نوبات

كان الشخصان اللذان ماتا في أوائل العقد السابع من عمريهما، كان كلاهما طويل القامة، قوي البنية، وكان كلٌّ منهما زائد الوزن قليلًا. كان شعر الرجل حائلًا إلى اللون الرمادي، ووجهه مربعًا، حادًّا. كان الأنف العريض يحول دون أن يبدو شخصًا مهيبًا ووسيمًا على نحو تام. كان شعر المرأة أشقر، أشقر مائلًا إلى اللون الفضي الذي لا يبدو لك أنه لون اصطناعي — على الرغم من معرفتك بأنه ليس طبيعيًّا — حيث إن العديد من النساء في هذا العمر يصبغن شعورهن بهذا اللون. في يوم الإهداء (وهو اليوم التالي لعيد الكريسماس، الذي تعطى فيه الهدايا للفقراء)، عندما زارا بيج وروبرت لتناول شراب معهما، كانت المرأة ترتدي ثوبًا بلون رمادي فاتح ذا تقليم دقيق، ولامع، وكانت ترتدي جوربًا رماديًّا، وحذاءً رماديًّا. شربت مزيجًا من الجين وماء الصودا. كان الرجل يرتدي بنطالًا فضفاضًا، وسترة كريمية اللون، وشرب مزيجًا من الويسكي الكندي والماء. كانا قد رجعا مؤخرًا من رحلة في المكسيك. كان الرجل قد جرب رياضة القفز بالمظلات، لكن لم ترغب هي في القيام بذلك. كانا قد ذهبا لزيارة أحد الأماكن في يوكاتان، كان يبدو مثل بئر، تلقى فيه العذارى أملًا في جني محاصيل وفيرة.

قالت: «حقيقةً، هذه الفكرة ترجع إلى القرن التاسع عشر … هذه فكرة القرن التاسع عشر المنشغلة جدًّا بمسألة العذرية. ربما كانت حقيقة الأمر أنهم كانوا يلقون أشخاصًا في الأسفل دون تمييز؛ فتياتٍ أو رجالًا أو عجائزَ أو أيَّ شخص كانوا يستطيعون الإمساك به؛ لذا، فإن كون المرء غير بكر لا يضمن له سلامته!»

عبر الغرفة، كان ابنا بيج — الأكبر كلايتون، الذي كان بكرًا، والأصغر كيفين، الذي لم يكن كذلك — يشاهدان المرأة المرحة ذات الشعر الأشقر المائل إلى اللون الفضي التي كانت ترتسم على وجهها تعبيرات التجهم والملل. كانت قد قالت إنها كانت مدرسةً للغة الإنجليزية في مدرسة ثانوية. علَّق كلايتون على ذلك لاحقًا قائلًا إنه كان يعرف ذلك النوع من المدرسات.

•••

كان روبرت وبيج متزوجين منذ خمس سنوات تقريبًا. لم يتزوج روبرت قبلها، لكن بيج تزوجت للمرة الأولى عندما كانت في الثامنة عشرة. ولد ابناها وهي تعيش هي وزوجها مع والديه في إحدى المزارع. كان زوجها يعمل في قيادة شاحنات نقل الماشية إلى مجزر كندا باكرز في تورونتو. عمل في قيادة شاحنات لشركات أخرى بعد ذلك، وهو ما جعله يبتعد أكثر فأكثر. انتقلت بيج والصبيان إلى جيلمور، وحصلت على وظيفة في متجر كايبر، الذي كان يُسمى جيلمور آركيد. انتهى المطاف بزوجها إلى العمل في القطب الشمالي، حيث يقود الشاحنات إلى آبار البترول عبر بحر بيوفرت المتجمد. لذا، طُلقت منه.

كانت عائلة روبرت تمتلك متجر جيلمور آركيد لكنها لم تعش قط في جيلمور. لم تكن أمه وأخواته يعتقدن أن أحدًا يستطيع أن يعيش أسبوعًا واحدًا في مكان كهذا. كان والد روبرت قد اشترى المتجر، ومتجرين آخرين في بلدتين قريبتين، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بفترة وجيزة. عين مديرين محليين للإشراف على تلك المتاجر، وكان يقود السيارة من تورونتو بضع مرات خلال العام ليرى كيف تسير الأمور.

لفترة طويلة، لم يكن روبرت مهتمًّا على نحو كبير بأعمال والده المتعددة. حصل على شهادة جامعية في الهندسة المدنية، وكانت لديه فكرة عن إقامة المشاريع في الدول المتخلفة. حصل على وظيفة في بيرو، تنقل عبر أمريكا الجنوبية، وترك مجال الهندسة فترة ليعمل في مزرعة لتربية الماشية في كولومبيا البريطانية. عندما مرض أبوه، كانت عودته إلى تورونتو ضرورية. عمل في إدارة الطرق السريعة الإقليمية، في وظيفة هندسية لم تكن تتناسب مع رجل في مثل عمره. كان يفكر في الحصول على درجة علمية للسماح له بالتدريس وربما أيضًا الاتجاه شمالًا للتدريس للهنود، مغيِّرًا حياته بالكامل، بمجرد وفاة أبيه. كان يقترب من عامه الأربعين آنذاك، وكان يخوض علاقته الثالثة مع امرأة متزوجة.

من حين إلى آخر، كان يتجه إلى جيلمور وإلى بلدات أخرى لمتابعة الأحوال في المتاجر. ذات مرة، جلب لي معه تلك المرأة المتزوجة الثالثة — والأخيرة، مثلما اتضح بعد ذلك — التي كان على علاقة بها. أحضرت غداءً خفيفًا للرحلات، وشربت مشروب بيمز في السيارة، وتعاملت مع الرحلة بأسرها باعتبارها نزهة سعيدة، مغامرة في الريف البدائي. كانت قد أعدت نفسها للمضاجعة في الحقول المفتوحة، واستشاطت غضبًا عندما وجدت أنها مليئة بالماشية أو سيقان الذرة غير المريحة.

مات والد روبرت، وغيَّر روبرت حياته، لكن بدلًا من أن يصبح مدرسًا ويتجه شمالًا، جاء ليعيش في جيلمور لإدارة المتاجر بنفسه. وتزوَّج بيج.

•••

كانت بيج قد تعرفت إليهما بمحض الصدفة.

ففي مساء الأحد، قرعت البابَ الفلاحةُ التي كانت تبيع آل كايبر البيض.

وقالت: «آمل ألا تمانع في أن آتي بالبيض الليلة بدلًا من صباح الغد … يجب أن أصطحب زوجة ابني إلى كيتشينر لإجراء فحص لها بالموجات فوق الصوتية. أحضرت للزوجين ويبل البيض، أيضًا، لكنني أظنهما غير موجودين. أتساءل عما إذا كنت لا تمانع في أن أترك البيض الخاص بهما هنا معك. يجب أن أرحل مبكرةً في الصباح. لقد أرادت أن تقود السيارة بنفسها، لكنني ظننت أن تلك الفكرة ليست صائبة. إنها تقريبًا في الشهر الخامس من حملها، لكنها لا تزال تتقيأ. أخبرهم أنهم يمكنهم أن يدفعوا مقابل البيض في المرة المقبلة.»

قال روبرت: «على الرحب والسعة … لا توجد أدنى مشكلة في ذلك على الإطلاق. يمكن أن نذهب إليهما في الصباح ونعطيهما البيض. لا مشكلة على الإطلاق!» روبرت رجل رياضي المظهر، ممتلئ الجسد، ذو شعر متموِّج، يحول تدريجيًّا إلى اللون الرمادي، وعينين بنيتين برَّاقتين. لطفه وكرم أخلاقه لافتان للنظر في كثير من الأحيان، مما قد يجعل الآخرين يشعرون أنهم محاصرون من جميع الاتجاهات. يفيده هذا الأسلوب كثيرًا في جيلمور، حيث يُتوقع أن تتكرر التأكيدات على الأشياء، وفي حقيقة الأمر تكون معظم المحادثات مكررة، وهذا تعبير متكرر عن النوايا الحسنة، دون مفاجآت. في مناسبات عَرَضية، عند الحديث إلى الآخرين، يخالجه شعور آخر، عائق، ولا يدري تمامًا ماهيته (ضغينة أم عناد؟) لكنه يبدو مثل صخرة في قاع نهر عندما يسبح المرء؛ فالماء الصافي يرفع السابح إلى أعلى بحيث يتجاوزها.

بالنسبة لشخص يعيش في جيلمور، تعتبر بيج شخصًا متحفظًا. اتجهت إلى المرأة وتناولت منها البيض الذي كانت تحمله، بينما ظل روبرت يؤكد على أنه لا مشكلة في ذلك على الإطلاق ويسألها عن حمل زوجة ابنها. ابتسمت بيج مثلما كانت تبتسم في المتجر عندما تناولك باقي النقود؛ ابتسامة تجارية سريعة، لا يوجد فيها أي شيء شخصي. بيج امرأة رشيقة القوام، قصيرة، ذات شعر بني ناعم، ذات بشرة بها نمش، وذات مظهر شاب ومهندم. ترتدي تنورات مكشكشة، وبلوزات جديدة مهندمة عالية الرقبة، وسترات فاتحة اللون، وفي بعض الأحيان رابطة عنق شريطية سوداء. تتحرك في رشاقة ولا تكاد تصنع أي صوت. أخبرها روبرت ذات مرة أنه لم يقابل أحدًا على الإطلاق على هذا القدر من التحفظ. (كانت النساء اللائي يواعدهن عادةً ثرثارات، متأنقات، وإن كنَّ مهملات بشأن بعض التفاصيل، متوترات، مفعمات بالحياة، «مثيرات للاهتمام».)

