تسامح عائلي

كثيرًا ما كنت أفكر: هَبْ أنني اضطررت للذهاب إلى طبيب نفسي، وأراد بطبيعة الحال أن أحكي له عن خلفيتي العائلية، فاستهللت حديثي معه بإخباره عن أخي؛ فحينها لن ينتظر حتى أكمل حديثي للنهاية، وسيأمر بإيداعي المصحة النفسية.

حكيت ما جال بخاطري لأمي فضحكت قائلة: «أنت قاسية جدًّا على هذا الولد يا فال.»

صحت قائلة: «الولد! تقصدين الرجل.»

ضحكت مرة أخرى وأومأت برأسها اعترافًا بذلك، واستطردت: «لكن تذكري، الأطفال أحباب الله.»

«كيف عرفتِ ذلك؟ حسبتك ملحدة.»

بعض الأشياء التي جعلتني مستاءة منه لم يكن له يد في حدوثها؛ فعلى سبيل المثال صادف يوم ولادته أول يوم لي في المدرسة! ويا له من توقيت! كنت خائفة وأنا وحدي، لم يكن النظام الدراسي آنذاك مثل الآن حيث يذهب الأطفال إلى الحضانة أو الروضة أولًا بضع سنوات. كنت ذاهبة إلى المدرسة لأول مرة وأنا أرى كل الأطفال الآخرين بصحبة أمهاتهم. لكن أين أمي؟ إنها في المستشفى تضع مولودها. وكان هذا مصدر إحراج لي، فحينها صاحب تلك الأمور حرج شديد.

لم يكن خطأه أنه ولد في هذا اليوم، كما لم يكن خطأه أن يتقيأ في حفل زفافي، ولك أن تتخيل، تقيأ على كل شيء؛ الأرض، والطاولة، حتى إنه وصل إلى الكعكة. لم يكن مخمورًا كما اعتقد بعض الناس، لكنه كان يعاني من أنفلونزا شديدة جدًّا، وأصابتني عدواها أنا وهارو بعد ذلك؛ كان هذا في شهر العسل! لم أسمع قبل ذلك عن أحدٍ مريض بالأنفلونزا يتقيأ بهذا الشكل على طاولة عليها مفرش من الدانتيل وعلى الشمعدانات وكعكة الزفاف. تستطيع أن تقول إن هذا سوء حظ؛ فأي شخص ربما يأتيه الشعور بالتقيؤ وهو قريب من الحمام. وأيضًا أي شخص آخر ربما يحاول قليلًا منع نفسه من التقيؤ. هذا لأن هذا الشخص الآخر ليس مميزًا مثل أخي الصغير، وهذا الشخص الآخر ليس محور الكون مثل أخي الصغير. إنه طفل بداخله، كما قال عن نفسه بعد ذلك.

لن أتحدث عما حدث بين ولادته ويوم تقيأ في حفل زفافي، باستثناء أنه كان مريضًا بالربو، مما جعله يغيب عن المدرسة أسابيع طويلة، وفي هذه الأثناء كان يقضي وقته في الاستماع إلى المسلسلات الدرامية. في بعض الأحيان عندما نعقد هدنة بيننا، أجعله يقصُّ عليَّ ما حدث في مسلسل «الأخت الكبرى» ومسلسل «طريق الحياة» وذلك المسلسل الذي تظهر فيه جيجي والأب ديفيد. كان يتمتع بذاكرة قوية جدًّا تمكِّنه من تذكُّر كل الشخصيات وسرد الأحداث بالتفاصيل المملة، ومن الجدير بالذكر أنه كان يقرأ كثيرًا في سلسلة «الأبواب لعالم الكتب»، تلك المجموعة اللطيفة التي اشترتها لنا أمي، والتي هرَّبها من البيت ذات مرة ليبيعها لتاجر الكتب المستعملة مقابل عشرة دولارات. كانت أمي دائمًا تقول إنه لو أراد أن يصبح نابغة في المدرسة لكان له ذلك، وكانت تقول: أخوكِ هذا داهية، دائمًا ما يفاجئنا بأفعاله، وهو بالفعل كذلك.

لم يَعُد يذهب إلى المدرسة نهائيًّا عندما كان بالصف العاشر، كان ذلك بسبب ضبطه ضمن مجموعة تغش، كانوا يسرقون امتحانات الرياضيات من مكتب المدرس؛ حيث كان يخدع البواب ليدعه يدخل المدرسة بعد انتهاء الدوام، بحجة أنه يعمل على مشروع خاص. هكذا كان أخي. كانت أمي تبرر ذلك بأنه يريد أن يكون محبوبًا وسط زملائه لإصابته بالربو وعدم استطاعته المشاركة في الألعاب الرياضية.

