تصدير
وإزاء هذا الكم الهائل من المادة العلمية المتاحة عدلتُ عن محاولة تلخيص ما جاء فيها — كلها أو بعضها — أو حتى عن عرض أهم تياراتها في هذا التصدير، اكتفاءً بما فعله غيري، فليس التصدير المكان المناسب للعرض أو التلخيص، لكنني سوف أتناول فيه مسألتَين مهمَّتَين؛ الأولى هي: من هو «إدوارد سعيد» (لمن لا يعرفه من القراء العرب، ومن الشباب خصوصًا)، والثانية هي: لماذا أُقدِّم الآن ترجمة جديدة وبين أيدينا الترجمة المشهورة التي قدمها كمال أبو ديب منذ ربع قرن؟ وسوف أبدأ بالإجابة عن السؤال الثاني؛ لأنه الأصعب وإن لم يكن الأهم.
قلت في مطلع التصدير إن هذه ترجمة للطبعة الثانية المزيدة الصادرة عام ١٩٩٥م، وفيها يُضيف «إدوارد سعيد» فصلًا كاملًا — أسميتُه تذييلًا — عن وَقْع كتاب: «الاستشراق» في العالم الغربي وغير الغربي معًا، ويُعيد النظر في بعض المسائل التي رأى أنها تحتاج إلى إعادة نظر، ويردُّ فيها على بعض نقَّاده وما تعرض له كتاب «الاستشراق» من قبول أو رفض، في الغرب خصوصًا، بعد انقضاء أكثر من خمسة عشر عامًا على نشر الطبعة الأولى، وهذا في ذاته مبررٌ كافٍ لتقديم الكتاب «الجديد» للقارئ العربي، ولكنه ليس المبرر الوحيد. فالواقع أن اللغة العربية المعاصرة التي نترجم بها الكتب الأجنبية لغةً حية متطورة ما تفتأ تتغير، ولقد شهدَت هذه اللغة من التغيرات في ربع القرن الماضي ما لم تشهده على مدار ما يقرب من قرن كامل، وأكاد أقول منذ «أحمد فارس الشدياق»، صاحب: «الجوائب»؛ المجلة التي كان يُصدرها في النصف الأخير من القرن التاسع عشر ويُقدِّم فيها الترجمات الجديدة للمصطلحات الحديثة التي أصبحت اليوم على أفواه الجميع. ففي الربع الأخير من القرن العشرين اعترف العالم بأن اللغة العربية لغة عالمية وأصبحت من اللغات الأساسية (الست) في الأمم المتحدة، وانتشرَت المصطلحات الجديدة؛ إما عن طريق التعريب أو عن طريق الترجمة، ودأب أرباب اللغة العربية على تنقيحها وتشذيبها وإشاعتها، وساهمت الصحافة في ذلك الجهد حتى وصلنا إلى ما يقرب من ثبات معاني المصطلحات الجديدة في العربية التي تُثبِت يومًا بعد يوم مدى حيويَّتِها وطواعيتها وسلاستها وقدرتها على الإبداع والتجديد. ولا شك أن مولد مصطلح جديد — أي مصطلح جديد — ليس يسيرًا في كل الأحوال؛ فالمتخصصون يجتهدون ويطرحون ما يرونه على الجمهور، فإن قَبِله اللسان، وقَبِلَته الأُذُن، شاع واستقر، ولم يَعُد عليه خلاف، وهذا جهدٌ قد يستغرق سنوات طويلة في كل الأحوال وفي كل لغات العالم، وكذلك في اللغة العربية، بطبيعة الحال، ولكن سرعة التغير في ربع القرن الأخير كانت غيرَ مسبوقة، سواء في أحداث العالم من حولنا أو في فنون الترجمة والتعريب واللغة العربية المعاصرة، ولن أُفيض في هذا الحديث الذي خُصِّصت له كتبًا كاملة في الفترة من ١٩٩٣م (تاريخ صدور الطبعة الأولى لفن الترجمة) إلى ٢٠٠٣م (تاريخ صدور نظريات الترجمة الحديثة) كما تناولتُه تفصيلًا في الفصول الأولى من كتابي: «المصطلحات الأدبية الحديثة» ١٩٩٦م، فكل ما أريد أن أقوله هو أن لدينا الآن، بفضل جهود العلماء العرب على امتداد الوطن العربي، لغة عربية معاصرة تتميز بالوضوح والمرونة وثبات المعاني الجديدة.