قالت بيج إنها لم تعرف ماذا كان يعني.

بدأ في تفسير كيف يبدو الشخص المتحفظ. في ذلك الوقت، كان فهمه مغلوطًا تمامًا للمفردات المستخدمة في جيلمور — كان لا يزال يخطئ في استخدامها — وكان يأخذ على محمل الجد الحدود التي كانت تتم مراعاتها عادةً في الأحاديث اليومية.

قالت بيج، باسمةً: «أعرف ماذا تعني الكلمات … فقط لا أفهم كيف تستخدمها في الإشارة إليَّ».

بالطبع كانت تعرف معنى الكلمات. تلقت بيج دورات تعليمية، دورة تعليمية مختلفة كل شتاء، منتقيةً ما كان متوفرًا في المدرسة الثانوية المحلية. تلقت دورة في تاريخ الفن، وأخرى في حضارات الشرق الكبرى، وثالثة في الاكتشافات والاستكشافات عبر العصور. كانت تذهب إلى الصف مرة واحدة أسبوعيًّا، حتى لو كانت في غاية التعب أو مصابة بالبرد. كانت تخوض الاختبارات وتُعد الأوراق البحثية. في بعض الأحيان، كان روبرت يجد ورقة مكتوبة بخط يدها الرائع الصغير فوق الثلاجة أو على التسريحة في حجرتهما:

وهكذا نرى أن أهمية الأمير هنري الملَّاح كانت تكمن في إلهام وتشجيع المستكشفين الآخرين في البرتغال، على الرغم من أنه لم يقم بنفسه برحلات استكشافية.

تأثر بعباراتها المباشرة، خطها الصغير الرائع، وكان يشعر بالغضب؛ لأنها لم تحصل على تقدير أعلى من جيد جدًّا في هذه الأوراق البحثية التي كانت تبذل جهدًا كبيرًا فيها.

قالت بيج: «لا أكتب هذه الأوراق البحثية للحصول على تقديرات مرتفعة.» حالت وجنتاها إلى اللون الأحمر تحت النمش، كما لو كانت تعترف اعترافًا شخصيًّا. «أقوم بذلك للمتعة.»

•••

نهض روبرت قبل الفجر صباح يوم الاثنين، ووقف عند طاولة المطبخ يحتسي قهوته، ناظرًا إلى الحقول المغطاة بالثلوج. كانت السماء صافية، وكانت درجة الحرارة قد انخفضت. كان اليوم سيصير أحد الأيام الساطعة، الباردة، القاسية، من أيام يناير التي كانت تلي أسابيع من هبوب الرياح الغربية، من الثلج المتطاير والمتساقط. تجمدت الجداول، والأنهار، والبرك. تجمدت بحيرة هورون على مرمى البصر. ربما طوال هذه السنة. كان ذلك قد حدث من قبل، وإن كان أمرًا نادرًا.

كان عليه أن يقود السيارة إلى كينيلي، إلى متجر كايبر هناك. كان الثلج المتراكم على السطح يتسبب في أن تتجمع المياه الموجودة أسفله وتتسرب عبر السقف. كان عليه أن يقطِّع الثلج وينظِّف السقف. كان الأمر يستغرق نصف يوم على الأقل.

يقوم روبرت بنفسه بجميع أعمال الإصلاحات والصيانة في المتاجر وفي هذا المنزل. تعلَّم القيام بأعمال السباكة والكهرباء. يستمتع وهو يقوم بهذه الأشياء. يستمتع بالقسوة، بقسوة الشتاء، هنا. لا تبعد المدينة هنا أكثر من مائة ميل من تورونتو، مع ذلك تعتبر وكأنها بلد مختلف تمامًا. حزام الثلوج. لم يكن القدوم للعيش هنا مثل الذهاب إلى البرية، على أي حال. ما زالت تعزل العواصف الثلجية العنيفة البلدات والقرى. كان الشتاء يحل قاسيًا على المدينة، يستقر في الأرض على نحو ما كان الجليد يستقر قبل آلاف الأعوام بارتفاع ميلين. يعيش الناس في الشتاء على نحو لا يفهمه الغرباء. فهم حذرون، مقتصدون، متعبون، منتشون.

يحب شيئًا في هذا المنزل، المنظر الخلفي، المطل على الفضاء المفتوح. يعوِّض ذلك الشارع غير المنظَّم المسدود الذي بلا أشجار أو أرصفة للمشاة. افتتح الشارع بعد الحرب، عندما أُخذ على محمل التسليم أن الجميع سيستخدمون السيارات، ولا يسيرون إلى أي مكان. وهكذا فعلوا. تقترب المنازل كثيرًا من الشارع وبعضُها من بعض، وعندما يعود كل من يعيش في هذه المنازل إلى البيت، تحتل السيارات المكان الشاغر كله حيث من المفترض أن تكون الأرصفة، والشوارع العريضة المشجرة، وأشجار الظل.

كان روبرت يرغب، بالطبع، في شراء منزل آخر. افترض أنهما سيفعلان ذلك. كانت توجد — ولا تزال — منازل قديمة جيدة معروضة للبيع في جيلمور بأسعار زهيدة جدًّا، بمعيار أسعار المنازل في المدن. قالت بيج إنها لا تستطيع تخيُّل نفسها تعيش في تلك المنازل. عرض عليها أن يبني لها منزلًا جديدًا في التقسيم الفرعي من الجانب الآخر من البلدة. لم ترد ذلك أيضًا. أرادت أن تمكث في هذا المنزل، الذي كان المنزل الأول الذي عاشت هي والصبيان وحدهم فيه؛ لذا اشتراه روبرت — كانت معتادة على الاستئجار فقط — وأضاف غرفة النوم الرئيسية وحمامًا آخر، وجعل هناك غرفةً للتليفزيون في البدروم. حصل على بعض المساعدة من كيفين، ومساعدة أقل من كلايتون. كان المنزل لا يزال يبدو، من الشارع، مثل المنزل الذي كان قد ترك السيارة أمامه في المرة الأولى التي اصطحب فيها بيج إلى المنزل من العمل. منزل بارتفاع طابق ونصف، ذو سقف شديد الميل ونافذة غرفة معيشة مقسَّمة إلى مربعات مثل النافذة الموجودة على بطاقة معايدة خاصة بالكريسماس. جدار خارجي من الألومنيوم الأبيض، مصاريع سوداء ضيقة، وزخرفة سوداء. في تورونتو، كان يفكر في حياة بيج في هذا المنزل. كان يفكر في حياتها النمطية، المحدودة، الجادة، الجذابة.

لاحظ وجود بيض الزوجين ويبل على طاولة المطبخ. كان يفكر في أخذه. لكن كان الوقت مبكرًا جدًّا. كان من المفترض أن يكون الباب موصدًا. لم يرد أن يوقظهما. كان يمكن أن تأخذ بيج البيض إليهما عندما تذهب لفتح المتجر. أخذ قلم التحديد الذي كان موضوعًا على الرف تحت لوحة الملاحظات، وكتب على منشفة ورقية الآتي: «لا تنسي أن تعطي البيض للزوجين ويبل. مع حبي، روبرت.» لم يكن هذا البيض أرخص سعرًا من البيض في المتجر. كان روبرت يحب فقط أن يحصل عليه من المزرعة. وكان لونه بنيًّا. قالت بيج إن الأشخاص الذين يعيشون في المدينة لديهم نظرة ما إزاء البيض البني؛ يعتقدون أن البيض البني طبيعي أكثر على نحو ما، مثل السكر البني.

عندما خرج بسيارته، رأى أن سيارة الزوجين ويبل موجودة في مكان انتظارها. يبدو أنهما عادا إلى المنزل من المكان الذي كانا فيه الليلة الماضية. ثم رأى أن الثلج المتناثر أمام ممر السيارة الخاص بهم بواسطة كاسحة الثلج الخاصة بالبلدة لم يُزل. يبدو أن كاسحة الثلج مرت في المكان ليلًا. لكنه لم يكن مضطرًّا إلى إزاحة أي ثلوج؛ إذ لم يكن ثمة أي ثلوج جديدة خلال الليل ولم تكن كاسحة الثلج قد مرت في هذا الوقت. كانت الثلوج هي ثلوج أمسِ. لا يمكن أن يكونوا قد خرجا الليلة الماضية. إلا إذا خرجا سيرًا على الأقدام. لم تُزل الثلوج من ممرات السير الجانبية، اللهم إلا في الشارع الرئيسي وشوارع المدارس، وكان من الصعب السير عبر الشوارع الضيقة جراء طبقات الثلوج المتراكمة عليها، لكن، نظرًا لأنهما حديثا العهد بالبلدة، ربما خرجا غير مدركين لذلك.

لم يدقق النظر جيدًا ليرى إن كانت ثمة آثار أقدام أم لا.

•••

تصوَّر روبرت ما حدث. أولًا من خلال تقرير الشرطي، ثم من خلال بيج.

خرجت بيج من المنزل في حوالي الساعة الثامنة وعشرين دقيقة. كان كلايتون قد ذهب إلى المدرسة، وكان كيفين، الذي كان يتعافى من عدوى في أذنه، في البدروم يسمع شريطًا لبيلي آيدول، ويشاهد برنامج مسابقات في التليفزيون. لم تنسَ بيج البيض. دخلت إلى السيارة وأدارت المحرك لتسخينه، ثم سارت إلى الشارع، وخطت بقدميها على الثلج غير المُزاح عند مدخل بيت الزوجين ويبل، وسارت عبر ممر السيارة إلى الباب الجانبي. كانت ترتدي وشاحًا أبيض من التريكو، وتعتمر قلنسوة صوفية، وتضع معطفًا مبطنًا، باللون الأرجواني الفاتح. جعلت هذه المعاطف معظم النساء في جيلمور يبدون كالبراميل، لكن بيج كانت تبدو بمظهر حسن؛ نظرًا لنحافتها البالغة.

