الفصل الثاني عشر

تحقيق التوازن بين المخاطرة والمكافأة

إن تحقيق التوازن بين المخاطرة والمكافأة يتطلب شجاعةً تزيد عن أي وقتٍ مضى. وقد يشعر القادة بالخوف من العيش في مساحة الشك الموجودة بين الخيارين، باحثين عن القدر السليم من المخاطرة الذي يحقِّق القدرَ المناسب من المكافأة. يقع بعض القادة في خطأ خوض مخاطرةٍ طائشةٍ تؤدي إلى عواقبَ ماليةٍ كارثية، لا سيما أولئك الذين يركزون فقط على الجانب الإيجابي أو يقللون من الجانب السلبي عند تقييم مسار أحد الإجراءات. والبعض الآخر من القادة يقع في خطأ المبالغة في الحرص، ويرفض خوض القدر المناسب من المخاطرة؛ فيحرم مؤسسته من مكافآتٍ كبيرة. إن عالم الأعمال خطير في الأساس، وربما أصبح أكثر خطورةً في وقتنا الحاضر عن ذي قبلُ. وإيجاد التوازن الصحيح يتطلَّب الشجاعة، لكنه يتطلب أيضًا توظيف العقل والقلب؛ فالمرء يحتاج إلى العقل كي يدرك مستوى المخاطرة المناسب في أحد المواقف، ويحتاج إلى القلب كي يوازن مدى تأثير تلك المخاطرة على الأفراد في المؤسسة.

في الفصل السابق تحدثنا عن المخاطرة المتعلقة باتخاذ قراراتٍ دون بيانات؛ وهذه مسألة مهمة، لكنها ليست على الإطلاق المسألة الوحيدة التي تنطوي على مخاطرة. وفي واقع الأمر، خلال السنوات الأخيرة، لم يتزايد مستوى المخاطرة فحسب، بل تعددت أنواع المخاطرات أيضًا. وقبل مناقشة التوازن بين المخاطرة والمكافأة، دعونا نُلقِ نظرةً على أنواع المخاطرات التي ظهرت في المؤسسات، والتحديات التي تواجه كثيرًا من القادة في الوقت الحاضر.

(١) زيادة المخاطرة

جرت العادة على أن تنظر الشركات إلى المخاطرة من زاويةٍ ماليةٍ بحتة، وأن تنظر إليها أيضًا من منظور السبب والنتيجة؛ فكلما خاطرنا، زاد المال المحتمل جَنْيُه؛ وكلما قلَّت المخاطرة، قلَّ المال المحتملة خسارته. وفي الواقع، تتضمَّن المخاطرة جوانب أكثر بكثيرٍ من الجوانب المالية، ومن الممكن أيضًا أن يؤديَ التقليل من المخاطرة إلى خسارة الكثير من المال في نهاية المطاف؛ على سبيل المثال: إن رفض المخاطرة بتطوير منتجٍ جديدٍ أو إجراء استثماراتٍ في مجال توسيع السوق، يمكن أن يوفر للمنافسين الفرصة التي يحتاجونها لانتزاع جزءٍ من مركزك السوقي، أو قد يدفع عملاءك إلى تغيير ولائهم؛ ممَّا يؤدي إلى خسائر فادحة.

