«أحمد» … قرصانًا لعشر دقائق!

أحس «أحمد» و«عثمان» و«إلهام» بطلقات الرصاص البعيدة القادمة من الشاطئ … وعرفوا أن المجموعة الأولى قد انكشف أمرُها، وأنها دخلَت في صراع مع القراصنة … وأن أمرهم قد انكشف.

صاح «أحمد» في «إلهام» و«عثمان»: فلنُسرع بنجدة بقية الشياطين … سأتقدمكما لأحميَكما بمدفعي الرشاش.

واندفع «أحمد» شاهرًا مدفعه الرشاش … ولكن وقبل أن ينطلق بعيدًا انهال الرصاص عليه من كل جانب فألقى بنفسه على الأرض مع «إلهام» و«عثمان».

كان الرصاص ينهمر فوق رءوسهم كالمطر … ورفع «أحمد» رأسَه وشاهد مجموعة من القراصنة يحتمون خلف بعض الأشجار أمامهم على شكل نصف دائرة وهم يُطلقون مدافعهم الرشاشة.

وصوَّب «أحمد» مدفعه وأطلقه نحو أحد القراصنة فأسقطه قتيلًا … ثم أسقط واحدًا آخر … فثالثًا ولكن عدد القراصنة ظل يتزايد حول الشياطين.

قالت «إلهام» في قلق: إنهم يحاصروننا ونحن في موقف صعب بلا سلاح …

أحمد: يجب أن نصنع ثغرة وسط هؤلاء المجرمين ننفذ بها إلى الشاطئ، سوف نكون صيدًا سهلًا طالما بقينا فوق الجزيرة.

وضغط على الزناد بكل قوته فانطلقت الرصاصات تحمل الموت لكل من تُصادفه في طريقها … فتراجع القراصنة للوراء.

وفجأة توقَّف المدفع الرشاش في يد «أحمد» … لقد نفد الرصاصُ منه … وأدرك القراصنة ما حدث فنزلوا كأنهم الصاعقة على «أحمد» وزملائه … لكن «أحمد» وبضربة واحدة أسقط ثلاثة من القراصنة أمام الشياطين … وقبل أن يُفيق الباقون انتزع الشياطين سلاح القراصنة وأطلقوا الرصاص نحو مهاجميهم.

سقط عددٌ من القراصنة قتلى … وتراجع الباقون للوراء في ذُعر … وأخذ الشياطين يتقدمون للأمام تحت حماية أسلحتهم … واندفعوا باتجاه الشاطئ لنجدة بقية زملائهم المحاصرين في الماء.

فجأةً صرخَت «إلهام»، والتفتَ «أحمد» و«عثمان» نحوها في اللحظة التي شاهدوها فيها وهي ترتفع في الهواء من ساقها بحبل مربوط بأعلى شجرة قريبة … لقد وقعَت في فخٍّ بدون أن تدري.

كاد «أحمد» يندفع لإنقاذها ولكن «عثمان» أمسكه من يده قائلًا: إذا حاولتَ إنقاذها فسوف تُصبح مكشوفًا لرصاصات القراصنة.

وصاح «ماكو»: استسلموا أيها الملاعين وإلا قتلتُ الفتاة.

ولمعَت عينَا «أحمد» بغضب جامح وهو يشاهد «إلهام» معلَّقةً من قدمها في الهواء بارتفاع كبير بدون أن يستطيعَ مدَّ يدِ المساعدة إليها.

كان الموت يحاصر الشياطين الثلاثة؛ فإذا حاولت «إلهام» رفْعَ نفسها والإمساك بالحبل الذي يقيِّد قدمها فلا بد أن القراصنة سيُسرعون بإطلاق الرصاص عليها قبل أن تتمكن من ذلك … وإذا حاول «أحمد» و«عثمان» إنقاذ «إلهام» كان نصيبهم الموت أيضًا … كما كانت محاولة إطلاق الرصاص على الحبل الذي يمسك بقدم «إلهام» لقطعه قد يعني موتَها عندما تسقط من ذلك الارتفاع الهائل … ولمعَت حباتٌ من العرق على جبهة «عثمان» وهمس ﻟ «أحمد»: إننا في مأزق شديد … ما العمل الآن؟

قال «أحمد»: سوف أحاول تشتيتَ انتباه هؤلاء المجرمين … وسأحاول نسْف محطة الإرسال والاستقبال وعليك باستغلال المفاجأة لإنقاذ «إلهام».