كانت المنازل في الشارع في الأصل من ثلاثة تصميمات. تغيَّر معظمها الآن على نحو كبير، فصارت بها نوافذ، وأروقة، وأجنحة، وأسطح جديدة، وكان من الصعب العثور على منازل قريبة الشبه ببعضها. كان منزل الزوجين ويبل نسخة طبق الأصل من منزل آل كايبر، لكن جرى تغيير النافذة الأمامية، ونُزعت الألواح الزجاجية التي كانت تشبه بطاقات المعايدة الخاصة بالكريسماس، وكان قد تم رفع السقف، بحيث صارت هناك نافذة كبيرة في الدور العلوي تُطل على الشارع. كان الجدار الخارجي للمنزل باللون الأخضر الفاتح، وكانت الزخرفة باللون الأبيض، ولم يكن ثمة مصاريع.

كان الباب الجانبي يفتح على غرفة الخدمات، مثلما هو الحال في بيت بيج. قرعت الباب قرعًا خفيفًا في البداية، ظانةً أنهما سيكونان في المطبخ، الذي كان على بعد خطوات قليلة فقط من غرفة الخدمات. كانت قد لاحظت وجود السيارة، بالطبع، وتساءلت عما إذا كانا قد عادا إلى المنزل في وقت متأخر وراحا في النوم. (لم تكن قد لاحظت بعدُ أن الثلج لم يُزح، وأن كاسحة الثلوج لم تكن قد مرت في الليل. جال هذا بخاطرها لاحقًا عندما دخلت إلى سيارتها ورجعت بها للخلف وسارت بها.) قرعت الباب قرعًا بصوت أعلى فأعلى. كانت تشعر بألم حاد لاسع في وجهها بسبب البرد القارس. حاولت فتح الباب ووجدت أنه لم يكن موصدًا. فتحته وخطت إلى الداخل ونادت.

كانت الغرفة الصغيرة مظلمة. لم يكن ثمة ضوء يذكر قادم من المطبخ، وكان ثمة ستارة من البامبو مُسدلة على الباب الجانبي. وضعت البيض على مجفف الملابس، وكانت ستتركه هناك، ثم حدثت نفسها بأن من الأفضل وضعه في المطبخ، في حال احتاج الزوجان ويبل إلى بيض على الإفطار وكان ما لديهما قد نفد. لن يفكرا في البحث عن البيض في غرفة الخدمات.

(كان هذا، في حقيقة الأمر، تخيله للموقف. لم تقل هي أيًّا من ذلك، لكنه نسي أنها لم تفعل. لم تقل سوى: «رأيت أنه من الأفضل أن أضع البيض في المطبخ».)

كان في المطبخ بعض من تلك الستائر المصنوعة من البامبو مسدلةً على نافذة الحوض وعلى نوافذ ركن الإفطار، وهو ما كان يعني أنه على الرغم من أن الغرفة كانت في مواجهة الشرق، مثل مطبخ آل كايبر، وعلى الرغم من أن الشمس كانت ساطعة في كبد السماء آنذاك، فلم يكد ضوء كثير يدخل. لم يكن اليوم قد بدأ هنا.

لكن المنزل كان دافئًا. ربما استيقظا منذ فترة وقاما بتشغيل جهاز التدفئة، ثم عادا إلى الفراش. ربما تركا جهاز التدفئة يعمل طوال الليل، على الرغم من أنهما كانا يبدوان بالنسبة لبيج أكثر اقتصادًا من ذلك. وضعت البيض على الطاولة إلى جانب الحوض. كان تصميم المطبخ يكاد يتطابق مع تصميم مطبخها. لاحظت تراص بعض الأطباق، مشطوفةً، لكنها غير مغسولة، كما لو كانا قد تناولا شيئًا قبل أن يخلدا إلى الفراش.

نادت مرةً أخرى عند عتبة غرفة المعيشة.

كانت غرفة المعيشة مرتبة على نحو رائع. كانت تبدو لبيج منظمة أكثر مما ينبغي، لكن ذلك ربما — مثلما قالت لروبرت — كان هو المظهر الذي من المفترض أن تكون عليه غرفة معيشة زوجين متقاعدين بالنسبة إلى امرأة اعتادت على وجود أطفال حولها. لم تجد بيج في حياتها قط نظامًا حولها بقدر ما كانت تريد، في ظل انتقالها من منزل عائلتها حيث كان هناك ستة أطفال إلى منزل مزدحم بمزرعة أهل زوجها، الذي زادت ازدحامه بأطفالها. كانت قد حكت لروبرت قصة طلبها قطعة جميلة من الصابون لاستخدامها في الكريسماس، صابونة قرنفلية اللون عليها ورود بارزة. حصلت على قطعة الصابون، واعتادت على إخفائها بعد كل استخدام بحيث لا تتشقق ولا تبلى، على النحو الذي كان يحدث للصابون في ذلك المنزل. كانت ناضجة بما يكفي في ذلك الوقت، أو هكذا كانت تظن.

كانت قد نفضت الثلج عن حذائها طويل العنق في غرفة الخدمات. على الرغم من ذلك، ترددت في السير عبر بساط غرفة المعيشة النظيف، ذي اللون البيج الفاتح. نادت مرة أخرى. استخدمت في ندائها الأسماء الأولى للزوجين ويبل، التي كانت تكاد تعرفهما. والتر ونورا. كانا قد انتقلا إلى هنا في أبريل الماضي، ومنذ هذا الحين، خرجا في رحلتين؛ لذا لم تشعر أنها كانت تعرفهما جيدًا على الإطلاق، لكن بدا سخيفًا أن تنادي: «السيد والسيدة ويبل. هل استيقظتما، أيها السيد والسيدة ويبل؟»

لا إجابة.

كان لديهما سلالم تفضي إلى أعلى من غرفة المعيشة، مثلما كان الحال لدى منزل بيج وروبرت. سارت بيج عبر البساط النظيف، فاتح اللون إلى أسفل السلم، الذي كان مفروشًا بالبساط نفسه. بدأت في صعود السلالم. لم تنادِ مرة أخرى.

لا بد أنها اكتشفت الأمر آنذاك وإلا كانت ستنادي. كان ذلك هو الأمر الطبيعي، أن تظل تنادي كلما اقتربت من مكان نوم من تنادي عليهم. لتنبيههم. ربما كانا يغطَّان في نوم عميق. ربما كانا ثملين. لم تكن هذه هي عادة الزوجين ويبل، بقدر ما كان الجميع يعرف، لكن لم يكن ثمة أحد يعرفهما جيدًا؛ شخصان متقاعدان تقاعدًا مبكرًا. كان هو محاسبًا، وكانت هي مدرسة. كانا يعيشان في هاملتون. كانا قد اختارا جيلمور لأن والتر ويبل كان لديه عم وعمة يعيشان هنا، وكان قد زارهما عندما كان طفلًا. كلاهما ميت الآن، العم والعمة، لكن يبدو أن المكان كان يحمل ذكريات سارة له. وكان المنزل رخيصًا؛ كان المنزل أرخص بالتأكيد من أي منزل آخر كانا لا يستطيعان تحمل تكلفته. كان ينويان إنفاق أموالهما في السفر. فليس لديهما أطفال.

لم تنادِ، لم تتوقف ثانيةً. صعدت السلالم ولم تنظر حولها وهي تصعد؛ كانت تنظر أمامها مباشرةً. كان أمامها الحمام، بابه مفتوح. كان نظيفًا وخاليًا.

استدارت عند قمة السلالم تجاه غرفة الزوجين ويبل. لم تكن قد صعدت إلى الدور العلوي من قبل في هذا المنزل، لكنها كانت تعرف مكان غرفة النوم. كانت الغرفة الممتدة في الواجهة، ذات النافذة الواسعة المطلة على الشارع.

كان باب تلك الغرفة مفتوحًا.

•••

نزلت بيج إلى الدور السفلي وغادرت المنزل مرورًا بالمطبخ، وغرفة الخدمات، والباب الجانبي. ظهرت آثار أقدامها على البساط وعلى القرميدات المغطاة بالمشمع، وفي الخارج على الثلوج. أغلقت الباب خلفها. كانت سيارتها تعمل أثناء كل ذلك وكانت غارقة في سحابتها الصغيرة من الدخان. دخلت السيارة ورجعت بها إلى الخلف وقادتها إلى قسم الشرطة في مجلس البلدة.

قال الشرطي: «هذا صباح شديد البرودة يا بيج.»

«نعم، هو كذلك.»

«إذن ماذا يمكن أن أفعل لك؟»

•••

حصل روبرت على المزيد من المعلومات من كارين.

كانت كارين آدامز موظفة في متجر جيلمور آركيد. كانت امرأة شابة متزوجة، قوية البنيان، مرحة أحيانًا، حاضرة الذهن دون أن تبدو كذلك، تتمتع بالكفاءة دون ضجيج. كانت تتعامل على نحو جيد مع الزبائن؛ كانت تتعامل جيدًا مع بيج وروبرت. كانت تعرف بيج منذ فترة أطول، بالطبع. كانت تدافع عن بيج أمام الأشخاص الذين كانوا يقولون إنها قد أصابها الغرور منذ أن تزوجت رجلًا ثريًّا. كانت تقول إن بيج لم تتغير عما كانت عليه دومًا. لكن بعد اليوم قالت: «كنت أعتقد دومًا أنني وبيج صديقتان، لكنني لست متأكدة من ذلك الآن.»

