مقدمة

الأوقات الصعبة تتطلَّب قادةً كاملين؛ فالقادة الجزئيون يعانون في عصرٍ يتسم بالتناقُض والغموض والتقلُّب. ربما نجح تبنِّي منهج القيادة الأحادية البُعْد في أوقاتٍ أقلَّ تعقيدًا، لكن في ظل بيئةٍ تتسم بالتعقيد الأخلاقي، والتغيُّرات السريعة في التوجهات، والظروف الاجتماعية والسياسية، والأوضاع الاقتصادية والتكنولوجية؛ أصبح لزامًا على القادة أن يكونوا قادرين على استخدام عقولهم وقلوبهم وشجاعتهم حسبما تقتضي الظروف.

(١) ما العيب في القيادة الجزئية

في السنوات الأخيرة، خذل كلُّ القادة السياسيين والدينيين والعسكريين وقادة الأعمال مؤيديهم؛ ففي حين أظهر الرئيس جورج دبليو بوش شجاعةً في استراتيجيته الشرسة لمكافحة الإرهابيين، اتهمه منتقدوه بالافتقار إلى الحكمة والشفقة في سياسة الحرب على العراق. وربما كان تعامُل قادة الكنيسة الكاثوليكية مع مشكلة اعتداء الكهنة على الأطفال يتَّسِم بالإشفاق على القساوسة، لكن معظم الناس أُصِيبوا بخيبة الأمل من عدمِ اهتمامهم الواضح بالضحايا، وعزوفِهم عن اتخاذ موقفٍ قويٍّ بشأن العقاب والتعويض. وبينما اتسم قادةُ الأعمال بالبراعة الشديدة والخبرة في تحقيق النتائج القصيرة المدى، فإنهم لم يُظهِروا الجرأة والثبات الداخلي اللازمَيْن لفعل الصواب على نحوٍ منتظمٍ في مواجهة احتياجات المساهمين المتنافسة، والضغط المستمر من أجل الأداء، والحاجة إلى إبقاء الموظفين مهتمين بالعمل ومتحمسين له.

أي إن قادتنا في أغلب الأحيان يعتمدون حصريًّا على صفةٍ واحدة؛ العقل «أو» القلب «أو» الشجاعة. ولسوء الحظ، عندما تفعل ذلك فإنك تتجاهل الصفتين الأُخْرَيين اللازمتين للنجاح؛ فإذا كان كل ما تحاول فعله هو إظهار دقتك التحليلية، فقد تبدو متبلد الشعور ومفتقرًا إلى الحس الأخلاقي، والأهم من ذلك أنك ستفتقر إلى القدرة على التعامُل بفعالية خارج حدود نطاقٍ ضيقٍ من المواقف. وعندما تحاول خلق ثقافةٍ قوامُها التعاطُفُ، قد تخسر فرصًا كان سيلاحظها قائدٌ يتَّسم بمزيدٍ من الفطنة والحس الاستراتيجي. أما الاعتماد الحصري على شجاعة معتقداتك وصلابتك، فقد يجعلك تُقلل من تقدير العواقب السلبية التي ستصيب الأشخاص الذين تحاول قيادتهم.

وقد أوضح ديفيد بروكس — كاتب أحد الأعمدة الصحفية في صحيفة «نيويورك تايمز» — على نحوٍ بارع إخفاقاتِ القيادة المؤسسية في إحدى مقالات الرأي، بعد فترةٍ قصيرةٍ من ضرب إعصار كاترينا لولاية نيو أورليانز؛ فعلى الرغم من أن تركيزه المبدئي انصبَّ على قلة التعاطف وضعف الأداء اللذين أبدتهما إدارةُ بوش في التعامُل مع سكان المدينة التي غمرتها السيول؛ فقد لاحظ أن هذا الفشل في القيادة كان جزءًا من اتجاهٍ أكبر. وأشار بروكس إلى أزمة تعاطي لاعبي البيسبول للمنشطات، وإلى فضائح المؤسسات، وسوء معاملة الجيش الأمريكي للسجناء في سجن أبو غريب، ولاحَظَ كيف أن الشعب فَقَدَ الثقةَ في القادة على النحو نفسه الذي حدث خلال سبعينيات القرن العشرين.

