الفصل الأول

الدكتور زكي نجيب محمود كما عرفته معلمًا … وإنسانًا

تمهيد

لستُ أريد لهذا المقال أن يكون دراسةً لجانبٍ من الجوانب الفكرية عند الدكتور زكي نجيب محمود، فسوف يكون لذلك مجالٌ آخر.١ وإنما أودُّ أن يتخذ شكل الحديث الخاص مع القارئ، أروي له فيه مجموعة من الانطباعات الشخصية، التي خبرتها بنفسي خلال علاقتي الطويلة بهذا المفكر العملاق. وإذا كانت مؤلفات الدكتور زكي نجيب تشتمل، بصفةٍ عامة، على معرفة فلسفة يجدر بنا تحصيلها؛ فإن هناك جوانب أخرى في شخصيته تخفى على كثيرين ممن لم تُتح لهم فرصة الاتصال به على نحوٍ مباشر، وهي أيضًا تُعطينا مجموعة من القيم الأخلاقية، والاجتماعية، والأكاديمية، التي يجمع بنا الإلمام بها، حتى تكتمل لدى القارئ صورة الدكتور زكي نجيب محمود المفكر، والأستاذ، والمعلم، والإنسان، وسوف أقصر حديثي على هذه الجوانب الثلاثة الأخيرة، كما لمستها خلال تجربتي الشخصية، بحيث أتحدَّث عنها فُرادى، رغم أنها في الواقع تُعبِّر عن جوانب متعددة لشخصيةٍ واحدة؛ ولهذا فسوف يبدو واضحًا ما بين هذه الجوانب الثلاثة من تداخل.

