الفصل السادس

فتح الفُرس للشام

خرج الثائر الغاصب «بهرام» على كسرى حفيد «أنوشروان» ملك الفُرس العظيم بعد ولايته بأيامٍ قلائل، وطرده من بلاده، فهرب مع عمَّيه، وعبَروا دجلة، وقطعوا أطناب القنطرة التي اجتازوا عليها حتى لا يلحق بهم أحد من ورائهم،١ ثم سار كسرى إلى «قرقيسيا» على نهر الفرات ينوي أن يؤدي الصلاة في مشهد من مشاهد النصارى، يسأل الله أن يُخلِّصه من أعدائه؛ ومن ثَم يُقال إنه ضرب في الأرض خائر العزيمة، كسيفَ البال، لا يدري أيحتمي بالهون أم بالروم؛ فرمى أعِنَّة فرسه على غاربه وجعل الحكم للقضاء،٢ فحمله فرسه إلى حدود الروم، فنزل ضيفًا على القوم الذين ظلَّت بلاده في حربٍ مُستعرة معهم نحو سبعة قرون.
فلقِيَه الإمبراطور «موريق» مرحِّبًا مؤهلًا، أو بعبارةٍ أدقَّ لقد لقِيَه نائب عنه عند «هيرابوليس»، ويُقال إن الإمبراطور نفسه أرسل إليه هدية لا يقدَّر لها ثمن من الجوهر، وإنه زوَّجه ابنته «مارية»،٣ وأكبر من كل هذا أنه نصره، وأرسل «نارسيس» بجيشٍ جرَّار ليُعِيد إليه مُلكه من «بهرام». وحدث اللقاء عند نهر الزَّاب في إقليم «بلرات»، وكانت موقعةً شديدة القتال، وكان فيها فصل الخطاب؛ فإن جيش بهرام كان أقل عددًا من جيش الروم، فتمزَّق شر ممزَّق، مع أن قائده قاتَل بما كان معروفًا عنه من الشجاعة والبصر بأمور الحرب، وهرب بهرام إلى بلخ، فأدركه بها أتباع الملك وقتلوه؛٤ وبذلك عاد كسرى إلى عرش فارس بمساعدة الروم، واختار لحرسه الخاص كتيبة من الروم عددها ألف جندي؛ وبذلك حل السلام وثيقًا بين الدولتين، حتى لقد قيل إن كسرى تنصَّر. ويستدلون بما قدَّمه من النفائس قُربانًا لمشهد «مار سرجيس»، وما كتبه من الرسائل إلى بطريق أنطاكية على أنه كان٥ يؤثِر مذهب اليعاقبة.
ولا شك أن نشأته وعلاقاته بالدولة المسيحية وزواجه كان لها أثرٌ كبير في تخفيف وطأة العداوة القديمة الموروثة بين ديانة المجوس وديانة المسيح، ولكن الروم طلبوا المكافأة على مساعدتهم بأن تُضَم إليهم أرضٌ فسيحة جعلت ملكهم بالغًا شواطئ نهر الرس؛ فكانت هذه الخسارة سببًا في إيلام كسرى وقومه، كما كان ميل كسرى إلى المسيحية، وهي دينٌ غريب، مؤلمًا لكهنته؛ فلا شك مع هذا أن يكون قد بادر إلى العدول عن ميوله وإصلاح خطئه؛ فاضطرَّ بتأثير عوامل قوية، بعضها ديني وبعضها سياسي، إلى أن يقطع صلته وينقض عهده مع الدولة البيزنطية، فصرف حرسه الرومي وتغيَّر على «نارسيس»، وكان على رأس الجيش في «دارا». فأراد «موريق» أن يستلَّ غيظ الملك ويسترضيه، فبعث «جرمانوس»٦ ليحلَّ محلَّ «نارسيس».
واتفق في ذلك الوقت أنْ وثَب فوكاس، ذلك الرجل المشوَّه الفظيع، بعد أن تم له الأمر في بيزنطة، فقتل الإمبراطور موريق مع كل ولده ذكورًا وإناثًا، ولم يكن كسرى ليطلب عذرًا بعد هذا لتبرير غضبه وإثارة الحرب علانية، ولئن كان لا يزال فيه شيء من التردد فقد زال عنه عندما بلغه أمر «نارسيس»، وأنه خرج ثائرًا في «أذاسة»، وقسَّم الدولة الرومانية إلى شطرين مُحتربين.٧ على أن نارسيس دفعته ثقةٌ حمقاء مرةً إلى أن يذهب إلى العاصمة ليزور بعض أصحابه فيها، فقبض عليه فوكاس وأحرقه في ميدان سباق الخيل، ولكن كان ذلك بعد أن انتهى الأمر وسبق السيف العذل. فلما جاء «ليليوس» رسول فوكاس إلى جرمانوس في «دارا»، بعثه هذا معزَّزًا مكرَّمًا إلى البلاط الفارسي، وكان معه رسائل وهدايا إلى الملك كسرى، ولكن الملك أودع الرسول السجن، وسار بجيشه إلى أرمينيا.