بدأت كارين العمل في العاشرة. وصلت قبل ذلك بقليل وسألت عما إذا كان ثمة زبائن، وقالت بيج: لا، لا أحد.

قالت كارين: «لا أشعر بالدهشة … الطقس بارد جدًّا. إذا كانت ثمة رياح، فالجو سيصبح قاتلًا.»

كانت بيج قد أعدت قهوة. لديهم ماكينة قهوة جديدة، هدية روبرت في الكريسماس للمتجر. كانتا معتادتين على طلب طعام من المخبز في نهاية الشارع.

قالت كارين بينما كانت تحضر قهوتها: «أليس هذا الشيء مدهشًا؟»

قالت بيج نعم. بينما كانت تمسح بعض البقع على الأرضية.

قالت كارين: «يا إلهي … هل كان ذلك مني أم منك؟»

قالت بيج: «أظن أن ذلك كان بسببي.»

قالت كارين لاحقًا: «لذا، لم أفكر في ذلك … اعتقدتُ أنها وطئت بعض الطين. لم أتوقف لأفكر، أين تطأ طينًا مع وجود كل هذه الثلوج في الأرض؟»

بعد فترة، دخل زبون، كانت سيليا سيمز، وكانت قد سمعت بالأمر. كانت كارين جالسة إلى ماكينة النقدية، وكانت بيج في القسم الخلفي من المتجر، تتفحص بعض الفواتير. أخبرت سيليا كارين، لم تكن تعرف كثيرًا؛ لم تكن تعرف كيف وقع الأمر أو أن بيج كان لها صلة بالأمر.

نادت كارين في اتجاه القسم الخلفي من المتجر. «بيج! بيج! حدث شيء رهيب، لجيرانك المجاورين لك!»

ردَّت بيج قائلةً: «أعرف ذلك.»

رفعت سيليا حاجبيها في وجه كارين — كانت واحدة من أولئك الذين لا يحبون أسلوب بيج — فتنحَّت كارين في هدوء جانبًا وانتظرت حتى غادرت سيليا المتجر. ثم أسرعت إلى القسم الخلفي من المتجر، مما جعل الشماعات تصلصل في الأرفف.

«قتل الزوجان ويبل بالرصاص يا بيج. هل كنت تعلمين ذلك؟»

قالت بيج: «نعم. عثرت عليهما.»

«عثرت عليهما! متى؟»

«هذا الصباح، قبل أن آتي إلى العمل مباشرةً.»

«قُتلا!»

قالت بيج: «كان انتحارًا … أطلق الرصاص عليها ثم على نفسه. هذا ما حدث.»

قالت كارين: «عندما أخبرتني بذلك … بدأت في الارتجاف. كان جسدي كله ينتفض ولم أستطع منع نفسي من ذلك.» مخبرةً روبرت بذلك، ارتجفت مرة أخرى لتريه، واضعةً يديها داخل كمَّي سترتها الرياضية الزرقاء المصنوعة من القطيفة.

«لذا قلت: «ماذا فعلتِ عندما عثرت عليهما؟» فقالت: «أخبرت الشرطة.» قلتُ: «هل صرختِ، أم ماذا فعلت؟» تساءلت في نفسي عما إذا كانت رجلاها انثنت أم لا؛ لأنني أعرف أن رجليَّ كانتا ستنثنيان. لا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن أن أخرج من هناك. قالت إنها لا تتذكر كثيرًا مما حدث أثناء خروجها، لكنها كانت تتذكر جيدًا أنها أغلقت الباب، الباب الخارجي، محدثةً نفسها قائلةً: تأكدي من إغلاق الباب تحسبًا لدخول كلب. أليس هذا مريعًا؟ كانت على حق، لكن الأمر كان مريعًا بحيث يصعب تخيله. أتظن أنها مصدومة؟»

قال روبرت: «لا … أعتقد أنها بخير.»

كانت هذه المحادثة تجري في القسم الخلفي من المتجر في وقت ما بعد الظهيرة، عندما كانت بيج قد خرجت لتتناول شطيرة.

«لم تتفوه بكلمة إليَّ. لا شيء على الإطلاق. قلتُ: «كيف لم تتفوهي بأي كلمة بشأن هذا يا بيج؟» فقالت: «كنت أعرف أنكِ ستعرفين قريبًا.» قلتُ: «نعم، لكن كان بإمكانك إخباري.» قالت: «أنا آسفة.» مثلما تعتذر عن شيء بسيط مثل استخدام قدحي الخاص بالقهوة. ليس هذا هو السلوك المنتظر من بيج أبدًا.»

•••

كان روبرت قد فرغ مما يفعله في متجر كينيلي في وقت الظهيرة تقريبًا، وقرر أن يعود إلى جيلمور قبل أن يتناول أي شيء. كان ثمة مطعم على الطريق السريع خارج البلدة، على الطريق من كينيلي، وكان يعتقد أنه يستطيع التوقف هناك. كان بعض سائقي الشاحنات والمسافرين عادةً ما يتناولون طعامهم في هذا المطعم، لكن معظم من كان يذهب إلى هناك من السكان المحليين؛ مزارعون عائدون إلى مزارعهم، أصحاب أعمال وموظفون كانوا قد غادروا البلدة بسياراتهم. أعجب روبرت بالمطعم، وكان قد دخله اليوم وهو مبتهج. كان جائعًا جراء عمله في الهواء البارد، ويشعر بروعة الضوء الساطع في ذلك اليوم، وبدا له الثلج في الحقول منحوتًا، خاطفًا للأبصار، جامدًا مثل الرخام. كان يخالطه الشعور الذي كان يراوده في جيلمور عادةً، الشعور بالسير في اتجاه مسرح غير معروف، تعرض عليه مسرحية مفككة، لطيفة. وكان يعرف الدور الذي يقوم به؛ أو كان يعرف — على الأقل — أن ارتجالاته لن تفشل. كانت حياته في جيلمور في بعض الأحيان تبدو كما لو كانت يمكن وصفها هكذا، لكنه إذا حاول أن يصفها على هذا النحو، فكانت ستبدو كما لو كانت حياة مصطنعة، شيئًا منتحلًا، غير جاد تمامًا. وكان العكس تمامًا هو الصحيح. لذا، عندما كان يلتقي أحد الأشخاص من حياته القديمة، مثلما كان يصادف بعض الأشخاص في بعض الأحيان عندما كان يذهب إلى تورونتو، وكان يُسأل عن طبيعة الحياة في جيلمور، كان يقول: «لا أستطيع أن أصف كيف أحبها!» وهو ما كان حقيقيًّا تمامًا.

•••

«لماذا لم تهاتفيني؟»

«كنتَ في السطح.»

«كان بإمكانك أن تهاتفي المتجر وتخبري إيلي. كانت ستخبرني.»

«بم كان سيفيد ذلك؟»

«كنت سأعود إلى البيت على الأقل.»

كان قد عاد مباشرةً من المطعم إلى المتجر، دون تناول ما كان قد طلبه. لم يعتقد أنه سيجد بيج في أي حالة من حالات الانهيار — كان يعرفها جيدًا بحيث يدرك أنها لن تفعل ذلك — لكنه كان يعتقد أنها ستريد أن تعود إلى المنزل، وتطلب منه أن يعد لها شرابًا، وتقضي بعض الوقت في إخباره عن الأمر.

لم تكن ترغب في ذلك. كانت تريد أن تخرج إلى الشارع إلى المخبز لتشتري طعامها المعتاد؛ شطيرة لحم خنزير بالجبن.

«سمحت لكارين بالذهاب لتناول الغداء، لكن لم يكن لدي وقت. هل أجلب لك شطيرة؟ إذا لم تتناول الغداء في المطعم، فلن أفعل أنا أيضًا.»

عندما جلبت له الشطيرة، جلس وأكلها على المكتب حيث كانت تتفحص الفواتير. وضعت بُنًّا جديدًا وماءً في ماكينة القهوة.

«لا أستطيع أن أتخيل كيف عايشنا هذا الأمر.»

نظر إلى معطف بيج الأرجواني الفاتح المعلق إلى جانب معطف كارين الأحمر على باب الحمام. كانت ثمة بقعة طويلة جافة على معطفها من طلاء عنابي اللون، ممتدة حتى طرفه.

لم يكن ذلك طلاءً بالطبع. لكن على معطفها؟ كيف جاء الدم على معطفها؟ يبدو أنها احتكت بهما في تلك الحجرة. يبدو أنها اقتربت كثيرًا منهما.

ثم تذكر الحديث في المطعم، وأدرك أنها لم تكن بحاجة إلى الاقتراب هكذا. ربما جاءت الدماء من إطار الباب. كان الشرطي في المطعم، وقال إن ثمة دماء في كل مكان، وليس دماء فقط.

قال أحد الرجال في المطعم: «لم يكن يجدر به أن يستخدم بندقية في أمر كهذا.»

قال آخر: «ربما لم يكن يملك إلا هذه البندقية.»

•••

كان المتجر مزدحمًا بالزبائن في معظم فترة ما بعد الظهيرة. أناس في الشارع، وفي المخبز، والمقهى، والمصرف، ومكتب البريد، يتحدثون. كان الناس يريدون أن يتحدثوا وجهًا لوجه. كان عليهم الخروج وعمل ذلك، على الرغم من البرد. لم يكن الحديث في الهاتف كافيًا.