زكي نجيب محمود … الأستاذ

عندما صدر كتابي «المنهج الجدلي عند هيجل» عام ١٩٦٨م كان يحمل على صدره الإهداء التالي:
إلى مَن كان لتلاميذه أبًا قبل أن يكون أستاذًا…
إلى الفيلسوف … والمعلم … والإنسان …
إلى الرجل الذي قلبه جميع … وروحه حر …
إلى أستاذي الدكتور زكي نجيب محمود …
وكنت في الواقع أُعبِّر عن شعوري نحو الرجل بلا أدنى مبالغة، وسوف يتضح خلال هذا الحديث كيف كان أثره في تكويني قويًّا وعارمًا، بحيث تجاوز حدود العلم والمعرفة إلى مجالات الأخلاق والسلوك، وأذكر أنني ذهبت ذات صباح إلى كاتب من كُتَّابنا أهديه نسخةً من الكتاب، وكان يعمل وقتها في دار «أخبار اليوم»، وهو نفسه واحدٌ من خريجي قسم الفلسفة القدامى، وأخذ الرجل يُقلِّب صفحات الكتاب ثم قرأ الإهداء وابتسم وهو يقول مُداعبًا: «ألست ترى شيئًا من التناقض في إهداء كتاب عن هيجل، الميتافيزيقي الأكبر، إلى الدكتور زكي نجيب محمود عدو الميتافيزيقا الأول؟» وكان الكاتب يشير، كما هو واضح، إلى المفارقة التي قد يجدها القارئ عندما يجد اسم الدكتور نجيب محمود، صاحب «خرافة الميتافيزيقا»، يتصدَّر الصفحة الأولى من كتابٍ يُعالج منطق هيجل الذي هو نفسه ميتافيزيقاه، وأجبته بأنني قصدت ذلك عامدًا، فأنا هنا أبرز، بهذا الإهداء، خاصيةً هامة عند الدكتور زكي نجيب محمود، «الأستاذ»؛ وهي أنه أفادني فائدةً كبرى في «منهج البحث» دون أن يلزمني باتباع مذهبه، وهذا هو «الأستاذ على الأصالة»: يوجِّه، ويرشد، لكنه لا يفرض فكرًا، أنه يفيد طلابه في طريقة البحث، في كيفية جمع المادة العلمية، وتقييمها، وعرضها عرضًا واضحًا … إلخ؛ أعني أنه يفيد في «المنهج» دون المذهب، وتلك حقيقةٌ خبرتها بنفسي في الدكتور زكي نجيب محمود «الأستاذ» لسنواتٍ طويلةٍ، عملت فيها تحت إشرافه، وبتوجيهٍ منه، وكتبت في النهاية أفكارًا «وعبارات» تُعدُّ من منظور الوضعية المنطقية كلامًا فارغًا لا معنى له، ولو أن الدكتور زكي نجيب قد حكم على بحثي «المنهج الجدلي عند هيجل» بمعيار الوضعية المنطقية لنسفه من جذوره، ولتحول البحث إلى مجموعةٍ من العبارات الغامضة التي ترادف قولنا: «إن المُزاحلة مُرَّتها خمالة أشكار»، والتي وصفها بأنها رموزٌ سوداء تملأ الصفحات بلا دلالة ولا مدلول.٢ لكن الرجل لم يفعل، واستطاع بمقدرة الأستاذ وبراعته، أن يفصل بين المذهب الذي يعتنقه هو وبين أفكار البحث الذي يكتبه تلميذه، أو قل إنه قدَّم للتلميذ «المنهج» وأمسك عن تقديم «المذهب».
هذا الموقف الأكاديمي الذي وقفه الدكتور زكي نجيب عندما كان مُشرفًا على رسالتي للماجستير، إنما يُعبِّر عن خاصيةٍ حقيقية وأصيلة للأستاذ الجامعي. وهو يذكرني بموقفٍ مماثل وإن كان أسبق منه زمنيًّا، عندما كُنا طلابًا بالجامعة، في منتصف الخمسينيات، وعرفنا الرجل لأول مرةٍ وبهرتنا محاضراته القوية الواضحة التي يستحيل أن تمرَّ عليك دون أن تترك فيك أثرًا ملموسًا؛ فهو يحمل معولًا ضخمًا ينهال به على أفكار ومفاهيم، كنا نظن أن لها صفة «القداسة»، وأنها لا يمكن أن «تُمس» وإذا بها تتحول بين يديه إلى كلماتٍ لا معنى لها «كالسوح» «والمشقرات» «واللاذبية» وغيرها، وبحماس الشباب الذي يُقبل على التغيير بقوة، اندفعنا نحو تبنِّي المذهب الذي يعتنقه الأستاذ ويبشِّر به، وسعينا إليه في منزله نعلن له عن رغبتنا في تكوين «جماعة فينا جديدة»، على أن يكون مقرها هذه المرة مدينة القاهرة تعمل على نشر الوضعية المنطقية في الوطن العربي كله عن طريق ترجمة بعض النصوص الهامَّة تحت إشراف الأستاذ، والتعريف بأهم فلاسفتها وإقامة الندوات، وترتيب المحاضرات التي يقوم هو فيها، بطبيعة الحال، بالدور الرئيسي في عرض المذهب … إلخ.٣
واستقبلنا الرجل في منزله بترحابٍ شديدٍ، وكنت لأول مرة أُصادف أستاذًا كبيرًا يعامل تلاميذه الزملاء رغم صغر السن وضآلة الثقافة (ولقد كان أستاذ الجامعة عندنا في ذلك الوقت يقترب في تصورنا من مستوى الآلهة). وعرضنا عليه في فرحٍ ممزوج بالفخر والحماس المشروع الذي ننوي القيام به، وكم كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة لنا عندما وجدناه يرفض، بأدبٍ جمٍّ، ما عرضناه عليه من أفكار. وما زالت أصداء كلماته الإنجليزية ترنُّ في مسامعي حتى الآن بعد ما يقرب من ثلاثين عامًا: «ما زال الوقت مبكرًاجدًّا بالنسبة لكم لاعتناق مذهبٍ ما.» ثم قال بحنان الأب وأمانة الأستاذ: «… هل تعلمون كيف وصلت أنا إلى هذا المذهب؟ لقد كانت رحلةً طويلة جدًّا وشاقةً جدًّا حتى اهتديت إلى المذهب الذي ارتاح له فكري. أما أنتم فلماذا تحصرون أنفسكم في هذه السن المبكرة في إطار مذهبٍ ضيقٍ أيًّا كان نوعه؟ … لا … لا … نصيحتي إليكم أن تواصلوا القراءة والدراسة، اطَّلعوا على المذاهب جميعًا وتمثَّلوها جيدًا، ثم اتركوا عملية اختيار المذهب إلى آخر لحظةٍ ممكنة …» ولم أكن أعلم يومها حقيقة موقفه، الذي ما زال يغيب عن كثيرين حتى الآن؛ وهو أن الرجل يقوم بمهمةٍ تنويريةٍ في المقام الأول، استكمالًا لنفس الطريق الذي سار فيه كثرةٌ من الروَّاد من قبل، مثل أحمد لطفي السيد، وطه حسين، والعقاد، وهيكل وغيرهم، أنه لا يستهدف نشر مذهبٍ اسمه «الوضعية المنطقية»، وإنما هو يريد أن «ينير» عقول الناس، أن يغيِّر من طريقة التفكير السائدة عندهم. إنه يسعى إلى نشر «منهج» جديدٍ يُحلل الناس بواسطته أفكارهم، وأفكار غيرهم، ليقبلوا ما له معنى فحسب، وليزيحوا عن أنفسهم هذا الركام الهائل من الخرافة، الذي ما زال يعشِّش في صدورهم. إنه باختصار يريد «توظيف» الوضعية المنطقية لصالح الفكر التنويري الذي يدعو إليه، لكنه لا يقبل أن يكون هو نفسه «موظَّفًا» عند هذا المذهب، ولا عند غيره من المذاهب. إنه يستخدم المذهب لدفع الفكر العربي إلى الأمام، لكنه يرفض أن يستخدمه المذهب بحيث يكون كل همِّه الدعوة إليه، ونشر أفكاره بكل السبل؛ ومن هنا فإن الدور الحقيقي والهام الذي يقوم به الدكتور زكي نجيب محمود في فكرنا العربي، يغيب تمامًا عن كل من يظن أن هدف الرجل كان «تكوين مدرسة فلسفية (هي الوضعية المنطقية العربية) يُثابر على إثرائها وتدعيمها في إخلاصٍ ودأب وأناة.»٤ أو أنه أراد «أن ينمِّي حوله تيارًا فكريًّا مستمدًّا من أصول هذه الفلسفة، وأن يدعمه بالمقالات والمحاضرات والكتب» …٥

