تجارب سينمائية أخرى
بسبب هذا العدد القليل من الأفلام، وأيضًا بسبب ظواهر عديدة مرتبطة بالإنتاج والإخراج، فإننا سوف نخصص هذا الفصل عما يمكن تسميته بالحالات السينمائية الخاصة، وهي ترصد المخرجين الذين عملوا مرة واحدة في السينما السورية، خاصة القطاع العام، أو الذين لم يُكتَب لهم الانتماء إلى مدرسة معاهد الاتحاد السوفييتي، ودول الكتلة الشرقية، وهم يمثِّلون قلة في الحضور السينمائي والإعلامي، قياسًا إلى أبناء هذه المدرسة، ومنهم على سبيل المثال صلاح دهني ومروان حداد، وبلال صابوني وغيرهم.
صلاح دهني
صدرت له مجموعة من الكتب السينمائية من بينها: «قصة السينما» و«دعوة إلى السينما» و«سينما … سينما». عمل بالسينما التسجيلية، وقدَّم عددًا من الأفلام، من بينها: «الماء والجفاف» عام ١٩٦١م، «الزجاج السوري» ١٩٦٦م، و«زهرة الجولان» ١٩٧٢م. أما السينما الروائية فإنه لم يساهم فيها إلا بفيلمٍ واحدٍ عن القضية الفلسطينية، باسم «الأبطال يُولَدون مرتين» عام ١٩٧٧م.
في فيلمه القصير «زهرة الجولان»، ألقى المخرج نظرة حول مدينة القنيطرة التي كثيرًا ما دارت فيها أحداث أفلامٍ سورية روائية، لقد أصبحت أطلالًا وبيوتًا مهدَّمة، والفيلم لا يحتوي على كلمة حوار واحدة، وإنما يعكس حوادث الدمار التي أصابت مُدنًا آمنة، منذ هجوم التتار وحتى معارك النازية، وتظهر القنيطرة لتضيف إلى التاريخ الدموي سطرًا ناجحًا جديدًا.
في هذا الفيلم يروي قصة فؤاد البري، وهو طفل في الحادية عشرة من العمر، فقدَ أباه وأمه في حرب ١٩٦٧م، وعاش تحت سقفٍ واحدٍ مع رجل عجوز طيب، في مخيم اللاجئين الفلسطينيين بجنوب غزة. يعتاد الطفل على مشاهدة الهجمات الإسرائيلية الدائمة على المخيمات، إنهم يقومون دومًا بمداهمة المخيم، ويُطلِقون الرصاص على اللاجئين من أبناء الشعب، ويتحوَّل فؤاد إلى مناضلٍ بالفطرة ويصير واحدًا من عناصر المقاومة، ويصطدم وجهًا لوجه مع رجال الاحتلال الإسرائيلي، ويقوم بإلقاء أول قنبلة مولوتوف على سيارة من دورية عسكرية إسرائيلية؛ إنها النبوءة الحقيقية بما سوف يفعله أطفال الحجارة، والانتفاضة.
مروان حداد
عمل مروان حداد في العديد من الأنشطة، وهو يمثِّل الجيل السينمائي الذي درس السينما في أوروبا، ووُلدَ في مدينة اللاذقية عام ١٩٣٥م، وعمل في بداياته في استوديوهات الإدارة السياسية للجيش العربي السوري، قبل أن يُوفَد لدراسة السينما في ألمانيا، وفي أوائل السبعينيات انتقل للعمل بمؤسسة السينما، وعمل في البداية في إخراج مجموعة من الأفلام التسجيلية، منها:
۱۹۷۲م | في حي شعبي |
١٩٧٤م | العودة |
۱۹۷۹م | وجوه وألوان |
۱۹۸۰م | كلمات بالألوان |
١٩٨١م | دمشق يا دمشق |
١٩٨٤م | ملامح أموية |
نال مروان حداد جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان موسكو الدولي الثامن عن فيلمه التسجيلي الأول «في حي شعبي» عام ١٩٧٣م. مارس النقد السينمائي في الصحافة والإذاعة بسورية، وقام بتدريس مادة السينما في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وتولَّى منصب المدير العام للمؤسسة العامة للسينما حتى عام ١٩٩٩م، كما تولى رئاسة تحرير مجلة «الحياة السينمائية»، وتولى رئاسة مهرجان دمشق الدولي لعدة سنوات. وفي مجال السينما الروائية أخرج فيلمَين هما:
١٩٧٥م | الاتجاه المعاكس |
۱۹۷۹م | حبيبتي يا حب التوت |
لم يقُم مروان حداد بالاستئثار بكتابة فيلمَيه؛ فقد شاركه حسن محمد يوسف كتابة سيناريو فيلمه الأول، أما أحمد داود فقد كان صاحب القصة في فيلمه الثاني.
يتعرض المخرج في «الاتجاه المعاكس» لمجموعة من الشباب ينتمون إلى العديد من الطبقات الاجتماعية عقب نكسة حزيران عام ١٩٦٧م، وانعكاس تلك المرحلة على مختلف همومهم السياسية والاجتماعية، وسيطرة الإحساس العام بالحزن والمعاناة، ومحاولة اجترار الشعور بالخيبة والهزيمة التي لحقت بالوطن، إنهم يحاولون تجاوز الأزمة بأي سبب، ثم يظهر النموذج الإيجابي الذي لم تُفقِده الهزيمة الأملَ في تجاوز المحنة، والتحرك من أجلها باعتبار أن الكفاح المسلح هو الحل الأمثل للعبور من المحنة إلى النصر.
أما الفيلم الثاني، فبطله شاب من الريف، ينتقل للحياة إلى المدينة بحثًا عن فرصة عملٍ أفضل، وبعد الحصول على وظيفة بسيطة يسعى إلى تحقيق طموحاته وأحلامه، التي يريد لها أن تتحقق في قريته التي غادرها إلى المدينة، إنه مرتبط بجذوره بقوة، ويحب الناس الذين عاش بينهم، وخرج منهم؛ فصارت الحياة مختلفة تمامًا، لكن الشاب لا يقوى على مواجهة كل هذه الإغراءات التي صادفته في المدينة؛ وسرعان ما يسقط في الهاوية.