وبصفتنا مستشارين ومدرِّبين في مجال تطوير المسئولين التنفيذيين، فقد لاحظنا الاتجاه نفسه في مجال المؤسسات، والسبب في ذلك يرجع إلى القيادة الجزئية. لقد استمعنا إلى رؤساء تنفيذيين يَشْكُون من عدم وجود قادةٍ كاملين بين صفوف المسئولين التنفيذيين، ويُعبِّرون عن خوفهم من أن يكون الموظفون قد فقدوا ثقتَهم بهم. وسألونا: «هل من الممكن اكتساب القدرات المعرفية، والذكاء العاطفي، والشجاعة، من جانب القادة الذين يفتقرون إلى سمة أو سمتين من هذه السمات؟»

طالما سألنا أنفسنا السؤال نفسه، وكانت النتيجةُ هذا الكتابَ. وعلى مدار سنوات، كرَّسنا أنفسنا لمساعدة كبار القادة على اكتساب القدرات المعرفية والذكاء العاطفي في بعض الأحيان. ومؤخرًا، أصبح تركيزنا منصبًّا على المطلب الإضافي المتمثِّل في الجرأة — الشجاعة — على الرغم من أن هذا المجال ما زال يحتاج إلى بذل الكثير من الجهود من جانبنا (ومن جانب الجميع أيضًا). وعلى الرغم من ذلك، فكلُّ ما فعلناه في عملنا وما رأيناه في العالم الأكبر يخبرنا أنه من الممكن تطوير قادةٍ كاملين، لكن هذا متوقِّفٌ على ابتعاد المؤسسات عن نماذج التطوير المعرفي التقليدية، وتبنِّيها أسلوبًا أكثرَ شموليةً.

(٢) من نحن

إننا نسبق الأحداث، ونود أن نعود قليلًا إلى الوراء ونتحدَّث أكثر عن أنفسنا وكيف صُغنا هذا النموذج الثلاثي — نموذج قيادة العقل والقلب والشجاعة — الذي ستجدونه في هذه الصفحات.

بدايةً، لنعترفْ بالخطأ؛ فنحن كمستشارين ساهمنا في مشكلة القيادة الجزئية. لقد فعلنا المنوط بنا في مجال التدريس، وبلا شكٍّ ساعدت جهودنا في إبراز المهارة المعرفية باعتبارها مكونًا أساسيًّا للنجاح في القيادة. ولحسن الحظ، فقد تعلَّمنا أيضًا من أخطائنا، واكتشفنا أنه حتى أبرع القادة التحليليين يفشلون إنْ كانوا يفتقرون إلى بعض الصفات الأخرى غير المعرفية. وفي واقع الأمر، وجدنا في كتابنا السابق (كتاب ديفيد وبيتر) الذي حمل عنوان «لماذا يفشل الرؤساء التنفيذيون؟» أنَّ بعضًا مِن أنجب كبار المسئولين التنفيذيين الذين دَرَّسنا لهم كانوا يفتقرون إلى الوعي بنقاط ضعفهم الشخصية، وأن انعدام الوعي أدَّى إلى سقوطهم. وهذا يعني أن الرؤساء التنفيذيين الذين يمتلكون القدرةَ العاطفية على فهم أنفسهم وتأثيرهم على الآخرين، بالإضافة إلى امتلاك المهارات المعرفية، لديهم فرصةٌ أكبر لأن يكونوا قادةً ناجحين.

