وصف مليحة حولاء

في مكتبي جُذاذات كثيرة تُعَدُّ بالألوف، ولولا الترفق بالمسيو فيشر لقلت: إنها تعد بألوف الألوف، وهي جُذاذات تدور حول المعاني أكثر مما تدور حول الألفاظ، وكنت قيدتها لأنقلها إلى حافظتي، ولكن هيهات، فمن العسير أن أحفظ كل ما أُقيّد، واليوم عثرت على بيتين في وصف حولاء، فآثرت أن أنقلهما إلى القراء، ولولا التوقر لأفصحت عن اسم الرجل الذي أملاني هذين البيتين، وما أملاهما والله، ولكنه كتبهما بيمناه، مع أنه من أشرف الناس، وقديمًا كان الأدب يفتن الأشراف، وإليكم البيتين:

يعيبونها عندي ولا عيب عندها
سوى أن في العينين بعض التأَخُّرِ
فإن يك في العينين سوءٌ فإنها
مُهَفْهَفَةُ الأعلى رَدَاح المؤخَّرِ

وما أُحب أن تفوت فرصة الكلام عن الشعر المختار بدون أن أُتحف القراء ببيتين آخرين لم يضيعا من ذاكرتي أبدًا، والشعر الجميل كالوجه الجميل لا تملُّه النفوس ولا تزهد فيه العيون.

تظنون أني قد تبدَّلت بعدكم
بديلًا وبعضُ الظن إثمٌ ومنكَرُ
إذا كان قلبي في يديك رهينةً
فكيف بلا قلب أُصافي وأهجرُ؟

وهناك بيت يتيم عثرت عليه منذ زمن طويل في كتاب حياة الحيوان، وما أذكر أني رأيته في كتاب سواه، ولا أتذكر الآن المناسبة التي أنشده من أجلها الدميري، ولكن يخيل إليَّ أنه جاء في تأويل الرؤيا، فإن رأيت أيها القارئ في منامك أنك جُنِنْتَ فلا تحزن، فتفسير هذه الرؤيا … أن الدنيا ستُقبل عليك؛ لأنها لا تحب إلا المجانين!

وإليك البيت:

جُنَّ له الدهرُ فنال الغِنَى
يا ويحه لو عقل الدهرُ!

وهو بيت ينزعج له بعض الناس، وغضبةُ الله على الدهر المجنون!

وأحب أيضًا أن أنبه القراء إلى بيت نادر وقع في قصيدة الكاشف التي زفَّها إلى صاحب الرفعة علي ماهر باشا وهو بيت يحفظ، وإنما ننص عليه لأن فيه نظرة نافذة إلى سياسة المعاش، وانظروا كيف يقول:

منافع الناس بين الناس صانعةٌ
ما ليس تصنعه الآحاد والجُمَعُ

والسياسة كلها في هذا البيت: فالمنافع تجمِّع وتفرِّق، وهي أصل ما بين الناس من المودات والعداوات، وعندها تلتقي الأهواء، وإن اختلف المذهب والدين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