ما كان قد جرى أولًا، هكذا ظن روبرت، هو أن الناس تحدثوا في الهواتف، هاتفوا كل شخص كانوا يستطيعون التفكير فيه ممن لم يسمع بالأمر بعد. كانت كارين قد هاتفت صديقتها شيرلي، التي كانت ترقد في ذلك الوقت في الفراش مصابة بالبرد، وأمها، التي كانت في المستشفى، بها كسر في الورك. اتضح أن أمها كانت تعرف؛ كانت المستشفى كلها تعرف. وقالت شيرلي: «سبقتك أختي إلى معرفة الخبر.»

كان صحيحًا أن الناس كانوا يتطلعون إلى لحظة انتشار الخبر ويقدِّرون قيمتها — كانت كارين مستاءة من أخت شيرلي، التي لم تكن تعمل وكانت تتناول سماعة الهاتف متى شاءت — لكن كان ثمة تعاطف واحترام حقيقيان خلف هذا الشغف أيضًا. كان روبرت يعتقد ذلك. قالت كارين، وهو ما كان صحيحًا: «كنت أعلم أنها لم تكن سترغب في ألا تعرف.» لم يكن أحد سيرغب في ألا يعرف. أن يخرج إلى الشارع، دون أن يعرف. أن يذهب هنا وهناك يقوم بالأشياء اليومية المعتادة، دون أن يعرف. كان هو نفسه يشعر بالانزعاج، بل بالإهانة قليلًا، في أن يعتقد أنه لم يكن قد عرف؛ لم تدعه بيج يعرف.

جرى الحديث عما سبق أحداث هذا الصباح. أين شوهد الزوجان ويبل، وكيف كانا يعيشان حياة طبيعية يغمرها الهدوء والبراءة، ومتى كانت اللحظة التي تغير فيها كل شيء؟

لقد وقفت في الصف في بنك مونتريال في وقت ما فيما بعد ظهيرة يوم الجمعة.

لقد قص شعره صباح السبت.

كانا معًا، يشتريان البقالة، في متجر آي جي إيه مساء الجمعة في حوالي الساعة الثامنة.

ماذا اشتريا؟ مخزونًا كافيًا؟ مشتريات عليها تخفيضات، عروضًا معلنة، أكثر مما يكفي لمخزون يومين؟

ما يكفي ويزيد. شوال بطاطس، على سبيل المثال.

ثم جاء الدور على الأسباب. انتقل الحديث إلى الأسباب. بداهةً. لم تكن ثمة نظريات طُرحت في المطعم. لم يكن أحد يعرف السبب، لم يستطع أحد تخيل السبب. لكن مع نهاية فترة ما بعد الظهيرة، كانت ثمة تفسيرات كثيرة جدًّا للاختيار من بينها.

صعوبات مالية. كان قد شارك في مشروع استثماري في هاملتون. مشروع كان سيدر عليه أرباحًا خيالية لكنه فشل فشلًا ذريعًا. ضاعت جميع أموالهما وصار عليهما أن يعيشا ما تبقى من حياتهما على معاش التقاعد.

كانا يدينان بمال في صورة ضرائب دخل. كونه محاسبًا جعله يعتقد أنه يعرف كيف يتهرب من الأمر، لكن جرى اكتشاف ما فعل. كان سيجري فضح أمره، وربما إدانته وتجريسه علنًا، ويصير فقيرًا. حتى لو كان يخدع الحكومة فقط، فسيظل الأمر عارًا بالنسبة له عندما ينكشف هذا الأمر.

هل كان مبلغًا كبيرًا؟

بالتأكيد. كبير جدًّا.

لم يكن الأمر يتعلق بالمال على الإطلاق. كانا مريضين. أحدهما أو كلاهما. السرطان. التهاب مفاصل حاد يعوق الحركة. ألزهايمر. مشكلات نفسية متكررة. كان الأمر يتعلق بالمرض، لا المال. كانت المعاناة والعجز هما ما كانا يخشيانه، لا الفقر.

صار الانقسام في الرأي واضحًا بين الرجال والنساء. كان الرجال هم من كانوا يعتقدون بل يصرون على أن جوهر الأمر كان يتعلق بالمال، وكانت النساء هن من كن يتحدثن عن المرض. تساءلت بعض النساء في ازدراء: من يقتل نفسه لأنه فقير؟ أو حتى بسبب احتمال الذهاب إلى السجن؟ كانت امرأة، أيضًا، من كانت تشير إلى وجود تعاسة في الزواج، من كانت تشير إلى قصة خيانة اكتُشفت أو ذكرى خيانة قديمة.

استمع روبرت إلى جميع هذه التفسيرات لكنه لم يصدق أيًّا منها. خسارة المال، السرطان، ألزهايمر. كلها أسباب لها نفس القدر من المنطقية، هكذا بدت له هذه الأسباب، جميعها متساوٍ في عقمها وعدم جدواها. ما حدث أنه صدق كلًّا منها مدة خمس دقائق فقط، لا أكثر. لو كان يستطيع تصديق أحد هذه الأسباب، والتشبث به، لتخلص من حِمل ثقيل يجثم على صدره ويمنعه من التنفس.

(قالت له امرأة في المصرف: «لم يكونا ينتميان إلى جيلمور، حقيقةً.» ثم بدا عليها الحرج فأضافت: «لا أعني مثلك».)

انشغلت بيج في شراء سترات، وقفازات، وسترات ثلج للأطفال استعدادًا لموسم تخفيضات يناير. جاء أشخاص إليها عندما كانت تضع بطاقات الأسعار، وقالت لهم: «هل لي أن أساعدكم؟» بحيث يجري وضعهم في موضع الزبائن، فيضطرون إلى القول بأنهم يبغون شراء شيء ما. كان متجر آركيد يبيع ملابس السيدات والأطفال، والملاءات، والمناشف، وبكرات التريكو، وأدوات المطبخ، والحلوى المعلبة، والمجلات، والأقداح، والزهور الصناعية، والكثير من الأشياء الأخرى؛ لذا لم يكن صعبًا التفكير في شراء شيء ما.

عم كان الناس يبحثون حقيقةً؟ بالتأكيد ليس شيئًا من قبيل التفاصيل، الوصف. يريد عدد قليل جدًّا من الناس ذلك حقيقةً، أو سيقرون أنهم يريدون ذلك، بشكل متلهف وصريح. إنهم يريدون ذلك، ولا يريدون ذلك. يبدءون بطرح الأسئلة، ثم يتوقفون. يستمعون ثم يتراجعون. ربما أرادوا من بيج نوعًا من الإقرار، كلمة أو نظرة ما تجعلهم يخرجون، وهم يقولون: «بيج كايبر محطمة الأعصاب تمامًا.» «رأيت بيج كايبر. لم تتحدث كثيرًا لكن يمكن استشفاف أنها محطمة الأعصاب تمامًا.»

حاول بعض الناس التحدث إليها في الأمر، على أي حال.

«ألم يكن الأمر مريعًا ذلك الذي حدث لك؟»

«نعم، كان كذلك.»

«لا بد أنك تعرفينهما ولو قليلًا؛ كونك تعيشين إلى جوارهما.»

«ليس حقيقةً. كنا نعرفهما بالكاد.»

«ألم تلاحظي قط أي شيء عليهما يجعلك تظنين أن ذلك يمكن أن يحدث؟»

«لم نلاحظ أي شيء على الإطلاق.»

•••

تصوَّر روبرت الزوجين ويبل وهما يدخلان ويخرجان من سيارتهما في ممر السيارة الخاص بهما. كان ذلك حيث كان يراهما كثيرًا. تذكَّر زيارتهما في يوم الإهداء. كانت رجلاها الرماديتان تذكراه بالراهبات. أحرجت إشارتها للعذرية بيج والصبيين. ذكَّرت روبرت قليلًا بالنساء اللائي كان يعرفهن. كان زوجها أقل تحدثًا، وإن لم يكن خجولًا. تحدثا عن الطعام المكسيكي، وهو ما بدا أن الزوج لم يحبه. لم يكن يحب تناول الطعام في المطاعم.

كانت بيج قد قالت: «أوه، لا يحب الرجال ذلك أبدًا!»

أدهش ذلك روبرت، الذي سألها لاحقًا عما إذا كان ذلك يعني أنها كانت تريد أن تتناول الطعام في الخارج أكثر؟

«قلت ذلك حتى أكون في صفها. كنت أظن أنه ينظر إليها شزْرًا قليلًا.»

هل كان ينظر شزرًا؟ لم يلاحظ روبرت ذلك. بدا الرجل متحكمًا في نفسه بشكل كبير بحيث لا يمكن أن ينظر إلى زوجته شزرًا أمام الناس. بدا طيبًا أكثر مما ينبغي، بشكل عام، ربما بشكل ما متبلدًا أكثر مما ينبغي، حتى ينظر شزرًا إلى أي شخص في أي مكان.

لم يكن من طبيعة بيج المبالغة.

ظلت المعلومات تتوالى. اسم عائلة نورا قبل الزواج هو درسكول. نورا درسكول. كان أحد الأشخاص يعرف امرأة كانت تدرِّس معها في المدرسة نفسها في هاملتون. كانت مدرِّسة محبوبة، امرأة أنيقة ترتدي ملابسها على الموضة، كانت تعاني من مشكلات في الحفاظ على النظام داخل الفصول. كانت قد تلقت دورة تدريبية في المحادثة باللغة الفرنسية، ودورة تدريبية في الطهي على الطريقة الفرنسية.

كانت قد سألتها بعض النساء هنا ما إذا كانت مهتمة بإنشاء نادٍ لمناقشة الكتب، وأجابت بالإيجاب.