وهكذا بدأنا نؤكِّد على أهمية الصفات «العاطفية» لتدعيم الصفات «العقلانية»، ووجدنا أن القادة الذين يسمحون بظهور نقاط ضعفهم أو يمنحون الثقة قبل اكتسابها — ما نطلق عليه مهارات القيادة «غير الطبيعية» — يكونون في الغالب أكثر فعاليةً في بعض المواقف مقارَنةً بالقادة التقليديين المعتمِدين على إصدار الأوامر والسيطرة. وقد طوَّرنا أسلوبَ تنميةٍ ساعَدَ القادةَ على التطوُّر معرفيًّا وعاطفيًّا.

لكنَّ شيئًا ما كان ناقصًا، وقد لاحَظَ كلٌّ منا أحدَ جوانب هذا الشيء الناقص بطريقته الخاصة، ومن خلال خبرته الخاصة؛ فلاحَظَ ستيف، الذي يتمتع بخبرةٍ شاملةٍ في الإدارة على نطاقٍ عالميٍّ — إذ كان سفيرًا خاصًّا للاتحاد السوفييتي في حكومة الرئيس ريجان — أن ما جعل القادة أمثال ميخائيل جورباتشوف ورونالد ريجان قادةً ناجحين، هو القدرة على المخاطرة بمعتقداتهم. أما بيتر، فبصفته رئيسًا سابقًا لقسم علم النفس الاستشاري في جامعة كولومبيا، فقد عمل باستمرارٍ على تنمية القدرة على التعاطُف والتواصُل لدى القادة؛ وكان شاهدًا بنفسه على شجاعة جولياني عمدة نيويورك عقب أحداث ١١ سبتمبر، وكيف ساعَدَ مدينة نيويورك في التعامُل مع اليأس والخوف. أما ديفيد، بصفته نائبَ رئيسٍ تنفيذيٍّ سابقًا لعدة شركاتٍ كبرى، من بينها هانيويل إنترناشونال، فقد عمل مباشَرةً مع بعضٍ من أذكى الرؤساء التنفيذيين، لكنه رأى أن أساس نجاحهم على المدى الطويل — إلى جانب احترام الآخَرين وإخلاصهم لهم — كان رغبتَهم في فعل الصواب بدلًا من اللجوء إلى الإجراءات السهلة أو المناسبة سياسيًّا.

(٣) ما ندعمه ونعلمه

«الشجاعة» مصطلح شامل للصفة التي طالما كانت مفقودة، وهي تعني الاستعداد لفعل الصواب، مهما كان صعبًا. وقد اتضح لنا أن القادة الذين يمتلكون القدرةَ على إظهار الشجاعة إلى جانب الذكاء المعرفي والعاطفي، هم الأكثر قدرةً على التعامُل مع الصعوبات التي تواجهها المؤسساتُ في وقتنا المعاصر. وليست الشجاعة بمعنى الإقدام على مخاطَرةٍ طائشةٍ هي الصفة المهمة ها هنا؛ بل المقصود هو الاستعداد للإقدام على المخاطَرة، اعتمادًا على معتقداتٍ وقِيَمٍ قوية.

هذا الإدراك ليس جديدًا ولا فريدًا، لكننا في حاجةٍ إليه الآن أكثر من أي وقتٍ مضى. وبمجرد البدء في توسيع فهمنا للقيادة الفعَّالة، بدأنا تجربتها على مختلِف الشركات والقادة، ووجدنا أن الاستجابة كانت إيجابيةً على نحوٍ ساحق؛ فالمسئولون التنفيذيون من كل أنواع الشركات، الذين يواجهون كافة أنواع المواقف المختلفة، سرعان ما رأَوْا أن نموذج العقل والقلب والشجاعة، أيًّا كان توصيفه، كان يستحقُّ الاختيارَ، والتدرُّبَ عليه، وتبنِّيَه.

