إسكيمو

تستطيع ماري جو سماع ما كان سيقوله دكتور ستريتر.

«أمم متحدة مصغرة هنا.»

كانت ماري جو، التي تعرف كيف تتعامل معه، ستشير إلى أن أي طائرة بها درجة أولى.

وكان سيقول إنه لم يكن ليدفع مبلغًا كبيرًا من المال فقط للحصول على ميزة احتساء شمبانيا مجانية.

«على أي حال، أنت تعلمين ما يجري في الدرجة الأولى. يابانيون. رجال أعمال يابانيون عائدون إلى بلادهم بعد شراء المزيد من بلادنا.»

ربما كانت ستقول ماري جو حينئذ إن اليابانيين لم يعودوا غرباء بالنسبة إليها. كانت ستقول هذا مُطرِقةً، كما لو كانت تتساءل عن الأمر، وكأنها تتحدث إلى نفسها.

«أعني، إنهم لم يعودوا جنسًا غريبًا بالنسبة لنا.»

«حسنًا، تبدين غريبة بالنسبة إليهم، ومن الأفضل ألا تنسي ذلك.»

وعندما يعبِّر دكتور ستريتر عن تلك الملاحظات، كان سيهدأ نفسيًّا. كان سيستقر إلى جانبها، مسرورًا أنهما حصلا على هذه المقاعد الأمامية حيث يوجد مكان يتسع لرجليه. فهو رجل طويل، ضخم البنية، متورد البشرة وذو شعر أبيض، كان سيلفت النظر هنا كثيرًا — كعملاق أخرق قليلًا، لكنه نبيل — بين الأشخاص أصحاب البشرة الأكثر سمرة، الأجناس ذات الأجساد الأكثر اكتنازًا والأدق عظمًا، في ملابسهم الزاهية أو ذات النقوش البراقة. كان سيستقر في مقعده كما لو كان يملك حقًّا في الوجود هنا، كما لو كان يملك حقًّا في الوجود على هذه الأرض؛ وهو حق لا يتساوى معه فيه إلا الرجال الآخرون الذين في نفس عمره وجنسه، الذين لهم نفس طريقة اللبس والتفكير.

لكنه لا يمد رجليه بجانبها، متبرمًا، مرتاحًا. هي راحلة إلى تاهيتي بمفردها. هذه الإجازة هي هديته لها في الكريسماس. تجلس في المقعد المجاور للممر بالطائرة، والمقعد المجاور للنافذة خالٍ.

•••

قالت ابنة دكتور ستريتر، ريا، منذ فترة ليست بالطويلة، متحدثةً إلى ماري جو عما يبدو أنه موضوعها المفضل؛ أبيها: «يملك عقل ديناصور، هذا كل ما في الأمر.» لديها قائمة بالموضوعات المفضلة، الموضوعات الجادة المفضلة — الانتشار النووي، الأمطار الحمضية، البطالة، فضلًا عن التعصب العنصري ووضع المرأة — لكن يبدو أن نظرتها لهذه الموضوعات تكون دائمًا من خلال أبيها. ليس أبوها بعيدًا عن التسبب في كل هذا، في تصور ريا. أبوها هو السبب في القنابل، والتلوث، والفقر، والتمييز. ولا تملك ماري جو إلا أن تُقر بأن هناك أشياء يقولها تفضي بالمرء إلى هذا الاستنتاج.

قالت ماري جو: «هذه آراؤه.» تصورت نوعًا من الديناصورات؛ الديناصور ذا الصفائح العظمية المتراصة بطول عموده الفقري؛ درع لافت، كقطعة ديكورية. «يجب أن يكون للرجال آراؤهم الخاصة بهم.»

يا له من شيء غبي يمكن أن يقوله أحد، خاصةً إلى ريا. ريا بنت تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا، لا تعمل، بدينة، مرحة، جميلة، لديها دراجة بخارية تتنقل بها. عندما قالت ماري جو ذلك، حدقت ريا فيها مدة دقيقة، ثم ابتسمت ابتسامتها البدينة البطيئة. ثم قالت في لين: «لماذا، ماري جو؟ لماذا يجب على الرجال أن تكون لديهم آراء خاصة بهم؟ حتى تطقطق النساء بألسنتهن بينما يدمر الرجال العالم؟»

خلعت خوذة قيادة الدراجة البخارية التي كانت مبللة من المطر، ووضعتها على مكتب ماري جو. كانت تنفض شعرها الأسود، الطويل، المتشابك.

قالت ماري جو في حماسة، متناولةً الخوذة وواضعةً إياها على الأرض: «لا يدمر أي رجل عالمي.» لم تشعر بأنها واثقة في هذه المحادثة مثلما كانت تبدو. ماذا كانت ريا تريد، حقًّا، عندما جاءت إلى مكتب أبيها وبدأت في بسط هذه الشكاوى المتنوعة؟ لم تتوقع بالتأكيد أن تتفق ماري جو مع رأيها. لا. كانت تريد أن تدافع ماري جو عن أبيها وتنتظر منها هذا، وذلك حتى تتسلى وتسخر من الأمر (أوه، بالتأكيد، ماري جو، إنك تنظرين إليه كإله!) وتتأكد من صحة اعتقادها في الوقت نفسه. كان من المفترض أن تقوم ماري جو بالمهمة التي كان يجب على أم هذه البنت أن تقوم بها؛ أن تجعلها تفهم أبيها، وتسامحه، وتعجب به، لكن زوجة دكتور ستريتر لم تكن امرأة تغفر أو تعجب بأحد، خاصةً زوجها. فهي تعاقر الخمر، وتظن نفسها ذكية جدًّا. في بعض الأحيان، تهاتف المكتب وتسأل عما إذا كانت تستطيع التحدث إلى «الشافي الأعظم». هي امرأة غير مهندمة، مرتفعة الصوت، كبيرة الحجم، ذات شعر أبيض مهوَّش، تحب أن تقضي وقتها مع الممثلين — هي عضو مجلس إدارة المسرح المحلي — وأساتذة اللغة الإنجليزية الذين يزعمون أنهم شعراء من الجامعة، التي تسعى للحصول منها على درجة الدكتوراه منذ عدة سنوات.

قالت ماري جو لريا؛ مشيرةً إلى مسألة لطالما أشارت إليها من قبل: «رجل مثل والدك، ينقذ حياة الكثيرين كل يوم … لا يمكن أن يُقال عنه إنه يدمر العالم.» لم تكن ماري جو تدافع عن دكتور ستريتر فقط لأنه كان رجلًا، وأبًا؛ ليس هذا على الإطلاق: لم يكن السبب أنها كانت تعتقد أن زوجته كان يجب أن تزرع بعض الاحترام له في أطفاله. كان سبب دفاعها عنه أنه كان أفضل طبيب قلب في هذا الجزء من البلاد؛ لأنه كان يكرِّس نفسه يوميًّا لعلاج الأشخاص ذوي الوجوه الشاحبة في غرفة الانتظار، حالات مرضى القلب، الأشخاص الذين يعيشون في خوف، في ألم. كانت حياته مكرسة تمامًا لخدمة الآخرين.

على الرغم من ارتدائها الخوذة، تبللت بعض الأجزاء في شعر ريا، وكانت تنفض قطرات الأمطار فوق مكتب ماري جو.

«ريا، راقبي شعرك، لو سمحت.»

