الفصل التاسع

العمل مع أشخاص من ثقافات متنوعة وقيادتهم

تكوين تعاطُف حقيقي

مثلما تساعد الثقةُ القادةَ على المُضي قُدمًا في المساحات البيضاء، فإن التعاطُف يُمكِّنهم من التنقُّل بكفاءةٍ في الثقافات المتنوعة. وسواءٌ أكان القادة يعملون مع مجموعةٍ متنوعةٍ من الزملاء في إحدى المؤسسات، أم كانوا يقودون فريق أحد المشروعات في الصين، فإن القادة المتعاطفين يمتلكون قدرةً لا تُقدَّر بثمنٍ على تفهُّم احتياجات الآخرين وقِيَمهم ومعتقداتهم، بطريقةٍ تنمُّ عن فهمٍ لأساليب الحياة الأخرى واحترامها. واليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، يُزَجُّ بالقادة في مواقفَ لا بد أن يعملوا فيها مع أشخاصٍ مختلفين عنهم ويقودوهم. والتعامل مع هذه المواقف على أساسٍ معرفيٍ بحت (أيِ الشرح دون التمكُّن من التواصُل عاطفيًّا على الإطلاق)، لن يكون مجديًا.

إن الأشخاص أذكياء فيما يتعلَّق بأمور القلب؛ فهم يستطيعون أن يعرفوا متى يصطنع القادة التعاطف، أو متى يتظاهرون به أو يُظهِرونه بغرض الاستغلال. أما التعاطف الحقيقي، فهو واضح وضوح الشمس، ومعظمُ المرءوسين المباشِرين يمكنهم استشعار ما إذا كان القادة يفهمون أقوالهم ومخاوفهم. إنهم يشعرون بالارتباط مع الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يفهمونهم ويحترمونهم، وهذا الارتباط لُحْمتُه العواطفُ.

وكما سنرى، فإن التعاطف (الذي يُعَدُّ مكونًا أساسيًّا من مكونات الذكاء العاطفي) لا يعني أن يكون المرء لينًا أو سهلًا؛ فبعضٌ من أكثر القادة الذين نعرفهم صرامةً كان لديهم جانب عطوف للغاية، وهذا ساعَدَهم على تكوين علاقاتٍ قويةٍ عبر الحدود الجغرافية والعمرية والعِرْقية. وبصرف النظر عن هوية الشخص أو المكان الذي جاء منه، فإنه يتجاوب بإيجابيةٍ مع القائد الذي يبذل مجهودًا في الاستماع إليه، وتفهُّمه، والشعور بما يُحسه. وحتى إذا كان لكلٍّ منهما توجُّه مختلف تجاه العمل، وجاءا من خلفياتٍ مختلفةٍ جذريًّا، فإن التعاطُف يمكن أن يكون أرضيةً مشتركة. إن القادة المتعاطفين قادرون على تحقيق الولاء والالتزام على المدى الطويل، حتى في هذا العصر الذي تتسم فيه العلاقاتُ بقِصَر الأجل إلى حدٍّ كبير. كذلك يستطيعون الحصول على أعلى قدرٍ من الإنتاجية من جميع أنواع الأشخاص.

وتتَّضِح طريقة تحقيقهم لذلك عندما نحدِّد مفاهيمنا فيما يلي:

(١) التعاطُف والصرامة ليسا خيارين متعارضين

كثير من القادة في المؤسسات يشعرون بضرورة الاختيار بين إبداء التعاطف وإظهار الصرامة. وتحت الضغط الشديد من أجل الأداء، أو تحت ضغط السرعة من أجل إنجاز المهام، أو خوفًا من الاقتراب الشديد من الموظفين، فإنهم يختارون خيارَ «الصرامة» ويكبتون اللُّطفَ والرغبةَ في الاستماع إلى الآخرين والتعاطُف معهم، تلك المشاعر التي غالبًا ما تكون متأصِّلةً فيهم. وعلى الرغم من أنهم قد يعاملون جيدًا الأشخاصَ المقاربين لهم في العُمْر أو الخبرة أو المنظور (فالتوافق يوجد بين الأشخاص الذين نَشَئوا في المنطقة نفسها، أو لديهم الخبرة الجامعية نفسها، أو تدرَّجوا في المناصب في إحدى الوظائف أو وحدات العمل معًا)، فقد يراهم الآخَرون لا مبالين بأولئك القادمين من خلفياتٍ مختلفةٍ عنهم. وتزداد هذه النظرة سوءًا عندما يعجزون عن إظهار العطف ويعتمدون فقط على صرامتهم؛ وتنتهي بهم الحال وهم لا يفهمون إلا قطاعًا صغيرًا من موظفي الشركة.

