فلما كانت الليلة ٧٧٠

figure
ضحك وقال لي: عمري ما رأيت حِمارًا مِثلَك.

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن دولة خاتون لما أخبرت سيف الملوك بروح الجني الذي خطفها، وبيَّنَتْ له ما قاله الجني إلى أن قال لها: وهذا سر بيننا. قالت له: مَن أحدِّثه به، وما يأتيني أحد غيرك حتى أقول له؟ ثم والله إنك جعلت روحك في حصن حصين عظيم لا يصل إليه أحد، فكيف يصل إلى ذلك أحد من الإنس؟ حتى لو فرض المحال وقدَّرَ الله مثل ما قال المنجِّمون فكيف يكون أحد من الإنس يصل إلى هذا؟ فقال: ربما كان أحد منهم في إصبعه خاتم سليمان بن داود عليهما السلام، ويأتي إلى هنا ويضع يده بهذا الخاتم على وجه الماء، ثم يقول: بحق هذه الأسماء إن روح فلان تطلع. فيطلع التابوت فيكسره، والصناديق كذلك والعلب، ويخرج العصفور من الحق ويخنقه فأموت أنا. فقال سيف الملوك: هو أنا ابن الملك، وهذا خاتم سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام في إصبعي، فقومي بنا إلى شاطئ هذا البحر حتى نبصر هل كلامه هذا كذب أم صدق؟ فعند ذلك قام الاثنان ومشيا إلى أن وصلا إلى البحر، ووقفت دولة خاتون على جانب البحر، ودخل سيف الملوك في الماء إلى وسطه وقال: بحق ما في هذا الخاتم من الأسماء والطلاسم، وبحق سليمان عليه السلام، أن تخرج روح فلان ابن الملك الأزرق الجني. فعند ذلك هاج البحر وطلع التابوت فأخذه سيف الملوك، وضربه على الحجر فكسره وكسر الصناديق والعلب، وأخرج العصفور من الحق وتوجَّهَا إلى القصر، وطلعا فوق التخت، وإذا بغبرة هائلة وشيء عظيم طائر وهو يقول: أبقني يا ابن الملك ولا تقتلني واجعلني عتيقك وأنا أبلغك مقصودك. فقالت له دولة خاتون: قد جاء الجني فاقتل العصفور لئلا يدخل هذا الملعون القصر ويأخذه منك ويقتلك ويقتلني بعدك. فعند ذلك خنق العصفور فمات فوقع الجني على الأرض كوم رماد أسود. فقالت خاتون: قد خلصنا من يد هذا الملعون وكيف نعمل؟ فقال سيف الملوك: المستعان بالله تعالى الذي بلانا، فإنه يدبرنا ويعيننا على خلاصنا ممَّا نحن فيه.

ثم قام سيف الملوك وقلع من أبواب القصر نحو عشرة أبواب، وكانت تلك الأبواب من الصندل والعود، ومساميرها من الذهب والفضة، ثم أخذا حبالًا كانت هناك من الحرير والإبريسم، وربط الأبواب بعضها في بعض، وتعاوَنَ هو ودولة خاتون إلى أن وصلا بها إلى البحر ورمياها فيه بعد أن صارت فلكًا، وربطوه على الشاطئ، ثم رجعا إلى القصر وحملا الصحاف الذهب والفضة وكذلك الجواهر واليواقيت والمعادن النفيسة، ونقلا جميع ما في القصر من الذي خفَّ حمله وغلا ثمنه، وحطَّاه في ذلك الفلك وركبا فيه متوكلين على الله تعالى الذي مَن توكَّلَ عليه كفاه ولا يخيبه، وعملا لهما خشبتين على هيئة المجاديف، ثم حلَّا الحبال، وتركا الفلك يجري بهما في البحر، ولم يزالا سائرين على تلك الحالة مدة أربعة أشهر حتى فرغ منهما الزاد، واشتد عليهما الكرب وضاقت أنفسهما، فطلبا من الله أن يرزقهما النجاة مما هما فيه.

وكان سيف الملوك في مدة سيرهما، إذا نام يجعل دولة خاتون خلف ظهره، فإذا انقلب كان السيف بينهما. فبينما هما على تلك الحالة ليلةً من الليالي، فاتفق أن سيف الملوك كان نائمًا ودولة خاتون يقظانة، وإذا بالفلك مال إلى طرف البر وجاء إلى مينا، وفي تلك المينا مراكب، فنظرت دولة خاتون المراكب وسمعت رجلًا يتحدث مع البحرية، وكان الذي يتحدث رئيس الرؤساء وكبيرهم، فلما سمعت دولة خاتون صوت الرئيس علمت أن هذا البر مينا مدينة من المدن، وأنهما وصلا إلى العمار؛ ففرحت فرحًا شديدًا ونبَّهَتْ سيف الملوك من النوم وقالت له: قُمْ واسأل هذا الريس عن اسم هذه المدينة وعن هذه المينا. فقام سيف الملوك وهو فرحان وقال له: يا أخي، ما اسم هذه المدينة؟ وما يقال لهذه المينا؟ وما اسم ملكها؟ فقال له الريس: يا صاقع الوجه، يا بارد اللحية، إذا كنت لا تعرف هذه المينا، ولا هذه المدينة، فكيف جئتَ إلى هنا؟ فقال سيف الملوك: أنا غريب وقد كنت في سفينة من سفن التجار، فانكسرت وغرقت بجميع ما فيها وطلعت على لوح فوصلت إلى هنا، فسألتك، والسؤال ما هو عيب. فقال الريس: هذه مدينة عمارية، وهذه المينا تُسمَّى مينا كمين البحرين. فلما سمعت دولة خاتون هذا الكلام فرحت فرحًا شديدًا، وقالت: الحمد لله. فقال سيف الملوك: ما الخبر؟ فقالت: يا سيف الملوك، أبشِرْ بالفرج القريب، فإن ملك هذه المدينة عَمِّي أخو أبي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