وليس من قصد هذا الكتاب أن نصِف القتال الذي كان بين فوكاس وكسرى؛ فإنه لم يكن في عصرنا الذي نصفه، وليس له من صلة بتاريخ مصر اللهم إلا بما كان له من الآثار العامة، ولسنا نجد شيئًا نزيده على ما كُتِب من قبل؛ وعلى ذلك فحسبُنا أن نذكُر أن ملِك الفُرس بعد أن فتح أرمينيا، وكثيرًا ما كانت ميدانًا للنضال بين الدول، قسَّم جيشه إلى قسمين، فأرسل قسمًا منه إلى الجنوب لفتح الشام، وأرسل الآخر إلى الغرب ليخرق قلب آسيا الصغرى؛ يقصد بذلك أن يصل إلى القسطنطينية. وليس توارُد الحوادث بالأمر الواضح، ولكنَّا لا يعنينا منها إلا ما كان من أمر الجيش الذي ذهب إلى الجنوب. وقد كان سيره بطيئًا، حتى إن فتح أنطاكية لم يتم إلا وقد صار «هرقل» ملك الدولة. وبعد، فلو صحَّ أن الباعث لكسرى على خوض الحرب إنما هو الانتقام من فوكاس، لكان موت هذا الطاغية مُختتَم النضال، ولكن الملك العظيم قد عرف في حربه ضعف عدوه، وزاده النجاح رغبة في المضي في سبيله، ولم يكن سبيله إلا إخضاع الدولة الرومانية لحكمه. ولم يكن ذلك مجرد خيال بعيد التحقيق؛ فقد كانت جيوشه أكثر عددًا وأتم عُدة وأبدع نظامًا من جيوش عدوه، وكان قُواده لا أكْفَاء لهم في جيش الروم بعد أن مات «بنوسوس» و«نارسيس»، وكانت خزائنه عامرة بالمال، والشعب من ورائه يدًا واحدة، في حين كان أهل الدولة الرومانية شِيعًا وفِرقًا، وخزائنها تكاد تكون خاوية.

ومع ذلك فقد كانت بلاد الشام وَعْرة المَسالك، وكان حصار المدن أمرًا شاقًّا، وكان الجيش يقضي قسطًا كبيرًا من السنة بلا عمل في معسكر الشتاء، فلم يقدر خوريام٨ قائد الفُرس على أن يسير إلى بيت المقدس بعد الاستيلاء على «دمشق» و«قيصرية» إلا في السنة الخامسة من حكم هرقل. وأرسل ذلك القائد، على ما يلوح، رُسلًا من مَقرِّه في قيصرية إلى بيت المقدس يدعوها إلى التسليم للملك الأعظم. وقد حدث ذلك، فأسلم اليهود المدينة إلى قُواد الفُرس بعد أن غلبوا المسيحيين من أهل المدينة على أمرهم.٩ وما هي إلا شهورٌ قليلة بعد ذلك حتى وثب المسيحيون بالفرس، فقتلوا قادتهم، وملكوا الأمر على الجنود المُرابطة، وأغلقوا أبواب المدينة، وعند ذلك جاء «شاه-ورز» وحاصرهم، ثم ساعده اليهود على هدم الأسوار، فاستطاع جنوده أن يدخلوا المدينة في اليوم التاسع عشر من مجيئه، وكان دخولهم من نقبٍ أحدثوه في الأسوار، وأخذوا المدينة١٠ عنوةً، وأعقب ذلك مَشاهد مُروِّعة من التقتيل والنهب والتدمير، وكانت الضحايا عظيمة، وأقرب ما قيل فيها إلى الأفهام قول «سبيوس» و«توماس الأرظروني»؛ إذ قالا إن عدد القتلى بلغ ٥٧٠٠٠، وعدد الأسرى ٣٥٠٠٠، على أن مؤرخي بيزنطة يقولون إن عدد من هلكوا كان ٩٠٠٠٠، وهو تقديرٌ غير دقيق؛١١ فقول كُتاب الأرمن أقرب إلى الحقيقة. على أنه من الثابت أن القتلى كان بينهم آلافٌ كثيرة من الرهبان والقديسين والراهبات. وبعد أن قضى الفرس في المدينة واحدًا وعشرين يومًا في القتل والنهب خرجوا من المدينة وأوقدوا فيها النيران؛ فخربت بذلك أو جُردت مما بها كنيسة القبر المقدَّس وسواها من البِيَع العظمى التي بناها قسطنطين.١٢ أما الصليب المقدس، وكان قد دُفن في الأرض بغطائه الذهبي ذي الجواهر،١٣ فأُخرج منها وقد عُرِف مكانه بالتعذيب،١٤ وأُخذ هو وشيء لا حصر له من الآنية المقدَّسة من الذهب والفضة، وجُعل كله غنيمة، وأُسِر عددٌ عظيم من الناس كان من بينهم البطريق «زكريا». فأما صندوق الصليب المقدَّس والبطريق فأُرسلا هديتين إلى مارية زوج كسرى. وأما سائر الأسرى فإذا نحن صدَّقنا ما رواه «قدرينوس»، فقد اشترى اليهود كثيرًا منهم ليُمتعوا أنفسهم بتقتيلهم. وقد قال كاتب «ديوان بسكال»، وفي قوله رنَّة الأسى: «إن كل هذا لم يحدث في سنة ولا في شهر، بل في بضعة أيام.» وكان تاريخ هذا على سبيلِ البتِّ في شهر مايو سنة ٦١٥.١٥
من هذا نعرف أن المدينة المقدَّسة قد نزلت بها كوارث السيف والنار، ومن لم يُدركه القتل والأسْر من أهلها هرب لائذًا إلى الجنوب في القرى المسيحية من بلاد العرب.١٦ وكانت تلك القرى جماعاتٍ وادعة، فعكَّر صفوَها ما بلغها من صدى الدعوة الجديدة؛ دعوة نبي الإسلام. ولعل ذلك الحادث من انتصار الفرس أهل الأوثان في بيت المقدس هو الذي نزلت بمناسبته الآية الشهيرة: غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ.١٧ ولكن الملجأ الأكبر للهاربين المشتَّتين من المسيحيين كان القُطر المصري ولا سيَّما الإسكندرية، وكان عدد سكانها قد تزايد بمن كان يرِد إليها من اللاجئين الذين كانوا لا ينقطع سيلهم منذ ابتدأت غزوة الفرس في بلاد الشام.