إن التمتُّع بصفة التعاطُف لا يعني أن تتهاون في المعايير، أو أن تصبح سهل الانقياد. ووفقًا لتعريف القاموس، فإن مصطلح «تعاطف» يتضمَّن وضْعَ نفسك في مكان الشخص الآخَر تمامًا بحيث تستطيع أن «تشعر بما يشعر». إن التعاطف يتجاوز مجرد الشعور بالأسف تجاه معاناة الآخرين، الذي يصبحه غالبًا الرغبة في مساعدة الشخص الذي يعاني. وإذا شرحنا التعاطف في سياق مجال الأعمال، فإنه يعني تجاوز الإدراك العقلي لمشكلات الشخص أو مخاوفه، واتخاذ إجراءٍ ينمُّ عن التفهُّم الصادق. و«التفهُّم» ها هنا كلمة أساسية؛ فهي ما يريده معظم الموظفين من قادتهم. إن التفهُّم لا يعني القَبول، وهذه هي النقطة التي تلتبس فيها الأمور على القادة فيما يتعلَّق بتوقُّعات الآخرين؛ فمعظم الأفراد في المؤسسات لا يعملون وهم متوهمون أن مديريهم سوف يذعنون لكل طلباتهم أو حتى معظمها؛ ولا يتوقَّعون أن يرضخوا لنزواتهم أو أن ينخرطوا حتى في حوارٍ لا ينتهي حول موضوعٍ معين. أما ما يتوقَّعونه ويُقدِّرونه فعلًا فهو التفهُّم المتعاطف؛ فعندما يشعر الموظفون بأن قادتهم «يفهمونهم» حقًّا، وعندما يُصدِّقون أن القادة يُقدِّرون موقفَهم، ليس فقط عقلانيًّا، بل عاطفيًّا كذلك، فإنهم يردُّون على ذلك بالعمل الجاد والالتزام والابتكار. ومعظم الموظفين يتوقَّعون من قادتهم أن يهتمُّوا بكلٍّ من نتائج العمل وسلامتهم كموظفين، وإذا عبَّر القادة عن الأمر الأخير على نحوٍ ناجح، فسوف يشعر الموظفون بالانتماء والتقدير؛ وهذا يؤدي إلى مزيدٍ من الالتزام والولاء.

توجد أمور كثيرة يمكن إبداء التعاطف إزاءها في بيئة العمل العادية؛ فالآباءُ والأمهات يكافحون من أجل تحقيق التوازن بين العمل والمشكلات الأسرية، والزملاءُ ينافس بعضهم بعضًا من أجل الموارد والترقيات الوظيفية التي تقل على نحوٍ متزايد، والأقلياتُ (من حيث العِرْق والنوع والتوجُّه الجنسي والعُمْر) تحاول أن تجد مكانها في مؤسسةٍ تسيطر عليها الأغلبية. وفي المؤسسات العالمية، تزداد الحاجة إلى التعاطف كذلك؛ إذ ينتقل الموظفون إلى بلدانٍ ذات أساليب حياةٍ وقِيَمٍ مختلفةٍ جذريًّا.

وبطبيعة الحال، فإن التعاطف يأتي مرتبطًا بمعضلة العقل والشجاعة؛ فالقادة الذين يبالغون في التعاطف معرَّضون لخطر تجاوز الحدود؛ فهؤلاء يصبحون مِعْطَائين وداعمين للغاية لدرجة أنهم يُضَحُّون بمعاييرهم الشخصية، وبمعايير المؤسسة أيضًا. من زاوية العقل، فإنهم يجب أن يُقيِّموا أين يجب أن يتوقَّف التعاطف، وأين يجب أن تبدأ المطالبة بالأداء. ومن زاوية الشجاعة، فإنهم قد يحتاجون إلى إظهار العطف إزاء العقوبات السلبية المرتبطة بالنتائج، أو ربما يحتاجون إلى إظهار الشجاعة لإخفاء التعاطف نظرًا للحاجة الملحة إلى الأداء.

تصبح «معضلة التعاطف» واضحة عند التفكير في الطريقة التي يتأقلم بها الناس عادةً مع الوظائف في الثقافات الأجنبية؛ فبعض الناس عندما يكونون في مهمةٍ خارج الوطن لا يرَوْن الحاجةَ إلى الانخراط في الثقافة المحلية؛ فيعزلون أنفسهم في مجتمعاتٍ منغلقةٍ مكونةٍ من بني وطنهم، ويختلطون فقط مع آخرين من بلدهم أو من بلدانٍ صناعيةٍ شبيهة؛ ويعزلون أنفسهم عن أبناء وعملاء البلد الجديد. على طرف النقيض، بعضهم «يتحوَّل إلى مُواطِنٍ من المواطنين الأصليين»؛ فلا يقبلون الثقافة فحسب، بل يغمسون أنفسهم فيها أيضًا، ويتبنَّوْن كلَّ سمات الثقافة الجديدة، ويُظهِرون تعاطفًا كبيرًا مع مواطنيها. إلا أنهم في الوقت نفسه يعرِّضون أنفسهم لخطر تجاهُل مسئوليات المؤسسة التي يعملون لصالحها، والاضطلاع بدور الممثلين للبلد الذي أُرسِلوا إليه بدلًا من أن يكونوا ممثلين للشركة.

