وصول الطائر الغريب
٢
كان ساندي برايت قادمًا في الطريق من سبينرز حاملًا معه شريحةً من لحم الخنزير كان قد قايضها بساعة حائط. لم يرَ الضوء، لكنه سمع الطائر الغريب ورآه؛ فقد سمع صوت رفرفةٍ مفاجئة يخالطه صوتٌ كعويل امرأة، فارتاع منه على الفور؛ إذ كان وحيدًا سريع التوتر. التفت ساندي (مرتجفًا) فرأى كائنًا كبيرًا أسود اللون بين أشجار الأَرْز التي تغطِّي التلَّ في حين كان الظلام يسدل عليها ستائره شيئًا فشيئًا. بدا الكائن كما لو كان على وشك الانقضاض عليه، فأسقط اللحم من يده من فرط الاضطراب وهمَّ بالفرار، بيد أنه سرعان ما تعثَّر وسقط أرضًا.
هداه عقله إلى تلاوة بعض الصلوات، ولكن توتُّره أعجزه عن تذكُّرها. رفرف الطائر الغريب فوقه؛ فوجده يفوقه حجمًا، ووجد امتداد جناحَيْه عظيمًا، ولونه أسود، أو هكذا خالَه. صرخ ساندي واستسلم لمصيره، لكن الطائر تجاوزه وأكمل طيرانه نحو سفح التل، وحلَّق فوق بيت كاهن الكنيسة، ثم اختفى بين الضباب الذي غمر الوادي في الطريق إلى سيدرفورد.
ظل ساندي برايت لوقتٍ طويل مستلقيًا على بطنه في مكانه، يُحدِّق في الظلام في أثر الطائر الغريب. وأخيرًا قام على ركبتَيه وأخذ يشكر الرب على إنقاذه، في حين ظلَّت عيناه معلقتَين بسفح التل، ثم مضى في طريقه إلى التل، وأخذ يُخاطب نفسه بصوتٍ عالٍ ويستذكر ذنوبَه خائفًا من عودة الطائر الغريب؛ حتى إن كل من سمعوه حينئذٍ ظنوه ثملًا. غيَّرته تلك الليلة؛ فأقلع عن السُّكْر وعن عادته في بيع المصوغات الفضية بدون ترخيصٍ للتهرُّب من الضرائب. ظلَّت شريحة اللحم على جانب التل حتى وجدها أحد الباعة من بورتبردوك صباح اليوم التالي.
كان الشخص التالي الذي رأى الطائر الغريب كاتبًا لدى أحد المحامين في إبينج هانجر، كان يصعد التل قبل الإفطار ليشاهد شروق الشمس. لم يتبقَّ في السماء من السحاب بعد الرياح التي ظلت تهبُّ في الليلة الماضية إلا نتفٌ متفرقة. اعتقد الرجل للوهلة الأولى أن ما رآه كان نسرًا. كان الطائر بعيدًا عنه للغاية وقريبًا من القمة، بدا كنقطةٍ فاتحة اللون فوق بقايا السحاب الوردية، كأنه رفرف بجناحَيْه وارتفع حتى ارتطم بأديم السماء، مثلما يرتطم طائر السنونو بزجاج النافذة. ثم هبط نحو الأرض في منحنًى ضخمٍ باتجاه بورتبردوك فوق هانجر، واختفى وراء أشجار حديقة سيدرمورتون. كان حجمه يفوق حجم رجلٍ، حسبما بدا للرجل. وقبل أن يختفي أضاءت أشعة الشمس جانب التل وسقطت على جناحَيه فالْتمعا كلهبٍ متوهِّج تتخلَّله ألوان الأحجار الكريمة، ثم اختفى الطائر وترك الرجل فاغرًا فاه.
وكان أحد المزارعين في طريقه إلى عمله، فمرَّ بالجدار الصخري لحديقة سيدرمورتون، ورأى الطائر الغريب يلتمع فوقه للحظة ثم يختفي بين أشجار الزان، ولكنه لم يرَ من لون الجناحَين إلا القليل، كل ما لاحظه أن قدمَيه كانتا طويلتَين وورديتَين تُشبهان اللحم المنزوع الجلد، وأن جسمه كان مغطًّى ببقعٍ بيضاءَ. اخترق السماء كالسهم ثم اختفى.
كان هؤلاء الثلاثة أول من شاهدوا الطائر الغريب.
لم يكن المرء في تلك الأيام ليجثو مُحتميًا من الشيطان أو يشاهد جناحَين تتغيَّر ألوانهما وتتألَّق في ضوء الفجر كذَيْنك الجناحَيْن بدون أن يُحَدِّث بما رآه فيما بعدُ. فالكاتب الشاب الذي يعمل في مكتب محاماة أخبر أمه وأختَيْه بما رأى على مائدة الإفطار، وفي طريقه إلى عمله في بورتبردوك قصَّ القصة على حداد هامبربوند، ثم قضى الصباح يتحاكى مع زملائه بالأمر ويتعجَّبون منه بدلًا من نسخ الدفوع القانونية. أما ساندي برايت فقصد السيد جيكل — خادم الكنيسة البسيط الحال — ليخبره بالأمر، وأخبر المزارع هيو العجوز ثم كاهن كنيسة سيدرم.
قال كاهن سيدرمورتون: «لا توجد كائناتٌ خيالية في الجوار، إنني أتساءل إلى أي مدًى يُعد هذا صحيحًا، لولا أنه يظن أن الجناحَين بُنِّيان لَقلتُ إن ما رآه هو طائر الفلامنجو العادي.»