الصقالبة

تعليق على ما جاء بسطر ١٥ صفحة ١ جزء أول من ابن خلدون
الصقالبة هم الأمة التي يقال لها السلاف، وهو أمة عظيمة من الأمم التي يقال لها هناك «الفند» أو «الفنيد» “wendes ou wenedes” واستقر آخرون على شواطئ البحر الأسود وضفاف الطونة، ويقال لهؤلاء «يازبج Jazyges» و«باستارن Bastarnes» و«روكسولان Roxolans» وأول من سماهم السلاف «جورناندس» المؤرخ القوطي، ومعنى السلاف الشرفاء، وقد انتهى هذا المعنى بأن يفهم منه الأمم المستبعدة، وانقلب عن معناه الأصلي فجاء من لفظة «السلاف» “Slaves” لفظة «إسكلاف» “Esclaves” ومعناها عبد. وأيام زحفة البرابرة الكبرى على الدولة الرومانية كان السلاف ينقسمون إلى سلاف غربيين وهم التشيك الذين سكنوا بوهيميا، والبوليز الذين سكنوا بولونيا، واليتون أهل ليتوانيا، والموراف أهل مورافيا، والسوارب أهل بوميرانيا وبراندبورج، والسلاف الشماليون: وهم الذين منهم الشعب الروسي، والسلاف الجنوبيون: وهم الذين عبروا الطونة وسكنوا على شطوط بحر الأدرياتيك، وهم البشناق، والصرب، والحزوات، والاسكلافون.

وأول ما عرف العرب هذه اللفظة كان بسبب مجاورتهم للدولة البيزنطية وكانت كثيرًا ما تمد سلطانها على السلاف الجنوبيين، ولما كان العرب لا يوجد عندهم حرف الفاء الفارسية، وكانوا يقلبونها باء، فلفظوا الاسكلافون أصقلابون ومنها جاءت لفظة صقلبي وصقالبة. ولما كانوا في القرون الوسطى يسترقّون منهم فقد صار الصقلبي بمعنى رقيق كما هو في اللغات الإفرنجية. وقد جاء في اللسان العربي أن الصقلاب هو الرجل الأبيض، وقيل هو الرجل الأحمر، وإنه قيل له صقلاب على التشبيه بألوان الصقالبة كما في معجم البلدان، وقال المتنبي في وصف حرب بين سيف الدولة وملك الروم:

يجمع الروم والصقالب والبلـ
ـغار فيها وتجمع الآجالا

فمن هنا يعلم أن الصقالبة والبلغار مثل اليونان كانوا يخضعون لملك الروم، وأن العرب القدماء لم يكونوا يقولون «سلاف» بل صقالبة للجميع، سموا الجميع باسم البعض الذين كانوا على شطوط الإدرياتيك، والآن الصقالبة هم الروس، والأوكرانيون والروتينيون، والروس البيض، ويقال لهم صقالبة الشرق. وقسم من البلغار، وجميع الصرب، والحزوات، والبوشناق، والسلوفين، ويقال لهم صقالبة الجنوب والبولونيون، والفنيد، والسلوفاك، والتشيك ويقال لهم صقالبة الغرب، وأكثر الصقالبة تابعون للكنيسة الشرقية، ماعدا البولونيين والتشيك والسلوفين والحزوات فإنهم كاثوليكيون، ومن الصقالبة مسلمون وهم البشناق.

إغريقية هي ما يسميه الأوروبيون «إغريق» والفرنسيس يقولون «غريس» والألمان يقولون «غريش». وهي تطلق على البلاد الممتدة من شبه جزيرة البلقان إلى الجنوب بين بحري إيجه والإدرياتيك، فهي شبه جزيرة صغيرة ناتئة عن شبه جزيرة كبيرة. والقسم الشمالي منها يقال له تساليا والقسم الجنوبي يقال له بيلوبونيز. ومن جملة أقسامها البلاد المسماة إبير، وبيوسية، وايونية، وأتيكيا، على جانب البحر. ولمجاورة أيونية والاتيك للبحر كانتا أول البلاد اليونانية التي تلقت المدنية من الشرق، فإن الشرق هو أصل مدنية اليونان، ومن لفظة يونية جاءت لفظة يونان التي عمت الجمع فيما بعد في عرف العرب.

ويقال لليونان الهيلانيون أيضًا، ولا يوجد أعرق في الظلمة من تاريخ أوائل اليونان، إلا أن المؤرخين بحسب ما عثروا عليه من الآثار يؤكدون أن اليونانيين هم من أصل آري، وأول اسم عرف من أسماء الأولين من سكان هذه البلاد هو اسم «البيلاجيين» “Pelasges” ثم عرفت أسماء «الليلجيين» “Leleges” «والكاريين» “Cariens” ثم «الآشيين Acheens» ثم «الدُّوربيين Doriens».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