وهكذا، فإذا كان من حقِّ كلِّ عصر أن «يقرأ» فكرَ «الماضي» وآدابه على ضوء مفاهيمه الجديدة المعاصرة، وكان من حقِّ العربي أن «يقرأ» ما آل إليه من «السلف» على ضوء مفاهيمه الجديدة التي يتوسَّل فيها باللغة العربية المعاصرة، فإن من حق العربي أيضًا أن يُعيد ترجمةَ الآثار الفكرية والأدبية المهمة إلى هذه اللغة المعاصرة، وإذا كان ذلك لا يُرى بوضوح في الماضي إلا فيما بين «العصور» المتفاوتة، بسبب «بطء» التغير فيما بين تلك العصور في العالم العربي وفي الوطن العربي، فإنه يُرَى الآن بوضوح ما بين الأجيال التي قد لا يزيد عمرها من الزاوية الزمنية الصرفة عن ربع قرن، بسبب سرعة التحولات التي شهدها العالم الحديث وشهدَتها العربية المعاصرة. وأذكر أنني قلت ذات مرة إنَّ من حقِّ كلِّ جيل أن يُترجم آثار «الماضي» إلى لغةٍ يفهمها أبناء العصر، وكان تعريف «الماضي» ينحصر يومًا ما في الأزمنة السحيقة، ولكنه أصبح يشمل الآن أعمالًا لم يمضِ عليها سوى نصف قرن أو ربع قرن.
بدأتُ اهتمامي بترجمة «إدوارد سعيد»، بعد ترجماتي ﻟ «شيكسبير وميلتون وبايرون» في الأعوام الأربعة الأخيرة، بكتاب يمثِّل الفترة الأسلوبية «الصعبة» عند «إدوارد سعيد»، وهو: «تغطية الإسلام» في عام ٢٠٠٥م، وأردفتُه بكتاب أيسر أسلوبًا، ويمثِّل مرحلةً لاحقة لدى هذا الكاتب الكبير، هو «المثقف والسلطة»، وعندما أقبل القراء العرب على ترجمتي لهما وتقبَّلوهما بقبول حسن، أحسستُ أنني وجدت السبيل الصحيح «لمعالجة» «الاستشراق»، فتوفرتُ على ترجمته بإخلاص ودأب، مؤمنًا بأنني أُخاطب القارئ العربي اليوم، وأن مهمَّتي تنحصر في أمرين: الأول هو النقل الواضح لأفكار «إدوارد سعيد»، مهما كلَّفني ذلك الوضوح من عناء في إعادة صوغ بعض التراكيب الخاصة باللغة الإنجليزية حتى تستسيغَها الأُذُن العربية، والثاني هو الحفاظ — في حدود أعراف الفصحى المعاصرة — على السمات المميزة لأسلوب «إدوارد سعيد»، وهي التي ألمحتُ إليها بإيجاز في الفقرة السابقة؛ حتى يظلَّ أسلوب الكاتب علَمًا عليه بالعربية، مثلما هو علَمٌ عليه بالإنجليزية، وهما أمران متلازمان.