هتف «عثمان» بدهشة: وكيف ستنسف المحطة بلا قنابل؟!

أجابه «أحمد»: سوف أكون قرصانًا لعشر دقائق.

واختفى بسرعة بدون أن يشرح ﻟ «عثمان» شيئًا … كان الشاطئ قريبًا وزحف «أحمد» بسرعة على الأرض حتى وصل إلى الشاطئ المكشوف … وكان هناك عددٌ من القراصنة يقومون بحراسة الشاطئ استعدادًا للقضاء على أيِّ واحد من الشياطين المختفين بداخل الماء يحاول الظهور.

واندفع «أحمد» نحو سفينة القراصنة القريبة من الشاطئ وهو يُطلق الرصاص كالسيل لحماية نفسه … وفوجئ الحراس على الشاطئ بهجوم «أحمد» المباغت وسقط عددٌ منهم على حين ألقى الباقون بأنفسهم على الأرض.

وانتهز «أحمد» الفرصة … وقفز إلى الماء وغاص بكل قوته باتجاه سفينة القراصنة وانهال الرصاص عليه فوق سطح الماء بدون أن يصيبَه.

وأخيرًا وصل «أحمد» إلى قاع سفينة القراصنة … ورفع رأسه بحذر فوق سطح الماء فلم يشاهد أحدًا … وبخفة تسلَّق جدار السفينة من الخلف وقفز إلى سطحها، وكان هناك ثلاثةٌ من القراصنة المسلحين واقفين وظهرهم إلى «أحمد» وبخفَّة انقضَّ «أحمد» على أولهم وأطبق عليه من الخلف بذراعه … والتفتَ الآخران بسرعة وهما يُطلقان الرصاص على «أحمد» ولكن رصاصاتهم أصابَت زميلهم، وقفز «أحمد» من خلف القرصان المصاب وبضربة مزدوجة أطاح بالقرصانَين الآخرَين إلى الوراء وأسقطهما من سطح السفينة … واندفع «أحمد» إلى قلب السفينة واتجه في حذرٍ إلى حجرة المدافع … ولم يكن هناك أحد بداخلها … وشاهد «أحمد» أمامه عددًا من المدافع القديمة تبرز ماسورة كل منها من خلال طاقة واسعة خارج السفينة.

وكان هناك عددٌ كبير من الدانات والقنابل التي يستعملها القراصنة في مدافعهم … وأدار «أحمد» ذراعَ أحد المدافع وضبط مقدمة المدفع نحو الهدف البعيد — محطة الإرسال والاستقبال فوق الجزيرة — ووضع إحدى القنابل داخل فوهة المدفع الخلفية … وقبل أن يُشعل فتيلَها أحسَّ بحركة من الخلف فالتفت بسرعة متأهبًا للدفاع عن نفسه.

وكانت المفاجأة عندما شاهد بقية الشياطين «قيس» و«خالد» و«مصباح» كانوا قد استطاعوا التسلل إلى السفينة من الماء … وكان يبدو عليهم أنهم جاءوا لتنفيذ ما يقوم به «أحمد» بالضبط …

وابتسم «أحمد» عندما اطمأن على سلامة الشياطين الثلاثة … وأشعل الفتيل … وارتج المدفع عندما انطلقت القنبلة … وعلى البعد أصابَت القذيفةُ هدفَها بالضبط وانفجرَت محطة الإرسال … وعندما أطلق «أحمد» القنبلة الثانية لم يَعُد للمحطة وجود فوق سطح الجزيرة وتحوَّلَت إلى حطام مشتعل تناثر في كل اتجاه …

وأشعل «قيس» النار في بعض الأخشاب بداخل الغرفة وقال لرفاقه … سوف تصل إلى القنابل والدانات فتنفجر السفينة خلال خمس دقائق … هيا بنا …

وأسرع الشياطين الثلاثة يقفزون إلى الماء ويسبحون إلى الشاطئ … وكان الحظ حليف «عثمان» و«إلهام» أيضًا … فعندما أطلق «أحمد» طلقته الأولى نحو محطة الإرسال والاستقبال فوجئ القراصنة بما حدث … واندفعوا كالمجانين في كل اتجاهه … وانتهز «عثمان» الفرصة وتسلَّق الشجرة العالية وجذب الحبل الذي يربط «إلهام» وفي ثوانٍ كان الاثنان يهبطان من على الشجرة إلى الأرض … وهناك كان «ماكو» في انتظارهم وبيده قنبلة انتزع فتيلها … ثم ألقاها نحو «عثمان» و«إلهام».