في الوضع المثالي، يتعلَّم الأشخاص القيادة والإدارة وسط الثقافات المتنوعة، من خلال موازنة دافعهم المتأصِّل نحو الأداء بالتعاطف الصادق مع الآخرين. وفي جوهر الأمر، فإنهم يحتاجون إلى تعلُّم الموازنة بين عوامل معضلةٍ أخرى، من خلال تذكُّر أنهم بشر ومسئولون تنفيذيون أيضًا؛ أيْ إنهم مسئولون عن التجاوب مع الزملاء والعملاء أصحاب القِيَم المختلفة، لكنهم مسئولون أيضًا عن تنفيذ الأهداف وتمثيل قِيَم شركتهم، التي قد تتعارض في بعض الأحيان مع احتياجات البلد المحلية. إن إدارة هذه المعضلة «المحلية-العالمية» تعني في الغالب وضع حدودٍ على التعاطف، وفي الوقت نفسه تجنُّب التعامُل القاسي مع المخاوف المحلية.

إن تحديد قدر التعاطُف اللازم إظهاره قد يصبح معقَّدًا بفعل عوامل كثيرة؛ فعلى صعيد المواقف، في بعض الأحيان يتطلَّب الأمر إظهار قدرٍ أكبر من التعاطف؛ على سبيل المثال: يستحق الموظف الذي كان أداؤه عاليًا على مدار سنواتٍ أن نُحْسِن الظنَّ به، وإذا بدأ أداؤه في الانخفاض، فربما يرغب المدير في منحِه مساحةً من الحرية، ومحاولةِ فهم ما يحدث، ودعمِه عاطفيًّا قبل مواجهته. إلا أنه في الوقت نفسه عندما يكون المدير تحت ضغطٍ شديدٍ من أجل تحقيق أهدافٍ طموحةٍ، ولا يوجد متسع لعدم تحقيق أي فردٍ لأهدافه، فقد يضطر إلى التصرُّف على نحوٍ أسرع ممَّا يودُّ. وفي ظل هذه الظروف، لا مجالَ للتهاون ولو لقدرٍ قليلٍ منه. وفي كثيرٍ من الشركات في وقتنا الحاضر يكون هذا هو بالضبط الموقف الذي يواجهه معظمَ القادة.

وأخيرًا، لا تنسَ أن القدرة على إظهار التعاطف صفةٌ غريزية، وبعض القادة أكثر تعاطُفًا بطبيعتهم تجاه الآخرين مقارَنةً بالبعض الآخر؛ وهذا يعني أنه لا يمكن توقُّع قدرٍ مماثلٍ من التعاطف من الجميع. وعلى الرغم من أننا نعتقد أن أي شخصٍ تقريبًا يمكنه اكتساب القدر اللازم من التعاطف للتعامل مع معظم الظروف، فإن بعض الأشخاص سيكون لزامًا عليهم أن يبذلوا جهدًا أكبر من غيرهم في هذا الصدد.