لم أكن أُدرك عن «وعي» حقيقة الدور الذي يؤدِّيه عندما ذهبنا إليه نعرض تكوين حلقة «فينا» جديدة، وقل مثل ذلك في الحوار الذي دار ذات يوم بينه وبين السيدة زوجته، التي كانت ترى أن المجرم أقل «ذكاء» من غيره، ويتجلَّى ذلك في عدم إدراكه للنتائج البعيدة المدى، التي تترتب على سلوكه الإجرامي، ومدى ما يؤدي إليه مثل هذا السلوك في مستقبل حياته، وكان رأي الأستاذ مختلفًا، وكان عليه أن يدافع عنه بقوة، فبعض المجرمين الآن، في أوروبا وأمريكا، (وكان الحوار يدور يومها بمناسبة سرقة قطار في إنجلترا، كان يحمل عدة ملايين من الجنيهات الإسترلينية)، عليهم تتبع التطورات التكنولوجية الحديثة، حتى يمكن وصفهم بأنهم «علماء» في مجالهم، بمعنى أنهم على درجةٍ عاليةٍ من المعرفة، تمكِّنهم من فهم أجهزة الإنذار الحديثة، وكيف تعمل، وكيف يمكن إبطالها. كما أن عليهم أن يعرفوا دقائق الأمور عن خزائن المال، والتعقيدات المتناهية في فتحها؛ إذ قد تحتاج بعض هذه الخزائن إلى مليون عمليةٍ حسابيةٍ لكي تُفتح. وذلك كله دليلٌ على ذكاءٍ حادٍّ وقدرةٍ عقليةٍ فائقةٍ. أما مسألة عدم تقدير المجرم للآثار والنتائج المترتبة على سلوكه الإجرامي، فقد يصدق ذلك على صغار المجرمين، أما كبارهم، وهم موضوع حديثنا الآن، فهم ينظرون إلى المسألة على أنها «مغامرة»، فإن نجحت رفعتهم إلى السماء السابعة، وعاشوا بقية عمرهم في رغدٍ (وبعضهم يغيِّر ملامح وجهه، ويذهب للحياة في مكانٍ ما بعيدًا عن وطنه)، وإن فشلت قضت عليهم؛ فالمسألة حياةٌ أو موت. ثم إنه يقول لنفسه أنها لن تفشل، إن الحالات التي فشلت فيها الجريمة من قبل (كحالات فشل بعض الانقلابات العسكرية)، كانت بسبب أخطاء وقع فيها المدبِّرون، وربما كانوا أقل ذكاء، أما هو فقد درس العملية التي سيقوم بها دراسةً جيدةً يتعذَّر معها الفشل.

زكي نجيب محمود … المُعلم

في استطاعتي أن أقول، في اطمئنانٍ وثقةٍ: إن زكي نجيب محمود ليس أستاذًا عاديًّا يُلقِّنك معلومات، أو مجموعة من المعارف وينتهي دوره، وإنما هو مُعلمٌ من الطراز الأول؛ إنه المعلم الذي يهزُّ تلاميذه هزةً عنيفةً يستحيل بعدها أن يعودوا كما كانوا؛ من هنا كان الطالب الذي تتلمذ عليه ولم يتأثر بما يقول، ولم ينفعل، سلبًا أو إيجابًا، بكلماته؛ كالصخر الأجرد الذي يسيل عليه الماء فينحسر عنه؛ لأنه مغلقٌ أصمُّ ولا رجاء فيه!

زكي نجيب محمود هو «المعلم» الذي يُثيرك بكلماته، ويدعوك إلى نزاله ومحاورته، وهو لا يشعر بضيقٍ ولا مللٍ من كثرة الأسئلة التي يطرحها عليه طلابه بالغةً ما بلغت بساطتها — وأحيانًا سذاجتها — شريطة أن يُتابعوه، وأن يفهموا عنه ما يقول، وأذكر أننا كنا نتعمد الإكثار من الأسئلة في موضوعاتٍ نظنُّ أنها «تحرجه»: «هل يمكن أن يترجم الفقر ترجمةً حسيَّةً مادية؟! وهل ينطبق المعيار الحسي نفسه على مفهوم «الحرية»؟! وماذا يكون مصير الدين وقضاياه الأساسية؟! هل أنت مؤمنٌ؟! وكيف نطبق على الإيمان معايير الوضعية المنطقية؟! وكان «المعلم» يتحمل هذه الأسئلة الساذجة جميعًا، ويُجيب عنها بهدوءٍ وبغير انفعالٍ. لم يكن ينفعل إلا عندما يشعر أن شرحه قد ضاع أدراج الرياح، وأن سؤال الطالب يكشف عن عدم فهمه لما قيل! وأَضرب مثلًا على ذلك بهذه الواقعة الطريفة التي يكشف عنها هذا الحوار الذي دار بينه وبين أحد الطلاب في قاعة الدرس:

- إن سؤالك ينمُّ عن أنك لم تفهم شيئًا مما قلتُ!

- كلا! لقد فهمتُ كل ما قلت!

- أؤكد لك أنك لم تفهم!

- أقسم بالله العظيم أنني فهمت!

- يمينٌ على يمينك أنك لم تفهم شيئًا!

وضجَّت القاعة بالضحك!

على أن أشدَّ ما أثار عجبنا وإعجابنا في هذا «المُعلم» هو وضوحه الفكري، وقدرته الفائقة والمدهشة معًا، والتي لا تخطئها العين العابرة، على طحن «جلاميد» الفلسفة من أفكارٍ معقدةٍ أو تصوراتٍ مجردةٍ أو مفاهيم عقلية جافة، وتقديمها إلى الطلاب على شكل «مسحوق» لا يُرهق الذهن كثيرًا، وإن كان يدفعه إلى التأمل والتفكير!

ويرتبط بذلك خاصية أخرى ملفتة للنظر؛ وهو أنه حاضر البديهة للغاية، قادرٌ على أن يذكر لك الأمثلة العينية الحسية لأكثر الأفكار الفلسفية تجريدًا، بقدر ما يستطيع الواقع الحسي أن يصوِّر التجريد العقلي، وبسرعةٍ مذهلةٍ! أذكر أننا، في السنوات الأولى من دراستنا الجامعية، كنا نُطالع كتابًا في الفلسفة عند صديق، واعترضتنا لأول مرةٍ فكرة الفيلسوف الألماني «فشته» عن العلاقة بين «الأنا واللاأنا»، وكان التعبير غامضًا علينا، فقال قائلٌ منهم: «ما رأيكم في الاتصال بالدكتور زكي نجيب هاتفيًّا نرجوه أن يوضح لنا العلاقة بمثال؟! فقلنا: لكنه، من ناحية، أستاذ للمنطق، ولا يدرس الفلسفة الحديثة، وهذه من ناحيةٍ ثانية فلسفة ألمانية «ميتافيزيقية»، لا يطيق أن يسأله عنها أحدٌ، ونحن من ناحيةٍ ثالثة قد بلغنا العاشرة مساء ولم نعتد محادثته في مثل هذا الوقت المتأخر … إلخ، لكن الصديق قام إلى الهاتف وهو يقول: لا أظنه يُمانع رغم ذلك كله! وطلب الرجل في منزله وسأله، وكانت إجابة «المعلم» بالبديهة الحاضرة سريعة كالعادة: «أنت الآن حين تتحدث في الهاتف خير مثال لهذه العلاقة التي تسال عنها: فشخصك هو «الأنا» والهاتف هو «اللاأنا»! فشكره الصديق وجلس، وشعرنا جميعًا بالحرج الشديد؛ لأن الفكرة لم تكن غامضةً ولا معقدة كما تخيلنا، ففيمَ كل هذا الإزعاج، ولم ندرك أن الوضوح جاء نتيجة لشرح «المعلم»!»