كان عضوًا في جهات عديدة في هاملتون، أكثر مما كان هنا. نادي الروتاري. نادي الليونز. ربما كان مرد ذلك إلى أسباب مرتبطة بالعمل.

لم يكونا يذهبان إلى الكنيسة، بحسب ما يعرف الناس، في أيٍّ من البلدتين.

•••

(كان روبرت محقًّا بشأن الأسباب. يصير كل شيء معروفًا في جيلمور، عاجلًا أو آجلًا. يجري النظر إلى السرية والخصوصية باعتبارهما ضد المصلحة العامة. هناك شبكة من الأشخاص المتزوجين إما من الأشخاص الذين يعملون في الجهات التي يجري فيها حفظ جميع أنواع السجلات، أو من أشخاص على صلة قرابة بهم.

لم يكن ثمة مشروع استثماري، في هاملتون أو في أي مكان آخر. لا وجود لتحقيق حول ضريبة الدخل. لا مشكلة بشأن المال. لا وجود لمرض السرطان، أو لقلب مريض، أو ضغط دم مرتفع. كانت قد استشارت الطبيب حول معاناتها من حالات صداع، لكن الطبيب لم يكن يظن أنها مصابة بصداع نصفي، أو بأي شيء آخر.

في الجنازة يوم الخميس، تحدَّث قس الكنيسة المتحدة، الذي كان عادةً ما يقوم على الجنازات التي ليس للميت فيها أقرباء معروفون، عن الضغوط والتوترات في الحياة الحديثة لكنه لم يعط أي إشارات واضحة. أُصيب البعض بخيبة الأمل، كما لو كانوا يتوقعون منه أن يقوم بذلك، أو كانوا يظنون أنه كان سيذكر ربما على الأقل مخاطر الابتعاد عن الإيمان وعدم الذهاب إلى الكنيسة، خطيئة القنوط من رحمة الرب. اعتقد آخرون أن قول أي شيء أكثر مما قال يخرجه من دائرة اللياقة.)

•••

الشخص الآخر الذي كان يعتقد أن بيج كان يجب أن تخبره هو كيفين. كان ينتظرهما عندما عادا إلى المنزل. كان لا يزال يرتدي البيجامة.

لماذا لم تعد إلى المنزل بدلًا من التوجه إلى قسم الشرطة؟ لماذا لم تنادِ عليه؟ كان بإمكانها أن تعود وتهاتف الشرطة من المنزل. كان بإمكان كيفين أن يهاتف الشرطة. على الأقل، كان بإمكانها مهاتفته من المتجر.

كان في البدروم طوال الصباح، يشاهد التليفزيون. لم يسمع صوت الشرطة وهي تأتي؛ لم يرَهم يدخلون ويخرجون. لم يكن قد عرف أي شيء عما كان يجري حتى هاتفته صديقته، شانا، من المدرسة في وقت الراحة.

«قالت إنهم أخرجوا الجثمانين في أكياس قمامة.»

قال كلايتون: «كيف عرَفَت؟ … اعتقدتُ أنها كانت في المدرسة.»

«أخبرها أحدهم.»

«عرفت ذلك من التليفزيون.»

«قالت إنهم أخرجوهما في أكياس قمامة.»

«شانا غبية. إنها لا تصلح إلا لشيء واحد.»

«هناك بعض الأشخاص الذين لا يصلحون لأي شيء.»

كان كلايتون يبلغ من العمر ستة عشر عامًا، وكيفين أربعة عشر عامًا. تفصل بينهما سنتان في العمر لكن ثلاث سنوات في المدرسة؛ نظرًا لأن كلايتون جرى تصعيده في المدرسة، أما كيفين، فلا.

قالت بيج: «كفى.» كانت قد أحضرت بعض صوص مكرونة الإسباجيتي من الفريزر وكانت تذيبه في قدر الغليان المزدوج. «كلايتون. كيفين. افعلا شيئًا واصنعا بعض السلاطة.»

قال كيفين: «أنا مريض. ربما ألوثها.»

تناولت مفرش المائدة ولفته حول كتفيه مثل وشاح.

قال كلايتون: «هل يجب أن نأكل على هذا المفرش؟ بعد أن تلوث بإفرازاته؟»

قالت بيج لروبرت: «هل لدينا نبيذ؟»

كانا في الغالب يتناولان النبيذ في ليالي السبت والأحد، لكن لم يفكر روبرت في هذا الليلةَ. نزل إلى البدروم لإحضار النبيذ. عندما عاد، كانت بيج تضع مكرونة الإسباجيتي في إناء الطهي وكان كيفين قد أزاح مفرش المائدة. كان كلايتون يعد السلاطة. كان كلايتون دقيق العظام، مثل أمه، ولديه دافع كبير للتفوق. عدَّاءً من الدرجة الأولى، رائع في حل الاختبارات.

كان كيفين يجول عبر المطبخ، يعترض طريق الجميع، ليتحدث إلى بيج. كان كيفين أطول من كلايتون وبيج، ربما أطول من روبرت. كتفاه كبيرتان، ورجلاه نحيفتان، وشعره أسود يصففه على نحو قريب من قصة شعر موهوك؛ كانت شانا قد اختارت له تلك القَصَّة. كانت توجد بثور عادة في جلده فاتح اللون. لم يبدُ أن الفتيات كن يمانعن في ذلك.

قال كيفين: «إذن هل كان ثمة …؟ هل كان ثمة دماء وبقايا لزجة في كل مكان؟»

قال كلايتون: «غول!»

قال روبرت: «إنهما كانا بَشَرَيْنِ يا كيفين.»

قال كيفين: «كانا … أعلم أنهما «كانا» بشرين. أعددتُ شرابهما في يوم الإهداء. شربت الجين وشرب هو الويسكي الكندي. كانا بشرين آنذاك، لكنهما ليسا إلا مواد كيميائية الآن. أمي؟ ماذا رأيت أولًا؟ قالت شانا إنه كانت هناك دماء وبقايا لزجة حتى في المدخل.»

قال كلايتون: «لقد توحش بسبب الساعات الطويلة التي يقضيها أمام التليفزيون … يظن أن هذا جزء من فيلم. لا يستطيع التفرقة بين الدماء الحقيقية والدماء المصطنعة.»

«أمي؟ هل تناثرت الدماء؟»

يتبع روبرت قاعدة تقضي بترك بيج تتعامل مع ابنيها إلا إذا طلبت مساعدته. لكنه قال في هذه المرة: «كيفين، تعلم أنك يجب أن تكف عن الكلام الآن.»

قال كلايتون: «لا يستطيع أن يتوقف عن ذلك … عن أن يتصرف بوحشية.»

«أنت أيضًا يا كلايتون. أنت أيضًا.»

لكن بعد برهة، قال كلايتون: «أمي؟ هل صرخت؟»

قالت بيج في تدبُّر: «لا … لم أفعل. أظن لأنه لم يكن ثمة أحد حتى يسمعني؛ لذا لم أفعل.»

قال كيفين، محاولًا في حذر العودة للحديث: «ربما كنت سأسمعك.»

«كنت تشغل التليفزيون.»

«كان الصوت مكتومًا. كنت أشغل شريط الكاسيت. ربما كنت سأسمعك أثناء تشغيل الشريط إذا صرخت عاليًا بما يكفي.»

رفعت بيج شريحة إسباجيتي حتى تتذوقها. كان روبرت يراقبها، من وقت إلى آخر. كان سيقول إنه كان يراقبها حتى يرى إذا كانت تعاني من أي شيء، إذا بدت غير طبيعية أو خدرة الأطراف، أو بدت في جسدها ارتعاشة، أو ما إذا كانت تسقط الأشياء، أو تصدر صلصلة عالية أثناء تحريك القدور. لكنه في الحقيقة كان يراقبها نظرًا لعدم تعرضها لأي مما سبق، ونظرًا لأنه كان يعرف أنها لن تتعرض لأيٍّ منها. كانت تُعد وجبة عادية، وهي تستمع إلى الصبيين بطريقتها الانتقادية، الهادئة قليلًا. كان الشيء الذي بدا مختلفًا عن المعتاد بالنسبة لروبرت هو بهاءها، وخفتها، وسرعتها، وسهولة حركتها في المطبخ.

بدت نبرة صوتها في حديثها إلى أبنائها، في ظل صرامتها، هادئة بصورة صادمة.

«كيفين، هيا اذهب وارتدِ بعض الملابس، إذا كنت تريد أن تأكل على المائدة.»

«سآكل وأنا أرتدي البيجامة.»

«لا.»

«سآكل في الفراش.»

«ليس الإسباجيتي، لا يمكنك فعل ذلك.»

•••

بينما كانا يغسلان الأوعية والأواني معًا — كان كلايتون قد ذهب يعدو وكان كيفين يتحدث إلى شانا عبر الهاتف — أخبرت بيج روبرت بجانبها من القصة. لم يطلب منها ذلك، مستخدمًا كلمات كثيرة. بدأ قائلًا: «إذن، عندما ذهبت إلى هناك، ألم يكن الباب موصدًا؟» ثم بدأت تسرد له القصة.

سألها روبرت: «هل تمانعين في الحديث عن الأمر؟»

«أعلم أنك سترغب في أن تعرف.»

أخبرته أنها كانت تعرف ماذا جرى — على الأقل، كانت تعلم أن ثمة شيئًا رهيبًا وقع — قبل أن تصعد السلالم.

«هل كنت خائفة؟»

«لا. لم أفكر في الأمر على هذا النحو؛ أن أكون خائفة.»

«كان من الممكن أن يكون ثمة أحد في الدور العلوي يحمل بندقية.»