(٢) طرق تأثير التعاطف على الأفراد والبرامج

في بعض الأحيان ينظر الناس إلى التعاطف في مكان العمل نظرةً مفرطة في التبسيط؛ فيرَوْن أنه لا يتعدَّى كونه مجردَ طريقةٍ لتكوين العلاقات. وفي حقيقة الأمر، فإن التعاطُف يؤدِّي أدوارًا مختلفة في سياقاتٍ مختلفة، والقادة الذين يتمتعون بالعقل والقلب والشجاعة يدركون نتائجه. إليكم بعض النقاط الأساسية اللازم وضعها في الاعتبار:
• «تتجاوب المؤسسات الأحادية الثقافة مع القادة غير المتعاطفين على نحوٍ مختلفٍ عن الشركات المتعددة الثقافات»: ففي بيئةٍ أحادية الثقافة، قد يحقق القادة غير المتعاطفين إنتاجيةً مؤقتة على حساب الالتزام الطويل المدى. وإذا كان لدى الشركة تاريخٌ حافل بالقادة الصارمين والمتعنِّتين وغير المتعاطفين، الذين يخلقون بيئةَ عملٍ متطلبة، فإن عدم التعاطف قد لا يكون له أيُّ أثرٍ على المدى القصير؛ فالموظفون قد اعتادوا على ذلك. أما على صعيد بيئة العمل المتعددة الثقافات، فإن المخاطر أكبر بكثير؛ فالقائد المفتقر إلى التعاطف يمكن أن يوقف أعمالَ المؤسسة خلال عدة أشهر. على سبيل المثال: لنفترضْ أنه طُلِب منك قيادة دراسةٍ سوقيةٍ مدتها اثنا عشر شهرًا في تايلاند، ومن منطلق تعجُّلك لتحقيق توقُّعات الشركة، تركتَ انطباعًا بأنك لا تملك سوى القليل من الوقت لفهم أو تقدير الثقافة التايلاندية على نحوٍ جدي؛ وهكذا سرعان ما سيشعر الزملاء التايلانديون بالانفصال (سواءٌ أكان ذلك بطريقةٍ سلبيةٍ أم نَشِطة)، وسوف يَشْكون على نحوٍ غير مباشرٍ لغيرهم في الشبكة الوظيفية، وسوف يصبح تأثيرُك محدودًا. وقد تنجز المهمة، لكنك لن توسع من نطاق تأثيرك أو تُكوِّن مزيدًا من النفوذ في الشركة؛ لأنك لم تُظهِر الحساسيةَ أو التقديرَ للسياق الثقافي الذي كنتَ تعمل فيه.
• «التعاقُب الوظيفي يتطلَّب التعاطف»: لا يفكِّر القادة في التعاطف عادةً عندما يتعلَّق الأمر بالتعاقُب الوظيفي. وفي أغلب الأحيان يُنظَر إلى التعاقُب الوظيفي نظرةً عقليةً بحتة، وهذا يعني أن القادة يرَوْن العملية من ناحيةٍ تحليليةٍ تُسفِر عن تقييمٍ غير عاطفيٍّ لقدرات الأشخاص على ارتقاء السلم الوظيفي. وعلى الرغم من ذلك، فإنه في المؤسسات في وقتنا الحاضر، يعلم القادة الأذكياء أنهم لا يشغلون فحسب كرسيًّا شاغرًا، بل يحلون أيضًا محلَّ شخصٍ حقيقيٍّ حيٍّ ربما كوَّنَ علاقاتٍ قويةً طويلةَ الأجل مع أشخاصٍ سوف يشرف عليهم. إن غضَّ النظر عن هذه الحقيقة، لا سيما في بيئة عملٍ متنوعةٍ ثقافيًّا، من الممكن أن يضر بكلٍّ من الحياة المهنية للشخص والمؤسسة التي يعمل بها أيضًا.
وكثيرًا ما يحدث في وقتنا المعاصر أن يتقلَّد أحد القادة الجدد المسئوليةَ بعد قائدٍ سابقٍ ربما كان امرأةً، أو من الأقليات، أو موظفًا أكبرَ منه سنًّا؛ وفي كثيرٍ من الحالات، يكون ذلك السلف الناجح قد كوَّن فريقًا قويًّا من الموظفين الذين قد يكونون مختلفين كثيرًا عن القائد الجديد. ربما يجد الفريق صعوبةً في قَبول القائد الجديد، لا لسببٍ إلا لكونه مختلفًا. وإذا انتقد القائدُ الجديدُ بأي طريقةٍ من الطرق قراراتِ وأساليبَ سلفه خلال فترته الانتقالية، أو عجَزَ عن تقدير إنجازات سلفه، فربما يراه الموظفون قاسيًا، على الأقل لأنه فشل في تفهُّم علاقاتٍ مهمةٍ وُجِدت قبل ظهوره على الساحة. ولقد رأينا كثيرًا من القادة الجدد يواجِهون مواقفَ صعبةً ويُوصَفون ﺑ «عدم الفهم»، والسبب عادةً هو تصرُّفاتهم الأولية الفظَّة التي تجاهلت أثرَ التغييرات القيادية على مشاعر الفريق.