ولقد علَّمني أنا شخصيًّا أن أحترم الرأي الآخر، وألا أسخر أبدًا من الفكرة المعارضة، وعندما رفض جماعة «فينا الجديدة»، لم أكن أعرف بوضوحٍ أنه هو نفسه يرفض المذهبية، وأنه ظل طوال حياته يُحارب التمذهب والجمود والتقوقع في مذهبٍ معينٍ، وأنه يُطلق على الذين يحصرون أنفسهم في مذاهب خاصة اسم «عبيد المذاهب». ولم أتبيَّن ذلك بوضوحٍ إلا بعد أن قرأت مؤلفاته في مرحلةٍ متقدمة من حياتي الثقافية، ووقفت طويلًا عند ذلك المقال الرائع «عبيد المذاهب». ويا ليت أصحاب «الكليشيهات» الذين يريدون أن يدمغوا الرجل بخاتمٍ معين، وأن يحصروا كل فكره في إطار «الوضعية المنطقية»، أن يقرءوا هذا المقال قبل أن يخوضوا في شرح فكره وتحليله، وقبل أن يتطوعوا بالإفتاء! والحق أنني عندما قرأتُ هذا المقال شعرت كأنما قد سقطت الفترة الزمنية التي انقضت بين اللحظتين، اللحظة الأولى في مسكنه ونحن نعرض عليه تأليف جماعة الوضعية المنطقية، واللحظة الثانية التي أقرأ فيها هذا المقال، وتخيلته وهو ينصحنا بعدم الانتماء إلى مذهب. وليسمح لي القارئ أن أقتبس فقط افتتاحية المقال التي يقول فيها: «علمتني خبرة السنين، بين ما علمتني، أن من أخطر مزالق الفكر أن أُقيد نفسي في حدود إطارٍ مذهبيٍّ، تقييدًا يجعلني أرجع في كل أموري إلى مبادئ مذهبٍ معين، فما وجدته مُتفقًا مع تلك المبادئ قبلته، وما لم يتفق معها رفضته؛ وذلك لأن الخبرة علمتني بأن تيار الحياة أغزر جدًّا من أن يُلمَّ به مذهبٌ واحد محدد بعددٍ قليل من المبادئ والقواعد … إلخ.»٦ بل إنه ليرفض المذهبية، في السياسة؛٧ ولهذا تراه يقول في مقالٍ آخر: «إننا نبالغ في المذهبية حتى لنجاوز بها في كثيرٍ من الأحيان حدود السياسة إلى ميادين ما كان ينبغي لها قط أن تتورط في المذهبية كميادين التعليم والأدب والفن …»٨ وهو يردد مع الإمام الغزالي أنه: «لا خَلاق لنا إلا في الاستقلال»، وهو يقصد هنا استقلال الرأي، وأن نطالب بمكانٍ مشروع في أي نظامٍ سياسيٍّ نختاره لصاحب الرأي المستقل، إذا دلَّ تاريخه الفكري على أنه قادرٌ على الاستقلال.»٩

هذا الموقف الفلسفي الرائع، الاستقلال في الرأي، والاستقلال في التفكير، هو الذي كان يحاول زكي نجيب محمود «الأستاذ» أن يغرسه في تلاميذه، ولم يحاول قط أن يكون تلاميذه مجرد «نسخ» منه.

ومعنى ذلك كله أن إحدى الخصال الأساسية في زكي نجيب محمود «الأستاذ» نفوره من المذهبية، وإقباله على الاستقلال في الرأي، وفي استطاعتك أن تُضيف إلى ذلك خاصيةً أخرى هي أنه لا يعرف في الحق لومة لائمٍ، لا يُجامل على حساب الجانب العلمي على الإطلاق، ولا يتحاشى المواجهة الصريحة مع أي إنسانٍ كائنًا من كان تلميذًا أو صديقًا، وبالغًا ما بلغت درجة حبِّه له، ولكم شهدت مناقشات حول بعض قضايا لا تروقه في علم النفس، أو أفكار لبعض علماء النفس لا يوافق عليها؛ من ذلك مثلًا ما يقوله البعض من أن المجرم يكون، في الأعمِّ الأغلب، ضعيفًا من الناحية العقلية، أو كثيرًا ما يكون أقل، وأشهد أنه انفعل مرة انفعالًا مُلفتًا لأنني كتبت رأيًّا يُخالف رأيي ثم أردفته بعلامة تعجب (!) وثار «المعلم» ثورةً لم أكن أتوقعها قط وهو يقول: علامَ تتعجب؟! وماذا فعل بك الرجل حتى تتعجب من كلامه؟ وحتى لو افترضنا جدلًا أن فكرتك أصدق من فكرته، وهذا غير صحيح، أيجيز لك ذلك أن تتعجب منه؟ إنني أودُّ أن أُلقن كل من يستخدم علامات التعجب في صحفنا وكتبنا درسًا لا ينساه؛ أودُّ أن أقول له: يا رجل، إن علامة التعجب انفعالٌ يجوز أن نستخدمه في مجال الأدب أو الفن عمومًا، أما مجال الفكر والعقل والمنطق واختلاف الرأي، فلا يجوز لك أن تتعجب فيه أبدًا من فكرٍ يُخالف فكرك أو رأي يُعارض رأيك! إنك إذا ما تصفَّحت كتابًا باللغة الأجنبية فإنه يندر جدًّا أن تجد فيه علامة تعجب واحدة.

علمني الدكتور زكي نجيب «المُعلم» الاهتمام باللغة، وكان يقول باستمرار إن الفكرة الخصبة العميقة التي توضع في إطارٍ لغويٍّ رديء لهي أشبه بالفتاة الجميلة التي ترتدي أسمالًا بالية، وتترك شعرها أشعث أغبر، فيضيع جمالها وسط هذا الإطار القبيح! أما الفكرة الخصبة العميقة التي توضع في إطارٍ لغويٍّ سليم يُعبر عنها بوضوحٍ ناصعٍ؛ فهي أشبه بالفتاة الجميلة التي تبرز ثيابها وزينتها ما عندها من جمال!