الآن، سأتحدث عن أخي بالعمل. يستحسن أولًا أن أصرِّح باسمه، إنه كام، اختصارًا لكاميرون؛ وهو الاسم الذي اختارته أمي له؛ حيث إنه يناسب اسم رئيس جامعة، أو رجل أعمال شريف من كبار رجال الأعمال (هذا ما كانت تخطط له وتتمنى حدوثه). السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يمكن أن يفعله شخص مثل أخي لكسب عيشه؟ حتى وقت قريب لم تكن الدولة تدفع إعانة لمن لا يملك المال الكافي ولا يعمل؛ لذا كان يجب على كل شخص العمل ليجد قوت يومه. استطاعت أمي أن تجد له وظيفة مرشد بالسينما، حيث كانت تعرف صاحب العمل الذي كان مديرًا للمسرح الدولي القديم بشارع بلاك ستريت. اضطر أخي إلى ترك العمل؛ لأنه يعاني فوبيا الظلام، كما قال؛ فهو يشعر أن شكل الناس الجالسين بالظلام مريب ومرعب. ظهرت مشكلته مع الظلام في عمله مرشدًا، لكن عندما يذهب إلى السينما مشاهدًا فإنه لا يشعر بأي خوف، فهو مغرم بالأفلام؛ في الواقع، كان يقضي أيامًا بأكملها في التنقل بين دور السينما؛ فيجلس بواحدة ليشاهد نفس العرض مرتين، ثم ينتقل إلى أخرى ويشاهد ما يعرض هناك كما يحلو له. من المؤكد أنه كان يفعل شيئًا يشغل به وقته، حيث كنا نعتقد جميعًا، إضافة إلى أمي، أنه يعمل بمكتب محطة حافلات جريهاوند بعدما استقال من السينما. كان يخرج صباحًا بميعاد العمل ويعود ليلًا بميعاد نهاية الدوام، ويحكي لنا عن الرجل العجوز المسئول عن المكتب، وكيف أنه حادُّ الطبع، كما يحكي لنا عن تلك المرأة العجوز منحنية الظهر التي تعمل هناك منذ عام ١٩١٩، وكيف أنها تثور ثائرتها من البنات اللاتي يمضغن اللبان. أوه، يا لها من قصة محكمة التفاصيل تنبض بالحياة تصلح لأن تكون حبكة لمسلسل درامي؛ ما لم تكتشف أمي أنه يخدعنا، كان هذا عندما اتصلت تشكو من عدم استلامه لراتبه — بسبب خطأ مطبعي في حروف اسمه، حسب قوله — وهنا اكتشفت أنه استقال في منتصف اليوم الثاني لعمله هناك.

كل ما قالته أمي تعليقًا على هذا: حسنًا، الذهاب للسينما أفضل من الجلوس في الحانات، فهو على الأقل لم يتعاطَ مع العصابات الإجرامية. سألته ما الفيلم المفضل لديه، وقال إنه «سبع عرائس لسبعة إخوة»، ثم قالت لي معقبة: أرأيتِ؟ إنه يحب الحياة في الهواء الطلق، فهو لم يُخلَق للجلوس على مكتب. لذا أرسلَتْه للعمل لدى بعض أقاربها الذين يمتلكون مزرعة في فرايز فالي. ومن الجدير بالذكر هنا أن والدي أنا وكام متوفى، كان متوفى في الوقت الذي كان كام فيه مصابًا بالربو ويجلس بالبيت ليستمع إلى المسلسلات الدرامية. وفي الواقع لم تشكِّل وفاته فارقًا كبيرًا في حياتنا؛ فقد اعتدنا غيابه الدائم بسبب عمله محصلًا لشركة الغاز والكهرباء، عندما بدأت نشاطها في سكواميش، كما عاش لبعض الوقت في ليلويت. فلم يتغيَّر أي شيء؛ حيث كانت أمي تذهب إلى عملها عند آل إيتون كما كانت قبل ذلك دائمًا، كانت تذهب بالمعديَّة ثم تستقلُّ الحافلة؛ وبينما كنت أحضِّر أنا العشاء، كانت هي تصعد التل في تثاقل في ظلمة الشتاء.

رحل كام من المزرعة بزعم أن أقارب أمي كانوا متدينين جدًّا، وكانوا دائمًا يحاولون إجباره على التجاوب معهم في هذا، وتفهَّمت أمي مشكلته، فهي التي قامت بتربيته ليكون صاحب رأي. سافر بعد ذلك متطفلًا إلى الشرق، وكان يرسل لنا خطابًا من آنٍ لآخر. ذات مرة طلب أموالًا حيث عُرض عليه عمل في كيبيك إذا استطاع الحصول على المال للذهاب إلى هناك، فأرسلت له أمي المال. وكتب إلينا يخبرنا بأنه بدأ العمل، لكنه لم يَرُدَّ المال. لقد أنشأ هو واثنين من أصدقائه مزرعة للديوك الرومي؛ وأرسلوا لنا خطط دراسة الجدوى والمقايسات، وكان من المفترض أن يعملوا لحساب شركة بيورينا، ومن ثم لن يكون هناك مجال للخسارة. بعدما أرسلت أمي له المال — وأرسلنا له نحن أيضًا رغم إدراكنا أن هذا ليس قرارًا حكيمًا — علمنا بأن الديوك قد غرقت جميعًا جراء الفيضان. قالت أمي إن أي مكان يحل هذا الولد به يتحول لكارثة. وإذا قرأت عما حدث في قصة من القصص فلن تصدقها. وعلى قدر ما هو أمر فظيع فإنه مضحك في ذات الوقت.

