في فقه اللغة

أثارَ الباحث المفضال الأستاذ محمد مسعود مشكلة لُغوية في جريدة الأهرام حول كلمة «فيلق» التي يكتبها الصحفيون مُذكَّرة فيقولون: «الفيلق الرابع»، ويريدها الأستاذ مؤنثة فيقال: «الفيلق الخامسة»، وقد اهتم فريق من المتأدبين بمناصرة الأستاذ، وأضافوا إلى بيناته شواهد تثبت وجوب التأنيث موافقةً لمن أنثها من الشعراء الأقدمين.

وأريد في هذه الكلمة القصيرة أن أوجه نظر الأستاذ إلى أن تأنيث كلمة «فيلق» لا يتفق مع روح اللغة؛ لأن الكلمة مأخوذة من الفَلْق بمعنى الشَّق والقَطع، وكلُّ ما ورد من الكلمات العربية على وزن «فَيْعَل» مذكَّر قُصد به المبالغة في المعنى، ومن ذلك ضَيْغَم وفَيْصَل ونَيْرَب وصَيْقَل وفَيْتَن وحَيْدَر وعَيْلَم وخَيْبَر وفَيْخَر وغَيْلَم وحَيْذَر وفَيْكَر وفَيْقَر. ويلحق بهذه الكلمات ما جاء على وزن «فَوْعل» مثل صَوْمَل وجَوْهر وكَوْثر وهَوْدج وحَوْمل وشَوْحَط وكَوْكب وكَوْدن ولَوْلب.

ويؤكد تذكير ما جاء على وزن «فيعل» أن التاء تُضاف إليه في المؤنث فيقال في نيرب: نيربة، وفي حيدر: حيدرةٌ، إلى آخر ما نصّت عليه المعاجم، وإضافةُ التاء للتأنيث دليلٌ على أن المجرد منها أصيلٌ في التذكير.

ولنلاحظ أن فيلق ورد مفسرًا بالجيش في المختار والقاموس. وأضاف الفيروزآبادي أن الفيلق الرجل العظيم، وهذا صريح في أن الكلمة تداولتها المعاجم بالتذكير والتأنيث، ولم تنص على التأنيث وحده كما يظن الأستاذ محمد مسعود.

قلنا إن ما جاء على وزن «فَيْعل» غلب عليه التذكير، فلنضف إلى ذلك أن ورود كلمة «فيلق» مؤنثة في بعض الشواهد لا يخرج عن أمرين: فهو إما أن يكون بمعنى الكتيبة وإذ ذاك تؤنث مراعاة للمعنى، وإما أن يكون لحنًا سبق إلى ألسنة شعراء الجاهلية؛ لأن الجاهليين أيضًا يلحنون، وإن استبعد ناسٌ ذلك. وورود كلمة فيلق مذكرة في صحفنا وعلى ألسنتنا يؤكد ما كتبتُه مرة في مناقشة الأستاذ عباس الجمل من أن اللغة تسير طوعًا للفطرة إلى موافقة القياس.

والواقع أن الشذوذ لا يكثر في اللغات إلا في عهد الطفولة، ولكنها حين تَقْوَى وتستبحر يطَّرد فيها القياس ويعود الشاذ والمسموع من المهجورات، فلا ينبغي لنا إذن أن نذكِّر الكُتّاب بالشواذ التي أُثِرتْ عن شعراء الجاهلية؛ لأن في ذلك محاربةً للنمو والقوة، وإنما يجب أن نقوِّم الأغلاط التي تصرف الكُتَّاب عن مسايرة التطور المقبول.

على أن كلمة «فيلق» إن وردت مؤنثة في كلام القدماء مرة أو مرتين فقد سرت في كلامنا مذكَّرة ألف مرة، ولسنا أقل من أعراب البادية شعورًا باللغة ولا أقل إدراكًا لما يَعْتَوِر الألفاظ من التذكير والتأنيث وفقًا لما تخضع له من تلوُّن المدلول … ونحن عربٌ بالفطرة، وإن لم نشهد مرابع الشِّيح والقَيْصُوم.١
١١ ذي القعدة سنة ١٣٥٠ﻫ
١  من المؤكد أن الأديب المصري أكثر انطباعًا على اللغة العربية من العرب أنفسهم؛ لأنها وصلت إلى دمه وروحه منذ أجيال طوال، ولأنها أصبحت عنده لغة علم ومدنية، فهو يُعبر بها عن مقاصد وأغراض لم يعرفها العرب القدماء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