ومن القيم التي بثُّها فينا زكي نجيب «المُعلم» قيمة «الإخلاص». ولقد رأيته مؤخرًا في حلقةٍ تليفزيونية، وهو يُجيب عن سؤالٍ للأستاذ فاروق شوشة: «وما الحل في رأيكم لكل ما نعانيه من مشاكل!» رأيته منفعلًا بعنفٍ وهو يقول: «الإخلاص! الإخلاص يا أخي!» وأخذ الرجل يكررها مِرارًا وهو يعدِّد ضروب النفاق والجهد العابث «نجلس ونجتمع، ونعقد لجانًا وراء لجان، ونكدِّس أوراقًا فوق أوراق، ونحن نعلم أن ذلك كله سوف يضيع في أدراج المكاتب، نحن ندرك مُقدمًا أن ذلك كله لن ينفذ منه شيء! إننا ينبغي أن نخلص الفكر والعمل معًا فنكتب المذكرات التي تنفذ، ونضع التقارير والاقتراحات الصالحة للتنفيذ، ثم نسعى جاهدين إلى تحويلها إلى عمل!»

ذكرتني هذه الثورة الانفعالية الشديدة بثورته عندما كان يشعر أن طالبًا يُنافقه أو يتملقه، عندئذٍ كان يشعر أنه أُهين إهانةً بالغة! أذكر أنني كنتُ في منزله في بداية عملي في رسالة الماجستير تحت إشرافه، عندما حضر أحد الطلاب الذين يعِدُّون رسالةً علميةً أيضًا تحت إشرافه، وكان الطالب قد اعتمد على كتاب «قصة الفلسفة الحديثة»، وفُوجئت بالرجل يثور بعنفٍ ويتهم الطالب بالتملق الرخيص: «أتظن أنك بذلك تُرضيني أو تجاملني؟ إذن فاعلم أنني كتبت هذا الكتاب وأنا أصغر منك سنًّا!» (أين ذلك الموقف من أساتذة اليوم الذين يقيِّمون الطلاب بمقدار اعتمادهم على كتبهم أو ذكر مؤلفاتهم في قائمة المراجع!) وعندما هممتُ بالوقوف مستأذنًا في الانصراف (وكان الموعد الذي حُدد لمناقشتي فيما كتبت قد انتهى)، حتى لا أحرج الزميل الفاضل فوجئت بالدكتور زكي يشير إليَّ بيده أن أجلس! ثم قال: «أودُّ أن تشهد ما وقع فيه زميلك من أخطاء، وما أسوقه من ملاحظات حتى لا تقع فيها، فكلكم تقريبًا تقعون في الأخطاء نفسها مع فوارق قليلة، وأنا لا أريد أن أكرر كلامي مرتين!» وهكذا أردت أن أتجنَّب إحراج الزميل فأحرجت نفسي!

وإذا كان المعلم يكره النفاق والتزلف من تلاميذه، فإنه هو نفسه يُفاخر بأنه لم يكن ذات يوم مُنافقًا أو متزلقًا، ويحمد الله الذي أغناه عن هذه العادة القبيحة بأن كانت رغباته قليلة محدودة يقول: «الحمد لله الذي أغناني بهذه القدرة العجيبة على ألَّا أجعل للرغبة سلطانًا يستعبد نفسي، ويسوقها وهي راغمةٌ في طريقة النفاق والزلفى، وإني لأكون شاكرًا وذاكرًا للفضل، إذا ما ذكرني أحدٌ بخطوةٍ واحدة خطوتها على طول السنين نحو بشرٍ مثلي ألتمس عنده الرضا …»١٠