كانت أمي على علم بذلك. اعتدت زيارتها كل أربعاء — يوم عطلتها — ذاهبة إليها أدفع عربة الأطفال وبها كارين، ثم وبها تومي حيث أصبحت كارين تسير على قدميها وتمشي إلى جواري، وكنا نتخذ طريق لونسدال، وطريق كينجز رود وصولًا إليها. تُرى ما الذي كنا نتحدث عنه طوال الوقت؟ كانت أمي تقول: سأترك هذا الصبي، بالتأكيد سأتخلى عنه في يوم من الأيام. وتساءلتْ: إلى متى سيظل يعتمد عليَّ في كل شيء؟ لم أنبس ببنت شفة بشأن هذا الموضوع؛ فهي أولًا وأخيرًا تعلم رأيي فيه تمامًا، وكل مرة تنهي حديثها عنه قائلة: «مع ذلك فهو رفيق جيد بالمنزل، وصحبته لطيفة، فهو يجعلني دائمًا أضحك.»

أو تقول: «مسكين؛ لديه الكثير من المشاكل التي يصارعها؛ فهو يتيم الأب، ويعاني من الربو، هذا الولد لم يقصد في أي وقت أن يجرح مشاعر أحدٍ.»

وقالت ذات مرة: «الشيء الحسن الذي فعله في حياته هو تلك الفتاة، يمكنك أن تقولي إنها نقطة تحوُّل في حياته.»

كانت تقصد تلك الفتاة التي أتت إلينا قائلة إنها خُطبت إليه في هاميلتون، أونتاريو، واستمرت هذه الخطبة إلى أن قال لها إنه لا يمكن أن يتمم الزفاف؛ لأنه يعاني مرضًا وراثيًّا قاتلًا بكليته. أرسل لها خطابًا بهذا؛ فأتت لتطمئن عليه وتخبره أن هذا لا يهم. كان جمالها معقولًا، وكانت تعمل في شركة بيل للهواتف. قالت لها أمي إنه حاك تلك الكذبة البيضاء لكيلا يجرح مشاعرها بأنه لن يتزوجها، في حين قلت إن هذا لطف كبير منها أن تتحمل الوقوف بجانبه بقية حياته.

كانت هذه الفتاة ستسهل علينا الأمور قليلًا.

لكن كان هذا ماضيًا وذهب، ونحن أبناء اليوم، وكما نعرف جميعًا لا شيء يبقى على حاله. أصبحت الأمور أيسر بالنسبة لكام؛ حيث استقر بالمنزل مدة عام ونصف، بدأ شعره يتساقط من الأمام؛ ليس غريبًا على رجل بسن الرابعة والثلاثين، وبدأ اللون الرمادي ينتشر في شعره الأشعث. كان يرتدي ثوبًا بني اللون ذا خامة قاسية؛ يخيل لي أنه مصنوع من الخيش (سألت هارو إن كانت ملابسه من الخيش)، كان يعلق على صدره كل أنواع السلاسل، والميداليات، والصلبان، وسن الأيل أو ما شابه، وكان ينتعل صندلًا من السيور، صنعه له أحد أصدقائه. كان كام يحصل على إعانات البطالة، ولم يطلب أحدٌ منه أن يعمل، ومن ذا الذي يتجرَّأ على ذلك؟ كان إذا طُلب منه أن يكتب وظيفته فإنه يكتب قسيسًا.