وبهذا كلِّه أرمي إلى أن تتمتع هذه الترجمةُ بقدر لا بأس به من الوضوح، على ما أُراعيه فيها من التزام الدقة إلى أقصى حدٍّ ممكن، ولم يكن هذا أو ذاك بإمكاني قبل فترة التدريب على ترجمة أسلوب «إدوارد سعيد» في الكتابَين اللذَين ذكرتهما، وبطبيعة الحال قبل أن تتوافر في اللغة العربية المعاصرة ما تزخر به اليوم من المصطلحات العلمية العربية الجديدة. وأما إذا كانت دقة التعبير عن فكرة معقدة عند الكاتب تقتضي بناءً عربيًّا لا يتمتع بالوضوح الكامل، فقد تحايلتُ على البناء — في سبيل الدقة والوضوح — حتى آتيَ بالمعنى المقصود بأسلوب آخر، وفي هذا ما فيه من عنَتٍ، ولكن الدقة العلمية هدفٌ نبيل، وتحقيقُه مطلوبٌ بأيِّ سبيل وبأيِّ أسلوب، ولو اقتضى ذلك التضحيةَ ببعض خصائص الأسلوب الأصلي. فأنا أرى في الكتاب فائدةً متجددة، خصوصًا في الأيام التي اشتدَّ فيها ساعدُ «العولمة» وكَثُر فيها الحديث عن «صدام الحضارات»، كما يقول «إدوارد سعيد» نفسه في الفصل الذي أضافه في هذا الكتاب.
وأما لماذا أكلف نفسي هذا الجهد في ترجمة كتب «إدوارد سعيد» فالواقع أنني أرى أنه جدير به بل بالمزيد؛ لأنه من القلائل، إن لم يكن الكاتب الوحيد الذي خاطب الغرب بلغته ومنهجه العلمي الحديث، فكشف الغطاء عمَّا يتخفَّى بقناع الثقافة والدراسة العلمية من مواقف سياسية لا ترمي إلا إلى تحقيقِ مطامعَ أو مصالحَ ماديةٍ صرفة، وبهذا ساهم في توطيد الهيكل الحالي لما يسمَّى ﺑ «النقد الثقافي» أو المدخل الثقافي في النقد الأدبي، وهو الذي يربط بين الأدب والكتابة والدرس بصفة عامة، وبين النزعات البشرية المنحطة التي يدينها الغربيون بألسنتهم ويؤيدونها في قلوبهم وأفعالهم حتى العصر الحالي بل حتى هذه اللحظة؛ مثل النزعة العنصرية، والتعصُّب العِرقي تحديدًا، ومثل الأطماع المادية الاستعمارية القائمة على الجشع المحض، ومثل نشدان التسلُّط والسلطان لذاته، وهو ما يتجلَّى في بناء الإمبراطوريات؛ أي الإمبريالية، وما إلى ذلك بسبيل.
وأما مَن هو «إدوارد سعيد» لمن لا يعرفه؛ فهو مفكر وناقد أدبي «أمريكي» من أصل عربي، وُلد في القدس، في فلسطين عام ١٩٣٥م، وتُوفي في أمريكا عام ٢٠٠٣م، والتحق في مطلع حياته بالمدارس الابتدائية والثانوية في القدس وفي القاهرة، ثم تخصَّص في الأدب الإنجليزي في جامعة برنستون الأمريكية عام ١٩٥٧م، وحصل على الماجستير من جامعة هارفارد في عام ١٩٦٠م، وعلى الدكتوراه من الجامعة نفسها عام ١٩٦٤م؛ حيث فاز بجائزة أفضل ناقد فلفتَ الأنظار إليه، وبدأ حياته العملية أستاذًا يتنقل بين الجامعات الأمريكية الكبرى حتى استقر به المقام في جامعة كولمبيا أستاذًا للغة الإنجليزية وآدابها وللأدب المقارن. وعندما نشر كتابه الأول عن الروائي «جوزيف كونراد» — الذي كان صورةً معدَّلة لرسالة الدكتوراه التي قدَّمها للجامعة — كان يضع قدمه على درَجِ المجد، وكان ذلك في عام ١٩٦٦م؛ إذ أدرك «المجتمع الأكاديمي» في أمريكا وأوروبا أن ناقدًا «أصيلًا» قد ظهر، واستجاب له ذلك المجتمع؛ فبدأ يمارس الكتابة التي تُخاطب غيرَ الأكاديميِّين أيضًا إلى جانب الأكاديميِّين، وبدأ يحظَى بالإعجاب، وبدأَت كُتُبه تفوز بالجوائز، وهو ما أكسب آراءَه مصداقيةً وحقَّق لها الذيوع وانتشار التأثير، وخصوصًا بعدما عَمِل واعيًا في مطلع السبعينيات على تدعيم ركائز المذهب الذي أصبح يرتبط باسمه وهو «النقد الثقافي».