ولذلك، نحتاج إلى التفكير في المخاطرة من زاويةٍ أوسع بكثير. ولمساعدتك في فعل ذلك، إليك بعض العوامل التي تجعل المخاطرة أوسع نطاقًا، وأكثر شدةً وتعقيدًا:
• «تركيز خبراء وول ستريت الدائم على الأداء والنمو»: في الوقت الحاضر يجب أن تسعى الشركات إلى النمو على نحوٍ مستمرٍّ، وإلا فسوف تتلقى تقييماتٍ سلبيةً من الخبراء تصفها «بالجمود»، لكنْ إذا خاضتْ مخاطراتٍ سيئةً وخسرت المال، فسوف ينتقدونها بشدة. وفي بعض الأحيان يبدو الأمر كأنه موقف لا مناص فيه من الخسارة، وهو موقف يستبعد الشركات التي لا تستطيع إظهارَ كلٍّ من الأداء والنمو على نحوٍ مستمرٍّ ومتوقَّع.
• «الحاجة إلى دخول أسواقٍ ناشئةٍ أقل استقرارًا أو أقل شهرةً»: في الماضي، كانت آليات السوق الجديدة تعكس، بطرقٍ كثيرة، الأسواقَ الموجودة، وكانت مخاطر دخول تلك الأسواق أقل؛ على سبيل المثال: أثناء ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته، مؤسساتٌ أمريكية ويابانية كثيرةٌ كانت قادرةً على النمو من خلال التعامل مع العالم على أنه سوق واحدة، فنقَلَتِ البضائعَ من سوقٍ إلى أخرى بقدرٍ قليلٍ من المخاطرة. واليوم، بسبب زيادة الشفافية وتدفُّق المعلومات، فإن المنتج القادم من إحدى الأسواق ليس بالضرورة منتجًا «جديدًا» في مكانٍ آخَر؛ فعند تقديم ذلك المنتج، يصبح مرتبطًا على الفور بكل تقييماته وخصائص العلامة التجارية في الأماكن الأخرى. علاوةً على ذلك، فإن كثيرًا من فرص الأسواق الناشئة يوجد في الدول النامية، حيث تزداد المخاطرة إثر مجموعةٍ من العوامل المتنوعة، بدايةً من تقلب حكومات تلك الدول ووصولًا إلى قيود التجارة فيها وحتى ثقافاتها غير المألوفة. وبطبيعة الحال، فإن الفشل في دخول سوقٍ تتوسع بسرعةٍ مثل الصين ربما يعني التخلِّيَ عمَّا يمكن أن يصبح السوق الجديدة الأكثر ربحيةً في القرن الحادي والعشرين.
• «زيادة التدقيق الرقابي»: بالتأكيد غيَّر قانونُ ساربينز أوكسلي — التشريع الذي أصدره مجلس الشيوخ الأمريكي ردًّا على كل فضائح المؤسسات في السنوات الأخيرة — المناخَ الرقابي. إن ساربينز أوكسلي لم يَزِدْ فحسب من الوقت والجهد المطلوبين من الإدارة لإجراء المراجعات في الشركات العامة، بل جعل أيضًا الرؤساءَ التنفيذيين، ومجالسَ الإدارة، وكبارَ المسئولين التنفيذيين؛ مسئولين على نحوٍ أكبر عن أي احتيالٍ أو ممارساتٍ أخرى غير قانونية. وأسفَرَ هذا القانون عن حالةٍ من الاهتمام الشديد بالتفاصيل من قِبَل القادة والرؤساء؛ حيث أصبحوا أكثر عرضةً للتهديد الشخصي إذا وضعوا المؤسسةَ في خطرٍ مؤسسيٍّ كبير. إن ضرورة توقيعهم على بيانِ مصادَقةٍ ربعِ سنويٍّ يزيد الوعيَ بالمخاطرة والعقاب المحتمل.
• «زيادة الوعي بإدارة المخاطر»: انتشرت عقلية المخاطرة في المؤسسات من القسم المالي إلى أنحاء الشركة كافةً، وأصبحت الأخطار الكارثية المتعلقة بالأمور المالية، أو بسمعة المؤسسة، أو بالناحية الرقابية؛ تشمل الآن كل شيءٍ، بدايةً من قضيةِ تمييزٍ يرفعها أحد الموظفين وحتى صدور قرارٍ بيئيٍّ ضد المؤسسة في مكانٍ بعيدٍ في العالم. والآن أصبح الجميع يضع إدارةَ المخاطر نصبَ عينيه، ليس فقط في شركات التصنيع التي تحظى فيها الأمورُ البيئية وسلامةُ المنتج والموظف بأهميةٍ بالغة، بل أيضًا في المؤسسات الخدمية والمالية؛ حيث من الممكن أن تندثر شركة بالغة من العمر تسعًا وتسعين سنة مثل مؤسسة آرثر أندرسون بين عشيةٍ وضحاها، بسبب أفعال بضعة أشخاص.
• «الاعتماد المتبادل بين الشركات»: لم يَعُدْ ممكنًا إدارة المخاطرة ببساطةٍ من خلال تطبيق الضوابط الداخلية. إن طبيعة الاعتماد المتبادل في العمل التجاري تعني أن الموردين والعملاء وغيرهم من الشركاء الخارجيين يمكن أن يقوموا بأفعالٍ تُعرِّض شركتك للخطر؛ فمن الممكن أن يقترف الموردون خطأً؛ ومن ثَمَّ قد تصبح متورطًا في دعوى مرفوعةٍ ضدهم. ويمكن أن يتيح أحدُ الشركاء الخارجيين دون قصدٍ الإعلانَ عن معلوماتٍ خاصةٍ بالعملاء؛ ممَّا يؤدي إلى اتهامك بانتهاك خصوصية العملاء.
• «التكنولوجيا»: إن الاعتماد على التكنولوجيا خلق أنواعًا شتى من المخاطر، بما فيها احتمالية الوقوع فريسةً لقراصنة الإنترنت والفيروسات، وكذلك الحاجة إلى تجديد الأنظمة القديمة سريعًا. ونظرًا لأن المعلومات تنتقل الآن بسرعةٍ وتخزن مدمجة على ملفات الكمبيوتر لسنوات، فإن العواقب غير المقصودة لتبادل رسائل البريد الإلكتروني، ومحتويات البريد الصوتي، ومقاطع الفيديو؛ يمكن أن تظهر في إحدى قاعات المحاكم أو في إحدى دعاوى المدعي بالحق المدني.
•«اتجاه إدارة المعرفة»: الآن أكثر من أي وقتٍ مضى أصبحت الأصول الأهم لدى الشركات هي عقولَ الأفراد، وأصبحت الوصفاتُ السرية للمنتجات أقلَّ أهميةً من خبرة مسئول تنفيذي في إدارة سلسلة التوريد. من الواضح أنه من الأصعب والأخطر إلى حدٍّ كبيرٍ تجربة وإدارة المخاطر المرتبطة بالأمور غير الملموسة، وما يزيد من هذه المشكلة أن الأشخاص يغيِّرون الشركات التي يعملون بها بمعدلٍ أكبر بكثير، ويأخذون معهم ما يمتلكون من معرفةٍ إلى المنافسين.