إننا محظوظون بالعمل يوميًّا مع بعضٍ من أفضل القادة في عددٍ من أفضل الشركات في العالم، وقد أسهم عملاؤنا وزملاؤنا في هذه الشركات في تكوين أفكارنا وفيما توصَّلنا إليه من اكتشافات. ونحن نعمل معهم بصفتنا هيئةَ تدريسٍ لبرامج تدريب كبار المسئولين التنفيذيين، التي نقدِّمها من خلال مركز ميرسر دلتا لتعليم المسئولين التنفيذيين؛ إذ نعمل كمدرِّبين ومستشارين لتلك الشركات. وقد أتَوْا من مجموعةٍ من الشركات، والصناعات، والمنتجات، والخدمات، ويمثِّلون الأساس لمنهج العقل والقلب والشجاعة. ومن بين عملائنا جونسون آند جونسون، وإيفون برودكتس، وبنك أوف أمريكا، ونوفارتس، وتايم وارنر، وكولجيت بالموليف، وكوكاكولا، وواشنطن ميوتشوال، ويو بي إس، ونايكي، وديل، وسيمكس، وميتسوبيشي، ويونيليفر، وسيتي جروب. وسوف نذكر عددًا من هذه الشركات وقادتها في الفصول القادمة.

ويجب أن نلاحظ أيضًا أن اكتشافنا لأهمية القيادة المعتمِدة على العقل والقلب والشجاعة، كان متوازيًا مع نموِّ شركة الاستشارات الخاصة بنا؛ ففي بداية حياتنا المهنية كخبراء في تطوير القيادة، شعرنا أننا في حاجةٍ إلى التأكيد على ارتباط أداء القيادة بالمهارات التقنية المتمثِّلة في التخطيط الاستراتيجي والمالي والتسويق والإنتاج؛ تلك المهارات التي تُدرس بطبيعة الحال ضمن مهارات الأعمال. لكن عندما أطلقنا شركة التطوير التنفيذي الخاصة بنا في أواخر تسعينيات القرن العشرين، أدركنا أن ما كان يميِّزنا عن كليات الأعمال هو قدرتنا على الجمع بين الذكاء العاطفي والمهارات المعرفية من خلال التقييم والتدريب. وسرعان ما نجحت الشركة، ووصلنا إلى نجاحٍ يفوق أقصى توقُّعاتنا، وأصبحنا الشركة الرائدة في تقديم برامجَ معدلةٍ بحسب الطلب لتطوير المسئولين التنفيذيين في شركاتهم.

وعلى الرغم من ذلك، فقد لاحظنا أن تطوير القيادة لا بد أن يرتبط بالتغيير المؤسسي من أجل دعم التعليم، وفي عام ٢٠٠٤ بعنا شركتنا لشركة ميرسر دلتا وكوَّنا مركز ميرسر دلتا لتعليم المسئولين التنفيذيين. وبهذه الطريقة، أُتِيحت لنا فرصةُ الوفاء بمتطلباتِ تغييرٍ مهمة من أجل عملائنا، وربط تعلُّم القيادة بموضوعٍ أكبر، أَلَا وهو التغيير المؤسسي، وكذلك تحقيق وحدة الصف ونشر الوعي في مجال القيادة بأكمله. إننا نعتقد أن ضرورة إيجاد طرقٍ جديدةٍ لربط تعلُّم القيادة بالتغيير المؤسسي والثقافي المستدام هو مستقبل التطوير التنفيذي، وهو الطريقة التي من خلالها سيظل تعليم القيادة محافِظًا على تأثيره. إن قيادة التغيير تتطلَّب شجاعةً، ومن هنا تبلور فهمنا للحاجة إلى الشجاعة.