وللأسف، فإن كثيرًا من القادة الذين يعتمدون بقوةٍ على الجانبين المعرفي والتحليلي يميلون إلى التركيز التام على العمل، ويعملون جاهدين على إبعاد أنفسهم عن نظام القيادة السابق. وهو ما يتحقَّق خاصةً عندما يحل القائد الجديد محلَّ قائدٍ أخفق في مهمته؛ فيرغب ذلك القائد في إبعاد نفسه عن ذلك الفشل واتباع منهجٍ مختلف. وعلى الرغم من أنه من المعقول والمرغوب توقُّع أن يُكوِّن القادةُ هويتَهم الخاصة وأسلوبَهم القيادي الخاص، فإن عليهم أيضًا إظهار التعاطف، ليس فقط تجاه الشخص الذي يخلفونه، بل أيضًا تجاه الموظفين الموجودين. ومن خلال إظهار التعاطف مع ما حاوَلَ القائد السابق فعله، حتى إنْ فشل فيه؛ يعبِّر هؤلاء القادة عن تقديرهم للعلاقات.
• «الموافقة ليست مثل التعاطف»: عندما نوجِّه القادة كي يكونوا أكثر تعاطفًا، فإنهم يعتقدون في أغلب الأحيان أننا نقصد مطالبتهم بأن يكونوا أكثر إرضاءً. وعندما يتلقَّوْن تقييمًا يوضح أن الأفراد لا يشعرون بتفهُّمهم لهم، فإنهم يبدءون في التركيز على أن يكونوا أكثر إرضاءً وأقل إثارةً للخلاف. وهذا ليس تعاطفًا؛ إنها محاولة للتملُّق، محاولة تبوء دائمًا بالفشل، وتصبح هذه المحاولة محرجةً بصفةٍ خاصةٍ عندما يحاول قائدٌ كبير في السن التحدُّثَ بلغة أحد مرءوسيه الشباب، أو عندما يخبر أحدَ الزملاء القادمين من ثقافةٍ أو دولةٍ مختلفةٍ عن الأمور المشتركة بينهما. وهذا الأسلوب يفتقر إلى المصداقية. إن القضاء على الاختلافات في الرأي أو الأسلوب ليس هو الفكرةَ المقصودة. والتنازل عن قيمك أو أفكارك من أجل تحقيق توافُقٍ مزيفٍ ليس تعاطفًا.
التعاطف الحقيقي يتلخَّص في بذل جهدٍ دائمٍ لتفهُّم الآخرين، والتعبير عن ذلك التفهُّم من خلال الأقوال والأفعال؛ وهذا يتطلَّب الاستماعَ إلى وجهات النظر المعارضة دون إصدار أحكامٍ، والانخراطَ في محادثاتٍ مع الآخرين عن الاختلافات في الرأي. ويتطلَّب كذلك الاعتراف بوجهة نظر الآخر من خلال إيماءاتٍ بسيطة؛ فإصرارُ أحد القادة على بدء الاجتماعات في السابعة والنصف صباحًا ربما يمثِّل صعوبةً للآباء والأمهات الشباب من طاقم عمله، الذين يحتاجون إلى موعدٍ متأخرٍ قليلًا كي يوصلوا أطفالَهم إلى الحضانة أو إلى المدرسة الابتدائية. إن إيماءةً بالرأس تُعبِّر عن تفهُّمه لذلك الموظف، لا تُعَدُّ تنازُلًا عن اعتقاده بأن اجتماعات الصباح الباكر هي الأفضل. تناولَتْ دراسة حديثة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا العواملَ التي تؤثِّر على إمكانية قَبول المؤسسات الميدانية لقرارات ومواقف القيادة المركزية، واكتشف الباحثون أن أحد المؤشرات كان اعتقادَ المؤسسة الميدانية أن متخذي القرار في القيادة المركزية يفهمون الموقفَ المحلي والظروفَ في الميدان؛ وإذا تحقَّقَ ذلك الشرط، فإن الموجودين في الميدان سوف يقبلون عادةً قرارَ القيادة المركزية، حتى إن كانوا غير متفقين معها. وبالنسبة إلى الأشخاص العاملين في الميدان، فإن هذا التفهُّم يُمثِّل تعاطُفَ القيادة؛ فلا بد أن يرَوْا أن القيادة المركزية تهتمُّ بالموجودين بالميدان، وأنها تمتلك القدرة على التعاطف مع ظروفهم.
• «الأداء بأي ثمنٍ يمكن أن يكون له ثمن باهظ»: لقد عملنا مع مؤسساتٍ تهتم بالأداء في المقام الأول وترى أن كلمة «التعاطف» كلمة سيئة. وهذه الثقافات المؤسسية تجعل من الصعب على القائد إظهار أي قدرٍ من التعاطف أو التفهم، إذا اعتقد أن هذا التعاطف يأتي على حساب دفع الموظفين نحو تحقيق النتائج. وبدلًا من ذلك، يتوقَّع من الأشخاص «تحقيق أعلى النتائج» تحت أي ظرف، حتى لو كان معنى ذلك السعيَ لتحقيق أهدافٍ غير واقعيةٍ، أو إنجاز المهام في وقتٍ ضيقٍ للغاية. في بعض الأحيان يُطلَق على ذلك «أهداف توسيع القدرات»، أو «أهداف جريئة مخيفة» أو ببساطة «أهداف مستحيلة». وفي حقيقة الأمر، كان أحد القادة العاملين في إحدى