«ما الذي يوجد في عالمك يا ماري جو؟»

«ليس لدي وقت لأخبرك.»

«أنت مشغولة جدًّا في مساعدة أبي.»

تعمل ماري جو لدى دكتور ستريتر منذ اثني عشر عامًا، وتعيش في الشقة الموجودة في الدور العلوي منذ عشرة أعوام. عندما كانت ريا أصغر سنًّا — مراهقة صاخبة، زائدة الوزن، عنيدة، لكن محبوبة — كانت معتادة على زيارة ماري جو في الشقة، وكان على ماري جو التأكد من إخفاء أي أثر للأوقات المنتظمة، وإن كانت ليست بالطويلة، التي كان يقضيها دكتور ستريتر هناك. الآن، لا بد أن ريا تعرف كل شيء عن ذلك، لكنها لا تسأل عن ذلك مباشرةً. تبدو في كثير من الأحيان كما لو كانت تستقصي عن الأمر، تسأل عنه من طرف خفي. تظل ماري جو شخصًا لطيفًا وكتومًا، غير أن الجهد الذي تبذله في ذلك يتعبها.

قالت ريا، وهي لا تزال تبتسم بطريقتها الخطرة، وشعرها وعيناها تلمع: «جميل أنك ذاهبة إلى تاهيتي … هل كنت ترغبين دومًا في الذهاب إلى هناك؟»

قالت ماري جو: «بالطبع … ومن لا يرغب في ذلك؟»

«إنه مدين لك بهذا. أعتقد أنه حان الوقت كي يرد لك بعض تفانيك في العمل معه.»

مضت ماري جو، دون أن تجيب، تملأ بعض السجلات. بعد فترة، هدأت ريا وبدأت في مناقشة إمكانية الحصول على بعض المال من أبيها لإجراء بعض الإصلاحات في دراجتها البخارية؛ وهو ما أتت من أجله إلى المكتب في المقام الأول.

•••

لماذا تعرف ريا دومًا كيف تطرح السؤال الصعب، على الرغم من سخريتها، ومحاضراتها، ودعايتها المتوقعة؟ «هل كنت ترغبين دومًا في الذهاب إلى هناك؟» تاهيتي، في حقيقة الأمر، مكان لم تفكر ماري جو في الذهاب إليه مطلقًا. تعني تاهيتي بالنسبة إليها أشجار النخيل، والزهور الحمراء، والأمواج الفيروزية اللولبية، والترف والكسل الاستوائيين اللذين لم يُثيرَا اهتمامها قط. يوجد شيء خالٍ من الخيال، وإن كان مؤثرًا، في الهدية، مثل تقديم الشوكولاتة في عيد الحب.

إجازة شتوية في تاهيتي! أراهن أنك تشعرين بالإثارة حيال الأمر!

حسنًا، أشعر بالإثارة بالتأكيد!

أخبرت المرضى، وأصدقاءها، وأخواتها — الذين تشك أنهم يظنون أنها تعيش حياة رتيبة — كيف تشعر بالإثارة حيال ذلك. فهي لم تستطع النوم الليلة السابقة، إذا كان هذا يدل على شيء. وقبل الساعة السادسة في ذلك الصباح — يبدو مثل وقت طويل مضى — كانت تقف عند نافذة شقتها، مرتديةً ملابس جديدة بالكامل، ومنتظرةً سيارة الأجرة حتى تصحبها إلى المطار. رحلة قصيرة، وعرة إلى تورونتو، ثم رحلة أطول من تورونتو إلى فانكوفر، ثم ها هي، تطير فوق المحيط الهادئ. نقطة توقف في هونولولو، ثم الانطلاق إلى تاهيتي. لا تستطيع التراجع عن ذلك.

كانت اليونان ستكون أفضل. أو إحدى الدول الاسكندنافية. حسنًا، ربما ليس الدول الاسكندنافية في هذا الوقت من العام. ربما أيرلندا. في الصيف الماضي، ذهب دكتور ستريتر وزوجته إلى أيرلندا. «تعمل» زوجته في رسالتها على أحد الشعراء الأيرلنديين. لا تفترض ماري جو لدقيقة واحدة أنهما قضيا وقتًا طيبًا هناك. من ذا الذي يقضي وقتًا طيبًا مع امرأة غير مهندمة كهذه، متقلبة المزاج، مثيرة للمتاعب؟ تعتقد أنهما سكرا كثيرًا. ذهب لاصطياد السلمون. وأقاما في قصر. إجازاتهما — وإجازاته هو وحده، عادةً ما تكون رحلات صيد — مكلفة دومًا، وتبدو بالنسبة إلى ماري جو طقسية ومرهقة. منزله، أيضًا، وحياته الاجتماعية وحياته العائلية؛ كل هذه الأشياء، مثلما تظن، رسمية كئيبة ومكلفة.

•••

عندما بدأت ماري جو العمل لدى دكتور ستريتر، كانت قد حصلت على شهادة التمريض منذ ثلاث سنوات، لكن لم تكن تملك أي مال إضافي؛ لأنها كانت ترد الأموال التي اقترضتها لتكمل تعليمها وتساعد أخواتها في استكمال تعليمهن. جاءت من بلدة صغيرة في مقاطعة هورون. كان والدها يعمل ضمن طاقم الصيانة في البلدة. كانت أمها قد ماتت مما كان يُطلق عليه «مرض بالقلب»؛ شيء عرفت ماري جو لاحقًا أنه مشكلة في القلب كان دكتور ستريتر يمكن أن يشخصها ويوصي بإجراء عملية لعلاجها.

بمجرد أن حصلت على مال كافٍ، بدأت ماري جو في الاهتمام بأسنانها. كانت تهتم بها؛ فلم تكن تضع أحمر شفاه قط، وكانت حريصة في طريقة ابتسامها. خلعت النابين العلويين وحشت الأسنان الأمامية. كانت لا تزال لا تحب مظهر أسنانها؛ لذا وضعت دعائم أسنان. كانت تخطط لتفتيح لون شعرها — الذي كان بنيًّا خالصًا — وشراء بعض الملابس الجديدة، وربما الانتقال بعيدًا، والحصول على وظيفة مختلفة بمجرد فك الدعائم. بحلول الوقت الذي تم فيه فك الدعائم، تغيَّرت حياتها دون أيٍّ من هذه الخطط.

حدثت بعض التغييرات الأخرى، بمرور الوقت؛ فمن فتاة تبدو عليها علامات الجدية، ممتلئة عند الوسط، ذات أسلوب لبق وصوت رقيق وصدر كبير؛ صارت امرأة نحيفة القوام أنيقة ذات شعر قصير ذي خصلات صفراء — أكثر جمالًا الآن من النساء الأخريات في نفس عمرها اللائي كن أكثر جمالًا بكثير منها عندما كنَّ صغيرات جميعًا — فضلًا عن امتلاكها لطريقة محببة لكن حازمة في الحديث. يصعُب تحديد أي فرق يمثِّل أيًّا من هذا بالنسبة لدكتور ستريتر. كان كثيرًا ما يطلب منها ألا تصبح جذابة أكثر مما ينبغي وإلا فسيلمحها أحدهم ويخطفها منه. لم تكن تشعر بالراحة في حديث كهذا، وكانت تجد رسالة غير مشجعة فيه. توقف عن قول أشياء كهذه، وكانت مسرورة. فقط مؤخرًا عاد مرة أخرى إلى قول ملاحظات كهذه، مشيرًا إلى رحلتها إلى هايتي. لكنها تعتقد أنها تعرف بصورة أفضل الآن كيف تتعامل معه، وتغيظه، قائلةً: لا يعرف المرء أبدًا، أو تقول: تحدث أشياء أكثر غرابة من هذا.