(٤) طريقة جديدة لتناوُل موضوع قديم

نحتاج إلى النظر إلى القيادة من زاويةٍ جديدةٍ، وإيجاد أسلوب جديد لتنمية القيادة. ومن دون ذلك، سوف تستمر المؤسسات في نَسْخ القادة الموجودين، وإنتاجِ المزيد من القادة الذين يعتمدون بكثرةٍ على المهارات المعرفية لكنهم غير مؤهَّلين للتعامل مع المشكلات التي تصبح معقَّدة ومحيِّرة على نحوٍ متزايدٍ يوميًّا. وعندما نرى رئيسًا تنفيذيًّا أو قائدًا سياسيًّا يُظهِر الضعف أو الشفقة، أو يتقدَّم لتحمُّل المسئولية كاملةً عن سوء التقدير أو سوء التنفيذ؛ فإننا في الغالب نندهش كثيرًا ونحتفي بهذا الشخص بصفته قائدًا عظيمًا.

يتعامَل الرؤساء التنفيذيون وغيرهم من المسئولين التنفيذيين — الآن أكثر من أي وقتٍ مضى — مع مواقفَ معقدةٍ وعملاء معقدين؛ وهذا سيجعلهم في حاجةٍ إلى إظهار نطاقٍ أكبرَ من الصفات القيادية. إنهم يواجهون مواقفَ تتطلَّب قرارًا، ولا توجد لها حلول «صحيحة». سوف يواجهون تناقضاتٍ وسيتعلَّمون التعامُل معها بدلًا من محاولة حلها، وسوف يحتاجون إلى تعلُّم التصرُّف على نحوٍ مناقِضٍ للحَدْس في بعض الأحيان، وسوف يتعلَّمون أن يثقوا في حَدْسهم في مواقفَ أخرى.

إن التعامُل مع هذه المواقف الصعبة والمتغيِّرة دائمًا ليس ممكنًا دون الاستعانة بالعقل والقلب والشجاعة. علاوةً على ذلك، فالقائد المعتمِد على «العقل» فقط لا يمكنه أن يصبح قائدًا كاملًا عن طريق أخذ دورةٍ في الأخلاقيات، أو تلقِّي تدريبٍ في النزاهة. والقائد المعتمِد على «القلب» فقط لن يبدأ في الإقدام على المخاطرات من خلال الالتحاق بدورةٍ تدريبيةٍ تتضمَّن أنشطةً رياضيةً مُجازفة؛ فالتنمية لا بد أن تكون مستمرة ومتعددة الجوانب.

نقصد بذلك أن القيادة تتألَّف من الخبرة والتدريب والتوجيه. وفي الصفحات المقبلة، سوف نعرض أفضل الطرق التي تستفيد من خلالها المؤسساتُ من الخبرة، والتدريب، والتوجيه من أجل صناعة قادةٍ كاملين. وعلى وجه التحديد، سنناقش الصفات القيادية التي حدَّدناها من خلال تعليم وتوجيه آلاف القادة حول العالم. ونعتقد أن هذه هي الصفات التي يجب التحلِّي بها من قِبَل قادة المستقبل كي يَجمعوا بين العقل والقلب والشجاعة.

(٥) محتويات هذا الكتاب

رتبنا محتويات الكتاب على النحو التالي: «الجزء الأول: لماذا ندعو إلى القيادة الكاملة؟» (الفصل الأول والفصل الثاني)، يُقدِّم معلوماتٍ عامةً عن الطرق التي نتناولها في بقية الكتاب والسياق الذي سنتناولها عبره. يلي ذلك «الجزء الثاني: قيادة العقل» (من الفصل الثالث إلى الفصل السادس)، و«الجزء الثالث: قيادة القلب» (من الفصل السابع إلى الفصل العاشر)، و«الجزء الرابع: قيادة الشجاعة» (من الفصل الحادي عشر إلى الفصل الثالث عشر)، و«الجزء الخامس: القيادة الناضجة» (الفصل الرابع عشر) الذي يورد أسبابًا قوية تُدلِّل على أهمية إعداد قادةٍ ناضجين «مبكرًا»، إلى جانب تقديم تعليماتٍ حول طرق القيام بذلك.