وكما يمكنك أن ترى من هذه العوامل، فإنه يمكن تقسيم المخاطرة إلى عدة فئات: مخاطرة مؤسسية، ومخاطرة شخصية، ومخاطرة متعلقة بالسمعة، ومخاطرة تنظيمية، ومخاطرة ناتجة عن عدم المخاطرة، وهكذا. ونظرًا لأن قليلًا من هذه المخاطر قابلٌ للقياس أو قابلٌ للتحديد، فلا بد من إدارتها على نحوٍ حدسي. وكما أوضح الفصل السابق، قد يمثل ذلك تحديًا للقادة التقليديين؛ فهؤلاء يجدون صعوبةً مستمرة في تحقيق التوازن بين المخاطرة والمكافأة، ويريدون تشجيعَ الموظفين على الجرأة والابتكار، وإدراك أهمية الحفاظ على الروح الريادية للشركة وتحقيق أجندة النمو الخاصة بها؛ وفي الوقت نفسه، لا يريدون أن يعتقد الموظفون أنهم يشجِّعونهم على خوض مخاطراتٍ مجنونة.

في أغلب الأحيان يحاول القادة الوصول إلى صيغةٍ أو إلى مبدأ تشغيلٍ معياريٍّ للتعامل مع معادلة المخاطرة والمكافأة. ولسوء الحظ، فإنه لا يوجد حل واحد مناسب لجميع الحالات، وبدلًا من ذلك، يحتاج القادة إلى التعامل مع موضوعات المخاطرة والمكافأة على حسب الموقف وبابتكارٍ.

(٢) فن الحفاظ على التوازن الناجح

إن إدارةَ المخاطرة والمكافأة من منظورٍ علميٍّ لَأمرٌ محكومٌ عليه بالفشل، لكن إدارتهما من منظورٍ فنيٍّ هي الطريقة الأنسب للتفكير فيهما. إن أفضل القادة في وقتنا الحاضر يتجاوزون الحدود، لكنهم يدركون أيضًا متى يتجاوزون الحدود والمدى الذي يُعتبَر تجاوزه مبالغًا فيه. والقادة مستعِدون للمخاطرة إذا كان أحدُ الإجراءات متفقًا مع معتقداتهم، لكنهم يدركون أيضًا متى يكون فعل ذلك غيرَ مناسبٍ أو خطيرًا إلى حدٍّ كبير. وهؤلاء القادة لا يمتلكون الشجاعة فحسب — فهم ليسوا مجرد أشخاصٍ متهورين يحبون المخاطرة — بل يخففون أيضًا من شجاعتهم بصفات القلب والعقل؛ ونتيجةً لذلك، تجدهم يديرون التوازن وفقًا للمواقف التي يجدون أنفسهم فيها. ويدرك هؤلاء أنه لا يوجد حل صحيح أو مثالي، وأن عليهم الاعتماد على الابتكار والحدس — أي الاعتماد على فن الإدارة وليس على علم الإدارة — للتعامل مع التوازن بنجاح.

يقدِّم بوب شاي ومايكل لين — مساعِدَا الرئيس التنفيذي في شركة نيو لاين سينما — مثالًا جيدًا على طريقة تحقيق ذلك التوازن. لقد وُصِفَا بأنهما مغامِران حقيقيان عندما انتهزَا الفرصة وصوَّرَا الأجزاء الثلاثة من «لورد أوف ذا رينجز» (مملكة الخواتم) في وقتٍ واحدٍ، مع مخرجٍ لم يثبت نجاحه من قبلُ وهو بيتر جاكسون. ماذا سيحدث لو فشل الجزء الأول في شباك التذاكر؟ ماذا سيفعلان بالجزأين الآخَرين؟ لقد استثمرت شركة نيو لاين مع الشركة الأم، تايم وارنر، ما يزيد على ٢٠٠ مليون دولارٍ أمريكيٍّ، في «رهان» على أن فيلم «لورد أوف ذا رينجز» سيكون فيلمًا ناجحًا. وعلى الرغم من ذلك، فإن بوب ومايكل لم يخاطِرَا على هذا الفيلم دون حساب، بل تشاركا مع موزعين أجانب لتقليل المخاطر المادية. وهكذا، على الرغم من أنهما خاطَرَا بالفعل مخاطرةً كبيرة في الفيلم، فإنهما قد أدارَا الجانب السلبي المحتمل. وفي هذه الحالة حقَّقَا التوازن الصحيح، وكما هو معروف، أصبح فيلم «لورد أوف ذا رينجز» واحدًا من أنجح الأفلام على الإطلاق.

في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، كنا نعمل مع رئيسٍ تنفيذيٍّ لإحدى الشركات الكبرى، لم يشغل هذا المنصب إلا منذ ستة أسابيع فحسب، وسرعان ما أدرك أن سلفه تجنَّب إعادة تنظيم الشركة على أساسٍ إقليمي، على الرغم من أن إعادة التنظيم تلك كانت ستوفر المال وتُحسِّن الأداء. أطلق الرئيس التنفيذي على الفور مبادرةً لتحليل جدوى إعادة التنظيم، واكتشف السببَ الذي جعل سلفه يُحجِم عن ذلك؛ فلو اتخذ قرارًا بإعادة تنظيم الشركة، لَتوقَّعَ الخبراء أن ينخفض سعر السهم على الفور بمعدل ثلاث أو أربع نقاط؛ ممَّا كان سيجعله محلَّ انتقادٍ كبير، ولم تكن تلك هي الطريقةَ التي يريد أن يستهل بها وظيفته. وأوضح خبراؤه أيضًا أنه إذا أحجم عن اتخاذ هذا الإجراء، فإنه لن يهدر مال الشركة فحسب وستصبح غير قادرةٍ على تحسين الأداء، بل ستخسر على الأرجح قدرًا كبيرًا من الحصة السوقية خلال عامين.

