أصل الأشياء وجوهرها

٣٣

على مائدة العشاء أخبر الملاك الكاهن بمغامرات اليوم العجيبة.

قال الملاك: «الأمر الغريب هو استعداد البشر لإلحاق الألم بغيرهم وحماسهم لذلك؛ فهؤلاء الصبية الذين رجموني هذا الصباح …»

قاطعه الكاهن: «بدا عليهم الاستمتاع بالأمر، أعرف ذلك.»

قال الملاك: «ومع ذلك لا يحبون الألم.»

قال الكاهن: «لا يحبونه بالطبع.»

قال الملاك: «بعد ذلك رأيت بعض النباتات الجميلة، كان لها أوراقٌ مدبَّبة تمتد اثنتان منها في اتجاه واثنتان في اتجاهٍ آخر، وما إن لمست إحداها حتى شعرت بعدم ارتياح شديد.»

قال الكاهن: «القراص اللاسع!»

قال الملاك: «نوعٌ جديد من الألم، ورأيت نباتًا آخر رأسه كالإكليل وأوراقه كثيرة الزينة، تمتد منه أشواك …»

قال الكاهن: «نباتٌ شوكي، غالبًا.»

قال الملاك: «وفي حديقتك، هناك نباتٌ جميل ذو رائحةٍ سُكَّرية …»

قال الكاهن: «الورد الياقوتي، حسبما أتذكر.»

قال الملاك: «وهذه الوردة ذات اللون الزهري التي خرجت من العلبة …»

قال الكاهن: «خرجت من العلبة؟»

قال الملاك: «بالأمس، التي ارتفعت على الستائر، اللهب!»

قال الكاهن: «تقصد أعواد الثقاب والشمع! نعم.»

قال الملاك: «والحيوانات، صادفت اليوم كلبًا تصرف على نحوٍ كريهٍ للغاية، وهؤلاء الصبية، وطريقة كلام الناس، يبدو على الجميع القلق، والاستعداد لإحداث الألم، يبدو الجميع منهمكين في إحداث الألم …»

قال الكاهن: «أو في تجنُّبه.» ودفع طعامه بعيدًا وواصل: «بالطبع، القتال في كل مكان، عالم الأحياء كلُّه ميدان معركة، العالم كله. الألم يحركنا، هكذا يبدو الأمر، وقد لاحظتَه منذ اليوم الأول!»

سأل الملاك: «لكن، لماذا يريد كل الأشخاص وكل الأشياء إحداث الألم؟»

فسأله الكاهن: «أوليس هذا هو الحال في أرض الملائكة؟»

أجاب الملاك: «نعم، لماذا يحدث هذا هنا؟»

مسح الكاهن شفتَيه بمنديله ببطء وقال: «هكذا هو الحال هنا، الألم هو وحدة بناء هذه الحياة، أتعلم؟» وتوقف لبرهة ثم واصل: «لا يمكنني تخيُّل العالم بدون الألم، ومع ذلك فعندما كنت تعزف هذا الصباح …»

وقطع فكرته لحظةً ثم قال: «ولكن هذا العالم مختلف، هذا العالم هو نقيض عالم الملائكة. لقد انصبَّ اهتمام عدد من الناس — وأقصد أشخاصًا يُعدُّون رموزًا دينية بارزة — إلى فكرة عالمية الألم، حتى إنهم يعتقدون أن بعد الموت ستسوء الأمور أكثر للكثيرين منا، أما أنا فأراها نظرةً متطرفة، لكن هذا التساؤل ليس هيِّنًا، ربما يتجاوز قدرة المرء على المناقشة …»

ومضى الكاهن يتحدَّث بإسهاب دون ترتيبٍ مسبق عن مفهوم «الحاجة»، وأخبر الملاك أن حال الأشياء هكذا لأن هذا ما شاءت الأقدار، وأن المرء مضطر لفعل هذا وذاك، قال الكاهن: «حتى طعامنا.» فردَّ الملاك: «ماذا عنه؟» فردَّ الكاهن: «لا يمكن الحصول عليه بدون إلحاق الألم.»

شحب وجه الملاك بشدة، فامتنع الكاهن عن الاستفاضة في الشرح؛ إذ كان موشكًا على شرح ما كان فخذ الحمَل عليه قبل أن يصبح طعامًا لهما، وساد الصمت لبرهة.

ثم قال الملاك: «بالمناسبة، هل انتُزع مخك مثل عامة الناس؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