هذه حقيقة! إذ كانت هناك مجموعة كاملة تضم من هم على شاكلته، ويسمون أنفسهم قسيسين، كانوا يمتلكون بيتًا في كيتسيلانو؛ حيث يمكث كام هناك أحيانًا كثيرة. كانوا في منافسة مع رابطة هير كريشنا، الفرق الوحيد أنهم لا ينشدون الترانيم، فهم يمشون مبتسمين فقط. كانت نبرة صوت كام غير محتملة؛ إذ كانت نبرة رفيعة جدًّا وناعمة وذات وتيرة واحدة، ولدى سماعي له أتمنى الوقوف بوجهه قائلة: «هناك زلزال في تشيلي، ومائتا ألف شخص لقوا حتفهم لتوِّهم هناك، وهناك قرية أخرى في فيتنام احترقت، وضربت المجاعة الهند كالعادة.» فقط لأرى هل سيظل ينشد بتلك النبرة الناعمة قائلًا: «لطيييف جدددًا، لطيييف جدددًا.» بالطبع هو لا يأكل اللحوم الآن، فكل طعامه أصبح من الحبوب الكاملة والخضراوات الورقية. ذات مرة دخل المطبخ بينما أقطع بعضًا من البنجر — وكان محرَّمًا لأنه من الخضراوات الجذرية، الخضراوات الورقية فقط هي المسموح بها لديه — فقال لي: «أتمنى لو تدركين أنك ترتكبين جريمة قتل بفعلتك هذه.»

نظرت إليه شزرًا قائلة: «كلا، لكن سأمهلك دقيقة لتخرج من هنا، وإلا ارتكبت جريمة قتل بحق.»

كما ذكرت، كان يبيت بالمنزل بعض الوقت، وقد كان موجودًا في مساء الاثنين عندما أحست أمي بإعياء شديد. كانت تتقيأ. قبل هذا بيومين كان قد أقنعها ببدء رجيم الخضراوات — كانت دائمًا تَعِده بتجربة الأمر — وكان يقنعها بأنها تتقيأ كل السموم القديمة التي اختزنتها بجسدها جراء تناول اللحوم والسكريات وغيرها. وقال لها إن هذا علامة طيبة، وإنها حينما تتقيأ كل هذا ستشعر بتحسن، لكن على العكس من ذلك؛ فقد استمرَّت في التقيؤ، ولم تشعر يومًا بأي تحسُّن. كان عليه أن يذهب، حيث يُعقد لقاؤهم الأسبوعي في مساء يوم الاثنين بمنزل القسيسين، حيث ينشدون ويشعلون البخور ويحتفلون بالقداس الأسود، على حد علمي بذلك. مكث هناك معظم الليل، وعندما عاد وجد أمي مغشيًّا عليها بالحمام.

فاتصل بي: «فال، أعتقد أنه من المستحسن أن تحضري الآن وتحاولي مساعدة أمي.»

«ماذا حدث لها؟»

«إنها ليست على ما يرام.»

«ماذا حدث لها؟ دعني أحدِّثها.»

«لا تستطيع.»

«لِمَ؟»

أقسم أنه ضحك ضحكة مكبوتة، ثم قال: «حسنًا، أخشى أنها قد رحلت.»

اتصلتُ من فوري بالإسعاف وأبلغتهم بعنوانها، وهكذا نُقلت إلى المستشفى في الخامسة صباحًا. اتصلتُ بطبيب العائلة، الذي أتى مصطحبًا الدكتور إليس بيل، أحد أفضل أطباء القلب المشهورين في المدينة، وشخَّصَا الحالة على أنها مشكلة بالقلب. ارتديت ملابسي على الفور وأيقظت هارو وأخبرته بما حدث، ثم قدت السيارة مباشرة لمستشفى لايونز جيت حيث لم يسمحوا لي بالدخول إليها قبل الساعة العاشرة؛ فقد كانت بالعناية المركزة. جلست بغرفة الانتظار، غرفة صغيرة بشعة ورطبة، بها كراسي حمراء زلقة، ذات أغطية رخيصة، ومقعد كبير مغطًّى بالحصى وأوراق الشجر البلاستيكية. جلست هناك والوقت يمر ثقيلًا، ساعة بعد ساعة، أتصفح مجلة ذا ريردز دايجيست، أقرأ صفحة الفكاهة، وأنا أفكر: هل هذا يحدث بالفعل؟ حقًّا؟ هل أمي تُحتضَر؟ الآن، خلف هذه الأبواب أمي تحتضر. لا شيء يستطيع منع هذا من الحدوث، ولا شيء يمنعني من الإحساس بالأمر بهذا الشكل. بدأتُ أفكِّر بكل تفاصيل حياة أمي منذ أن بدأتُ أعي الأشياء؛ كانت تذهب إلى العمل كل يوم، في البداية بالمعديَّة وبعد ذلك بالحافلة؛ كانت تتسوَّق بمتجر ريد آند وايت القديم قبل افتتاح سوبر ماركت سيفواي الجديد. الجديد! كان افتتاحه من خمسة عشر عامًا! كانت تذهب إلى المكتبة يومًا واحدًا بالأسبوع وتصطحبني معها، كنا نعود بالحافلة محمَّلَيْن بمجموعة ضخمة من الكتب وكيس من العنب نشتريه من السوق الصيني ليكون حلوانا. في أيام الأربعاء بعد الظهيرة، كان أطفالي صغارًا وكنت أزورها لأحتسي معها كوبًا من القهوة، وكانت هي تلف لنا السجائر على تلك الأداة العجيبة لديها. لم أكُن أظن أن تلك الأحداث هي الحياة؛ فعندما تنخرط في القيام بها، تكون مجرد أمور تقوم بها، أحداث روتينية تملأ أيامك بها، والآن عندما تفكر أن تلك الأشياء من الممكن أن تزول، حينها فقط تدرك أن تلك هي الحياة. ولكن ليس هذا ما تود حدوثه؛ أن تزول تلك الأشياء وتجد نفسك في خضم الحياة، فأنت مرتاح للكيفية التي تجري بها الأمور، لكنك تتوقع حدوث ذلك. ثم تحتضر أنت، تحتضر أمي، ويبقى كل شيء كما هو: الكراسي البلاستيكية كما هي، النباتات البلاستيكية كما هي، الحياة العادية بالخارج مع الناس الذاهبين للبقالات، والمتوجهين للمكتبة، هكذا. والآن تبدو العودة بالحافلة محملة بالكتب والعنب تستحق الرغبة فيها. يا إلهي، ليس الآن، أنا مستعدة للتضحية بأي شيء لأستعيد تلك اللحظات.