سألَنا ذلك الرئيسُ التنفيذيُّ عمَّا نقترحه، وكان جوابنا: «ليست لدينا فكرة.»

في واقع الأمر، كانت لدينا فكرة، لكنها لم تتمثَّل في ذلك الخيار الترجيحي الذي أراد الرئيس التنفيذي سماعَه؛ فلكي يتعامل هذا الرئيس التنفيذي مع الخطر الشخصي والمؤسسي المتمثِّل في إعادة تنظيم الشركة والمكافأة المحتملة المتمثِّلة في تحسُّن الأداء، وتوفير التكاليف، والحصة السوقية، فإنه يحتاج إلى تبنِّي أسلوبٍ قياديٍّ قوامُه الثقةُ والشفافية يُحفِّز نوعَ المناقشات والأفكار التي يمكن أن تُسفِر عن استراتيجيات «توازُن» ناجحة. ما كان يحتاجه هو فتح الحوار بين أهم الموظفين لديه، من أجل تحديد الطرق التي من خلالها يمكن للشركة تحقيق التوازن بنجاحٍ بين البديلَيْن المتنافسَيْن بدلًا من الاختيار بينهما.

في أغلب الأحيان عند مواجهة هذا النوع من مشكلات التوازن البالغة الصعوبة، فإن النقاشات في المؤسسة تتحوَّل إلى جدلٍ ترجيحيٍّ بين خيارين متناقضين فحسب؛ فينحاز بعض الأشخاص إلى جانب إعادة التنظيم، ويصوِّت البعض الآخَر على إبقاء الوضع الراهن، ويكون لزامًا على الرئيس التنفيذي الاختيار. توجد بدائل أخرى، لكنها لن تظهر إذا كان مناخ المؤسسة لا يساعد على الحوارات المفتوحة. لدى الكثير من الشركات مشكلاتٌ في «التعبير عن الرأي»؛ فالموظفون يخشَوْن التعبير عن آرائهم خوفًا من التعرُّض للسخرية أو العقاب (من الناحية الوظيفية) بسبب التعبيرِ عن آراءٍ لا تلقى قبولًا أو تقديمِ أخبارٍ سيئة. وبعض الثقافات تَحُول دون التعبير عن الأفكار غير الكاملة؛ فقد يقول المدير على سبيل المثال: «لا تتحدَّث عن ذلك إلا بعد أن تفكِّر فيه جيدًا، وتحلِّله، وتبحثه، وتأتيَ بخطةٍ قابلةٍ للتنفيذ.» وعلى الرغم من ذلك، فإن الأفكار غير الكاملة هي المكمن الذي تأتي منه أفكارُ إدارةِ التوازُن. إنها أفكار إبداعية حدسية، يمكن أن تقدِّم خيارًا للسيناريوهات الترجيحية.

في كثيرٍ من الشركات، خاصةً في الماضي، كان القادة يميلون إلى التركيز على تقليل الخطر أولًا، والتعامل مع المكافآت كموضوعٍ منفصل؛ وهذا يعني أنهم يُظهِرون أسوأ السيناريوهات، ويضعون استراتيجياتٍ للحيلولة دون وقوعها. ثم يدرسون استراتيجيات التوسُّع في السوق، وعمليات الاستحواذ، وغيرهما من طرق زيادة الإيرادات على نحوٍ منفصل.

واليوم، يجب أن يكون تحليل المخاطرة والمكافأة وحدةً متكاملة. وكما أوضحنا، فإن موضوع المخاطرة والمكافأة أصبح معقدًا للغاية ومتداخلًا لدرجةٍ لا تسمح بتناول أحد الخيارين دون الآخر. قد تكون الاستراتيجيةُ المحافظة عاليةَ الخطورة، في حين قد تحقِّق الطريقةُ المعاصرة قدرًا قليلًا من المكافأة؛ ونتيجةً لذلك، لا بد من إجراء المناقشات المفتوحة، الصريحة من الناحية المعرفية، التي تُظهِر الموضوعات المتشابكة المحيطة بالمخاطرة والمكافأة؛ فهذه هي الطريقة الوحيدة التي من خلالها يستطيع القادة إدارة التوازن بإبداعٍ وعلى نحوٍ حدسي.

ويجب أن نذكر أنه في أغلب الأحيان لا تدار المخاطرة والمكافأة بهذه الطريقة. ويوجد عدد لا يُحصَى من الطرق الخاطئة المعتمدة على العقل، والطرق الخاطئة المعتمدة على القلب، التي تُستخدَم في التعامل مع هذا الموضوع الذي يتطلَّب الشجاعة، لكنْ دعونا نُلقِ نظرة على بعض الطرق الأكثر شيوعًا وطرق تجنُّبها.