ولكن «إدوارد سعيد» لا يركز هنا على النظرية البنيوية بل يستفيد منها وحسب في وضع منهج خاص به، تأثر فيه (باعترافه) بالفيلسوف «جامباتستا فيكو»، فهو يبني منهجه على أساس التعارض والتكامل معًا بين ما أصبح يسمَّى بالوعي و«الوعي الغاضب»؛ بمعنى أن وعيَ الفرد بذاته لا يتحقق إلا من خلال التعارض بين الذات والآخر، لكنه لا يتخذ صورته الكاملة إلا عن طريق «التكامل» مع هذا الآخر الذي يفرض نفسه عليه (إلى حدِّ «اغتصابه») وقد يكون ذلك «باحتواء» الآخر؛ أي بضمِّه إلى وَعْيه، أو بنبذه ومعاداته حتى يصبح الاثنان قطبَين متعارضَين وإن كانَا يُكملان بعضهما البعض كما تكتمل الدائرة الكهربائية عند اتصال القطب الموجب بالقطب السالب. وتركيز «سعيد» في هذا الكتاب على الوعي يربطه بمذهب «الظاهرية» أو الفينومينولوجيا الذي أرسى أُسُسَه الفيلسوف «إدموند هوسيرل»، وطوَّره الفيلسوف «مارتن هايديجر» فيما بعد. فمذهب «الظاهراتية» يُصِر على أن القصد أو العمد أساسُ كلِّ وعي إنساني، وأن الوعي لا يتحقق إلا بوجود هذا القصد أو العمد، و«إدوارد سعيد» يتوسل بهذه الفكرة في الاستشراق عندما يعرض لمواجهة الوعي الغربي مع الآخر؛ أي الشرق الذي يمثِّل وعيًا غاضبًا، فالمستشرق قد يحاول «احتواء» هذا الآخر باعتباره فرعًا منه، مثلما اعتبر بعض المستشرقين أن الإسلام صورة «منحرفة» من صور المسيحية، وبهذا «ضمُّوه» إلى الوعي الغربي، وقد يحاول نبذه ومعاداته بحيث يصبح القطب السالب الذي تكتمل به دائرة البشر «الكهربائية»!
وهكذا نرى منذ البداية أن اهتمام «إدوارد سعيد» بالفلسفة كان من وراء نظريته «التكاملية» إلى الأدب، وهي التي سوف تؤدي إلى ترسيخ مذهبه في النقد الثقافي الذي يربط ما بين الأدب باعتباره ظاهرة إنسانية تقوم على الإبداع (والتخيل) وبين حقائق الواقع والتاريخ والمجتمع والفكر الإنساني. وهو مذهب تكامليٌّ وديناميٌّ معًا، بمعنى أنه — إلى جانب الجمع بين الظواهر المختلفة في المجتمع التي يُكمل بعضها بعضًا — يُصِر على أن هذه الظواهر غيرُ ثابتة، وأنها تتحرك وتتغير وتتلون، وهي تتأثر بمسار التاريخ وفكر الإنسان مثلما تؤثِّر فيهما، ومن ثَم فإن الأدب، ما دام ظاهرةً إنسانية يرتبط بكل شيء عداه في حياة الإنسان المادية والنفسية والروحية، وهذا هو ما يجعل «البداية» عسيرةً في أيِّ منهج علمي، وهي قضية بالغة الأهمية عند «سعيد»، طرحها في كتابه الثاني «البدايات: المقصد والمنهج» الذي أصدره عام ١٩٧٥م، وعاد إليها هنا في مقدمة الاستشراق التي تعتبر استكمالًا لما جاء في ذلك الكتاب.