كان يحبها حين كانت لا تزال ترتدي دعائم الأسنان. كانت تضعها في المرة الأولى التي ضاجعها فيها. أدارت رأسها جانبًا، ظانةً أن فمًا مليئًا بالأشياء المعدنية ربما لن يكون شيئًا سارًّا. أغلق عينيه، وكانت تتساءل عما إذا كان ذلك يرجع إلى هذا السبب. لاحقًا، عرفت أنه كان دومًا يغلق عينيه. لا يريد أن يتذكر نفسه في هذه الأوقات، وربما لا يريد أن يتذكرها، أيضًا. كان تلذذه نهمًا ولكن منفردًا.

•••

يوجد على الجانب الآخر من ممر الطائرة إلى جانب ماري جو مقعدان خاليان، ثم عائلة شابة؛ أم وأب ورضيع وفتاة صغيرة تبلغ حوالي عامين. إيطاليان، أو يونانيان، أو إسبانيان، هكذا تظن ماري جو، ثم سرعان ما تكتشف من خلال حديثهما مع المضيفة أنهما يونانيان، لكنهما يعيشان حاليًّا في بيرث، أستراليا. كان صف المقاعد الذي يجلسون فيه — والذي كان تحت شاشة عرض الأفلام — المكان الوحيد على متن الطائرة الذي كان يوفر مكانًا لأشيائهما وجميع أنشطتهما العائلية؛ حقائب عازلة، وأطباق طعام بلاستيكية، ووسائد أطفال، والسرير القابل للطي الذي يتحول إلى مقعد، وزجاجات لبن، وزجاجات عصير، ودمية باندا كبيرة من أجل إسكات الفتاة الصغيرة. الأبوان منشغلان بصورة مستمرة بالطفلين؛ يلبسانهما بيجامتين بلون فاتح، يطعمانهما، يهدهدانهما، ينشدان الأغاني لهما. نعم، يخبران المضيفة المعجبة بالطفلين أنهما متقاربان جدًّا في العمر، لا يفصل بينهما سوى أربعة عشر شهرًا. الرضيع صبي. لديه مشكلة بسيطة في التسنين. تنتاب الفتاة نوبات غيرة من حين إلى آخر. كلا الطفلين يحبان الموز حبًّا جمًّا. هي تحب الموز كاملًا، وهو يحبه مهروسًا. أخرج فوطة الطعام الخاصة به، يا عزيزي، من الحقيبة الزرقاء. المنشفة، أيضًا، يسيل لعابه قليلًا. لا، المنشفة ليست هنا، في الحقيبة البلاستيكية. هيا أسرع. ها هي. أسرع. حسنًا.

تشعر ماري جو بالدهشة حيال المشاعر العدائية التي تشعر بها إزاء هذه العائلة المسالمة. لماذا يكدسان فمه بالطعام هكذا؟ تشعر كما لو كانت تريد أن تقول ذلك (إذ إنهما خلطا بعض الحبوب في طبق أزرق). يعتبر الطعام الصلب لا فائدة منه في هذا العمر؛ إذ يجعل الأبوين يزيحان المزيد من الطعام عند طرفي الفم. يا لها من جلبة لا داعي لها! يا له من تكديس للأمور وتباهٍ ورضاء، فقط لأنهما نجحا في الإنجاب! أيضًا، هما يعطلان المضيفة عندما يكون من المفترض أنها تقدِّم المشروبات للركاب.

يوجد في الصف خلفهما عائلة أخرى شابة، هندية. ترتدي الأم ساريًا أحمر مطرزًا بتطريزات ذهبية، ويرتدي الأب بذلة ضيقة كريمية اللون. أم نحيفة، صامتة، ترتدي مجوهرات ذهبية كثيرة؛ وأب بدين، يبدو كسولًا، يستمع إلى قناة أغاني الروك في السماعات التي يضعها على أذنيه. يمكن أن يعرف المرء أن قناة الأغاني التي يستمع إليها قناة أغاني الروك من خلال حركة أصابعه على بنطاله الكريمي اللون المفرود على فخذيه الممتلئتين. يجلس بين هذين الأبوين فتاتان صغيرتان، ترتديان ملابس حمراء بالكامل، وأساور وأقراطًا ذهبية، وحذاءين لامعين من الجلد، وأخ أصغر، ربما في عمر الفتاة اليونانية التي في الأمام، يرتدي بذلة، صورة مصغرة من بذلة أبيه؛ نفس الصديري، ولسان البنطال، والجيوب، وما إلى ذلك. تقدِّم المضيفة أقلام تلوين وكتب تلوين، لكن الفتاتين اللتين تتلألآن بالذهب الذي ترتديانه، تضحكان وتخبئان وجهيهما. تحضر لهما كوبين من أحد المشروبات الغازية بنكهة الزنجبيل. يهز الأخ الصغير رأسه عند رؤية هذا. ويتسلق إلى حجر أمه، فتُخرج من الساري ثديًا حلمته داكنة، جاهزًا للإرضاع. يستقر هناك، يهدأ ويرضع وعيناه مفتوحتان، ينظر نظرة سعيدة ومسيطرة في آن واحد.

طريقة سير الأمور لا تناسب ماري جو على الإطلاق. ليست معتادة على الشعور بهذا النفور؛ تعرف أن هذا ليس معقولًا. لا تشعر بشعور كهذا في المكتب على الإطلاق. مهما كانت الصعوبات التي تحدث في المكتب، أو مهما كانت تشعر بالتعب، تتعامل بسهولة مع أي نوع من السلوك الغريب أو الفظ، مع العادات البغيضة، الروائح الكريهة، الأسئلة غير المعقولة. ثمة شيء ليس على ما يرام بها. لم تنم. تشعر بوجود التهاب بسيط في حلقها وبثقل في رأسها. يوجد صوت طنين في رأسها. ربما هي في طريقها للإصابة بالحمى. لكن على الأرجح يعلن جسدها رفضه انتقاله سريعًا أكثر مما ينبغي، مع ازدياد المسافة أكثر فأكثر، من مكان تعلقه وراحته المعتاد عليه. ذلك الصباح، استطاعت رؤية جانب من متنزه فيكتوريا عبر نافذتها، الثلج تحت مصابيح الإضاءة في الشارع والأشجار الخالية من الأوراق. الشقة والمكتب موجودان في منزل جميل من الطوب القديم الذي يملكه دكتور ستريتر، وهو واقع في صف من المنازل المشابهة المكرسة لأغراض مشابهة. نظرت ماري جو إلى الشوارع المغطاة بالثلج الذائب، ثلوج فبراير القذرة، والجدران الرمادية لهذه المنازل، ومبنى تجاري مرتفع، وأنواره الليلية المضاءة، حتى إنها تستطيع رؤية ما وراء المتنزه. لم ترغب في شيء أكثر من البقاء. كانت ترغب في عدم الذهاب في السيارة الأجرة، وفي تغيير بذلتها الجديدة المصنوعة من الجلد الصناعي لترتدي زي العمل، وفي أن تنزل إلى أسفل وتعد بعض القهوة وتسقي النباتات، وتستعد ليوم طويل آخر من المشكلات والروتين، الخوف والطمأنينة، والخوف من أن تحصر نفسها — لبعض الوقت — في الحديث عن الطقس الكئيب. تحب المكتب، غرفة الانتظار، الأنوار المضاءة في أوقات ما بعد الظهيرة شديدة البرودة الآخذة في الإظلام؛ تحب التحدي والرتابة. في نهاية اليوم، يصعد دكتور ستريتر في بعض الأحيان معها إلى أعلى؛ تعد العشاء، ويمكث جانبًا من المساء. زوجته تخرج لعقد مقابلات، حضور محاضرات، الاشتراك في جلسات لقراءة الشعر؛ تخرج لتشرب وتعود إلى المنزل لتخلد إلى النوم مباشرةً.