يمكن توضيح منهجنا في القيادة على النحو التالي:

قيادة العقل

• إعادة التفكير في طريقة القيام بالأمور.
• إعادة تعيين الحدود عند الضرورة.
• فهم تعقيدات العالم الدولي.
• مراعاة التفكير الاستراتيجي دون إغفال الأهداف القصيرة المدى.
• البحث عن الأفكار داخل الشركة وخارجها، وفي أي مكان يمكن أن توجد فيه.
• تكوين وجهة نظر.

قيادة القلب

• الموازنة بين احتياجات الأفراد واحتياجات الشركة.
• خلق الثقة.
• تطوير تعاطف حقيقي في مكان عمل متنوع.
• خلق بيئات تتيح للأفراد تبَنِّيَ قيم الالتزام الحقة.
• تحديد المهم.
• فهم المعيقات المحتملة والتغلب عليها.

قيادة الشجاعة

• الإقدام على المخاطرة في ضوء بيانات غير كاملة.
• الموازنة بين المخاطرة والمردود.
• التصرُّف بنزاهة صارمة بالرغم من الصعوبات.
• السعي بإصرار نحو فعل المطلوب من أجل النجاح.
• الصمود في وجه المِحَن.
• عدم الخوف من اتخاذ قرارات صعبة.

ومن الواضح أن كثيرًا من هذه الصفات ليس محور التركيز التقليدي في مجال تطوير القيادة. وحتى الصفات العقلية تختلف عن المهارات المعرفية المعتادة المتمثلة في اتخاذ القرار، والتخطيط الاستراتيجي، وما شابه ذلك. ونحن لا نُرجِّح فكرة أن المهارات التقليدية غير مهمة، بل نفترض في واقع الأمر أن أي قائدٍ يتبع طريقًا تقليديًّا يبدؤه بالالتحاق بإحدى كليات الأعمال، ثم شَغْل وظائف المبتدئين في أي شركة؛ سوف يكتسب تلك القدرات المعرفية في نهاية المطاف. ما نقصده هو أن تلك القدرات لم تَعُدْ كافية.

إننا ندرك أن كل هذه السمات ليس من الممكن اكتسابها عبر التدريب أو التوجيه؛ فعلى سبيل المثال: إذا كنت مفتقرًا إلى القدرة الفطرية على مراعاة النزاهة، فلن يساعدك أي أسلوب، مهما بلغتْ كفاءته، على اكتسابها. وندرك أيضًا أن بعض السمات قد لا تنشأ إلا بعد خوض الأفراد مجموعةً من التجارِب، والفشل في بعضها، والتعلُّم من تلك الإخفاقات.

نحن نفترض أن معظم القادة، إذا مُنِحوا الوقت الكافي، فسوف يكتسبون الخبرة ويتعلَّمون منها، فضلًا عن أننا متفائلون بما يكفي لافتراض أن الشركات ستصبح أكثر وعيًا بتوظيف واختيار أشخاصٍ لديهم إمكانيةُ أن يصبحوا قادةً كاملين. وعلى الرغم من أن الشركات ترتكب بعض الأخطاء أو يُعمِي بصيرتَها أحيانًا ماجستير إدارة أعمال رفيعُ المستوى أو غيره من مؤهلات الدراسات العليا، فإنها تدرك قيمة توظيف قادةٍ مستقبليين قادرين على التعاطف ويمتلكون قِيَمًا قوية، تتجلَّى بطرقٍ عديدةٍ وفريدة، بالإضافة إلى توظيف المتفوقين من حَمَلَة مؤهلات الدراسات العليا.

