هامش عن الملائكة
٩
يجدر بنا أن نوضح أن الملاك في هذه القصة هو الملاك كتصوُّرٍ فني، وليس الملاك الذي ينبغي الامتناع عن لمسه توقيرًا له، ولا الملائكة وفق المعتقدات الدينية، ولا الملاك بالمفهوم التقليدي الذي نعرفه جميعًا؛ فهي الأنثى الوحيدة بين الملائكة، تتسربل برداءٍ طاهرٍ أبيضَ بلا دنس، شقراء تؤطر وجهها خصلٌ طويلة من شعرها الذهبي، في عينَيْها زُرقة السماء، امرأةٌ كاملةٌ نقية، العذراء الطاهرة والأم النقية في ردائها الليلي، من كتفَيها يمتد جناحاها، تنادي بحنو وعطف، تشمل بعنايتها مهدًا تارةً، وتقود روحًا شقيقة إلى الجنة تارة، تحمل السَّعَف أغلب الأحيان، وليس غريبًا أن تجدها تحنو على خاطئ فتدفئه من برد. هي من تنزلت مع الجوقة على مارجريت في سجنها في المشهد الأخير من فاوست في القاعة. يحلم الأطفال الصغار الذين حكم عليهم بالموت قبل الأوان بهؤلاء الملائكة في روايات هنري فورد. هذا البياض الأنثوي والسحر الذي لا يوصف الذي يحيط قداستها، يبدو عبق ريحها كاختراع تويتوني. لا يعرفها الفكر اللاتيني، لم يكتب عنها القدماء البارزون، تشبه ما تصوِّره المدرسة الفنية البريئة اللطيفة القديمة تلك التي يحمل أبرز أعمالها اسم «غُصة في حلق»، تلك المدرسة الفنية التي لا مكان فيها للحيَل والغضب والازدراء والأُبَّهة. كان الملاك الأبيض من ألمانيا، أرض الشقراوات والمشاعر الرقيقة. تأتينا في مظهرٍ جليلٍ جدير بالتقديس، نقيةً ساكنة، تبعث في النفس هدوءًا كذلك الذي يبعثه التحديق في سماء مرصعة بالنجوم، وهو مظهرٌ آخر من المظاهر المحببة للروح التيوتونية، نُبجِّلها كما نُبجِّل ملائكة العبارنة، الأرواح القوية الغامضة، رافاييل وزادقييل وميكائيل الذين لم يظهروا في أعمال فنان غير واطس، ولم يرَ عظمتهم إلا بليك.
أما الملاك الذي أطلق عليه الكاهنُ النار فليس مثل هؤلاء الملائكة في شيء، بل ملاك من الفن الإيطالي، متعدد الألوان، مبتهج. يأتي من أرض الأحلام الجميلة وليس من أي مكانٍ أكثر قدسية. مخلوقٌ كاثوليكي. لا تتسرع بالتحامل عليه واتهامه بعدم توقير المقدسات قبل أن تُتم قراءة القصة.