عندما تستدير المضيفة لتسألها عما تريد، تطلب ماري جو فودكا مارتيني. تختار فودكا دومًا، آملةً في ألا يمكن لأحد شم رائحتها. لأسباب واضحة؛ لا يحب دكتور ستريتر أن تفوح من النساء رائحة مشروبات كحولية.

ها قد أتى زوجان جديدان عبر الممر، غيَّرا مقعديهما، فيما يبدو، وهو ما تسبب في مشكلة مع عربة المشروبات. تأتي مضيفة أخرى تتجادل خلفهما. تحمل المضيفة والمرأة الجديدة حقائب تسوق، وحقيبة سفر، ومظلة. يسير الرجل أمامهما ولا يحمل أي شيء. يجلسان في المقعدين على الجانب الآخر من الممر مباشرةً، إلى جانب الأسرة اليونانية. يحاولان دس متعلقاتهما تحت المقعد، لكنهما لا يفلحان.

تقول المضيفة إن ثمة مكانًا واسعًا في الخزائن العلوية.

لا. زمجرات منخفضة الصوت من الرجل، اعتذارات في صورة همهمات من المرأة. يُفهمان المضيفة أنهما يرغبان في مراقبة جميع متعلقاتهما. وبعد أن تتحرك عربة المشروبات، يمكن أن يجدا مكانًا يمكن وضع الأشياء فيه؛ أمام ماري جو، وخلف المقعد الصغير القابل للطي الذي تجلس عليه المضيفات عند إقلاع الطائرة وهبوطها.

تقول المضيفة إنها تأمل في ألا يزعج ذلك ماري جو. يشير صوتها الصافي إلى وقوع قدر من الصعوبة في التعامل مع هذين الراكبين. ترد ماري جو أنها غير منزعجة، وأن الأمر سيكون على ما يرام. يجلس الزوجان، الرجل في المقعد المجاور للممر. يطلق زمجرة أخرى، آمرة لكن ليست فظة، وتأتي المضيفة بكأسَي ويسكي. يرفع كأسه قليلًا، في اتجاه ماري جو. إشارة رقيقة ربما كانت تعني شكرًا. ليس هذا اعتذارًا بالتأكيد.

هو رجل بدين، ربما أكبر في السن من دكتور ستريتر، لكنه خفيف الظل أكثر. رجل قليل الحذر، لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، ذو شعر رمادي طويل نسبيًّا، ويرتدي ملابس جديدة، غالية الثمن. يرتدي صندلًا فوق جوربين بنيين، وبنطالًا بلون الصدأ، وقميصًا أزرق زاهيًا، وسترة جلدية ذهبية أنيقة ذات ألسنة، وطيات، وجيوب صغيرة كثيرة. لون بشرته بني، وعيناه ضيقتان قليلًا. ليس يابانيًّا أو صينيًّا؛ من هو إذن؟ يراود ماري جو شعور بأنها رأته من قبل. ليس كمريض، لم ترَهُ في المكتب. لكن أين؟

تنظر المرأة من وراء كتفه، مبتسمةً ابتسامة مزمومة الشفاه، مما يغضِّن وجهها العريض على نحو سار. عيناها أكثر ضيقًا من عينيه، ولون بشرتها أكثر شحوبًا. شعرها الأسود مفروق في المنتصف، ومعقوص باستخدام رباط مرن في صورة ذيل حصان طفولي. ملابسها رخيصة، ومهندمة، وربما جديدة — بنطال فضفاض بني، وبلوزة عليها زهور — لكنها لا تجاري ملابسه. عندما جاءت عبر الممر حاملةً حقائب التسوق، كانت تبدو في منتصف العمر، ممتلئة عند الوسط، وكتفاها محنيتان. أما الآن، وهي تبتسم إلى ماري جو خلف الكتف الضخمة للرجل، فتبدو صغيرة جدًّا. ثمة شيء غريب بشأن الابتسامة نفسها. تتضح طبيعة الابتسامة عندما تفتح فمها وتقول شيئًا للرجل. لا توجد أسنان أمامية عندها، في الجانب العلوي كله. هذا هو ما يمنح الابتسامة هذا المظهر المتحفظ والبريء في آن واحد؛ نظرة فرح ماكر، دائم مثلما تبتسم امرأة عجوز، أو طفل رضيع.

تعتقد ماري جو الآن أنها عرفت أين رأت هذا الرجل من قبل. قبل أسابيع قليلة، كانت تشاهد برنامجًا تليفزيونيًّا حول قبيلة كانت تعيش في أحد الوديان المرتفعة في أفغانستان، قرب حدود التبت. كان قد جرى تصوير الفيلم قبل سنوات قليلة، قبل أن يأتي الروس. كان أفراد القبيلة يعيشون في منازل مصنوعة من الجلد، وكانت ثروتهم تتمثل في قطعان من الأغنام، والماعز، والخيول الأصيلة. بدا أن أحد الرجال احتكر معظم هذه الثروة، وصار حاكم القبيلة، لا من خلال الحق الوراثي لكن من خلال قوة الشخصية وسطوة المال. كان يسمى «الخان». كانت لديه بسط جميلة في منزله المصنوع من الجلد، وراديو، وعدة زوجات وجوارٍ.

هذا هو ما يذكرها الرجل به؛ الخان. أوليس من الممكن، أليس من الممكن حقيقة، أن يكون هو ذلك الرجل؟ ربما رحل عن بلاده، تركها قبل أن يأتي الروس، مصطحبًا معه بُسطه ونساءه وربما كمية من الذهب، وإن لم يحمل معه على الأرجح معزاته، وأغنامه، وجياده. إذا كان المرء يسافر عبر العالم على متن طائرات شركات طيران كبيرة، أفلا يمكن أن يرى المرء شخصًا، عاجلًا أو آجلًا، رآه في التليفزيون؟ ربما يكون حاكم أحد البلاد القصية، مثلما قد يكون مقدم أحد البرامج، أو سياسيًّا، أو معالجًا روحيًّا. في أيام التحولات الهائلة هذه، ربما يكون شخصًا جرى تصويره باعتباره شيئًا مثيرًا للاهتمام، بل تحفة قديمة، في دولة منعزلة، ثم جرى إطلاق سراحه مثل الجميع.

لا بد أن المرأة إحدى زوجاته، الزوجة الصغرى، ربما المحظية، حتى يجري اصطحابها في رحلة كهذه. كان قد اصطحبها إلى كندا أو الولايات المتحدة، حيث ألحق أبناءه بمدارس هناك. كان قد اصطحبها إلى طبيب أسنان حتى يصنع لها طقم أسنان صناعية. ربما تضع طقم الأسنان الصناعية في حقيبة يدها، لا تزال غير معتادة عليه، لا تضعه طوال الوقت.