عندما سمحوا لي بالدخول لرؤيتها، كان وجهها مزرقًّا، لم تكن عيناها مغلقتين تمامًا، لكن جفونها مسبلة تاركة فرجة صغيرة لا يظهر منها إلا بياض العينين. دائمًا ما كانت تبدو مريعة عندما تخلع طقم الأسنان، على كل حال، لم تكن تسمح لنا قط بأن نراها هكذا، ولطالما حاول كام إغاظتها لكبريائها المفرط، أما الآن فلا وجود له؛ لذلك كنت أعتقد أن هذا هو شكلها دائمًا حتى عندما كانت أصغر، كانت ستبدو مثل هذا.

لم يعطوني أملًا بالمستشفى، وعندما أتى هارو نظر إليَّ وأحاط كتفي بذراعيه قائلًا بتأثر: «فال، يجب أن تكوني مستعدة لما سيحدث.» كان سليم النية، لكني لم أستطِع محادثته، إنها ليست أمه، إنه لا يستطيع تذكر أي شيء عنها. أعلم أن هذا ليس ذنبه، لكني لم أُرِد التحدث معه، لم أُرِد أن أسمعه يقول لي إنه من الأفضل أن أكون مستعدة. ذهبنا لتناول شيء في كافتيريا المستشفى.

عندئذٍ قال لي هارو: «من الأفضل أن تتصلي بكام.»

«ولِمَ؟»

«أظن أنه سيرغب في معرفة ما حدث.»

«لماذا تظن أنه سيرغب في معرفة ما حدث؟ لقد تركها وحدها مريضة ليلة أمس، ولم يخطر بباله حتى أن يطلب لها الإسعاف عندما وجدها بحالتها هذه هذا الصباح.»

«في كل الأحوال أعتقد أن من حقه أن يعرف أين هي، أعتقد أنك يجب أن تخبريه حتى يأتي.»

«قد يكون منشغلًا عنا الآن؛ لأنه يجهز لجنازة تليق بجماعته من الهيبيين.»

استطاع هارو إقناعي كالعادة، فذهبت مجبرة لمهاتفته، اتصلت ولم يَرُدَّ أحدٌ، شعرت براحة لأني اتصلت، وبذلك بررت ما كنت أقوله بشأن عدم وجود كام إلى جوارنا. فعدت مكاني أنتظر وحدي.

حوالي الساعة السابعة ذلك المساء ظهر كام، لم يكن وحده؛ فقد أحضر معه زمرة من القسيسين زملائه، أعتقد أنهم من نفس المنزل. كانوا جميعًا يرتدون نفس الثياب، تلك الجلاليب البنية المصنوعة من الخيش، وتلك السلاسل، والصلبان، والأدوات المقدسة، وكانوا جميعهم طوال الشعر. كانوا يبدون جميعًا في عمر أصغر من كام، ما عدا رجلًا واحدًا، كان عجوزًا جدًّا، شعره مجعد، ولديه لحية رمادية مموجة، وكان حافي القدمين — في شهر مارس — وبلا أسنان. أعتقد أنهم التقطوه من جيش الخلاص وألبسوه تلك الثياب؛ لأنهم احتاجوا إلى رجل عجوز لجلب الحظ، أو لأنه يمنحهم قدرًا أكبر من القدسية، أو شيئًا كهذا.

قال كام: «هذه أختي، فال. هذا الأخ مايكل، الأخ جون، وهذا الأخ لويس.» قدمهم إليَّ جميعًا.

«لم يَقُل أحدهم شيئًا يبعث على الأمل يا كام، إنها تحتضر.»

