاء إلى مصر ليجتمع مع البطريق القبطي بشأن أمور متصلة بالكنيسة، وكان أكبرها أمر اتحاد الكنيستين. وقد جاء في الوقت نفسه عددٌ كبير من الناس، منهم قسوس من أهل الشام مع مطارنتهم، ومنهم قوم من غير رجال الدين من مختلف الطبقات، لاجئين إلى الإسكندرية من غزو الفُرس (انظر كتاب جلزر Leontios von Neapolis، الجزء الثاني، صفحة ١١٢).
١٨  ليس من الواضح هل اسم الكنيسة Angelion، أو Euangelion، وكلا الاسمين موجود، ولكن لعل اسم Angelion هو أخف الاثنين وأسيرهما.
١٩  لا نعرف شيئًا أو لا نعرف إلا القليل عن «جورج» هذا سِوى أنه كتب ترجمة لحياة «القديس حنا كريسوستوم»، ويقول «تيوفانز» إن مدة ولايته أربع عشرة سنة، ولكنه ينقض ما قال؛ إذ يقول — ولعل قوله هذا هو الحق — إنه مات سنة ٦٣٠ بعد ولاية عشر سنوات. أما سعيد بن بطريق فيجعل رئاسة الدين شاغرةً مدة سبع سنوات بين حنا وجورج. ولعل هذا هو السبب في اختلاط الأمر على «تيوفانز».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