وقد كان كرم «حنا الرحوم» وما عنده من المال لا يكفيان لسدِّ الحاجة الشديدة التي عمَّت البلد قبل أن تأتي إليها وفود اللاجئين من بيت المقدس، فما بالك بالحال وقد جاءت إليها تلك الوفود، ثم زاد البلاء اشتدادًا؛ إذ كان فيض النيل في ذلك الصيف فيضًا ضعيفًا مخطرًا، وكانت عقباه مَجاعةً١٨ جرَّت على البلاد كلها ذيل الخراب؟ على أن الهِبات كانت لا ينقطع مددها عن الكنيسة، وقلَّما جاء قاصدٌ قصد «حنا الرحوم» «كما تلجأ السفينة إلى المرفأ الذي لا موج فيه» ثم ارتدَّ خائبًا؛ فكان ذلك البطريق الطاهر يُطعم الطعام للفقراء، وفوق ذلك بنى الملاجئ والمستشفيات للمرضى والجرحى، ولم ترضَ نفسه أن يُعنف الأغنياء إذا هم بلغت بهم ضعة النفس أن يستفيدوا من إحسانه، ولكن هذا البذل لا يمكن أن يدوم. فلما اشتدَّ القحط وجد حنا خزائنه قد أخذت تخوي، وفيما كان في شدة من أمره أصابته فتنةٌ شديدة؛ وذلك أن أحد الناس أتى إليه وكان قد تزوَّج مرتين؛ ولهذا كان غير صالح أن يدخل بين رجال الدين،١٩ ولكنه أتى إليه بمقدارٍ عظيم من المال، وشيءٍ كثير من القمح مهرًا؛ لكي يُبيح له الدخول في زمرة رجال الدين. وكان حنا لم يبقَ لديه إلا كيلان من القمح في خزائنه، ولكنه لم يتردد طويلًا، ثم أبى أن يقبل الهِبة؛ فجُوزِي على ذلك بأن أتته بعد قليل أنباءٌ بأن سفينتين من سفن الكنيسة تحملان مقدارًا كبيرًا من القمح آتيتان عند رأس فاروس مُقبِلتين من صقلية، وما عتمتا أن صارتا في المرفأ.

ولكن بِر البطريق لم يكن مقصورًا على مصر، ولم يكن معناه إطعام الجائعين وحده؛ فإنه ما كادت المدينة المقدسة تُنهَب وتُدمَّر حتى ذهب راهبٌ اسمه «مودستوس»، كان قد نجا من القتل، فجعل يجوب أرض فلسطين في طلب المعونة على إعادة بناء الكنائس المخرَّبة. وقد نجح في سعيه، وعاد إلى بيت المقدس ومعه مقدارٌ كبير من المال، فوجد أن اليهود قد خسروا حباء الفرس وتعضيدهم، وكان الفرس قد بذلوهما لهم في أول الأمر ثمنًا لِما قدَّموه من المساعدة، وصار بعد ذلك المسيحيون في مكان الحظوة عند الفرس؛ فجُعل «مودستوس» على رئاسة جماعة المسيحيين في الحكم الدنيوي والديني، وأُبيحَ له أن يُعِيد بناء الكنائس. وأرسل كسرى — كما جاء في «سبيوس» — أوامر خاصة يأمر بالإحسان إلى الأسرى، وأن يُعِيدوهم إلى حيث يستقرُّون، وأن يرجعوا بناء بيوت الدولة، ثم أجاز طرد اليهود، فتسابق الناس إلى إنفاذ أمره.

ويذكر لنا المؤرخ نفسه نص خطاب أرسله «مودستوس» إلى «كومتاس» (رئيس الدين في أرمينيا) بعد أن تم العمل في الكنائس، وفيه يقول: «لقد جعل الله أعداءنا أصدقاء، وأنزل الرحمة والرضوان في قلوب غُزاتنا، على حين أن اليهود الذين اجترءوا على مُعاداة هذه الأماكن الشريفة وإحراقها قد شرَّدهم الله من البلد المقدس، وقدَّر عليهم ألا ينزلوا به ولا يرَوه، وقد أُرجعت فيه بيوت العبادة إلى سابق عزها ومجدها.» ثم جاء فيه بعد ذلك: «لقد عادت كل كنائس بيت المقدس إلى سابق سيرتها؛ تُصلِّي فيها القسوس، ويسُود السلام على مدينة الله وما حولها.»