(٣) طرق خاطئة لموازنة المعادلة

كما أشرنا، فإن أوضح الطرق لإحداث عدم توازنٍ بين المخاطر والمكافآت هي المبالغة في الحرص، أو المبالغة في الاستعداد للمخاطرة. وعلى الرغم من أننا ما زلنا نرى بعض القادة المتمسكين بالعقليات المحافظة على نحوٍ تقليدي، بالإضافة إلى القادة الرياديين الذين يخاطرون بكل شيء، فإن معظم الأشخاص يفهمون أن تحقيق التوازن بين المخاطر والمكافآت ضروري للقيادة الناجحة؛ ولذلك، فإن الأخطاء التي يرتكبونها أقل وضوحًا من الخطأين اللذين ذكرناهما للتو، وغالبًا ما ترتبط تلك الأخطاء بالاعتماد المفرط على العقل والقلب والافتقار إلى الشجاعة الكافية:
• «التركيز الشديد على جانب العلاقات الشخصية في القيادة»: بعض القادة يُفرِطون في الاعتماد على القلب ويتألَّمون بشدةٍ من القرارات المتعلقة بالأفراد. في كثيرٍ من الأحيان، يرفض هؤلاء خفض عدد العمالة الزائدة عن الحد؛ لأنهم لا يستطيعون تحمُّل الألم الذي سيسبِّبونه للموظفين الأعزاء. وعلى الرغم من النية الحسنة الكامنة خلف ذلك الرفض، فقد يتجاهلون كذلك حقيقة أنهم إذا رفضوا اليوم تقليل العمالة بمعدل ألف موظف، فمن المحتمل أن يضطروا إلى خفض العمالة بمعدل ألفَيْ موظفٍ في الغد. ويجد هؤلاء القادة صعوبةً أيضًا في القرارات المتعلقة بالأفراد، فيضعون الأشخاص الخطأ في مناصبَ رئيسيةٍ بسبب الصداقة، أو يرفضون نقْلَ أحد الزملاء القدامى من منصبٍ حساس، على الرغم من أنه أثبَتَ عدم القدرة على الاضطلاع بالوظيفة بكفاءة؛ وكل هذا يضع المؤسسة في خطرٍ أكبر بمراحل، مع ترسُّخ الأداء الضعيف وعدم الكفاءة.
• «محاولة إحصاء جميع المخاطر»: هذا هو منهج العقل، الذي يتعامل مع معادلة المخاطرة والمكافأة على أنها شيء يمكن حسابه. ويهدف في واقع الأمر إلى السيطرة على المخاطر كافةً من أجل الحفاظ على مستوًى معينٍ من المكافأة، وهذا مستحيل في ظل عالَمٍ متقلبٍ ولا يمكن التنبؤ به. وعلى الرغم من ذلك، ينظر القادة إلى المشكلات والفرص ويحسبون احتمالات المناهج المختلفة، ولا يختارون سوى المناهج التي تميل فيها الاحتمالاتُ إلى صفِّهم. ولا تكمن المشكلة هنا في صعوبة حساب الاحتمالات بدقةٍ فحسب، لكن أيضًا في أن دعم «الأمور المؤكدة» فقط يضمن تجنُّب المناهج الابتكارية والجديدة؛ ومن ثَمَّ تزيد المخاطر وتقل المكافآت؛ لأنه من الضروري على أقلِّ تقديرٍ الاعتمادُ على بعض المناهج الحديثة لاكتساب القدرة على المنافسة في هذه البيئة.
• «فصل مسئولية المخاطرة عبر تعيين شخصٍ مسئولٍ عن إدارة المخاطرة، أو عبر إحالتها إلى شخصٍ يعمل في أدنى المستويات الإدارية»: من الصعب على القادة تحقيق التوازن بين المخاطر والمكافآت، عندما يحاولون حصْرَ مسئولية المخاطرة في مختصٍّ واحدٍ أو في وظيفةٍ واحدة. وفي أغلب الأحيان، نرى رؤساءَ تنفيذيين وغيرهم من القادة يرغبون فقط في التركيز على المكافأة، ويكرهون التعامل مع الموضوعات المعقدة التي تُعَدُّ جزءًا من المخاطرة. ومن خلال التنصُّل من مسئولياتهم، فإنهم يبعثون رسالةً للتنفيذيين الآخَرين مفادها أنهم يمكنهم أيضًا عزل أنفسهم عن المخاطرة، أو تحمُّل المسئولية عن جزءٍ صغيرٍ فحسب من الأمور المتعلِّقة بالمخاطرة. وبسبب هذا التوجه، لا يُجرَى إلا قدرٌ قليل من الحوار بشأن المخاطرة في الشركات الكبرى، ولا ينخرط الأفراد في محادثاتٍ مجديةٍ تساعدهم في فهم آلية المخاطر والأرباح في مختلِف المواقف؛ ونتيجةً لذلك، لا يمتلكون سوى القليل من الأفكار الكاشفة حول ماهية التوازن الأفضل بين المخاطرة والمكافأة في أحد المواقف.
يتحدَّث جو بيراردينو، الرئيس التنفيذي السابق لشركة آرثر أندرسون، عن أمرٍ مشابهٍ متعلقٍ بحوكمة الشركات، وكيف أن مجالس الإدارة تبالغ في التركيز على جزءٍ ضئيلٍ من سلسلة القيمة وتفشل في النقاش بشأن الإدارة التنظيمية والمخاطر القيادية. وعلى الرغم من أن مجلس الإدارة قد يناقش المخاطر المالية بدقة، فإنه لا ينظر دائمًا إلى المخاطرة بالمعنى العريض للمصطلح؛ ومن ثَمَّ لا يساعد القيادة التنظيمية على التفكير في طرقٍ متوازنةٍ فيما يخص المخاطرات والمكافآت. ويوضِّح بيراردينو أيضًا أن القادة يميلون إلى جعْل الأفراد يوقعون بالموافقة على البرامج والمشاريع الجديدة، كطريقةٍ لإزاحة المسئولية نحو المستويات الإدارية الأدنى. وعبر إلقاء مسئولية التوازن بين المخاطرة والمكافأة على عاتق أحد الأشخاص في المستوى الإداري الأدنى، فإن فرص إجراء مناقشاتٍ جديةٍ بين قادة الإدارة العليا فيما يخص المخاطرة، تصبح محدودة؛ فلا أحد من الإدارة العليا يدرس مخاطر المُضي قدمًا؛ ومن ثَمَّ لا يوجد لديهم إلا القليل من الوعي عن المخاطر الحقيقية مقابل المكافآت الفعلية.
• «العجز عن تحقيق الشفافية الكاملة»: تخوض الشركات مخاطراتٍ طائشةً (أو لا تخوض مخاطراتٍ جيدة) في نهاية المطاف بسبب حالة السرية التي تحيط بالموضوعات المتعلقة بالمخاطرة. في أغلب الأحيان لا يرغب القادة في التحدث بصراحةٍ عن المخاطر، وقد يُخفون الأخطاء التي ارتكبوها في الماضي وأسفرت عن نتائجَ سلبيةٍ؛ لأنهم لا يرغبون في أن يتهمهم أحدٌ بخوض مخاطراتٍ سيئة. ولقد وجدنا أنه كلما زادت شفافية القادة، قلت احتمالات خوضهم مخاطراتٍ سيئة. ومن خلال الحوار المستمر حول الأسباب التي جعلت إحدى المخاطرات مجديةً، والأسباب التي جعلت الأخرى غير مجدية، يحدث التعلُّم وتصبح الشركات أقدرَ على التعامل مع سيناريوهات المخاطرة والمكافأة المشابهة في المستقبل.
• «اتباع توجُّهٍ يعتمد على الامتثال بدلًا من الالتزام»: جرت العادة على أن تتضمَّن إدارة المخاطر الامتثالَ للسياسات والإجراءات بدلًا من الالتزام بالمصلحة العليا للشركة، المتمثِّلة في إيجاد التوازن الصحيح بين المخاطرة والمكافأة. ويعكس توجُّهُ الامتثال الخوفَ من المخاطرة وعدم الثقة في الأشخاص. والقرارات القائمة على الامتثال للسياسات دائمًا ما تهدف إلى الاحتماء من الخطر من خلال اتباع القواعد؛ وبهذه الطريقة، لو سار أحد الأمور على نحوٍ خاطئ، فإنه من الممكن دائمًا أن يبرر الأشخاص أفعالهم بالإشارة إلى القواعد التي اتبعوها. على صعيدٍ آخَر، يعني الالتزام دراسةَ كل سيناريو متعلقٍ بالمخاطرة والمكافأة، مع وضع أهدافٍ تنظيميةٍ أكبر في الاعتبار؛ وبهذه الطريقة، لا يصبح القادة مقيدين بالسياسات والإجراءات، بل يمكنهم تحديد القرار الذي يمثِّل المصلحة العليا للشركة على صعيد الحاضر والمستقبل كذلك. ومن خلال الالتزام بالمصلحة العليا للشركة، يقيِّم القادةُ المواقفَ على أساس كل حالةٍ على حدةٍ، ولا يبحثون عن أعذارٍ عندما تسير الأمور على نحوٍ خاطئ.

