الصباح

٢٢

قصد الكاهن الملاك فوجده يطلُّ من النافذة وقد ارتدى ملابسه. كان صباحًا ناضرًا لم يزل مرصَّعًا بحبات الندى، ثم نثرت أشعة شمس الشروق القادمة من وراء البيت دفئًا ولونًا ذهبيًّا على جانب التل. حامت الطيور بحماس بين الأسيجة الشجرية والشجيرات. وكان محراثٌ يسير بطيئًا أعلى التل في ذلك اليوم من أواخر شهر أغسطس. أسند الملاك ذقنه على يدَيه ولم يلتفت عندما اقترب منه الكاهن.

سأل الكاهن: «كيف حال جناحك؟»

رد الملاك: «كنت قد نسيتُ أمره، هل هذا الذي هناك رجل؟»

أجابه الكاهن: «هذا مزارع.»

سأل الملاك: «لماذا لا يكفُّ عن السير ذهابًا وإيابًا هكذا؟»

رد الكاهن: «إنه يحرث، هذا عمله.»

قال الملاك: «عمله؟! لكن لماذا يفعل ذلك؟ هذا شيءٌ رتيب.»

وافقه الكاهن: «هذا صحيح، لكن عليه أن يفعله لكسب عيشه، ليحصل على طعام ويأكل، وكل هذه الأمور.»

قال الملاك: «يا للغرابة! هل على كل الرجال فعل ذلك؟ هل تفعل أنت ذلك؟»

رد الكاهن: «كلا، إنه يفعل ذلك نيابة عني، يتكفَّل بنصيبي من الحرث.»

سأل الملاك: «لماذا؟»

رد الكاهن: «في مقابل الأشياء التي أفعلها أنا نيابةً عنه، لدينا في هذا العالم ما يُسمى بتقسيم العمل، تبادل منفعة.»

قال الملاك: «فهمت.» وعيناه لا تزالان معلقتَين بالمزارع وحركته الثقيلة.

ثم سأل: «وما الذي تفعله نيابةً عنه؟»

رد الكاهن: «قد يبدو ذلك لك سؤالًا سهلًا، لكنه صعب؛ فالترتيبات الاجتماعية لدينا معقَّدة بعض الشيء، يستحيل شرح هذه الأمور دفعةً واحدة، خاصة قبل الإفطار. ألست جائعًا؟»

قال الملاك ببطء وهو لم يزل عند النافذة: «أعتقد أني جائع حقًّا.» ثم صاح فجأة: «لسببٍ ما لا يمكنني أن أكفَّ عن التفكير في أن الحراثة لا متعة فيها بكل تأكيد.»

قال الكاهن: «ربما، لكن الفطور جاهز، ألن تأتي؟»

ترك الملاك النافذة على مضض.

مضى الكاهن يشرح له وهما يهبطان الدرج: «مجتمعنا منظومةٌ معقدة.»

سأل الملاك: «حقًّا؟»

تابع الكاهن: «وهو منظم بحيث يتولى شخصٌ عملًا ما، ويتولى آخر عملًا غيره.»

قال الملاك: «وهذا الرجل العجوز النحيل يضغط على تلك الأسنان الحديدية الثقيلة التي يجرها الحصانان، في حين ننزل نحن لتناول الطعام؟»

رد الكاهن: «نعم، ستفهم أن هذا عادل تمامًا، الإفطار فُطر وبيض مسلوق! تفضَّل بالجلوس؛ ربما ظننت أن في هذا الترتيب ظلمًا.»

قال الملاك: «أنا متحير.»

قال الكاهن: «هذا الشراب يسمى قهوة أما عن تقسيم العمل ذاك، فلا عجب أن تتحيَّر؛ فقد كنت متحيرًا مثلك عندما كنت شابًّا. ثم اتسعت رؤيتي للأشياء (هذه الأشياء السوداء تسمى الفطر، شكلها جميل)، بدلًا من أن أشرح لك هذا الأمر الآن (هذا لك)، سأعيرك كتابًا صغيرًا لتقرأه (طعم الفطر لا يقل جمالًا عن منظره)، سيوضِّح لك الكتاب كل شيء.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