تشعر ماري جو بابتهاج بسبب ما صنعه خيالها، وربما أيضًا بسبب الفودكا. في رأسها، تبدأ في كتابة خطاب تصف فيه هذين الشخصين، وتذكر البرنامج التليفزيوني. بالطبع الخطاب موجه إلى دكتور ستريتر، الذي كان يجلس على المقعد إلى جانبها — لكنه كان قد خلد إلى النوم — بينما كانت هي تشاهد ذلك. تذكر أسنان المرأة وتشير إلى إمكانية أن تكون قد أُزيلت عن عمد، للتوافق مع فكرة غريبة ما تتعلق بتحسين مظهر المرأة.

«إذا طلب مني أن أنضم إلى حريمه، أعد أنني لن أوافق على أيٍّ من هذه الإجراءات العجيبة!»

يجري خفض شاشة عرض الأفلام. تطفئ ماري جو النور فوقها مذعنةً. تفكر في طلب شراب آخر لكنها تقرر ألا تفعل. المشروبات الكحولية تكون أكثر تأثيرًا في ظل هذا الارتفاع. تحاول أن تشاهد الفيلم، لكن ترى الصور ممدودة جدًّا من هذه الزاوية. يبدو الفيلم كئيبًا وسخيفًا. هناك جريمة قتل في أول دقيقتين في الفيلم؛ فتاة ذات شعر فضي رائع تجري مطاردتها عبر ممرات خالية وفيما يبدو يُطلَق عليها النار، بعد مقدمة الفيلم مباشرةً. تفقد ماري جو في الحال الرغبة في مشاهدة الفيلم، وبعد فترة تنزع سماعاتها. عندما تفعل ذلك، تعي وجود مشادة ما عبر الممر.

تبدو المرأة، الفتاة، كما لو كانت تحاول النهوض. يدفعها الرجل إلى أسفل. يتذمر منها. تجيب في صوت يتراوح بين الشكوى والطمأنة ثم يعود مرة أخرى إلى الشكوى. يبدو كما لو كان يفقد الاهتمام بالأمر، يميل رأسه إلى الخلف لمشاهدة الشخصيات على الشاشة. تشق الفتاة طريقها من مقعدها وتتعثر فوقه. يزمجر في صوت مسموع الآن، ويمسك رجلها. لدهشة ماري جو، تتحدث الفتاة إليه بالإنجليزية.

تقول في عناد: «لستُ … لستُ ثملة.» تقول هذا بنبرة حماسية، قانطة يستخدمها الثملون عادةً عندما يجادلون أنهم ليسوا كذلك.

يدعها الرجل وهو يزمجر تعبيرًا عن الاشمئزاز.

تقول، وثمة دموع الآن في صوتها وعينيها: «لا تصدر لي الأوامر هكذا … أنت لست أبي.» بدلًا من السير على الممر إلى الحمام — إذا كان هذا ما كانت تفكر فيه — تظل واقفةً في متناول يده، تنظر في أسى إليه. يحاول مرة أخرى الإمساك بها دون أن يقصد ذلك فعلًا، حركة سريعة، وحشية، كما لو كان هذه المرة، المرة التالية، ينوي حقًّا أن يؤذيها. تتعثر جانبًا. يتحوَّل بانتباهه مرة أخرى إلى الشاشة.

لا تزال الفتاة لا تتحرك في الممر. تميل ناحية ماري جو.

تقول: «عذرًا.» تبتسم بعينين ممتلئتين بالدموع. يتغضَّن وجهها الحائر، المُهان من خلال هذه الابتسامة الواسعة، مزمومة الشفاه، ابتسامة الاعتذار أو التآمر. «عذرًا».

تقول ماري جو، معتقدةً أن الفتاة تعتذر عن الشجار: «لا بأس.» ثم تدرك أن «عذرًا» تعني «هل يمكن أن أمر؟» تريد الفتاة أن تمر من فوق رجلي ماري جو، الممددة في استرخاء، والمتقاطعتين عند الكاحلين. تريد أن تجلس في المقعد المجاور للنافذة.

تفسح لها ماري جو الطريق. تجلس الفتاة، تمسح عينيها بحركة مستقيمة من سبابتها، وتتنفس بصوت عالٍ وبشكل بدا وكأنه جاد وحاسم. ماذا الآن؟

تقول الفتاة: «لا تخبري أحدًا … لا تخبري أحدًا.»

تضع يدها العريضة على ركبة ماري جو، ثم تسحبها.

تقول ماري جو: «لن أفعل.» لكن من ستخبره عن هذا الشجار الصغير غير محدد المعالم ولماذا؟

«لا تخبري أحدًا. أنا من الإسكيمو.»

بالطبع كانت ماري جو تعرف منذ أن سارت الفتاة في الممر وفتحت فمها أن كل أفكارها حيال الخان والزوجة المحظية هراء. تومئ برأسها، لكن كلمة «إسكيمو» تزعجها أكثر من الحقيقة نفسها. ليست هذه هي الكلمة المستخدمة الآن، أليس كذلك؟ «الإنويت». هذه هي الكلمة التي يستخدمونها الآن.

«هو من الميتي. أنا من الإسكيمو.»

حسنًا، إذن. ميتي وإسكيمو. رفقاء كنديون. انقلبت المزحة علي، تحدث ماري جو نفسها. في ذهنها، عليها أن تكتب خطابًا مختلفًا.

«لا تخبري أحدًا.»

تتصرف الفتاة كما لو كانت تعترف بشيء ما؛ سر مخزٍ، خطأ قاتل. هي خائفة لكنها تحاول أن تبدو متماسكة. تقول مرة أخرى: «لا تخبري أحدًا»، ثم تضع أصابعها لثوانٍ معدودة على فم ماري جو. تستطيع ماري جو أن تشعر بحرارة بشرتها والارتعاشة التي تسري في أصابع الفتاة وجسدها بالكامل. تشبه حيوانًا في حالة ذعر لا توصف.

تقول ماري جو مرة أخرى: «لا. لا، لن أفعل.» أفضل الأشياء التي تفعلها، هكذا تحدث نفسها، هو أن تتظاهر بأنها تفهم كل شيء ينطوي عليه هذا الرجاء.

تقول في نبرة حديث ودية: «هل ستذهبين إلى تاهيتي؟» تعلم كيف أن سؤالًا عاديًّا في لحظة كهذه يمكن أن يجعل أي شخص يتخطى الرعب الذي يتملكه.

تتسع ابتسامة الفتاة كما لو كانت تقدر الغرض من السؤال، ومدى طيبته، على الرغم من أنه في حالتها غير كافٍ. تقول الفتاة: «إنه ذاهب إلى هاواي … وأنا أيضًا.»

تلقي ماري جو بنظرة عبر الممر. رأس الرجل يتدلى. ربما هو طريقه للحصول على غفوة. حتى عندما تستدير، تستطيع أن تستشعر حرارة الفتاة وارتعاشتها.

تقول ماري جو: «كم تبلغين من العمر؟» لا تعرف ماري جو حقيقةً لماذا تسأل هذا السؤال.

تهز الفتاة رأسها، كما لو كان عمرها أمرًا عبثيًّا وباعثًا على الأسى. «أنا من الإسكيمو.»