قال كام بابتسامته الخفية: «نأمل ألا يكون الأمر هكذا، لقد قضينا اليوم كله نعمل من أجلها.»

قلت متسائلة: «أتقصد تصلون؟»

«إن كلمة «نعمل» تصف ما نفعله أفضل من كلمة «نصلي»، هذا إذا كنتِ تدركين ما نفعل.»

حسنًا، بالطبع لن أدرك، فظللت صامتة، في حين استطرد: «ما الصلاة الحقة إلا عمل. صدقيني.» فابتسموا لي جميعًا نفس ابتسامته في ذات الوقت. لم يستطِع أحدهم الوقوف ثابتًا بمكانه، كانوا مثل الأطفال عندما يودون قضاء حاجتهم؛ فهم يهتزون ويميلون يمنة ويسرة بخطوات صغيرة مضطربة.

أضاف كام بنبرة عملية: «والآن أين غرفتها؟»

لم أفكر في شيء إلا أن أمي تحتضر بغرفتها، ومن تلك الفرجة الصغيرة بين جفونها — من يدري، لعلها ترى من حين لآخر — ربما تفتح عينيها لترى ذلك الحشد من الشياطين يقيمون الصلوات حول سريرها. فقدت أمي إيمانها المسيحي منذ أن كانت في الثالثة عشرة من عمرها وانضمت للكنيسة الوحدانية، ثم تحولت عنها لاحقًا عندما انقسموا حول شطب اسم الله من الترانيم (كانت هي مؤيدة لذلك)، أقول إذا رأتهم أمي فستقضي الدقائق الأولى من وعيها في محاولة فهم ما يجري، ربما تعتقد أنها عادت بالتاريخ إلى العصور التي يتقافز فيها المختلون أثناء إقامة مراسمهم الجنونية، وتحاول جاهدة تنظيم شتات آخر أفكارها العقلانية وسط ما يفعلونه.

أحمد الله أن الممرضة رفضت دخولهم، وأرسلوا في طلب الطبيب المقيم الذي أجاب بالرفض أيضًا. لم يُصِرَّ كام على الدخول، بل ابتسم وأومأ برأسه لهم كأنه إيذان لهم ببدء شيء ما، بعد ذلك عاد بجماعته إلى غرفة الانتظار، أمام عيني مباشرة، وبدءوا مراسمهم. وضعوا الرجل العجوز بالمنتصف، وبدوره أحنى رأسه وأغمض عينيه — وكان عليهم أن ينقروه ليذكروه بما عليه فعله — ثم جلسوا جميعهم القرفصاء في دائرة غير منتظمة، ووجوههم للداخل والخارج بالتعاقب. بعد ذلك أغمضوا أعينهم، وبدءوا في التمايل للأمام والخلف، ينوحون بكلمات بأصوات ناعمة جدًّا، لكن ليس جميعهم يقولون نفس الكلام، فكما يبدو، كلٌّ منهم يردد كلمات مختلفة عن أخيه، ولم تكن الإنجليزية هي اللغة التي ينوحون بها؛ إذ بدا أنها اللغة السواحلية، أو السنسكريتية أو شيء من هذا القبيل. بدأت أصواتهم تعلو بالتدريج، ثم وقفوا وارتفعت أصواتهم بالغناء بوتيرة واحدة، عدا الرجل العجوز، ظل جالسًا وبدا كأنه قد نام، بدءوا يرقصون في هرج، ويصفقون بأيديهم، لكن ليس على نحو متزامن. ظلوا بهذه الحالة فترة طويلة، ومع أن الجلبة التي يحدثونها لم يكن صوتها عاليًا بشدة، فإنها استرعت انتباه الممرضات ومعاونيهن، وبعض الناس القليلين المنتظرين مثلي. نظر إليهم الجميع ولم يَعِ أحدٌ ما يحدث؛ فقد كان بحق شيئًا لا يصدقه عقل، فعلًا جنونيًّا جدًّا، بغرفة الانتظار الصغيرة تلك. كل الموجودين كانوا يحدقون كأنهم نائمون ويحلمون بشيء ما يتوقعون الإفاقة منه بين لحظة أو أخرى، ثم أتت ممرضة خارجة من العناية المركزة قائلة: «غير مسموح بكل هذا الإزعاج هنا، ماذا تظنون أنكم فاعلون؟»

ثم أمسكت بواحد منهم من كتفه وهزته؛ إذ ما كانت لتسترعي انتباه أحدهم دون ذلك، أو توقفه عما يفعل.

قال لها: «نحن نعمل لمساعدة امرأة مريضة جدًّا.»

«لا أدري ما الذي تدَّعي أنه عمل، لكنك لا تساعد أحدًا بذلك. الآن أطلب منك ومن أعوانك الانصراف من هنا. معذرة، أنا لا أطلب، بل آمرك.»