هذا الكتاب الثاني يعتبر «الصورة التجريدية» لمذهب سعيد الفكري، فهو كتاب يستكشف فيه «سعيد»، أو يحاول استجلاءَ بعض القضايا الخاصة بالمنهج، مستفيدًا من «النظرية الحديثة» وناقضًا لبعض جوانبها التي تتسم بالتطرف أو الغلو، فهو يصوغ نظريةً كاملة تقوم على العاملَين اللذَين ذكرتهما من قبل، وهما التكامل والدينامية، وتتضمن تطوير «التعارض الثنائي» الذي سبق أن ألمحنا إلى احتمال تأثُّره فيه بالبنيوية بحيث لا يقتصر على مفهوم التعارض الثنائي بين الذات والآخر (أو حتى بين الذات والموضوع، وهو ما يقوله الناقد الإنجليزي كولريدج إن الأديب يلغيه في لحظة الإبداع بمعنى صهر الطرفين معًا في العمل الأدبي)، بل يتعداه إلى التعارض بين كلِّ مُنشِئ أو مبدِع وبين ما سبقه، وهو ما لا بد منه حتى يستطيع المبدع أن يبدأ: إنه يشعر بانتمائه إلى الإنسان وإلى ما أبدعه الإنسان من آداب وفنون وما اختطَّه من دروب وشعاب فكرية، فيعارض هذا الانتماء بداية، وإن كان في الحقيقة يؤكد وجوده بمعارضته إياه، «فالعمد» القائم في المعارضة المبدئية يُهيئ له الوعي بالاختلاف، مهما تكن صورة ذلك الوعي، ولكن ممارسة «الاختلاف» تجعله، رغم أنفه، امتدادًا لما سبقه، فهو يُضيف إلى ما «فعله» غيره، ويعدل من صورته في الوقت نفسه في عيون أبناء جيله، حين يتكامل عملُه مع عملهم، وهو ما قال به «ت. س. إليوت» ذات يوم عن فردية الأديب وأصالته في إطار علاقته بتراث الماضي، والأديب إذن «يقلق» لتأثره بمن سبقه، وهو تأثر محتوم، فيحاول «عامدًا» أن يختلف بعد «البدايات»، ولكنه يبدأ على أي حال، ولا بد من بداية ما، مهما تكن.
ويخصص «إدوارد سعيد» في هذا الكتاب فصلًا كاملًا يُنكر فيه القول بأن عوامل «الاختلاف» و«البداية» ترجع إلى الجوانب الفنية وحدها، على نحو ما يقول «هارولد بلوم» في كتابه الذي كتبه في الوقت نفسه تقريبًا عن قلق التأثير.
وكما قال به «بلوم» عام ١٩٨٢م في كتابه عن «تنقيح» الأديب لما سبقه، بل يُرجع «إدوارد سعيد» عواملَ الاختلاف في المقام الأول إلى الجوانب الثقافية، فيخصص الفصل الذي يستعرض فيه النظرية النقدية الحديثة، ناقدًا وناقضًا ومستفيدًا، للحديث عمَّا يسمِّيه الأولويات الثقافية، وعنوان الفصل: «أوليات ثقافية: الغياب، الكتابة، البيان، الخطاب، علم الآثار، البنيوية». وهو هنا يستدرك على النظرية المذكورة بعض المسائل، ويؤكد في كلِّ محور من محاور الفصل أن الأديب يدور في فلك ثقافي أولًا ولا فكاكَ له منه، فثقافته الشخصية تؤكد أن له كيانًا مستقلًّا يُتيح له إثبات أصالته. ويبتعد «إدوارد سعيد» في هذا الفصل عن إنكار وجود «الذات» أو ما يسمَّى «بالشخصية»، وهو ما نادَت به بأعلى صوتٍ نظريةُ «ما بعد الحداثة»، ويقترب اقترابًا شديدًا من موقف «إليوت» المشار إليه، ومن موقفه الذي أصبح علَمًا عليه ويتجلَّى في الاستشراق بأنصعِ صورِه، مثلما يتجلَّى في «تغطية الإسلام» و«المثقف والسلطة» (القاهرة، ٢٠٠٥م).