ما علاقة هذا بالأمر؟ تقولها كما لو كانت شفرة ما، ستفهمها ماري جو في نهاية المطاف.

تقول ماري جو بثقة أكبر: «نعم. لكن كم يبلغ عمرك؟ … عشرين عامًا؟ أكثر من عشرين عامًا؟ ثمانية عشر؟»

المزيد من هز الرأس والإحراج، والمزيد من الابتسام. «لا تخبري أحدًا.»

«كم يبلغ عمرك؟»

«أنا من الإسكيمو. أنا في السادسة عشرة.»

تنظر ماري جو عبر الممر مرة أخرى للتأكد من أن الرجل لا يسمع. يبدو نائمًا.

«ستة عشر؟»

تهز الفتاة رأسها في قوة، تكاد تضحك. ولا تتوقف عن الارتعاش.

«هل أنت كذلك؟ لا؟ نعم؟ نعم.»

مرة أخرى، مرت تلك الأصابع السميكة مثل الريش فوق فم ماري جو.

«هل تريدين أن تذهبي إلى هاواي معه؟ هل كل شيء على ما يرام؟»

«سيذهب إلى هاواي. وأنا أيضًا.»

قالت ماري جو، متحدثةً في هدوء وحرص: «اسمعي … سأنهض وأسير إلى مؤخرة الطائرة. سأذهب حيث توجد الحمامات. دورات المياه. سأنتظرك في الخلف هناك. بعد برهة، انهضي وتعالَي إلى الخلف. اذهبي إلى مؤخرة الطائرة حيث توجد دورات المياه وسنتحدث هناك. من الأفضل أن نتحدث هناك. حسنًا؟ هل تفهمينني؟ حسنًا.»

تنهض في غير عجلة، تتناول سترتها، التي كانت قد انزلقت إلى أسفل على المقعد، تهندمها. يحرِّك الرجل رأسه على الوسادة، يلقي عليها نظرة باردة، مكفهرة، نظرة كلب نصف نائم. تختفي عيناه تحت جفنيه ويتحوَّل رأسه بعيدًا.

«حسنًا؟» تتفوه ماري جو بالكلمات باتجاه الفتاة دون أن تصدر أي صوت.

تضغط الفتاة بأصابعها على فمها، على ابتسامتها.

تسير ماري جو إلى مؤخرة الطائرة. في وقت سابق، خلعت حذاءها الطويل العنق وانتعلت خُفًّا. تسير الآن في راحة، لكنها تفتقد شعور التمكين والثبات الذي يمنحه الحذاء الطويل العنق.

عليها أن تقف في الصف أمام الحمامات؛ إذ ليس ثمة مكان آخر تقف فيه. يمتد الصف إلى المساحة الصغيرة إلى جانب النافذة حيث كانت تعتزم أن تنتظر. تظل تنظر حولها، منتظرةً الفتاة أن تأتي خلفها. لم تأتِ بعد. ينضم أشخاص آخرون، أكثر طولًا إلى الصف، وكان عليها أن تظل تتطلع حولها، تريد أن تتأكد أن الفتاة تستطيع أن ترى مكانها. عليها أن تتحرك إلى الأمام في الصف، وعندما يحل دورها لا تملك خيارًا إلا الدخول. حان وقت دخولها الحمام على أي حال.

تخرج بأسرع ما تستطيع. الفتاة ليست موجودة بعد. ليست في الصف. لا تتجول في منطقة المطبخ أو تجلس في أيٍّ من المقاعد الخلفية. الصف أقصر طولًا الآن، وهناك مساحة بحيث يمكن أن تقف ماري جو فيها إلى جانب النافذة. تنتظر هناك، ترتعش، متمنيةً لو أنها كانت قد جلبت سترتها.

في الحمام، لم تستغرق وقتًا طويلًا في وضع أحمر شفاه. تفعل هذا الآن، ناظرةً إلى انعكاس صورتها على النافذة المظلمة. هب أنها قررت التحدث إلى شخص ما عن الفتاة؛ ماذا سيظنون بها؟ كانت تستطيع أن تتحدث إلى شخص ما الآن؛ تلك المضيفة الأكبر عمرًا، ذات المظهر الكئيب، وظلال الجفون النحاسية اللون، التي تبدو أنها المسئولة، أو المضيف، الذي يبدو شارد الذهن لكنه ودود على نحو أكبر. كانت تستطيع أن تخبرهما بما قالته الفتاة، وعن ارتعاشها. كانت تستطيع أن تعلن عن شكوكها. لكن إلام يفضي هذا؟ لم تقل الفتاة شيئًا حقيقة يمكن بناء أي شكوك حقيقية عليه. هي من الإسكيمو، تبلغ ستة عشر عامًا، ستذهب إلى هاواي مع رجل أكبر منها بكثير وهو ليس أباها. هل سن الستة عشر تعني أنها ما زالت قاصرة؟ هل اصطحاب فتاة إلى هاواي جريمة؟ ربما تكون أكبر من ستة عشر عامًا على أي حال؛ تبدو كذلك. ربما تكون ثملة وكاذبة. ربما تكون زوجته، على الرغم من أنها لا ترتدي خاتم زواج. ربما يكون أحد أقاربها. إذا قالت ماري جو أي شيء الآن، فسيجري النظر إليها باعتبارها امرأة متطفلة، تناولت كأسًا من الخمر وربما تناولت ما هو أكثر. ربما يجري النظر إليها باعتبارها شخصًا يحاول أن يسيطر على الفتاة لتحقيق أغراض شخصية لها.

على الفتاة نفسها أن تقول المزيد إذا كان يجب اتخاذ إجراء ما.

لا يمكن تقديم المساعدة لأحد إذا لم يطلبها.

يجب على المرء أن يقول ما يريد.

يجب أن يقول.

تسير ماري جو في بطء إلى مقعدها، ناظرةً في طريقها ما إذا كانت الفتاة قد تحركت من مكانها، إذا كانت تجلس في مكان آخر. تبحث عن الرأس الخانع الكبير ذي ذيل الحصان الأسود.

غير موجودة في أي مكان.

لكنها عندما تقترب من مقعدها ترى أن الفتاة انتقلت من مكانها. كانت قد انتقلت إلى حيث كانت تجلس من قبل إلى جانب الرجل. قُدِّم إليهما كأسا ويسكي أُخريين.

ربما أمسك بها عندما نهضت، وأجبرها على الجلوس بجانبه. كان يجب على ماري جو التأكد من أن الفتاة قد سبقتها إلى الحمام. لكن هل كان باستطاعتها إقناعها، إفهامها؟ هل كانت الفتاة تفهم حقيقة أنها تعرض عليها المساعدة؟

تقف ماري جو في الممر وهي ترتدي سترتها. تنظر إلى الزوجين، لكنهما لا ينظران إليها. تجلس وتضيء زر ضوء القراءة فوقها، ثم تغلقه. لم يعد أحد يشاهد الفيلم. يبكي الطفل اليوناني، ويسير الأب حاملًا إياه في الممر جيئةً وذهابًا. انقلبت الفتاتان الهنديتان الصغيرتان إحداهما فوق الأخرى، وأخوهما نائم في حجر أمه الصغير.