«أنت مخطئة إذا كنتِ تظنين أن صوتنا من الممكن أن يضر أو يزعج أحدًا هنا، فهذه الشعيرة معدة خصوصًا لتُلقى بطبقة صوت تصل العقل الباطن وتريح صاحبه، وتستخرج الأعمال الشيطانية التي أودت به إلى هنا، من جسده. إنها شعيرة تمارس منذ خمسة آلاف عام.»

قالت الممرضة، وقد اتسعت حدقتا عينيها عن آخرهما من فرط الدهشة: «يا إلهي! مَن هؤلاء الناس؟»

اضطررت أن أُعلِمها أن هذا أخي، ومن معه يمكنك أن تسميهم أصدقاءه، وأنا لا دخل لي بالشعيرة التي يمارسونها، أنا أريد أن أسأل عن أمي، إذا كان هناك تغيُّر بحالتها.

قالت: «لا يوجد تغير.» ثم سألت: «ما الذي يمكننا فعله لنخرجهم من هنا؟»

قال أحد الممرضين: «افتحي خرطوم الماء عليهم.» وطوال هذا الوقت لم يتوقف الرقص أو الطقس الجاري أبدًا، أما الشخص الذي توقف للحظات ليشرح للممرضة ما يفعلونه فقد عاد مرة أخرى لموقعه بالرقص. فاستأنفت حديثي للممرضة: «سوف أتصل لأطمئن على حالتها، سأذهب إلى المنزل لبعض الوقت.» خرجت من المستشفى، وفوجئت حينما وجدت أن الظلام قد حل، واكتشفت أني مكثت هنا يومًا كاملًا، من ليلة إلى الليلة التي تليها. وقفت في ساحة الانتظار وبدأت أبكي، وقلت لنفسي، كام حوَّل المستشفى إلى سيرك لمصلحته، وقلتها بصوت عالٍ عندما عدت إلى المنزل.

أعدَّ لي هارو مشروبًا.

قلت: «أمام كام فرصة كبيرة للشهرة، سيصبح مادة خصبة للصحف.»

اتصل هارو بالمستشفى، ليستقصي عن أخبار جديدة، لكن لم يكن هناك جديد: «هل وجدتم صعوبة في إقناع هؤلاء الشباب بترك غرفة الانتظار؟ هل رحلوا بهدوء؟» هارو يكبرني بعشر سنوات، رجل رصين، وصبور جدًّا مع كل الناس. كنت أحيانًا أعتقد أنه يعطي كام نقودًا لا أعلم عنها شيئًا.

قال لي: «لقد رحلوا بهدوء. لا تقلقي بشأن الصحف، وخذي قسطًا من النوم.»

لم أقصد أن أنام على الأريكة، ولكن هذا ما حدث، بعد اليوم الطويل وبعد الشراب. استيقظت على صوت جرس الهاتف، ورأيت نور الصباح ينفذ من الشباك ليضيء الحجرة. تعثرت في طريقي إلى المطبخ، أجرُّ خلفي البطانية التي وضعها هارو عليَّ. استرقت نظرة على ساعة الحائط، وجدتها السادسة إلا الربع. كل ما خطر في بالي أنها قد توفيت.

كان على الهاتف طبيبها الخاص.

قال إن لديه أخبارًا مبشرة بالخير؛ فقد تحسنت كثيرًا ذاك الصباح عن أمس.

سحبت كرسيًّا ليسقط جسمي عليه، وارتميت بيديَّ ورأسي على منضدة المطبخ لألتقط أنفاسي. رفعت سماعة الهاتف مرة أخرى لأسمعه يقول إنها ما زالت بحالة حرجة، وأن الثماني والأربعين ساعة القادمة هي ساعات الحسم، التي ستحدد وضعها بالضبط، وقد أرادني فقط أن أعرف أنها تستجيب للعلاج مبدئيًّا، دون أن أرفع سقف آمالي. قال إن هذا تطوُّر مفاجئ، نظرًا لوصولها المستشفى بحالة متأخرة جدًّا، وأن ما فعلوه لمساعدتها في البداية بدا أنه غير ذي تأثير كبير، إلا أن تجاوزها الساعات الأولى كان بالتأكيد علامة مبشرة. جال بخاطري أنه لم يعلمني أحدٌ بالأمس عن تلك العلامة المبشرة.

جلست مدة ساعة على الأقل بعدما أغلقت الخط، أعددت كوبًا من القهوة سريعة التحضير، كانت يداي ترتعشان لدرجة أني صببت الماء في الفنجان بصعوبة، ولم أستطِع بعد ذلك رفعه إلى فمي، فتركته حتى برد. أخيرًا أتى هارو مرتديًا منامته، ألقى عليَّ نظرة سريعة وقال: «على رسلك يا فال، هل توفيت؟»

«كلا، بل أصبحت أفضل إلى حدٍّ ما، إنها تستجيب للعلاج.»