وباستخدام أمثلةٍ من عملنا، وسجلات الحالات السابقة، والإشارات العرضية إلى الأبحاث في هذا المجال، والاقتراحات الخاصة بتنفيذ هذه العملية التطويرية؛ نعرض أسبابَ دعوتنا إلى تطبيق القيادة الكاملة. أشرنا في السابق إلى كتابٍ ألَّفناه بعنوان «لماذا يفشل الرؤساء التنفيذيون؟» ونرى بقوة أن هذا الكتاب يقدِّم «الترياق» الواقي ممَّا عرضه الكتاب السابق؛ فالكتاب الموجود بين أيديكم من الممكن أن نطلق عليه «لماذا ينجح الرؤساء التنفيذيون (وغيرهم من القادة)؟» ونحن واثقون من أنه سوف يفتح آفاقَ عقولكم على نموذج قيادةٍ جديد، ويجعلكم تفهمون بعض مشكلات الأفراد الشديدة الأهمية التي تطرأ على الساحة، ويُلهِمكم من خلال قصص الأشخاص الذين خاضوا المجازَفةَ اعتمادًا على معتقداتٍ وقِيَم.

وفي نهاية المطاف، نأمل ألَّا يقتصر أثرُ هذا الكتاب على تحسين كفاءة قيادة المؤسسة فحسب، بل أن يمتدَّ لتحسين الإمكانيات القيادية لدى كل فردٍ من القرَّاء. ونأمل أيضًا أن يساعدك هذا الكتاب على مشاركتنا الحماسَ حيال إمكانيات القيادة بالعقل والقلب والشجاعة.

(٦) الفزَّاعة، ورجل الصفيح، والأسد الجبان

نعلم أن أهمية هذه الصفات البشرية الثلاث — العقل والقلب والشجاعة — قد أدركها الناس قبل عصرنا؛ فالفكرة ليست جديدة. ولعل أوضح تمثيلٍ لهذه الفكرة يأتي من الأفلام؛ فالجميع تقريبًا شاهدوا فيلم «ساحر أوز»، أحد أشهر الأفلام على الإطلاق، ولعلك تذكر أن الشخصيات الثلاث الرئيسية (بجانب دوروثي وكلبها توتو) كانت الفزَّاعة، ورجل الصفيح، والأسد الجبان. كان الفزَّاعة يبحث عن العقل، وكان رجل الصفيح يبحث عن القلب، وكان الأسد يبحث عن الشجاعة؛ أي إنهم كانوا يبحثون عن العقل والقلب والشجاعة. لقد أدرك كلٌّ منهم أنه غير كامل، وكلٌّ منهم كان يبحث عن الجزء المفقود الذي سيجعله كاملًا. وكان لدى كلٍّ منهم قدرةٌ غير متطوِّرة لكنه لم يكن يعلمها، أو لم يكن يعلم كيفية استخدام ما لديه.

لقد وجدنا أن كثيرًا من قادة الشركات في الوقت الحاضر يمرون بالموقف نفسه الذي مرَّ به كلٌّ من الفزَّاعة، ورجل الصفيح، والأسد؛ فهم يبحثون عن الصفة الشخصية الأساسية التي ستجعلهم إلى حدٍّ ما ناجحين أو كاملين (وفي الغالب يستثمرون الكثير في «السَّحَرة» الذين يَعِدُونهم بفعل ذلك). وفي أغلب الأحيان تكون لديهم بالفعل الصفةُ التي يبحثون عنها، لكنها غير مدرَكة أو غير متطوِّرة. نأمل أن يساعدكم هذا الكتاب في وضع أقدامكم على الطريق الصحيح لفهم القيادة.

•••

لا نعتقد أن هذا الكتاب هو كلمتنا الأخيرة في موضوع القيادة بالعقل والقلب والشجاعة. في حقيقة الأمر، هذه هي كلمتنا الأولى، وهدفنا هو مساعدتك على التفكير في هذا الموضوع بطريقةٍ جديدةٍ ومثيرة. وسنبدأ، في الفصل الأول، بتوضيح أسبابِ أهميةِ القيادة الكاملة في عالَم الأعمال المعاصر السريع الحركة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