كان دكتور ستريتر سيضع الأمور في نصابها أمام ماري جو حيال هذا. تعتبر بعض أشكال الاهتمام — وهو ما جعلها تقر به — نوعًا من الرعونة والإفراط. في ظل النوايا الطيبة المفرطة، يميل الناس إلى الإضرار بالآخرين أكثر من نفعهم. وربما كان هذا هو ما تفعله في هذه الحالة.

نعم. كان يستطيع دومًا معرفة ما في داخل الناس، ما في داخل صدورهم. إذا كان لدى هذه الفتاة قلب مريض، حتى لو كانت أكبر بعشرين عامًا، بأربعين عامًا، مما هي عليه حقيقةً، حتى لو كانت حياتها مضطربة، ولا فائدة منها على الإطلاق، وكان عقلها معطوبًا جراء الشراب؛ حتى حينئذ كان سيضع نفسه في خدمتها بالكامل. لا يوقفه شيء، كان يبذل قصارى جهده في حالات إنقاذ أو محاولات إنقاذ كهذه؛ إذا كانت المشكلة في القلب الفعلي، القلب المثقل، الذي تتدفق الدماء عبره، الذي يضخ الدماء، الذي يوجد داخل الصدر.

يوجد حزن كامن في صوت دكتور ستريتر، ليس في صوته فقط؛ فنَفَسه حزين، حزن لا شفاء منه، هادئ، رقيق هو ما يزفره عبر الهاتف قبل أن يسمع المرء حتى صوته. كان سيشعر بالاستياء إذا أخبره المرء بذلك. ليس لأنه يرغب بصورة خاصة في أن يجري النظر إليه باعتباره مبتهجًا. لكنه كان سيعتقد أن من غير الضروري، ومن سوء الأدب، بالنسبة إلى أي شخص أن يفترض أنه حزين.

يبدو أن سبب هذا الحزن هو الرضوخ. تستطيع ماري جو إدراك ذلك، ولكن لا تفهمه على الإطلاق. تعتقد أن الرجال لديهم إحساس بالرضوخ لا تستطيع النساء فهمه. (ماذا كانت ستقول ريا عن ذلك؟) ليس سبب هذا هو الأشياء التي يعرفها — كانت تستطيع ماري جو فهم ذلك — بل الأشياء التي يجب عليه تقبلها والتي تصنع فارقًا. يحيرها، ويخضعها. تحب هذا الرجل حبًّا محيرًا، حذرًا، دائمًا.

عندما تتصوره، تراه دومًا يرتدي البذلة البنية ذات القطع الثلاث، بذلة قديمة الطراز تجعله يشبه طبيبًا في فترة طفولته الفقيرة، الريفية. لديه ملابس غير رسمية رائعة، وكانت قد رأته فيها، لكنها تعتقد أنه لا يشعر بالراحة فيها. لا يشعر بالراحة في كونه ثريًّا، هكذا تعتقد، على الرغم من أنه يشعر بأنه يجب أن يكون كذلك، مثلما يشعر بالكراهية تجاه أي حكومة تمنعه من أن يكون كذلك. رضوخ وتسليم وحزن تام.

لن يصدقها إذا أخبرته بذلك. لن يصدقها أحد.

ترتجف، حتى مع ارتداء سترتها. يبدو كما لو أنها أصيبت بشيء من حالة الاهتياج المستمرة والغريبة التي لدى الفتاة. ربما هي مريضة حقًّا، لديها حمى. تدير وجهها نحوهما، محاولةً تمالك نفسها. تغمض عينيها لكنها لا تستطيع الاحتفاظ بهما مغلقتين. لا تستطيع منع نفسها من مراقبة ما يجري عبر الممر.

ما يجري شيء يجب أن تتحلى بالكياسة والأدب حتى تدير رأسها بعيدًا عنه. لكنها لا تتحلى بأيٍّ من ذلك، ولا تفعل ذلك.

كأسا الويسكي خاليتان. كانت الفتاة قد مالت إلى الأمام وتقبِّل وجه الرجل. رأسه مستقرة على الوسادة ولا يتحرك. تميل فوقه، وعيناها مغمضتان، أو تكاد تكون مغمضتين، وجهها عريض، وشاحب، ولا يعبِّر عن أي شيء، وجه قمر حقيقي. تقبِّل شفتيه، خديه، جفنيه، جبهته. يستسلم لها؛ يدعها تقوم بذلك. تقبله وتلعقه. تلعق أنفه، الذقن الخفيفة النابتة في خديه، ورقبته، وذقنه. تلعق كل جزء من وجهه، ثم تلتقط أنفاسها، وتواصل التقبيل.

يجري هذا في غير عجلة، في غير نهم. ولا يجري الأمر بصورة آلية أيضًا. لا يوجد أي أثر من آثار الإجبار. الفتاة متحمسة؛ تمر بنشوة هيام. هيام حقيقي. لا يوجد شيء غاية في الجرأة مثل الغفران أو السلوى. طقس يستحوذ على كل ذرة في تركيزها ونفسها، لكنه طقس تفقد نفسها فيه. كان يمكن أن يستمر الأمر إلى الأبد.

حتى عندما تنفتح عينا الفتاة، وتنظر مباشرةً عبر الممر، مرتسمًا على وجهها تعبير غير ذاهل وغير غائب عن الوعي، بل تعبير مباشر وصادم؛ حتى حينها، لا تملك ماري جو إلا الاستمرار في النظر إليهما. فقط بعد جهد كبير، وبعد وقت طويل للغاية، تستطيع أن تبعد عينيها عنهما.

لو أن أحدًا سألها عما كانت تشعر وهي تشاهد هذا، لكانت ماري جو ستقول إنها كانت تشعر بالغثيان. وكانت ستعني ما تقول. ليس هذا الشعور بالغثيان الذي يظهر مع بدايات الإصابة بالحمى أو أيًّا كان والذي يجعلها تشعر بالكآبة والارتعاش، لكن كانت تشعر بالغثيان بسبب النفور، كما لو كانت تشعر بالحركات البطيئة للسان الدافئ، السميك فوق وجهها. ثم، عندما تبعد ناظريها، ينطلق شيء آخر؛ ألا وهو الرغبة، بشكل مفاجئ وقاسٍ مثل اندفاع الأتربة بسرعة شديدة على منحدر جبلي.

في الوقت نفسه، تستمع إلى صوت دكتور ستريتر، الذي يقول في وضوح: «تعرفين، ربما تكسرت أسنان هذه الفتاة بسبب لكمة شديدة. ربما في مشاجرة.»

هذا هو صوت الدكتور ستريتر المألوف، العقلاني، مطالبًا بتمييز بعض الحقائق، وبعض الأحوال. لكنها أضافت بعدًا جديدًا إلى صوته؛ رضًى ماكرًا وطبيعيًّا. فهو ليس حزينًا فقط، ليس راضخًا فقط؛ بل راضٍ عن أن تكون بعض الأشياء على النحو الذي هي عليه. يقابل الرضى البادي في صوته الشعور بالقلقلة في جسدها. تشعر بالخزي وبالنفور الجسدي، حرارة تبدو كما لو كانت تنتشر من معدتها. ينتهي هذا، موجة هذا الأمر تنتهي، لكن يبقى النفور. النفور، الاشمئزاز، الكراهية التي تخرج من المرء يمكن أن تكون أسوأ من الألم. سيكون هذا وضعًا أسوأ للعيش فيه. بمجرد التفكير في هذا، ووضْع اسم لما تشعر به، باتت تشعر بثبات أكثر قليلًا. لا بد أن السبب هو غرابة الوجود في رحلة طيران، والشراب، والحيرة التي سببتها لها هذه الفتاة، وربما فيروس ما، هذا الذي تتصارع معه. يمثِّل صوت دكتور ستريتر ما هو أكثر من الوهم الحقيقي، لكنه ليس وهمًا بالنسبة لها؛ تعرف أنها اختلقته بنفسها. اختلقت ما كانت تستطيع حينئذ التحول عنه، كراهيته كرهًا خالصًا. إذا صار هذا الشعور حقيقيًّا، إذا تمكَّن وهم كهذا منها، فستكون في حالة من الكآبة لا تستطيع حتى التفكير فيها.