هذه الشركات صريحًا جدًّا فيما يخصُّ توجُّه الشركة الذي يتَّسِم بقِصَر النظر نحو التنفيذ، فقال: «هذا ليس المكان المناسب للجميع. إذا كنتَ تريد العمل في ثقافةٍ أكثر إنسانيةً، وفي بيئةٍ أكثر توازنًا، يجب على الأرجح أن تبحث عن العمل في مكانٍ آخَر.» واليوم، كثير من المؤسسات العالمية يقارن نفسَه بدورات الألعاب الأوليمبية؛ فالقادة يفخرون بتذكير الموظفين بأنهم اختاروا المنافسة على هذا المستوى الرياضي الرفيع؛ ولذلك يجب أن يتوقَّع من جانبهم أن يحقِّقوا على نحوٍ منتظمٍ نتائجَ تبدو مستحيلة.
وعلى الرغم من عدم وجود عددٍ كبيرٍ من هذه الأنواع من الشركات، فإنه يوجد عدد كافٍ منها لدرجةٍ تجعل لزامًا على أي قائدٍ ألَّا يتوهَّم أن التعاطف مقبولٌ أو مرغوبٌ فيه في كل شركة. إن القادة الذين ينجحون في هذه البيئات يكونون في غاية التصميم والنشاط وشديدي القسوة على أنفسهم وغيرهم، لدرجة أنهم لن يكونوا سعداء في ثقافةٍ يكون التعاطُف فيها هو العُرْف. وبطبيعة الحال قد تكون الفائدة المكتسبة من هذا الأسلوب هي تحقيقَ أداءٍ أفضل على المدى القصير؛ لأن كل التركيز منصبٌّ على النتائج.
وعلى الرغم من ذلك، فالجانب المظلم للثقافة غير المتعاطفة هو أن القادة يقيِّدون فرصة اطِّلاعهم على معلوماتٍ متاحةٍ بيُسْرٍ وعلى قدرٍ من الأهمية. لقد عملنا مع أحد كبار المسئولين التنفيذيين في مؤسسةٍ كبرى تهتم بالأداء في المقام الأول، وكان هذا المسئولُ غيرَ قادرٍ على تحذير مديره من أن أحد المشروعات المهمة قد خرج عن مساره السليم. وكان من المحتمل أن تخسر الشركة مبلغ ٦٠٠ مليون دولارٍ أمريكي، على مدار عشر سنوات، إذا استمرت في هذا المشروع. لكنَّ قوله هذه المعلومةَ لمديره كان مشابهًا لقول: «لن يمكننا تحقيق أهدافنا في هذا المشروع؛ يجب أن نقلِّل خسائرنا عندما تتاح لنا الفرصة، ونعترف بأن الأمر لن ينجح.» إلا أن ثقافة الشركة لم تكن لتتقبَّل مثل هذا الاعتراف. ولو كان أعرَبَ عن مخاوفه لَكان ردُّ فعل مديره على شاكلة: «ابحثْ عن طريقةٍ للقيام بالأمر على النحو الصحيح.» ولذلك اختار ذلك القائدُ بدلًا من ذلك أن يتظاهر بأنه ما زال من الممكن تحقيق أهداف المشروع، واستمرَّ في حجب أدلةٍ واضحةٍ على نحوٍ متزايدٍ كانت ستوضح الحاجة إلى تعديل المشروع. وفي نهاية الأمر ولِدواعي المفارقة، فإن بعض الثقافات التي تهتم بالأداء بأي تكلفةٍ تُهلِك نفسَها بنفسها. إن عدم قَبول الفشل أو التفسيرات الموضِّحة لأسباب عدم إمكانية تحقيق النجاح، يجعلهم يحجبون أنفسهم عن معلوماتٍ قيِّمة؛ تلك المعلومات التي يمكن أن تمنع كوارثَ وتُقدِّم دروسًا حول ما ينبغي فعله في المرة القادمة. وكثير من الإخفاقات الكبرى في الشركات والمؤسسات يمكن إرجاعه إلى قائد الشركة أو قائد المؤسسة الذي لم يرغب في سماع الحقيقة، بل ركَّزَ على الهدف على نحوٍ قصير النظر.
بالتأكيد، توجد مواقف يكون فيها التعاطُف رفاهيةً لا تستطيع الشركة توفيرها؛ نذكر من هذه المواقف الأزمات، أو الأوقات التي تكون فيها استمرارية الشركة على المحك، أو البيئات التي تكون فيها الشكوى والتذمُّر طريقتين مقبولتين لتجنُّب العمل. لكن معظم المؤسسات لا ينطبق عليه هذا الوصف. وعندما يخوض القادة معركةً من أجل استمرارية الشركة، فإنهم يضطرون إلى اتخاذ إجراءاتٍ صارمة، من بينها تقليل التكاليف، أو تقليل العمالة، أو التضحية بالأهداف الطويلة المدى من أجل الأهداف القصيرة المدى. وفي هذه الأمثلة، لا بد من اتخاذ قراراتٍ صارمة، ولا يكون التعاطف القصير المدى ممكنًا. وعلى الرغم من ذلك — وفي معظم الأوقات — فإن المؤسسات التي تحقِّق النجاحَ هي تلك التي تحقِّق توازنًا بين الأداء والتعاطف.