ولم يكن الاثنان بحاجة إلى تحذير، وقفزَا في وقت واحد باتجاهَين مختلفَين، وانفجرَت القنبلة اليدوية في اللحظة التالية.

وقفز الاثنان واقفَين … ولكن … لم يكن ﻟ «ماكو» أيُّ أثر حولهما … واندفع بقية الشياطين نحو «إلهام» و«عثمان» وقد تسلَّحوا بمدافع القراصنة المصابين … ورفع الشياطين الستة أصابعَهم بعلامة النصر … وفي نفس اللحظة دوَّى انفجار هائل … وتحوَّلَت سفينة القراصنة إلى شظايا مشتعلة أغرقت سطح المحيط باللهب.

وهتف «قيس» تبقَّت مهمة يسيرة، وهي تنظيف الجزيرة من بقية القراصنة … واندفع الشياطين الستة في كل اتجاه وهم يُطلقون رصاصهم … وفي دقائق أنجزوا مهمتهم وسقط القراصنة جميعًا ما بين قتلى ومصابين.

وقال «أحمد»: لقد نال المجرمون عقابهم.

وتساءلَت «إلهام» في قلق: ولكن أين «ماكو»؟ لقد اختفى فهو ليس بين المصابين أو القتلى وفي نفس اللحظة تعالَى أزيزٌ بعيد أخذ يقترب من الجزيرة … كانت الطائرة الهليوكبتر التي حلَّقَت فوق الشياطين مرتين من قبل … وعندما أطلقَت الهليوكبتر صاروخًا باتجاههم أدرك الشياطين أن الطائرة تخصُّ القراصنة … قفز الشياطين في حفرة قريبة، وانفجر الصاروخ بدون أن يصيبَهم … وأطلقت الطائرة صاروخًا آخر وهي تقترب من الشاطئ … وفي نفس اللحظة ظهر «ماكو» ليتعلق بحبل ألقَته الطائرة إليه.

وهتف «خالد»: هذا المجرم … لا بد أنه استدعى الطائرة بجهاز لاسلكي صغير معه ليهرب بها من الجزيرة … ولا بد أنه كان يُخفيه فوق جزيرة أخرى احتياطيًّا.

عثمان: لا أظن أنه سيبتعد كثيرًا … ثم إن له دَينًا في عُنقي ويجب أن أردَّه إليه … وصوَّب مدفعه الرشاش نحو الطائرة وأطلقه في اللحظة التي كانت تستعد فيها للهرب بعيدًا.

وانفجرت الطائرة في الهواء … وتناثرَت محترقة بجوار بقايا سفينة القراصنة، وخفض «عثمان» سلاحه وعاد ووجهه يكتسي بتعبير هادئ.

وقال «أحمد»: لقد تحوَّلَت هذه الجزيرة إلى مقبرة. وكما ضمَّت ضحايا القراصنة في الماضي فقد ضمَّت آخر قراصنة القرن العشرين.

واقترب الشياطين من الشاطئ …

وقالت «إلهام» بأسف وهي تشاهد السفينة الشراعية الغارقة أمام الشاطئ: … من المؤسف أن سفينتنا الشراعية قد غرقت!

ضحك «عثمان» قائلًا: هل كنتِ تنوين إكمالَ عبور المحيط بها؟!

إلهام: إننا كنا نستطيع العودة بها على الأقل … نحن الآن في موقف دقيق … فليس لدينا وسيلةٌ للاتصال برقم «صفر» لإعلامه بمكاننا …

ضحك «أحمد» وقال: مَن قال إن رقم «صفر» كان غافلًا عن مكاننا … إننا ومنذ غادرنا ميناء «عدن» وعين رقم «صفر» لم تَغِب عنا أبدًا … فقد اكتشفتُ وجودَ جهاز حديث جدًّا في مؤخرة السفينة يعطي إشارات مغناطيسية … يمكن التقاطها من أي مكان … وهكذا فإن رقم «صفر» يعرف مكاننا هنا … ولكنه لم يشأِ التدخل حتى لا يُفسدَ علينا متعة العمل.

وانفجر الشياطين ضاحكين … في اللحظة التي ظهر فيها في الأفق طائرة هليوكبتر … وكان شعار الشياطين واضحًا فوق جسمها المعدني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