وليس بأقلَّ غرابةً من هذا ما رواه الكاتب نفسه عن مجمعٍ عقده المسيحيون وأوحى به كسرى، ولا تزال هذه القصة محفوظة بين طيَّات خطاب كان أرسله الجاثليق الأرمني ومطارنته ردًّا على رسالةٍ جاءتهم من قسطنطين خليفة هرقل. وقد جاء في هذا الخطاب أن الملِك الأعظم أمر مطارنة الشرق وأشور أن يجتمعوا في بلاطه، وقال لهم: «لقد سمعت أن في المسيحيين فِرقتين تلعن إحداهما الأخرى، فمن يُدرينا أيُّهما على الحق؟ فليأتوا جميعًا إلى مجلسٍ واحد، فليأخذوا بالحق، وليذروا الباطل.» وقد جعل الطبيبَ الأكبر للملك ورجلًا آخر اسمُه «سمباط البجرتوني» عميدين لهذا الاجتماع، وكان بين من جاءوا إليه من الخواص «زكريا» بطريق بيت المقدس، كما جاء سواه من «رجالٍ حكماء كانوا فيمن أُخذ أسيرًا من الإسكندرية». وكان ذلك المجمع أولًا كثير الصخب والاضطراب، فاضطرَّ الملك أن يُخرج منه أتباع كل الفِرق التي لا تدين للمذاهب التي أقرَّها أحد المجامع السابقة، وهي مجمع «نيقة» و«القسطنطينية» و«أفيسوس» و«خلقيدونية»، ثم أمر الملك المجتمعين من رجال الدين أن يفحصوا ما تقرَّر في هذه المجامع، وأن يُرسِلوا إليه بما يرَون في ذلك. فجاءت إلى الملك كُتبٌ عدة يبسُط فيها أصحابها مختلف الآراء، وجعل هو يفكر فيها ويزِنها في عقله، ثم جعل يُسائل فيها «زكريا» وأهل الدين الإسكندريين، وكانوا يُقسِمون له أن يقولوا الصدق؛ فأجمعوا على أن الدين الحق هو ما أقرَّته مجامع «نيقة» و«القسطنطينية» و«أفيسوس»، وتبرَّءوا من مجمع «خلقيدونية»؛ وعلى ذلك كان حكمهم ﻟ «المونوفيسيين»، ومذ سمع الملك هذا أمر أن يُبحث في خزائنه ومكاتبه عن الصحيفة التي كان مذهب «نيقة» مدوَّنًا بها، فوجدوها ورأوا أنها وفق عقيدة الأرمن، فأمر كسرى «أن يؤمن المسيحيون في دولته جميعًا بما آمن به الأرمن». وكان ممن رضي عن ذلك «الملكة شيرين التي تحب الله، وسمباط الباسل، وكبير أطباء الملك». وخُتمت الصحيفة التي كُتِب فيها المذهب الصحيح كما أقرَّه المجلس بخاتم الملك الأعظم، وجُعلت في «ديوان السجلات» بالدولة.

وليس لدينا ما هو أكبر دلالة على ما كان عليه كسرى في معاملته للمسيحيين من هذه الرواية التي بقيت محفوظة للتاريخ في ثنايا خطاب المطارنة الأرمن. وإنا لنلمح الصدق في لهجة الخطاب، وليس بنا ما يدعو إلى الشك في صحته. وكانت كتابته حوالَي سنة ٦٣٨؛ أي بعد نحو عشرين سنة من المجمع الذي جاء ذكره فيه؛ ذلك المجمع الذي انعقد عقده بعد زمنٍ قصير من فتح الفرس بيت المقدس. وهذا الخطاب يُصوِّر لنا الملك الأعظم في صورةٍ غير التي ألِف الناس رؤيتها؛ فلم يكن الملك الوثني المُتعصب يضطهد أصحاب الصليب ويُقاتلهم، بل كان على غير ذلك يُبيح للمسيحيين حقهم في اعتقادهم، ويُبدي غيرة وإقبالًا عجيبين على فهم عقائدهم، ويعجب أشد العَجب من خلافهم وتطاحنهم وتنابذهم، وهو ما لا يتفق مع روح دينهم، ويُظهر الحرص على إزالة ما بينهم من الشقاق والخلاف. ولا ندري أكان ذلك من حدب على ما فيه صلاح أمرهم، أم كان الباعث عليه حرصًا على الكياسة في تصريف أمور الدولة. فكان يجلس معهم وهم يتناظرون، ويُسائلهم فيما هم فيه، ويتدبر ما يُجيبونه به؛ فلما أن استقرَّ رأيه على قرار وحكم حكمه، قيل إنه توعَّد بعض المطارنة أن يضرب أعناقهم ويهدم بِيَعهم إذا هم عصَوا ما أمر به. على أن القصة تدل في مجمَلها على هوادة ورفق يقرُبان من العطف على المسيحية، وهو ميلٌ بدا منه من قبل عندما أمر أن يُعِيد المشرَّدين من المسيحيين إلى بيت المقدس، والإذن لهم بإعادة بناء ما تهدَّم من مَعابدهم. وقد جاء في كتاب «حنا النقيوسي»٢٠ أن أبا «هرمزداس»، وهو «أنوشروان» الكبير، بقي مدةً يُضمر الإيمان بالدين المسيحي، ثم عمَّده أحد المطارنة. ولسنا ندري ما مَبلغ هذا من الحق، ولكن أثر نساء الملوك من المسيحيات، وأثر الأطباء والفلاسفة في بلاط هؤلاء الملوك، جعل في قلوبهم عطفًا على المسيحية، وجعلهم يعرفون عنها من العلم شيئًا كثيرًا.٢١ وفي الحق إن عجَبنا من أن الفرس كانوا في حكمهم على مثل هذا الرفق لا يحيدون عنه في معاملة الكنيسة المسيحية، أشدُّ من عجبنا من سَورة البطش التي كانت تُوقَع بتلك الكنيسة في بعض الأحايين.