(٣) مثال على قائدٍ متعاطفٍ على نحوٍ فريد

نحن لا نقول إن أنيتا روديك — مؤسسة علامة «ذا بدي شوب» التجارية التي حقَّقت نجاحًا ضخمًا — هي «النموذج» الذي يجب أن يتبعه كل القادة الذين يتطَّلعون إلى اكتساب التعاطف الحقيقي. ومن الواضح أن تعاطف روديك الاستثنائي، على كلٍّ من الصعيدين الداخلي والخارجي، سيكون من الصعب تقليده من قِبَل كثيرٍ من الرؤساء التنفيذيين. وفي الحقيقة، قد يقول البعض إنها أخلَّتْ بتوازن معادلة العقل والقلب والشجاعة بسبب قدرٍ الوقت والجهد الذي كرَّسَتْه شركتها للعديد من القضايا. وفي الوقت نفسه، نودُّ أن نُطلِعكم على هذا المثال لأن تعاطف روديك لم يُفِدِ مؤسستها فحسب، بل أفاد الإنسانية كذلك.

على مدار سنوات، شنَّتْ مؤسسة ذا بدي شوب الكائنة في المملكة المتحدة حملاتٍ ناجحةً ضد إجراء التجارب العلمية على الحيوانات، وأقامت في شركتها أول مركزٍ لرعاية الأطفال في مقر العمل في المملكة المتحدة، وساعدت في إطلاق شبكة المغامرة الاجتماعية؛ وهي تحالف مكوَّن من شركاتٍ تقدُّميةٍ هادفةٍ إلى «جعْل عالَم الأعمال أكثر رحمةً». وفي الحقيقة، كتبت روديك كتابًا بعنوان «ثورة في العطف».

لم يكن أيٌّ من هذه الإسهامات ليلفت هذا الانتباه الكبير لو لم تكن مؤسسة ذا بدي شوب على قدرٍ كبيرٍ من النجاح. إن النشاط الاجتماعي للشركة راقَ لمجموعةٍ متزايدةٍ من المستهلكين في تسعينيات القرن العشرين، ممَّن اهتموا بالبيئة وبغيرها من الموضوعات. وأرادوا شراء منتجاتٍ من شركةٍ كان واضحًا أنها تضع نُصْبَ عينَيْها ما سيحقِّق مصلحةَ العالَم بأسره. وعلى القدر نفسه من الأهمية، أراد تنفيذيون شباب مثاليون وبارعون للغاية العملَ لدى شركةٍ تفكِّر في الناس بقدر تفكيرها في الأرباح.