«لا. كنت أعلم أن ليس ثمة أحد. كنت أعلم أن ليس ثمة أحد حي سواي في المنزل. ثم رأيتُ رجله، رأيتُ رجله ممددة في الردهة، وأدركت الأمر حينئذ، لكن كان عليَّ أن أدخل وأتأكد.»

قال روبرت: «أفهم ذلك.»

«لم تكن القدم التي كان قد خلع عنها الحذاء التي رأيتها. خلع الحذاء عن قدمه الأخرى، بحيث يستطيع استخدام إبهام تلك القدم في الضغط على الزناد عندما أطلق الرصاص على نفسه. هكذا قام بقتل نفسه.»

كان روبرت يعلم كل ذلك بالفعل، من خلال الأحاديث في المطعم.

قالت بيج: «إذن … هذا هو كل شيء.»

نفضت ماء غسيل الأطباق عن يديها، وجففتهما، وبنظرة فاحصة، بدأت في دعك يديها باستخدام غسول.

جاء كلايتون عند الباب الجانبي. نفض الثلج عن حذائه وصعد السلالم.

قال: «يجب أن تروا السيارات … سيارات غبية تسير في هذا الشارع ببطء. ثم تستدير عند نهاية الشارع وتعود مرة أخرى. أتمنى لو أنها تتعطل. وقفت هناك ونظرت إليهم نظرات ساخطة، لكنني بدأت في التجمد من البرد؛ لذا اضطررت إلى الدخول.»

قال روبرت: «هذا طبيعي … يبدو الأمر سخيفًا لكنه طبيعي. لا يستطيعون تصديق الأمر؛ لذا يريدون أن يروا أين وقع الحادث.»

قال كلايتون: «لا أفهم مشكلتهم في ذلك … لا أفهم لماذا لا يصدقون الأمر. صدقت أمي الأمر على الفور. ولم تستغرب الأمر.»

قالت بيج: «حسنًا، بالطبع استغربت الأمر.» وكانت هذه هي المرة الأولى التي لاحظ روبرت فيها نوعًا من التوتر في صوتها. «بالطبع استغربت الأمر يا كلايتون فقط لأنني لم أطلق العنان للصراخ.»

«لم تستغربي أنه يمكن أن يحدث لهما هذا؟»

«كنت بالكاد أعرفهما. كنت بالكاد أعرف الزوجين ويبل.»

قال كلايتون: «أعتقد أنهما تشاجرا.»

قالت بيج، حاكةً الغسول في جلدها بقوة: «لا نعرف ذلك … لا نعرف إذا كانا قد تشاجرا، أم ماذا حدث.»

قال كلايتون: «متى كنت أنت وأبي تتشاجران مثل ذلك؟ … أتذكران، بعد أن انتقلنا إلى البلدة؟ عندما كان يعود إلى المنزل؟ الذي بجوار مغسلة السيارات؟ عندما كنتما تتشاجران على هذا النحو، هل تعرفان فيم كنت أفكر؟ كنت أعتقد أن أحدكما كان سيأتي ويقتلني بسكين.»

قالت بيج: «هذا ليس صحيحًا.»

«هذا صحيح. كنت أفكر في ذلك.»

جلست بيج على المنضدة وغطَّت فمها بيديها. ارتعش فم كلايتون. لم يبدُ أنه كان يستطيع التوقف عن ذلك؛ لذا حوَّل هذا إلى ابتسامة ساخرة، صغيرة، منتفضة.

«هذا ما كنت أفكر فيه وأنا نائم على الفراش.»

«كلايتون. لم يكن أيٌّ منا ليؤذيَك قط.»

ظن روبرت أن الوقت حان ليقول شيئًا.

قال: «هذا مثل … زلزال أو بركان. يشبه الأمر هذا. هذا نوع من النوبات. ينتاب الناس نوبات مثلما تنتاب الأرض نوبات. لكن الأمر يحدث مرة واحدة خلال فترة طويلة. إنه حدث استثنائي.»

قال كلايتون، في سرور متحفظ: «الزلازل والبراكين ليست حوادث استثنائية … إذا أردت أن تطلق على ذلك نوبة، فيجب أن تطلق عليها نوبة دورية. مثل تلك التي تحدث للناس، للمتزوجين.»

قال روبرت: «لا يحدث لنا ذلك.» ونظر إلى بيج كما لو كان ينتظر منها أن توافقه.

لكن بيج كانت تنظر إلى كلايتون. هي من كانت تبدو دومًا ناضرة، وناعمة، وراضية، وإن كان يصعُب تلمُّس خواطرها مثل علامة مائية على ورق خفيف، بدت الآن ذابلة، شديدة الشحوب، وملامح جسدها جامدة في ألم منتظم، بائس، قوي.

قال كلايتون: «لا … لا، ليس لكما أنتما.»

•••

أخبرهم روبرت أنه ذاهب للسير قليلًا. عندما خرج، رأى أن كلايتون كان على صواب. كانت هناك سيارات تثير ضوضاء في الشارع، تستدير عن نهاية الشارع، شاقةً طريقها عائدة مرة أخرى. جاءت لتلقي نظرة. كان يوجد داخل هذه السيارات الأشخاص أنفسهم، ربما الأشخاص أنفسهم الذين كان يتحدث إليهم خلال فترة ما بعد الظهيرة. لكن بدا الآن كما لو كانوا ملتصقين بسياراتهم، صانعين نوعًا جديدًا من الوحوش جاء باحثًا عن شيء على نحو غاية في الفضول والقسوة.

لتفاديهم، اتجه إلى شارع مسدود قصير كان يتفرع من شارعهم. لم تُبن أي منازل في هذا الشارع على الإطلاق؛ لذا لم يجر كسح الثلج منه. لكن الثلج كان صلبًا، ويسهل السير عليه. لم يلحظ كيف كان سهلًا السير على الثلج إلا عندما أدرك أنه تجاوز نهاية الشارع نحو منحدر، والذي لم يكن منحدرًا أرضيًّا على الإطلاق، بل كومة ثلجية. غطَّت تلك الكومة السياج الذي كان يفصل عادةً الشارع عن الحقل. كان قد سار فوق السياج دون أن يعرف ماذا كان يفعل. كان الثلج شديد الصلابة.

سار هنا وهناك، يتحسس الثلج. كانت طبقة الثلج قد تحملت وزنه دون أن تصدر أي صوت أو تتشقق. كان الأمر هو نفسه في كل مكان. كان بإمكان المرء أن يسير فوق الحقول الثلجية كما لو كان يسير فوق أسمنت. (هذا الصباح، عند إلقائه نظرة على الثلج، ألم يتذكر الرخام؟) لكن هذه الطبقة الصلبة لم تكن ثابتة في كل مكان. كانت تعلو وتنخفض على نحو غير مرتبط كثيرًا بحدود الأرض تحته. خلق الثلج مشهده العام، الذي كان ممتدًا، على نحو مهيب واعتباطي.

بدلًا من التجول في الشوارع المكسوحة للبلدة، كان يمكن أن يسير على الحقول. كان بإمكانه أن يأخذ طريقًا مختصرًا إلى المطعم على الطريق السريع، الذي كان يظل مفتوحًا حتى منتصف الليل. كان سيتناول قدحًا من القهوة هناك، ثم يستدير راجعًا إلى المنزل.

•••

ذات ليلة، قبل حوالي ستة أشهر من زواج روبرت ببيج، كان هو ولي جالسين يحتسيان الخمر في شقته. كانا يتجادلان حول ما إذا كان مقبولًا، أو مثيرًا للغثيان، أن يضع المرء الحروف الأولى من اسم العائلة على مقتنياته الفضية. فجأة، احتد النقاش، لم يستطع روبرت تذكر كيف حدث ذلك، لكن النقاش احتد، ووجدا أنفسهما يتفوهان بأقسى كلام يمكن أن يقوله أحدهما للآخر. ثم تغيَّرت الأصوات من النبرة المرتفعة ووتيرة النقاش السريعة، إلى نبرة خفيضة تنم عن اشمئزاز غير خفي.

قالت لي: «تذكرني دومًا بكلب … تذكرني دومًا بأحد تلك الكلاب التي تندفع نحو الناس وتمسك بهم بتودد، أثناء تدلي ألسنتها المنفرة الكبيرة. أنت مندفع للغاية. كل لطفك واندفاعك ما هو إلا اعتداء حقيقي. لست الوحيدة التي تراك هكذا. يتحاشاك كثير من الناس. لا يستطيعون تحملك. ستندهش. تدفع وتنشب مخالبك على هذا النحو المندفع المؤثر، لكنك تمتلك نظرة ماكرة؛ لذا لا أعبأ إذا آذيتك.»

قال روبرت في هدوء: «ربما يجب أن أخبرك بأحد الأشياء التي لا أحبها فيك، إذن … الطريقة التي تضحكين بها. في الهاتف خاصةً. تضحكين في نهاية كل جملة تقريبًا. كنت أعتقد أنها لازمة عصبية، لكن ذلك كان يزعجني دومًا. وعرفت لماذا. تخبرين دومًا من يهاتفك عن معاملة ظالمة تعرضت لها في مكان ما أو ملاحظة قاسية قالها لك شخص ما؛ وهو ما يمثل ثلثي كلامك المتمركز حول الذات، الممل بصورة هائلة. ثم تضحكين، ها-ها، تتقبلين الأمر، لا تتوقعين شيئًا أفضل. تلك ضحكة مريضة.»