وخلاصة القول أن «حنا الرحوم» مطران الإسكندرية بذل في سبيل إعادة الكنائس في بيت المقدس إلى سابق عهدها ما يُقال إنه بلغ ألف عدل من القمح والخضر، وألف بغل، وألف سفينة من السمك، وألف خابية من الخمر، وألف رطل من الحديد، وألف صانع.٢٢ وقد كتب حنا إلى «مودستوس» في خطاب له: «أعتذر إليك أني لا أستطيع أن أرسل شيئًا جديرًا بكنائس المسيح، وما كان أحب إليَّ أن أجيء فأعمل بيديَّ في بناء كنيسة القيامة.»٢٣ ويُروى عنه أيضًا أنه بعث مرة عِيرًا تحمل من الذهب والقمح والثياب وما إلى ذلك مع رجلٍ اسمه «كريسيبوس»، وقد تكون هذه روايةً أخرى للقصة السابقة عينها، ويُروى أنه أرسل «تيودور» مطران «أماتوس في قبرص» و«جريجوري» مطران العريش «رينوقولورا»٢٤ و«أنستاسيوس» رئيس دير الجبل الأكبر دير «القديس أنطون»،٢٥ وأرسل معهم مالًا كثيرًا، وتقدَّم إليهم أن يَفْدوا به من استطاعوا فِداءه من الأسرى. وكان هذا في النصف الثاني من سنة ٦١٥.
١  عن Journal Asiatique، الحلقة السادسة سنة ١٨٦٦، صفحة ١٩٢. وكان عمَّاه هما «بنداوي» و«بستام»، وقد قتلهما ابن أخيهما حسب العادة الشرقية المتبعة عند رجوعه إلى العرش.
٢  انظر تاريخ Tarikh Regum Persiae (لناشره و. شيكارد، صفحة ١٥٤).
٣  هكذا يقول «ابن بطريق» و«مكين»، في حين أن غيرهما من المؤرخين يقولون إنها كانت من أصلٍ رومي فحسب. ولعل «جبون» يحسبها «شيرين»، ولكن القصة الفارسية (قصة حب خسرو وشيرين) تفرِّق بينها وبين مارية (انظر ترجمة السير س. أوسلي للقصة في «المجموعة الشرقية»، الجزء الأول، صفحة ٢٢٤). على أن شيرين أيضًا كانت مسيحية، ويقول «سبيوس» — ويُسمِّيها ملكة الملكات — إنها بنت كنيسة على مَقربة من القصر الملكي، ذلك عدا أديرةٍ أخرى، وقد زخرفت الكنيسة بالذهب والفضة، وجعلت فيها القسوس والشمامسة، وأجرت عليهم الأرزاق، وأوقفت على وظائفهم وكسوتهم جانبًا من الأموال العامة.
٤  وقد جاء في روايةٍ أنه مات مسمومًا من سمٍّ قدَّمته له ملكة خاقان التتار، وكانت من أقارب كسرى (انظر كتاب السير ج. ملكولم Hist. of Persia، الجزء الأول، صفحة ١٥٥).
٥  يذكُر أبو الفرج نص الخطابات التي تردَّدت بين كسرى وبهرام، ويقول إنه بعد هزيمة بهرام بنى الملك «هيكلين للنصارى»، وجعل أحدهما باسم «السيدة العذراء»، والآخر باسم «مار سرجيس» الشهيد (انظر طبعة بوكوك، صفحة ٩٦–٩٨). وجاء ذكر القربان في كتاب «أفاجريوس»، وهو يقول إن كسرى وهب الكنيسة صليبًا للمَواكب، وكأسًا للخمر الرباني مع صحفته، وصليبًا للمذبح، ومَجمرة للبخور، وكلها من الذهب الصافي، مع ستارةٍ مطرَّزة على النمط الهوني ومرصَّعة بالذهب. ويقول «تيوفيلا كت» إن كسرى نذر في وقت بؤسه أن يهبَ صليبًا عظيمًا من الذهب المرصَّع بالدُّر والفيروز إلى «مار سرجيس»، وهو قديس كانت تُجلُّه الناس حتى القبائل البدوية. ويذكر المؤلف نفسه ما سبق ذكره من الهدايا التي قدَّمها كسرى مرةً ثانية عندما ظهر أن سيرا أو «شيرين» حملت ولدًا. ويُقال إن أنوشروان العظيم مع اضطهاده للمسيحيين كان على صلةٍ حسنة مع «أورانيوس»، وهو فيلسوفٌ مسيحي نسطوري معروف عند الناس بما كان ينشر من علم أرسطاطاليس (انظر كتاب Ecc. History، تأليف Mosheim، الطبعة الحادية عشرة، صفحة ٢١٨، طبعة لندن و. تج، سنة ١٨٨٠). ولكن مؤلف هذه القصة لا يمكن أن يكون قد قرأ أو صدَّق ما كتبه «أجاتياس»، وكان في وقت «أورانيوس»، ويصفه بأنه كان قليل العلم ميَّالًا للخلاف