زكي نجيب محمود … الإنسان

كنَّا في السنة الرابعة من دراستنا الجامعية، وكان الوقت فترة الاستراحة بين محاضرتين للدكتور زكي، ولم يكن يخرج فيها من قاعة الدرس، عندما رأيته يضحك حتى تنفرج أسارير وجهه، ولست أذكر الآن على وجه الدقة سبب الضحك، لكني أذكر جيدًا كيف انقلبت هذه اللحظة السارة إلى شعورٍ بالأسى والمرارة، عندما قال له أحد الطلبة: «هذه هي المرة الأولى في حياتي الجامعية التي أراك تضحك فيها يا دكتور!» والحق أن الألم كان يعتصره عندما يسأله سائلٌ: «ما لي أراك واجمًا؟» وكان يجيب باستمرار: «لا! ليس ما بي من وجوم، وإنما هي خِلقة طبعها الله على وجهي، فأبدو واجمًا ولستُ بواجمٍ!»١١
غير أن الجديَّة التي كانت ترتسم على وجهه، فتجعله يبدو واجمًا أحيانًا، حزينًا أحيانًا أخرى، كانت في الواقع تُخفي وراءها قدرةً هائلةً على «السخرية والتهكم»، وربما ظهر ذلك واضحًا فيما يكتبه من مقالاتٍ أدبية.١٢ كما أنها تحجب قدرًا كبيرًا من الفكاهة التي يتميز بها الدكتور زكي، وكانت فكرتي السابقة عنه أنه لا يعرف سوى الجاد من الأمور، ولا يهتم إلا بالأفكار الفلسفية الصلبة التي لا تلين! أما زكي نجيب الإنسان المرح الضاحك، الذي يستعذب المُلَح والفكاهة ويرويها؛ فهو جانب لم أكن أعرفه إلا عندما اقتربت منه واستمتعت بأحاديثه الخاصة! والواقع أنني كنت قريبًا من زكي نجيب محمود منذ أن عرفته طوال سنوات الدراسة الجامعية أولًا، ثم بعد تخرُّجي وإلى يومنا هذا، وطوال هذه الفترة وأنا ألمس فيه جوانب إنسانية متعددة، تزداد في ثرائها وعمقها يومًا بعد يوم؛ من ذلك مثلًا أنني كنت أستشيره في أمورٍ كثيرة من حياتي ومشاكلي الخاصة، وعندما أخبرته، بعد تخرجي مباشرة، بعزمي على الزواج كنت أتوقع أن يسألني: ولمَ العجلة قبل أن تكوِّن نفسك ماديًّا؟ لكني وجدته يصمت قليلًا ثم يقول: «نعم! تزوجوا! واستمتعوا بحياتكم قبل أن تخيبوا كما خبنا!» وكان يشير بذلك إلى الفترة الطويلة التي قضاها مُضربًا عن الزواج، وكيف أنه ندم على ذلك فيما بعد.

ومن المواقف الإنسانية التي لا أنساها للدكتور زكي، أنني كنت يومًا أروي له بعض المشاكل المالية التي اعترضتني بعد الزواج، فوجدته بعد أن انتهت جلستنا يأتي بمظروفٍ حكوميٍّ أصفر، وهو يقول: «إنني أُقرضك هذا المظروف!»، وشكرته شكرًا جزيلًا، وأنا في غاية الحرج، ورفضتُ أن أتناول المظروف من يده، ولا أدري حتى الآن ماذا كان بداخله على وجه التحديد! وظلت هذه الحادثة مؤثرةً في نفسي غاية التأثير، حتى إنني رويتها لصديقٍ وزميل بعد ذلك بعدة أشهر! وكم كانت دهشتي عندما قال: أنت رفضت تناول المظروف لأنك تعمل ولك دخلٌ شهريٌّ. أما أنا فقد أخذت ما قدَّمه لي عندما كنت طالبًا، وذهبت إليه في منزله أشكو ما أنا فيه من ضائقةٍ ماليةٍ، فإذا به يفعل معي ما فعله معك: يأتي «بالمظروف الحكومي الأصفر»! وأخذته شاكرًا إذ لم يكن في استطاعتي أن أرفض! وعجبتُ من هذا الأستاذ «الإنسان»، الذي اعتاد أن يُقرض تلاميذه المال «على سبيل السلف»! على حدِّ تعبيره، وكنت قد اعتدت من قبل أن أقترض منه ما أحتاج إليه من كتب، أما مسألة المال فقد كان موقفًا جديدًا بالنسبة لي!

لزكي نجيب محمود الإنسان المجامل المتواضع، الذي يُصرُّ على أن يصحبك إن كنت في زيارته حتى باب مسكنه، وهو في هذه السن المتقدمة، الكثير من المواقف الإنسانية التي تُدهشك. أذكر، مثلًا، أنني ذهبت لزيارته ذات صيفٍ، وكان عائدًا من الكويت، حيث كان يعمل أستاذًا بجامعتها في ذلك الوقت، فوجدته يومها على شيءٍ غير قليل من الضيق، ولما استفسرت عن سبب هذا الحزن البادي، أجابني بقوله: أنا الذي أودُّ أن أستفسر منك عن شيء، وأرجو أن تطلعني عليه دون أن تخبر أحدًا: «هل صحيحٌ أن فلانًا قد مات؟»

وكان يقصد واحدًا من الزملاء يعمل الآن بحقل النقد الأدبي، وسألته مندهشًا: ومن أين جئت بهذا النبأ؟» فقال: «قرأته في جريدة الأهرام وأنا في الكويت منذ أيام.»

قلت لعله مجرد تشابه في الأسماء!

- وهل أنت متأكدٌ!

- تمام التأكد! لقد التقيت به بالأمس فقط مصادفةً في أحد شوارع القاهرة!

هنا فقط تنهَّد الرجل وهو يقول: «الحمد لله!» ثم سكت برهةً وقال في أسًى: «هذا العاق! تألمت كثيرًا لهذا النبأ السيئ مع أنه لم يزرني منذ سنين!»