ويطبِّق «إدوارد سعيد» نظريتَه المذكورة في تحليله للمستشرقين وتقسيمهم إلى فئات وفقًا لمدى «بنوتهم» لتقاليد الاستشراق ومدى اتخاذهم بداية أصيلة، حتى لو عادت بهم إلى الانتماء من زاوية أخرى. فهو لا يُدين المستشرقين جميعًا، ولكنه يُدين تقاليد الاستشراق باعتباره الإطار الفكري والثقافي العام الذي يندر أن يخرج عنه حتى ذوو الأصالة من الأدباء والمفكرين. فقد يتمتع أحد الأدباء بخيال خصب يدفعه دفعًا إلى التحليق في أجواء غير واقعية، استلهامًا لصور جديدة أو لأفكار مثيرة وما إلى ذلك، فيجد في صورة «الشرق» التي قدَّمها غيرُه من الأدباء والباحثين «الزاد» الذي يبحث عنه، فينتفع بهذا الزاد ويُضفي عليه المزيد مما يسمِّيه «كولريدج» «التلوين الخيالي»؛ فإذا قرأ غيرُه ما كتب ظن أن هذه الكتابة، بسبب «أصالتها» الظاهرة — من الزاوية الأدبية الصرفة — وقوة تأثيرها الفني تُقدِّم صورة صادقة وأمينة؛ فإذا تكاثرت أمثال هذه الكتابات أنشأت جوًّا أو مناخًا نفسيًّا أو فكريًّا معينًا لا يملك الباحث العلمي أن ينجوَ من تأثيره فيه، وإذن فنحن نرى هنا كيف «عمد» الكاتب الأول عمدًا إلى نشدان الغرابة، فتوافر في حالته «الوعي» (القائم على العمد) وتحقَّق بذلك جانب الاختيار، بمعنى أنه اختار ما يراه غريبًا وعجيبًا دون أن يلزمه شيء، فانتسب واعيًا إلى ذلك الجو أو المناخ، ونرى في حالة الباحث العلمي — الذي ينشأ في الجو أو المناخ النفسي أو الفكري الذي أوجده غيرُه — تحقيقَ جانب الانتماء (ما يسميه «سعيد» عنصر البنوة) فهو — مهما يُخلص في عمله «العلمي» — «وليد» هذا الجو، وهو يتنفس هواءه، ويشعر، شاء أم أبى، بانتمائه إليه، وهو الانتماء الذي يكاد يكون محتومًا، وهكذا دواليك؛ فالصورة الأولى أو الصور الأولى التي تمثِّل الشرق — وهي التي رسمها أوائل المستشرقين لما رأوا فيه اختلافًا صارخًا عن حياتهم، وأطلقوا عليه صفة «الشرق» العامة — كانت تقوم على مباحث فقه اللغات «الشرقية» (السامية والهندية القديمة)، وكانت تركز على الغريب والعجيب، وتلحُّ إلحاحًا شديدًا على القِدَم وبُعْد المسافة الزمنية التي تفصل أوروبا في مطلع القرن التاسع عشر عن ذلك «الشرق» (وهي التي يؤكدها بُعد المسافة الجغرافية) وقد تكون في ذاتها ذات قيمة علمية مؤكدة، ولكنها أوجدت المناخ الذي دعا المبدعين إلى اعتبارها الصورة الحقيقية الوحيدة والحاضرة أبدًا؛ أي التي تظل على قِدَمها وغرابتها وثباتها وجمودها أبدَ الدهر، وبتكاثر من تأثَّر بها من المبدعين والرحالة و«الحجاج» إلى الشرق، نشأ الجو الذي أصبح لا مفر من التأثر به بعد ذلك، حتى من بين العلماء.