(٤) خلق مناخ يسمح بمعرفة طريقة تحقيق التوازن في المواقف المتعارضة وتطوير قادة قادرين على ذلك

كما قلنا في السابق، إن تحقيق التوازن بين المخاطرة والمكافأة فن وليس علمًا؛ ونتيجةً لذلك، لا يمكنك أن تخبر الناس بطريقة تحقيق ذلك، بل ما يمكنك فعله وما يجب أن تفعله هو التعامُل مع هذا الموضوع من عدة اتجاهات مختلفة؛ ممَّا يمنح الناس فرصةَ التفكير في التوازن، والتأمُّل في مشكلات الأفراد المتضمَّنة، واكتساب الشجاعة اللازمة للحفاظ على التوازن بدلًا من تبنِّي التوجُّه المفرط في التحفُّظ فور ظهور المشكلة. إليكم بعض الطرق المتنوعة لتطوير قدرات القادة في هذا المجال:
• «توفير منتدى تُروى فيه قصص المخاطرة والمكافأة»: عقدنا مؤخرًا منتدًى لقادة يو بي إس في سويسرا ركَّز على الثقة، وكجزءٍ من المنتدى تحدَّث المشاركون عن الكيفية التي تعلَّموا بها أن يستجيبوا بطرقٍ مختلفةٍ للمخاطرة والمكافأة، ووصفوا كلًّا من الاستجابات الفعالة والاستجابات غير الفعالة، وساعدوا المشاركين الآخرين على البدء في التفكير في مشكلاتهم الخاصة المتعلقة بالمخاطرة والمكافأة والتحدث عنها. وهذه الحوارات ضرورية؛ فمن دونها لن يحدث نقاش للموضوعات الرئيسية، أو ستُعالَج تلك الموضوعات على نحوٍ سطحيٍّ فحسب.
وفي معظم الشركات لا يتوافر لدى قادة الإدارة العليا الوقت اللازم للتعامل مع أسئلة موظفيهم المتعلقة بالمخاطرة والمكافأة؛ فهم يُهرَعون من اجتماعٍ إلى اجتماعٍ، ويعانون تحت وطأة قدرٍ كبيرٍ من الضغط بسبب موضوعاتٍ أخرى؛ ونتيجةً لذلك، يفشلون في الإجابة عن أسئلة الموظفين المتعلقة بالمخاطر والمكافآت، أو يعجزون عن مساعدتهم في تعلُّم كيفية الخروج من هذا التناقض الشائك. تحتاج المؤسسات إلى خلق مناخٍ يوفر قدرًا أكبر من الوعي بطرق تحقيق التوازن بين المخاطرة والمكافأة، وتحتاج أيضًا إلى إجراء حوارٍ مستمرٍّ كي يتمكَّن الأشخاص من التوصُّل إلى طريقة التعامل مع المخاطرة والمكافأة، وأفضلُ طريقةٍ لتحفيز ذلك النقاش هي جعْلُ القادة الآخرين يَرْوُون قصص المعاناة التي لاقَوْها في التعامل مع هذا التوازن الصعب.
• «تنبيه الأفراد لسلوكياتهم المعرقلة»: إن الإفراط في الحيطة هو المعوق الذي يتسبَّب على أكثر تقديرٍ في جعْل أحد القادة يخلُّ بالتوازن في معادلة المخاطرة والمكافأة. وعلى الرغم من ذلك، ففي كثيرٍ من الأحيان لا يدرك الأشخاص أن هذا سلوكٌ معرقِلٌ، أو أنهم قد دعموا مناخًا يخشى فيه الناسُ المخاطرةَ. ومن أساليب التنبيه إجراءُ استقصاءٍ عن مناخ المؤسسة يشمل أعضاء الفريق، وكجزءٍ من هذا الاستقصاء، يُسأل الأعضاء عمَّا إذا كانوا يشعرون بأنهم قادرون على التعبير عمَّا يجول بخاطرهم، وعمَّا إذا كان يوجد تدفُّق حر للأفكار، وما إذا كانوا يعتقدون أن لديهم حريةَ خوْضِ المخاطرات عندما تقتضي الضرورة. من المدهش أنه في مراتٍ كثيرةٍ يندهش القادة من نتائج تلك الاستقصاءات؛ فالقيادة تعتقد أنها خلقَتْ مناخًا يحثُّ على خوض مخاطراتٍ ذكية، لكنها تكتشف أن شعورَ فريقها مختلف للغاية؛ وهذا التنبيه يساعد الأفراد على إدراك أنهم يرسلون رسائل مفادها تجنُّب المخاطرة، وتجعلهم يدركون الطرقَ المختلفة التي من خلالها يقومون بذلك. وفي أفضل الظروف، تشجِّعهم زيادةُ الوعي تلك على اتخاذ الإجراءات الضرورية لخلق مناخٍ أكثر صراحةً وشفافيةً.