كان يتابع تلاميذه ويخاف عليهم كأبنائه تمامًا، يحزن إذا مسَّهم سوء، أو سمع عنهم مكروهًا، ويشعر بالأسى الشديد لغيابهم عنه، وكان وما يزال يحب أن يزوره تلاميذه، وأن يعرف أخبارهم ويسرُّه أن يعرضوا عليه مشاكلهم، فالسمر مع هؤلاء الأحباب هو عزاؤه الوحيد، بعد أن عزَّ عليه خروجه من داره …

هذا هو زكي نجيب محمود كما عرفته: أستاذًا، ومعلمًا، وإنسانًا، صاحب الخلال الرفيعة، التي شهد له بها خصومه قبل أصدقائه. ولستُ أجد عبارةً أختم بها هذا الحديث أفضل مما قاله الأستاذ إبراهيم فتحي، الذي انتقد أفكاره نقدًا شديدًا من زاويةٍ ماركسيةٍ، لكنه، مع ذلك، يؤمن بأن زكي نجيب محمود: «يُقدم بشخصه نموذجًا رفيعًا نادرًا للمفكر الحر: فما استعدى سلطانًا على خصم، وما تعلق بأذيال ذوي الجاه، وما حاول أبدًا أن يفرض رأيه على تلاميذه، أو يجنِّدهم لمذهبه، وما لجأ في جدالٍ إلا إلى قوة الحجة، ولم تعرف المهاترة والمكابرة أبدًا طريقها إلى قلمه الفياض، الذي لم يتخذ غيره سلاحًا، ولا شيء أبعد عن الحقيقة من وصفه، بأنه يُمثل استعمارًا قديمًا أو جديدًا، أو بين المطابقة بين الوظيفة الاجتماعية للوضعية المنطقية في بلاد بعيدة، وبين الدور الذي يقوم به زكي نجيب محمود في مصر والوطن العربي.»١٣

هذه شهادة واحدٍ من الخصوم، ولستُ أجد بعدها ما يمكن أن يُقال تحيةً لهذا المفكر العملاق!

١  أقوم الآن بإعداد دراسة «رحلة في فكر زكي نجيب محمود»، أرجو أن تظهر قريبًا، تعالج الكثير من هذه الجوانب الفكرية (وهو الكتاب الموجود بين يديك الآن).
٢  هذا هو الوصف الشهير الذي يصف به الدكتور زكي نجيب عبارات الميتافيزيقيا في كتابه «خرافة الميتافيزيقا»، مكتبة النهضة بالقاهرة، عام ١٩٥٣، والذي جعل عنوانه في طبعته الثانية «موقف من الميتافيزيقا» دار الشروق، القاهرة، عام ١٩٨٣م.
٣  من الطريف أن تتولى مجموعةٌ من زملائنا في جماعة «فينا الجديدة»؛ أعني من الشباب الطلابي المتحمِّس للدكتور زكي في ذلك الوقت، الرد على الأستاذ محمود أمين العالم عندما هاجم الوضعية المنطقية في مجلة الرسالة الجديدة في يونيو ١٩٥٧، وقد أعاد نشر المقال والرد في كتابه «معارك فكرية»، ص١٤، و٤١، دار الهلال بالقاهرة، عام ١٩٧٠، ط٢.
٤  محمود أمين العالم، «معارك فكرية»، ص١٤ الطبعة الثانية، دار الهلال بالقاهرة، عام ١٩٧٠م.
٥  المرجع نفسه.
٦  راجع مقال «عبيد المذاهب»، وقد نشره في كتابه «مجتمع جديد أو الكارثة»، ص٢٤٦ وما بعدها، ط٣، دار الشروق، القاهرة، ١٩٨٣م.
٧  راجع مقال «الرأي المستقل» في كتابه «هذا العصر وثقافته»، ص٩١ وما بعدها، دار الشروق، ط٢، القاهرة، ١٩٨٢م.
٨  المرجع السابق نفسه، ص١٨٩ وما بعدها.
٩  نفس المرجع، ص١٩٠–١٩١.
١٠  مقال «لو كتبت بقلبي» في كتابه «مجتمع جديد أو الكارثة»، ص٣٧، وأيضًا مقال «قوة المستغنى» في كتابه «قيم من التراث»، ص٢٩٨ وما بعدها.
١١  انظر مقالة «شبكة الصياد» في كتابه «شروق من الغرب» ص٢٨، وقد كرر الفكرة نفسها في كثيرٍ من مقالاته.
١٢  ذكر لي ذات مرة أن الأديب لا بد أن يكون حزينًا بطبعه؛ ولهذا فإن دور السخرية المريرة مما في الواقع من «نقص»، أو بدقةٍ أكثر مما في الوقاع من «كمالٍ منقوص» لا يرضى عنه. وهو موضوعٌ طريف، وقد عرضتُ له في مقال «حزن الأديب» في كتابنا: «أفكار … ومواقف» مكتبة مدبولي بالقاهرة، عام ١٩٩٦م.
١٣  انظر المقدمة التي كتبها الأستاذ إبراهيم فتحي لكتاب «نقد العقل الوضعي» تأليف د. عاطف أحمد، دار الطليعة، بيروت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