والمناظرة، يُكثر من إضاعة الوقت في مكاتب القسطنطينية. ويقول أجاتياس إن «أنوشروان» لم يكن بالعالم، بل كان جنديًّا باسلًا، ولم يكن «أورانيوس» سوى طُفَيلي مُدمن للشراب في بلاطه (انظر Hist. Lib 2 ap. Migne, pat. Gr. T.88). ويذكر زكريا المتليني أخبارًا كبيرة الدلالة في شأن ما كان يلقاه المسيحيون من الإكرام في بلاط الملك الفارسي، وما كان للأطباء المسيحيين من الفضل لا سيَّما في حمل الملك على بناء مستشفًى وإجراء المال عليه، ولم يكن هذا معروفًا في بلاد الفُرس من قبل (انظر ترجمة هملتون وبروكس، صفحة ٣٣١؛ وانظر أيضًا ما سيأتي ذكره في صفحة ٤٩ الهامش الأول، وصفحة ٩١ الهامش الأول). ولا تزال في الهند إلى اليوم فكرةٌ موروثةٌ ثابتة، مؤدَّاها أن أحد أبناء «أنوشروان»، واسمه مشزاد، كان مسيحيًّا، وكان الأستاذ العظيم «م. عماد الدين لالوز»، الذي خرج من الدين الإسلامي ومات سنة ١٩٠٠، يقول إنه من نسل مشزاد هذا (عن مجلة Ch. Miss. Intelligencer، ديسمبر سنة ١٩٠٠، صفحة ٩١٣).
٦  يحسُن بنا هنا أن نرجع إلى الصفحات الأخيرة من كتاب «تيوفيلا كت»؛ فإن ذلك الكتاب ينتهي عند نقض العهد بين الفُرس والروم، وقد كان من أهل مصر، ولكنَّا لا نجد فيه شيئًا يمكن الاعتماد عليه، فلا يذكُر بلاده إلا مرتين، ولم يذكرها إلا ليقصَّ قصصًا خرافية مُبالغًا فيها لا معنى لها. وأولى تلك القصص قصة شبح عجيب خرج من النيل، وهي قصة يذكرها أيضًا «حنا النقيوسي» — وما أعجب هذا — مع تغيرٍ طفيف (صفحة ٥٣٣). وثانية تلك القصص قصة وقوع تماثيل موريق في الإسكندرية في ليلة مَقتله. ويقول «تيوفيلا كت» إن صديقًا له شهد هذا الأمر بعينه، وكان وقَّادًا، رأى ذلك وهو عائد من حفلة عرس بعد مضي أكثر الليل. وليس يصعب علينا معرفة العلل الطبيعية التي تُفسر هذا الأمر.
٧  يظهر من كتاب شيكارد (Tarikh Reg. Persiae، صفحة ١٥٥) أن هذه الثورة كانت في وقت استيلاء «فوكاس» على العرش، ولعلها نشأت من تلك الحادثة. ويقول «حنا النقيوسي» إن كسرى حاول أن يقتل «نارسيس» بالسم هو وجيشه وخيوله، ولكن ليس من الواضح كيف كان هذا لينفعه لو فعله (صفحة ٥٢٨-٥٢٩).
٨  راجع كتاب «ابن بطريق» وتعليق ميني عليه في كتاب Patr Gr.، الجزء الثالث، المجموعة ١٠٨٢، وفيها يأتي ذكر «خراوزيه». ويأتي اسمه في كتاب «تيوفانز» على صورتين، وهما: «سرفرازاس») و«سرفنازاس»،) واسمه في ديوان بسكال «سرفروس»،) وكذلك يأتي اسمه «شراوزيه» و«شهربرز»، وهذا تحريف الاسم الفارسي «شهر-ورز»، ومعناه «الخنزير البري للملك»، والخنزير البري رمز للقوة الباسلة؛ فكانت صورته لذلك ماثلة على خاتم فارس القديمة، وكذلك على خاتم أرمينيا. وقد كان «شهر-ورز»، كما هو معلوم، لقبًا يُلقَّب به تكريمًا، ولم يكن اسمًا له. وهذا القائد عينُه غصب عرش الفُرس فيما بعد، واستقر عليه مدةً قصيرة، ويُعرَف بلقبٍ آخر؛ ففي كتب الأرمن نجد اسمه «أرزمن» و«رزمن» «رومزان» أو «رميكزان»، وفي كتب الإغريق نجد اسمه «رسميزاس» أو «روميزانس»، ونجده في صورته الصحيحة «رزميوزان» في كتاب «موسى الكاغنكتوتي»، ونجده «روميازان»(١٠) في كتاب «تيوفانز». وكان اسمه غير هذه الألقاب كلها؛ فهو «خوريام». انظر Journal Asiatique، الحلقة السادسة، سنة ١٨٦٦، صفحة ١٩٧. على أن اسم «خوريام» لا يرِد في كتب مؤرخي الفُرس. وقد حدَّثني المستر «بلاطس» أن اسم هذا الملك في كتب تاريخ الفُرس هو «كراز»، وهو الخنزير، أو «شهربرز»، أو «شهريار».