تبدأ في تهدئة نفسها عن عمد. تتنفس في عمق وتتظاهر بأنها ستغط في النوم. تبدأ في تخيل قصة تمضي الأمور فيها على نحو أفضل. افترضت أن الفتاة تبعتها إلى مؤخرة الطائرة منذ فترة؛ أنهما استطاعتا التحدث معًا. تمضي القصة قدمًا، على نحو ما، إلى غرفة الانتظار في هونولولو. ترى ماري جو نفسها جالسة هناك في غرفة بها أشجار نخيل غير مكتملة النمو مزروعة في أصص، على مقعد مبطَّن. يمر الرجل والفتاة عليها. تسير الفتاة في المقدمة، حاملةً حقائب التسوق. يحمل الرجل حقيبة السفر فوق كتفه، ويمسك المظلة. يلكز الفتاة بطرف المظلة المغلقة. لا شيء يؤلمها أو يفاجئها. مزحة. تهرول الفتاة، وتضحك، وتتلفت حولها، وعلى وجهها تعبير اعتذار، وإحراج، وعجز، وروح دعابة لا نهائية. ثم تشير إليها ماري جو بعينيها لتتبعها، دون أن يلاحظ الرجل. تنهض ماري جو وتسير عبر غرفة الانتظار وتصل إلى حمام السيدات المضيء، المكسو بالقرميد.

وفي هذه المرة تتبعها الفتاة.

تفتح ماري جو الماء البارد. تنضح وجهها بالماء، في إشارة على الحماس.

تحث الفتاة على أن تفعل مثلها.

تتحدث إليها في هدوء وعلى نحو لا يقاوم.

«هذا جيد. برِّدي وجهك. حاولي أن تصفي ذهنك تمامًا. عليك أن تفكري في هدوء. يجب أن تفكري في هدوء. الآن. ما الأمر؟ ما الذي تريدينه؟ مم تخافين؟ لا تخافي. لا يستطيع المجيء إلى هنا. لدينا وقت. يمكنك أن تخبريني ماذا تريدين وأستطيع أن أساعدك. يمكن أن أتصل بالسلطات.»

لكن القصة تتوقف عند هذه النقطة. تصطدم ماري جو بمنطقة صماء، ويُترجم حلمها — هي تحلم الآن — هذا بطريقة فجة إلى بقعة من الصدأ غير منتظمة، وغريبة، حيث تآكل طلاء المينا أسفل الحوض.

يا له من حمام سيدات مهمل!

«هل الأمور هكذا دومًا في المناطق الاستوائية؟» تقول ماري جو ذلك للسيدة الواقفة إلى جانبها في الحوض المجاور، وتغطي هذه المرأة حوضها بيديها كما لو كانت لا ترغب في أن تنظر ماري جو إليه أو أن تستخدمه. (مع أن ماري جو لم تكن تنتوي عمل ذلك.) هي امرأة ضخمة، بيضاء الشعر، ترتدي ساريًا أحمر، وتبدو كما لو كانت تمتلك سلطة في حمام السيدات. تتلفت ماري جو حولها بحثًا عن الفتاة التي من الإسكيمو وتندهش عندما تراها راقدة على الأرض. تضاءل حجمها، وترتسم على وجهها نظرة قاسية، وجه حاد مثل وجه دمية. لكن الصدمة الحقيقية تكمن في أن رأسها انفصل عن جسدها، على الرغم من أنها لا تزال متصلة به من خلال رباط مرن داخلي.

تقول المرأة ذات الشعر الأبيض: «سيكون لديك فرصة كي تختاري مصيرك.» تعتقد ماري جو أنها تعني بذلك طريقة عقابها. تعلم أن خطرًا ما يتهددها في هذا الشأن؛ ليست مسئولة، لم تضرب الفتاة أو تدفعها على الأرض. المرأة مجنونة.

تقول: «آسفة … لكن عليَّ أن أعود إلى الطائرة.»

يحدث هذا لاحقًا، ولكنهما لم يعودا في حمام السيدات.

يعودا إلى مكتب دكتور ستريتر وتشعر ماري جو بوجود تضارب بسيط في الأحداث بحيث لا تستطيع متابعتها، تشعر بفجوات في الزمن لم تلحظها. لا تزال تفكر في العودة إلى الطائرة، لكن كيف لها أن تجد غرفة الانتظار، هذا إلى جانب الذهاب إلى هونولولو؟

جسد ضخم ملفوف في ضمادات يمر، وتريد ماري جو أن تعرف لمن هذا الجسد، وماذا حدث، ولماذا يجلبون أحد ضحايا الحروق إلى هنا.

المرأة التي ترتدي ثوب الساري الأحمر هناك أيضًا. تقول لماري جو، بطريقة ودية: «المحكمة في الحديقة؟»

ربما يعني هذا أن ماري جو لا تزال متهمة بشيء، وأن ثمة محاكمة تجري في الحديقة. على الجانب الآخر، ربما تشير كلمة «محكمة» Court إلى دكتور ستريتر. ربما تعني المرأة «كونت» Count، خالطةً بين الهجاءين. إذا كان الأمر هكذا، فهي ترغب في أن تسخر منه. إطلاق لقب «كونت» عليه يعد مزحة، و«في الحديقة» تعني شيئًا آخر، أيضًا، وهو ما يجب على ماري جو التركيز جدًّا عليه لمعرفته.

تفتح المرأة يدها وتُري ماري جو بعض الزهور الزرقاء الصغيرة — مثل قطرات الثلج، لكنها زرقاء — وتشير إلى أن هذه «محكمة» وإلى أن «محكمة» تعني زهورًا.

خدعة، تعرف ماري جو ذلك، لكنها لا تستطيع أن تركز لأنها تستيقظ من النوم. في طائرة نفاثة جامبو فوق المحيط الهادئ، وشاشة الأفلام مغلقة، والأضواء مطفأة تقريبًا، وحتى الطفل الرضيع نائم. لا تستطيع العودة عبر مراحل الحلم المختلفة إلى الجزء الواضح، في حمام السيدات، عندما كانتا تنضحان وجهيهما بالماء البارد وكانت هي — ماري جو — تقول للفتاة كيف يمكن أن تنقذ نفسها. لا تستطيع بلوغ ذلك. ينام الأشخاص حولها تحت البطاطين، رءوسهم على وسائد برتقالية صغيرة. بطريقة ما، جرى توفير وسادة وبطانية لها أيضًا. الرجل والفتاة عبر الممر نائمان، فماهما مفتوحان، وصحت ماري جو من أحلامها على شخيرهما الثنائي المعبِّر، البريء.

•••

هذه بداية إجازتها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