«لكن منظرك يوحي بالعكس.»

«كل ما هنالك أني مندهشة.»

«لم أكن لأراهن على نجاتها أمس.»

«أعرف، أنا أيضًا لا أصدق.»

قال هارو: «إنه التوتر، أعلم ذلك؛ فقد هيأتِ نفسك لحدوث شيء سيئ، وعندما لم يحدث شعرت بذلك الإحساس الغريب، لم تشعري بالسعادة لدى سماعك لهذا، هذا الإحساس يشبه خيبة الأمل تقريبًا.»

خيبة الأمل! ظل معنى تلك الكلمة يلازمني. كنت سعيدة بحق، وممتنة، لكن بأعماقي كنت أفكر، فبعد كل ذلك لم يتسبب كام في قتلها، بإهماله وجنونه وتجاهله لها، هو لم يقتلها، بل أنا كنت أقتلها! نعم كنت أقتلها. شعرت بأسى كبير يعتري جزءًا مني عندما اكتشفت أن تلك هي الحقيقة. أعلم أن هارو يدرك ذلك، لكنه لن يتحدث معي أبدًا بهذا. هذه هي الحقيقة التي صدمتني، وجعلتني لا أكفُّ عن الارتعاش على هذا النحو؛ لا علاقة للأمر بأن أمي ستموت أو ستكتب لها النجاة، بل بما عرفته عن حقيقتي بجلاء.

تحسَّنت أمي، نجت من وعكتها، وبعدما استعادت قواها، لم تنتكس مرة أخرى. ظلت بالمستشفى ثلاثة أسابيع، ثم عادت إلى المنزل واستمرت بفترة نقاهة ثلاثة أسابيع أخرى، ثم عادت إلى العمل، وأنقصت من عدد ساعات عملها؛ حيث أصبحت تعمل من العاشرة حتى الرابعة، بدلًا من الدوام الكامل؛ ما يُطلق عليه دوام ربات البيوت. ومن حينها أخذت تحكي لكل الناس عن كام وأصدقائه عندما أتوا للمستشفى، كانت تقول أشياء من قبيل: «حسنًا، لم ينجح ابني في أي شيء إلا أنه يمتلك موهبة لإنقاذ الأرواح، يجب على المرء الاعتراف بذلك.» أو تقول: «ربما يجب على كام العمل بمجال المعجزات، فما فعله معي معجزة بكل تأكيد.» أما كام فكان يقول حينئذٍ، كما يقول الآن، إنه غير مطمئن تمامًا لهذا الدين؛ فقد سئم من هؤلاء القساوسة، وسئم من عدم أكله اللحوم، والخضراوات الجذرية. كان يقول إنها مرحلة في حياته، وإنها تجربة سعد بخوضها، وكانت مرحلة لاستكشاف الذات. ذات يوم عندما كنت بالمنزل وجدته يقيس حُلة من ملابسه القديمة وربطة عنق، قال إنه سيجرب الالتحاق ببعض دورات تعليم الكبار؛ إذ يفكر في أن يصبح محاسبًا.

كنت أنا نفسي أفكر كيف أنني تغيرت، وأنني أصبحت إنسانة مختلفة تمامًا عما كنت عليه، كنت بالفعل أتأمل ذلك، قرأت كتابًا اسمه «فن الحب»، وأثناء قراءتي له بدأت الأمور تتكشف لي أوضح، لكن بعد فترة من قراءتي له عدت كما كنت تقريبًا. كان هارو يقول لي على كل حال ما الذي اقترفه كام ليجرحك بهذا الشكل، وكيف أنني صرت أفضل حالًا منه بعد ما مررت بذلك الإحساس في الليلة التي كُتبت فيها النجاة لأمي ولم تمُت! قطعت وعدًا على نفسي أني سأحاول. ذهبت إليهم ذات يوم، وأحضرت لهم كعكة مخبوزة — التي يأكلها كام الآن بسعادة غامرة مثل أي شخص آخر — فسمعت أصواتهم في الفناء؛ إنه الصيف حيث يحبون الجلوس تحت الشمس، وسمعت أمي تقول لأحد الزائرين: «أوه، كنت على وشك أن ألقى نحبي، ثم أتى كام، ذلك المعتوه، أتى ليرقص أمام الباب مع أصدقائه المجانين …»

زمجر كام قائلًا: «يا إلهي، كم مرة أقول لك يا امرأة إنهم أعضاء رابطة قديمة مقدسة.» لكن يمكن القول إنه لم يَعُد يبالي الآن.

كان لديَّ إحساس غريب، كنت أشعر كمن يمشي على الجمر ويجرب تعويذة كي لا يحترق بلهيب النار.

التسامح العائلي هو لغز بالنسبة لي، كيف يتحقق وكيف يستمر؟ لا علم لي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