٩  جاء ذكر العداوة الفظيعة التي يحملها اليهود للمسيحيين في كتاب «قدرينوس»، وهو يروي أن في السنة الأخيرة من حكم «فوكاس» أوقع اليهود بالمسيحيين في أنطاكية، فأرسل إليهم «فوكاس» قائده «بنوسوس»، فأنزل بهم انتقامًا وبيلًا تحدُوه قسوةٌ تقشعرُّ من وصفها الأبدان (انظر ما سبق ذكره في الفصل الثاني، صفحة ٦١). ولا شك أن يهود أنطاكية ساعدوا الفُرس في السنة التي تلي ذلك، وكذلك فعلوا في بيت المقدس (انظر Corp. Hist. Bizant. Script، الجزء السابع، صفحة ٧٠٨؛ وانظر المقريزي «ترجمة ملان»، صفحة ٦٨). ولما جاء شاهين (أوساين) في سنة ٦١٠ إلى قيصرية في إقليم «قبادوقية» نزح المسيحيون هاربين، ولكن اليهود استسلموا وخضعوا للفرس. ويتفق مع ذلك ما جاء في «سبيوس» من الأدلة وهو يذكر الأمر ذكرًا صريحًا، فيقول: «خضعت كل بلاد فلسطين في ذلك الوقت لحكم ملك الفرس خضوعًا طائعًا، وثار الباقون من أبناء العبرانيين بالمسيحيين، ودفعهم حقدهم الموروث إلى أن يُنكلوا بالمؤمنين تنكيلًا عظيمًا، ثم لحقوا بالفرس، ونبتت بينهم مودةٌ وثيقة.» وإذا شئنا أن نجد فوق هذا براهين أخرى على كراهة اليهود للمسيحيين كراهةً لا هوادة فيها، فلنرجع إلى كتاب «زكريا المتليني»؛ ففيه وصف لما أتاه ملوك الحِميريين في بلاد العرب من المنكَرات في رعاياهم المسيحيين، وكان هؤلاء الملوك يهودًا (انظر ترجمة هملتون وبروكس، صفحة ٢٠٠ وما بعدها).
١٠  جاء هذا الخبر في كتاب «سبيوس»، ونظنُّ أنه هو الذي أورده وحده دون كل المؤلفين.
١١  يتفق في إيراد هذا العدد المؤرخون «تيوفانز» و«قدرينوس» و«زوناراس»، ونجده كذلك في كتاب Tarikh Regum Persiae، صفحة ١٥٥، وهو عددٌ يتفق مع ما أورده «سبيوس» إذا أضفنا عدد من قُتل إلى من أُسر، ولكن جاء في نسخةٍ مخطوطة من كتاب «سبيوس» أن عدد القتلى ١٧٠٠٠.
١٢  إذا أردت أن ترى وصفًا لهذه الأبنية البديعة، فانظر كتاب Pal. Pil. Text Society، الجزء الأول، وانظر قصائد «غزل صفرونيوس» في كتاب «ميني» Part. Gr.، الجزء الأول، صفحة ٨٧ (٣).
١٣  تاريخ الفرس لملكولم، الجزء الأول، صفحة ١٥٧.
١٤  دُفن الصليب في حديقة وزُرعت عليه الخضر.
١٥  يقول «تيوفانز» إن السنة الخامسة من حكم هرقل هي ٦١٠٦ للخليقة، وهذه السنة من الخليقة هي سنة ٦١٥ للهجرة، ويدل على هذا أن سنة ٦١١٣ للخليقة هي السنة التي قام فيها هرقل بغزوته، وهي سنة هجرة النبي محمد (أي سنة ٦٢٢). ويقول سبيوس إنها سنة ٢٥ لحكم كسرى، والنصف الأخير من تلك السنة يقع في النصف الأول من عام ٦١٥. وأما تاريخ اليوم فقد اختلط الأمر فيه على كُتاب الأرمن؛ فيقول «توما الأرظروني» إن فتح المدينة كان بعد الفصح بعشرة أيام في الثامن والعشرين من «مرجاتس». ويقول «دولورييه» في كتاب Chron. Armen، صفحة ٢٢-٣، إن التاريخين لا يتَّفقان؛ فإنه في سنة ٦١٤، وهي السنة التي يقول «دولورييه» إن بيت المقدس فُتح فيها، قد وقع عيد الفصح في ٣١ مارس، فيكون بعد ذلك بعشرة أيام اليوم العاشر من أبريل؛ في حين أن الثامن والعشرين من «مرجاتس» هو يوم ٢٦ مايو، ويتفق ما جاء في كتاب سبيوس مع ما جاء في كتاب «توما الأرظروني»، ولكنه يجعل اليوم العاشر بعد عيد الفصح يقع في ٢٧ «مرجاتس». ويقول المستر Conybeare إن ذلك يُوافق اليوم العشرين من مايو، ولكن عيد الفصح من عام ٦١٥ يقع في يوم ٢٠ أبريل، فإذا فرضنا أن عدد ١٠ في النسخة الخطية هو تحريف ٣٠ كان لدينا اتفاق على يوم ٢٠ مايو. وفوق ذلك قد جاء في «ديوان بسكال» أن فتح المدينة كان قُرْب شهر يونيو، وهذا فيه الفصل في الخلاف الواقع بين مؤرخي الأرمن، ولكن يجب أن نُلاحظ أن «ديوان بسكال» يجعل فتح المدينة في السنة الرابعة من حكم هرقل؛ وعلى ذلك فإن «قدرينوس» و«ساويرس» يتفقان معه على أن تاريخ فتحها سنة ٦١٤. وليس من السهل علينا ألا نأخذ بتاريخ «ديوان بسكال»، ولكنَّا في هذا الموضع مُضطرون إلى عدم الأخذ به لرجحان الأدلة ضده.