• «اتخاذ الإجراءات التي تشجِّع الأفراد على خوض مزيدٍ من المخاطرات التي توظف القلب»: بعض القادة غير مستعدين على الإطلاق لفعل أي شيءٍ قد «يجرح» الموظفين أو يدمِّر علاقتهم بزملائهم أو مرءوسيهم المباشِرين؛ ومن ثَمَّ، فإنهم يرفضون المخاطرة في مجال العلاقات، حتى إذا كان من المحتمل أن تُسفِر تلك المخاطرة عن مكافأةٍ كبيرة؛ فعلى سبيل المثال: عبر نقل مسئولية أحد المشروعات الكبرى من مرءوسٍ مباشِرٍ قديمٍ إلى موظفٍ شابٍّ جديدٍ أكثر نشاطًا وطموحًا، قد يتمكَّن القائد من زيادة فرص إكمال المشروع على نحوٍ ناجحٍ وفي الوقت المحدد. وتتمثَّل المخاطرة في احتمالية عزل الموظف الذي قضى معه وقتًا طويلًا؛ ذلك الموظف الذي يشعر بدوره أنه تعرَّض لتعاملٍ غير لائقٍ لأن القائد تخطَّاه في المشروع.
نحن آخِر مَن يؤيد تجاهل مشكلات العلاقات، لكننا نعلم أن بعض القادة يعانون من تلك المشكلات. ولكي نساعد هؤلاء الأفراد على إعادة التوازن إلى معادلة المخاطرة والمكافأة، فَلْنلقِ نظرة على تمرين «اختَرْ أفضل ثلاثة موظفين لديك وانقلهم». وهذا التمرين يتضمَّن التحدُّث مع القادة المتجنبين للمخاطرة عمَّا قد يحدث إذا نُقِل أفضل ثلاثة موظفين في جماعتهم. وعبر طرح عددٍ من الأسئلة على القائد واستعراض السيناريوهات المنطوية على هذا الإجراء الجذري، يبدأ في فهم أن إبقاء الموظفين سعداءَ بأي ثمنٍ يمكن أن تكون له نتائج عكسية. وأثناء هذه المناقشات، فإننا في الغالب نساعد القائد في إدراك أن من المحتمل أن يترك أفضلُ الموظفين فِرَقَهم عاجلًا أم آجلًا، وأن موهبتهم ستَجذب على نحوٍ طبيعيٍّ عروضًا وفرصًا أخرى.
إن هذا النوع من التمارين قد يساعد الأشخاص على إدراك أن مخاوفهم بشأن المخاطرات المتعلقة بالأفراد كانت مبالغًا فيها، وأنهم يحتاجون إلى اقتناص بعض الفرص في هذا الصدد من أجل تحسين الأداء.
• «تجنُّب الإدارة المُقَوْلَبة»: مع تَحوُّل الشركات إلى قدرٍ أكبر من العالمية، أصبحت الإدارة المُقَولبة ردَّ فعلٍ تلقائيًّا شائعًا يقلِّل من قدرة القادة على خوض المخاطرات. تَصْدر النماذج عن المكاتب العالمية والإقليمية كطريقةٍ لتوحيد سياسات البيع، وفرض مراقبة الجودة على تصنيع المنتجات، والاستفادة القصوى من الإنتاجية. ومن الأعراض الجانبية لهذه النماذج خلْقُ ضوابطَ صارمةٍ تحدُّ من الخيارات المتاحة للمديرين، خاصةً في مجال المخاطرة. وإذا حاوَلَ المديرون تنفيذَ فكرةٍ حديثةٍ، أو جربوا شيئًا خارجًا عن نطاق بروتوكولات الشركة، فسوف ينتهكون قواعد الشركة. وعلى الرغم من احتمالية نجاح النماذج في التحكُّم في التكاليف على المدى القصير، فإنها من الممكن أن تؤديَ أيضًا إلى السيطرة على المخاطرة، وهذا الأمر له تأثير سلبي طويل المدى على المكافآت.
• «تشجيع زيادة الوعي بالذات»: إن النجاحَ في إدارة التوازن بين المخاطرة والمكافأة مهمةٌ صعبة إنْ لم يكن القادةُ مدركين لنقاط قوتهم ونقاط ضعفهم، ومحفزاتهم، وتحيُّزاتهم. وعندما يثير أحد المواقف توتُّرَهم إلى أقصى درجةٍ بسبب نقطة ضعفٍ معينةٍ في شخصيتهم، فإنهم يصبحون محافظين على نحوٍ غير منطقيٍّ ويرفضون المخاطرة. وعندما يثير موقفٌ ما أحدَ معوقاتهم، فمن الممكن أن يضربوا بالحيطة عرْضَ الحائط، ويمضون قُدمًا باندفاعٍ متجاهلين الخطر.