من الواضح أن روديك كانت لديها أيضًا شجاعةُ تكوينِ وبناءِ شركةٍ على أساس برنامج ثوري للحقوق الاجتماعية، وكانت تتمتع أيضًا بالذكاء الذي مكَّنها من تسويق تلك الفلسفة على نحوٍ ناجح. إن رؤيتها — المتمثِّلة في وجود سوقٍ متخصِّصةٍ قويةٍ لمنتجاتٍ تصنعها شركة مسئولة اجتماعيًّا — لم تكن صحيحةً فحسب، بل كانت سابقة لعصرها. لقد كانت شركة ذا بدي شوب رائدةً في مجال التنوُّع، وأظهرَتْ روديك القدرةَ على قيادة مجموعةٍ متنوعةٍ من الموظفين، إلى جانب القدرة على الشراكة مع كافة أنواع المؤسسات المهتمة بالمصالح الاجتماعية. وباختصار، لقد قادت روديك بقلبها، لكنها تلقَّتْ مساعداتٍ قويةً من عقلها وشجاعتها.

(٤) اكتساب التعاطف

لا يتمتع الجميع بالقدرة على اكتساب التعاطف بسهولة. إن اكتسابَ التعاطف بالنسبة إلى مسئولٍ تنفيذيٍّ شابٍّ ومَرِنٍ، أسهلُ عادةً من مساعدة تنفيذيٍّ فظٍّ كبيرٍ في السن على أن يُظهِر قدرًا قليلًا من التعاطف لأول مرةٍ في حياته المهنية. ولا نقول إنه من المستحيل اكتساب التعاطف في حالة الشخص الأخير، لكننا نقول فقط إن الأمر قد يستغرق مزيدًا من الوقت والابتكار. لقد وجدنا أن أحد القادة يحتاج إلى قدرٍ قليلٍ فحسب من التشجيع والتوجيه كي يجد التوازنَ المناسبَ بين التوجُّه نحو الأداء والتعاطُف، بينما يحتاج الآخر مزيدًا من المساعدة الخارجية والصبر قبل أن يستطيع تحقيق ذلك التوازن. دعونا نُلقِ نظرةً على الطرق المختلفة لاكتساب التعاطف، وما يمكن أن تفعله الشركات لتسهيل هذه العملية:
• «من خلال الخبرات الحياتية أو المهنية»: عندما يواجه الناس أزماتٍ على الصعيد الشخصي أو المهني، فإنهم يكتسبون على نحوٍ طبيعيٍّ قدرًا من التعاطف والشفقة. وقد تتمثَّل الأزماتُ في حدوث حالةِ وفاةٍ في الأسرة، أو خسارةِ وظيفةٍ عزيزةٍ على الشخص، لكن أيًّا كانت الأزمة، فإنهم يجدون أن الآخَرين يتعاطفون معهم، فيقدِّرون أهمية التعاطف. علاوةً على ذلك، فإن التعرُّض لخسارةٍ أو المرور بوقتٍ عصيبٍ، يجعل الأشخاص يتحدَّثون بصراحة. إن المظهرَ القاسيَ الذي يشعرون أنه ضروري للقيادة الفعَّالة، يبدو فجأةً أنه خدعة؛ فيدركون أن الانفتاح والصراحة في مواقفَ معينةٍ يمكن أن يُكوِّنا علاقاتٍ ويساعِدَا الآخرين على النضج وعلى أن يصبحوا أكثر كفاءةً في وظائفهم.
نعرف أحد كبار المسئولين التنفيذيين، المشهور على نطاقٍ كبيرٍ بأنه أكثر مديرٍ صارمٍ على الإطلاق. كان يقود الأفراد بلا هوادةٍ، ويرفض قَبول أعذارٍ للإخفاقات. وبعد ذلك تعرَّض لحادثٍ مُروع، وكانت فترة تعافيه طويلة ومؤلمة، وعندما عاد إلى العمل كان رجلًا مختلفًا؛ كان لا يزال صارمًا عندما تتطلَّب الأمورُ الصرامةَ، لكنه كان قادرًا على تخفيف تلك الصرامة بالتعاطف مع الآخرين حسبما يقتضي الموقف. أثناء فترة تعافيه، أظهَرَ الموظفون تعاطفًا كبيرًا تجاهه، وقد تأثَّرَ بهذا، وساعده هذا الأمر كذلك في التعبير عن المشاعر. وعلى الرغم من أنه لم يُغيِّر شخصيته بالكامل، فقد كان قادرًا على التواصُل مع الجانب العاطفي من شخصيته عندما تقتضي الضرورة. وعبر ذلك، أصبح قائدًا كاملًا.
نعرف بعض القادة الذين يقولون لنا إنه إذا لم يكن المدير قد واجَهَ محنةً كبيرةً، أو تعرَّضَ للفشل بطريقةٍ ما، فإنهم لا يرغبون في العمل معه. ووجهةُ نظرهم وجيهةٌ، خاصةً في بيئة العمل المتنوعة على نحوٍ متزايد. وعلى نحوٍ متكرر، شهدنا مديرين شبابًا مفتخرين بنجاحهم — ممَّن انتقلوا مباشَرةً من أرقى برامج ماجستير إدارة الأعمال إلى أبرز الشركات الاستشارية، ثم إلى أعلى الشركات — يُفسِدون حياتهم المهنية. فعلى الرغم من ذكائهم وفطنتهم، فإنهم فاشلون تمامًا في تفهُّم أي شخصٍ لا ينتمي إلى خلفيتهم ولم يحقِّق سجلَّ إنجازاتٍ مشابهًا لسجلِّ إنجازاتهم. هم لا يُكوِّنون علاقاتٍ قويةً مع الموظفين القدامى أو الموردين الصغار؛ لأنهم لا يشعرون بالتعاطف تجاه الآخرين الذين لم يحقِّقوا نفسَ قدر نجاحهم. ولا يتواصل هذا النوع من مديري المسار السريع مع مشاعرهم — ذلك الجزء من أنفسهم الذي تجاهلوه في السابق — إلا عندما يتعرَّضون إلى الفشل مرةً أو مرتين، وبدلًا من الاعتماد على العقل فقط في الإدارة، فإنهم يتعلَّمون عندئذٍ استخدامَ قلوبهم.
• «من خلال التوجيه»: أحد أكبر المعوقات التي نواجهها عند توجيه القادة الذين يحتاجون إلى إظهار مزيدٍ من التعاطف، هو إخراجهم من عقلية المهمة مقابل العواطف. في كثيرٍ من الأحيان، يحجب القادةُ تعاطفَهم خوفًا من أنهم إذا أظهروا قدرًا كبيرًا من العاطفة في التعامل مع الموظفين، فإنهم قد ينسَوْن مهمة العمل. ويشعرون بالقلق من أنهم سيتهاونون مع الأفراد بسبب شعورهم بالأسف تجاهَهم؛ ومن ثَمَّ ستحدث عواقب وخيمة بسبب عدم تحقيق أحد الأهداف.
ومن الواضح وجود قدرٍ من الحقيقة وراء هذا الخوف، لكن القادة يمكن أن يكونوا عاطفيين ويركِّزوا في الوقت نفسه على المهمة المطلوبة. وأثناء التوجيه، نُعلِّم القادةَ طرقًا يمكنهم من خلالها إظهار التعاطف والضغط في الوقت نفسه على الموظفين من أجل تحقيق النتائج. نوضِّح لهم كذلك الفَرْقَ بين التفهُّم والموافقة، كما بيَّنَّا في السابق، ونطلب منهم تذكُّرَ مواقف ساعَدَ فيها تعاطُفُ أحدِ الأشخاص على تجاوُزِ أحد المواقف العصيبة. وعندما يستطيعون تخيُّل إلى أي مدًى يمكن أن يكون للتعاطف أثرٌ إيجابي، فإنه يصبح أقل تهديدًا بالنسبة إليهم، ويستطيعون إظهاره بمزيدٍ من السهولة.
• «من خلال الاختلاط مع كافة أنواع الأشخاص»: من الصعب إظهار التعاطف عندما تحصر نفسَك في نطاقٍ ضيِّقٍ من التعاملات. والقادةُ الذين يتواصلون فحسب على نحوٍ منتظمٍ مع دائرةٍ صغيرةٍ من المستشارين، أو يعزلون أنفسهم داخل أحد التخصُّصات؛ لن يتعاطفوا إلا بقدرٍ قليلٍ مع أولئك الموجودين خارج تلك الدوائر الصغيرة. إننا نحثُّ القادة على إخراجِ أنفسهم من مناطق الراحة، والتواصُلِ مع أشخاصٍ من مجالاتٍ مختلفةٍ عن مجالهم؛ وهذا يعني محاولة تكوين علاقاتٍ متنوعةٍ عبر المؤسسة، مع تخصيص الوقت وبذل الجهد اللازمَيْن لمعرفة طبيعة شخصيات الآخرين. إن القادة يصبحون أسرى تجاربِهم الخاصة، ويُظهِرون التعاطف فقط تجاه الأفراد ممَّن لديهم ظروف مثل ظروفهم الخاصة؛ فالمسئولُ التنفيذي لا يستطيع فهم موظفةٍ صغيرةٍ تحاول تحقيق التوازن بين العمل ومشكلاتها الأسرية، والمسئولُ التنفيذي الذي طالما عمل في الولايات المتحدة لا يستطيع فهم الصعوبات التي يواجهها مديرو المكاتب الرئيسية في البلدان الأخرى، فيما يتعلَّق بالحصول على الموارد وتجاوُز التعقيدات السياسية؛ ولذلك، عندما يُجبِر القادةُ أنفسَهم على التعامُل على مستوًى يفوق العلاقات السطحية مع قطاعٍ عريضٍ من الزملاء، فإنهم يصبحون أكثر تعاطُفًا وشفقةً على نحوٍ طبيعي.

عندما يدفع القادة أنفسهم خارج منطقة الراحة، لا بد أن يكونوا مستعِدِّين لمواجهة حقيقة أنهم قد يوجد لديهم بعض نقاط الضعف الخفية، التي من الممكن أن تظهر بفعل التوتر الإضافي المتمثِّل في الضغوط ووجهات النظر الجديدة. وفي الفصل التالي، سوف نتناول تأثير المعوقات الشخصية على القادة الذين يحاولون العمل بمزيدٍ من القلب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