١٦  نجد وصف هذه الطوائف في كتاب «ريت» Chris. in Arabia.
١٧  نقلناها نحن من سورة الروم، ولكن المؤلف أخذها من النص الإنجليزي لترجمة القرآن، وبه حواشٍ من Sale. (المعرِّب)
١٨  ليونتيوس في كتاب ميني Pat. Gr.، الجزء ٩٣، مجموعة ١٦٢٥.
١٩  انظر كتاب المسز أ. ل. بوتشر Story of The Church in Eg.، الجزء الأول، صفحة ٣٤٥.
٢٠  صفحة ٥٢٦.
٢١  انظر ما سبق لنا قوله في [الفصل السابع: فتح العرب لمصر، الهامش رقم ١١]. ونقول إنه قد جاء في الطبري (لناشره دي جويج، الجزء الأول، صفحة ١٠٠٠) أن كسرى بعد أن ولي الملك بمدةٍ يسيرةٍ أمر المسيحيين في بلاده أن يُعِيدوا كنائسهم، وأن ينصروا المجوس إذا استطاعوا، مدَّعِيًا أن «أنوشروان» أمر بمثل ذلك من قبل بناءً على عقدٍ اصطلح مع قيصر عليه. ويقول اليعقوبي (لناشره هوتما، الجزء الأول، صفحة ١٩٤) إن كسرى عندما انتصر في أول أمره، وأرسل أنباء ذلك إلى «موريق»، أرسل إليه الإمبراطور ثوبًا به زخرف من الصُّلبان فلبسه، وقد أخذ عليه الناس ذلك، ثم أمر بإعظام المسيحيين، وأقامهم في أعلى المناصب، وقال إنه قد صالَح ملك الروم على عقد لم يسبق لملكٍ أن يعقد مِثله.
٢٢  سعيد بن بطريق في كتاب ميني Pat. Gr. (الجزء ١١١، المجموعة ١٠٨٢ وما بعدها). ولا شك أن ابن بطريق مُخطِئ في زعمه أن هذه الحوادث وقعت قبل السنة السادسة من حكم «فوكاس»؛ فإنها في حكم هرقل كما جاء في «قدرينوس» و«تيوفانز». وجاء ما يقرب من ذلك في كتاب «ليونيتوس» عن عطاء حنا، وأضاف إليه ألف قطعة من الذهب، وذكر «سلوكًا من السمك» بدل قوله السمك المملَّح في القدور.
٢٣  قد وصف زكريا فتح الفرس، ونجد وصفه مذكورًا في كتاب ميني (الجزء ٨٦، المجموعة ٣٢١٩ وما يليها)، وقد نقلت عنه. وكان زكريا بطريقًا لبيت المقدس من سنة ٦٠٩ إلى سنة ٦٢٨، أو سنة ٦٢٩، وأسرَه الفرس.
٢٤  كانت «رينوقولورا» مدينة على حدود مصر من جهة فلسطين، ويقول تيودور الصقلي إن اسمها مشتق من قصة؛ وذلك أنه كان في مصر ملكٌ اسمه «أرتيسانز»، وكان يتخذها مَنفًى للمُجرمين الذين كانت تُقطَع أنوفهم أو تُجدَع، وقد سُميت المدينة في مدة العرب بالعريش (انظر «مذكرات كاترمير»، الجزء الأول، صفحة ٥٣؛ Rec. de l’Eg.، الجزء الثاني، صفحة ١٠ و١١ و٢٠). وأما «شمبوليون» فإنه لا يقبل هذا الاشتقاق الذي جاء به تيودور، وقد كان جدع الأُنوف عقابًا معروفًا في القانون اليوناني الروماني في ذلك الوقت (انظر كتاب جبون لناشره بوري، الجزء الخامس، صفحة ٥٢٩). ويقول «سبيوس»: إن هرقل أوقع تلك العقوبة بمن اشترك في مؤامرة «أثالاريك» بعد رجوعه من بيت المقدس.
٢٥  قد يكون الدير المقصود هنا هو الدير المعروف على ساحل البحر الأحمر، كما يدل على ذلك وصفه، وقد يكون ديرًا آخر بالاسم نفسه في جبل بقُرْب قفط، وهي مدينة على النيل بقُرْب قنا (انظر كتاب أبي صالح «كنائس مصر ودياراتها»، صفحة ١٥٩–١٦٢، وصفحة ٢٨٠). وقد ذكر شارب هذا الدير (دير القديس أنطونيوس) في كتابه Hist. of Eg. (الجزء الثاني، صفحة ٣٦٨)، ويقول إنه في العاصمة. ولكن يلوح لنا أن هذا زعمٌ لا أساس له.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