بعد المزيد من ذلك، بدآ في الضحك، روبرت ولي، لكن الضحك لم يكن ضحكًا مفضيًا إلى التصالح؛ لم ينتقلا إلى حال من الارتياح بينهما، صائحين: «يا للخسة، لم أقصد ذلك، هل قصدت أنت ذلك؟» («لا، بالطبع لا، بالطبع لم أقصد ذلك».) ضحكا إدراكًا منهما لبعد أحدهما عن الآخر، تمامًا مثلما قد يضحكان في وقت آخر، في وسط اعترافات رقيقة بصورة مدهشة، مختلفة تمامًا. ارتعشا في سرور قاتل، على غرار إثارة من قال شيئًا لا يمكن الرجوع عنه أبدًا؛ سعدا للسهام التي وجهها كل طرف للآخر ولتلك التي تلقاها، وقال أحدهما عند نقطة ما: «هذه هي المرة الأولى التي نقول فيها الحقيقة منذ أن التقينا!» فحتى الأشياء التي كانت بشكل أو بآخر وليدة اللحظة فيما قالاه بدت كأكثر الحقائق أهمية التي كانت تنمو داخلهما منذ فترة طويلة وتسعى لشق طريقها للخروج.

لم يكن أمرًا بعيدًا الانتقال من الضحك إلى المضاجعة، وهو ما فعلاه، دون أي نكوص. أصدر روبرت أصواتًا نابحة، مثلما يفعل الكلب، وتشمَّم لي على نحو جارح، ضاغطًا في شهية حقيقية على لحمها. فيما بعد، شعر كلٌّ منهما بسأم عظيم من الآخر، لكنهما لم يعودا إلى تبادل اللوم.

•••

قال روبرت لبيج: «هناك أشياء أريد أن أنساها تمامًا وإلى الأبد.» تحدث معها حول الحد من خسائره، وترك العادات السيئة القديمة، والتوقف عن خداع الآخرين وخداع نفسه، والفِكَر المغلوطة عن الحياة، وعن نفسه. قال إنه كان مسرفًا عاطفيًّا، وألقى بنفسه في ورطات مؤلمة، لا رجاء منها من أجل تجنب أي علاقة عادية. كان كل ذلك من قبيل التجربة والتباهي، رفض الأمور العادية، المقبولة في الحياة. هكذا قال لها. أخطاء التجنب، عندما كان يعتقد أنه يقوم بمخاطر ويمر بخبرات عنيفة.

قال: «أخطاء التجنب التي ظننتها أخطاء العاطفة.» ثم ظن أنه كان يبدو متكلفًا بينما كان في حقيقة الأمر ينضح إخلاصًا، بكل ما يصاحبه من جهد وارتياح.

في المقابل، أخبرته بيج ببعض الحقائق.

كنا نعيش مع والدَي ديف. لم يكن ثمة ماء دافئ كافٍ قط لتحميم الرضيع. أخيرًا، تركنا هذا المنزل وتوجهنا إلى البلدة، وأقمنا إلى جانب مغسلة السيارات. كان ديف يمكث معنا في عطلات نهاية الأسبوع فقط آنذاك. كان المكان ضاجًّا بشدة، خاصةً ليلًا. ثم حصل ديف على وظيفة أخرى، واتجه شمالًا، واستأجرت أنا هذا المكان.

أخطاء التجنب، أخطاء العاطفة. لم تقل ذلك.

كانت لدى ديف مشكلة في الكلى عندما كان صغيرًا، وترك المدرسة طوال فترة شتاء كاملة. قرأ كتابًا عن القطب الشمالي. كان على الأرجح الكتاب الوحيد الذي قرأه برغبته. على أي حال، كان دومًا يحلم بالقطب الشمالي، كان يرغب في الذهاب إلى هناك؛ لذا، ذهب إلى هناك في نهاية المطاف.

لا يمضي رجل بعيدًا أكثر فأكثر في أسفاره حتى يهجر زوجته. لا يفعل ذلك حتى لو كان يحلم دومًا بالقطب الشمالي. حدثت أشياء قبل أن يرحل. لن تنفك أواصر الزواج دون ألم، من خلال بعد المسافة. يجب أن يكون ثمة عذاب وجروح. لكنها لم تصرح بها، ولم يسأل هو، أو حتى لم يفكر في ذلك، حتى الآن.

•••

سار بسرعة جدًّا على طبقة الثلج، وعندما وصل إلى المطعم رأى أنه لم يرغب في الدخول بعد. كان سيعبر الطريق السريع ويسير قليلًا، ثم يدخل المطعم ليستدفئ في طريقه إلى المنزل.

بحلول وقت عودته إلى المنزل، ستكون سيارة الشرطة التي كانت منتظرة عند المطعم قد رحلت. كان ضابط النوبة الليلية في الداخل الآن، في وقت راحته. لم يكن ذلك هو الرجل نفسه الذي كان روبرت قد رآه واستمع إليه عندما دخل المطعم في طريقه إلى المنزل من كينيلي. لم يكن هذا الرجل قد رأى أي شيء رأي العين. لم يكن قد تحدث إلى بيج. على الرغم من ذلك، كان سيتحدث عن الأمر؛ كان الجميع سيتحدث عن الأمر، متحدثًا عن المشهد نفسه وطارحًا الأسئلة والاحتمالات نفسها. لا لوم عليهم.

عندما رأوا روبرت، كانوا سيرغبون في معرفة كيف كان حال بيج.

كان ثمة شيء كان سيسألها إياه، قبل أن يأتي كلايتون مباشرةً. على الأقل، كان يقلِّب السؤال على كافة جوانبه في عقله، متسائلًا عما إذا كان من الصواب أن يسألها. تناقض ما، تفصيلة ما، في وسط الكثير من التفاصيل البغيضة.

والآن عرف أن ذلك لن يكون من الصواب؛ لن يكون صوابًا أبدًا. لا يتعلق الأمر به أبدًا. تناقض ما، تفصيلة ما — كذبة ما — لا تتعلق به على الإطلاق.

بالسير على هذا السطح الرائع، لم يكن يشعر بالتعب. صار أكثر خفة. كان يبتعد أكثر فأكثر عن البلدة، على الرغم من أنه لم يدرك ذلك لفترة. في الهواء الصافي، كانت أضواء جيلمور ساطعة جدًّا حتى إنها بدت على بعد نصف حقل، بدلًا من نصف ميل، ثم ميل ونصف الميل، ثم ميلين. شرائح رقيقة جدًّا من الثلج، رقيقة مثل التراب، ولامعة، توجد على الطبقة التي تحمله. كان ثمة لمعان، أيضًا، حول أفرع الأشجار والجنبات التي كان يقترب منها. لم يكن الأمر يشبه الغطاء الذي تخلفه العواصف الثلجية على الغصينات والأفرع الرقيقة. كان المشهد يبدو كما لو أن الحَرَج نفسه تغيَّر وبدأ في اللمعان.

هذا هو الطقس الذي تتجمد الأنوف والأصابع فيه. لكن لم يكن ثمة شعور بالبرد.

كان يقترب كثيرًا من حَرَج كبير. كان يعبر جرفًا مائلًا طويلًا من الثلج، تظهر الأشجار أمامه وإلى جانبه. هناك، إلى الجانب، لفت شيء نظره. كان ثمة نوع من اللمعان تحت الأشجار؛ تجميعة من الأشكال، بها ثقوب سوداء، أذرع أو بتلات غير متناسقة تنتصب وصولًا إلى الأفرع السفلى من الأشجار. اتجه نحو هذه الأشكال، لكن ظلت ماهيتها غير واضحة. لم تبد كأي شيء كان يعرفه. لم تشبه أي شيء، اللهم إلا مثل عماليق مسلحين، نصف منهارين، مجمدين في وضع قتالي، أو مثل الأبراج المتشابكة في مدينة صغيرة مجنونة؛ مدينة صغيرة، من عصر الفضاء. ظل منتظرًا أي تفسير، ولم يتلق أي تفسير، حتى اقترب جدًّا. كان قريبًا أكثر مما ينبغي حتى إنه كاد يلمس أحد تلك المسوخ قبل أن يرى أنها لم تكن سوى سيارات قديمة. شاحنات وسيارات قديمة، بل وحافلة مدرسية، كان قد دُفع بها تحت الأشجار وتُركت. كان بعض منها مقلوبًا تمامًا، وكان بعضٌ آخر مقلوبًا فوق بعضٍ آخر في زوايا غريبة. كانت ممتلئة جزئيًّا — ومغطاة جزئيًّا — بالثلج. لم تكن الثقوب السوداء إلا أجزاء السيارات الداخلية. كانت أجزاء معوجة من الكروم، وأجزاء من المصابيح الأمامية، تلمع.

فكر في الكيفية التي سيخبر بها بيج بذلك؛ كيف كان عليه أن يقترب كثيرًا قبل أن يرى أن ما أثار دهشته وحيرته على هذا النحو لم يكن إلا حطامًا قديمًا، وكيف كان يشعر آنذاك بخيبة أمل، ورغبة في الضحك أيضًا. كانا يحتاجان إلى أشياء جديدة للحديث عنها. شعر الآن برغبة في العودة إلى المنزل.

•••

في الظهيرة، عندما كان الشرطي في المطعم يذكر روايته عن الحادث، أوضح كيف دفعت قوة الطلقة والتر ويبل إلى الخلف. «فجرته إلى أجزاء خارج الغرفة. كان رأسه يرقد في الردهة. كان ما تبقى من الرأس يرقد في الردهة.»

ليست رجلًا. ليست الرجل المقصودة؛ الرجل الكاملة والمتماسكة في بنطالها، القدم ذات الحذاء. لم يكن ذلك ما كان أي شخص يستدير عند أعلى السلالم سيراه ويخطو فوقه، يخوض فيه، من أجل بلوغ غرفة النوم وإلقاء نظرة على ما تبقى هناك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