إن الشجاعة الطائشة تعادل في خطرها افتقادَ الشجاعة فيما يخص التوازن بين المخاطرة والمكافأة. ويوجد احتمال كبير أن يتصرَّف القادة برعونةٍ أو بطرقٍ متحفظةٍ للغاية عندما يكونون تحت رحمة نقاط ضعفهم أو تحيُّزاتهم؛ فعلى سبيل المثال: قد لا يدركون أن غرورهم يجعلهم يخاطرون بمشروعٍ جانبُه الإيجابي قليلٌ نسبيًّا، وجانبُه السلبي كبيرٌ نسبيًّا؛ فهم يندفعون نحو إثبات صواب قرارهم، على الرغم من أن الدليل على ذلك يتطلَّب مخاطرةً كبيرة فادحة.

ومن خلال التوجيه وغيره من الطرق، يستطيع القادة أن يعرفوا أنفسهم على نحوٍ أفضل، وسوف تزيد تلك المعرفة من احتمالية تَمكُّنهم من إدارة المخاطرة والمكافأة اعتمادًا على خبراتهم وحدسهم، دون أن تعترض طريقَهم المشكلاتُ الشخصية التي لم تحظَ بالمواجهة أو التي ظلت دفينة.

•••

في النهاية، وعلى الرغم من كل ما قيل، فإن الجزء الأهم في القيادة بالشجاعة هو الشخصية. والشخصية تتضمَّن معرفة ما تدعمه وما أنت مستعد للدفاع عنه، وتعني تبنِّيَ مجموعةٍ من القيم الشخصية تُترجَم إلى نزاهة الهدف الذي لا يدعم أفعالك فحسب، بل يعكس شفافيةً ويكون مصدرَ إلهامٍ للآخرين. في آخِر الفصول التي تتناول الشجاعة، سوف نتناول النزاهة الشخصية وأهميتها في الدمج بين العقل والقلب والشجاعة لتطوير قيادةٍ شخصية، ومؤسسية، وعالمية ناجحة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