وربما لم أكن أُغالي حين وصفتُ كتاب «الاستشراق» بأنه بحث في المنهج، وكنت أقصد بقولي هذا أن الكتاب يمثِّل أسلوبَ استقراء كتابات المستشرقين للكشف عمَّا يكمن فيها من مواقف ثقافية قد تتفاوت من كاتب إلى كاتب ومن عصر إلى عصر ولكنها تتميز بموقف أساسي يرجع إلى ارتباط المعرفة بالسلطة، واعتماد كلٍّ منهما على صاحبتها؛ فالسلطة بشتى أشكالها — السياسية والعسكرية والمالية بل والعلمية — تُحدِّد نوع «المعرفة» واتجاهاتها، كما أن المعرفة لازمة لقيام السلطة واستمرارها، وهو الموضوع الذي يخصِّص «إدوارد سعيد» فصلًا كاملًا له في «تغطية الإسلام» (١٩٨١م)، بعد أن اتخذه أساسًا للتمييز بين ما يسمِّيه «الاستشراق السافر» وبين «الاستشراق الكامن» في كتاب «الاستشراق»، وبعد أن عاد له في الفصل الرابع من كتابه التالي، وهو المسألة الفلسطينية (١٩٧٩م) وهكذا نجد أن «الاستشراق» الذي نُشر عام ١٩٧٨م يمثِّل واسطةَ العقد في أعمال «إدوارد سعيد»؛ لأنه يمثِّل التطبيق الكامل، والعلمي الدقيق، للمذهب التكاملي الدينامي الذي اكتشفه عند «فيكو» حين يُثبت علاقة الثقافة أو الإطار الثقافي العام بكل ما يُنتجه من أفكار وآداب إنسانية في بلد ما وفي عصر ما، فما يسمِّيه «الاستشراق الكامن» أو المستتر يشير إلى الموقف الثقافي لكلِّ مَن تعرَّض للتفكير في الشرق أو للكتابة عنه أو لاستلهامه في الأعمال الأدبية في الغرب، وهو الموقف الذي قد لا تُدركه العين للوهلة الأولى، ولكنه يحدِّد مسار الكتابة (الأدبية أو الفكرية) رغم أنف الكاتب؛ ولذلك أعتبرُه نقطةَ التحول الرئيسية لا في فكر «سعيد» أو عمله فحسب بل في مسار نظرية النقد الأدبي الحديثة، بعد أن «حرر» هذه النظرية من «المركزية الأوروبية» ومن التجريد الذي مارسه أصحابها، وخصوصًا من الفلاسفة الفرنسيِّين وأتباعهم الأمريكيِّين، ففتح الباب أمام خبرات أبناء ما يسمَّى ببلدان العالم الثالث، وبخاصة تلك التي تحرَّرت من الاستعمار، حتى يُعيدوا النظر فيما وَرِثوه من العهود الاستعمارية من «صور تمثيلية» (للعالم ولأنفسهم) وهي التي فُرضَت عليهم فرضًا وأصبحَت تمثِّل لهم طرائقَ تفكير «علمية» وليست سوى صور زائفة لأنفسهم وللعالم، وقد أعاد بعضُهم النظرَ فعلًا؛ فبدأ التشكك في عددٍ من الأفكار التي خلَّفها الاستعمار، حتى بين أفراد النخبة أو الصفوة المتعلمة، ومن بين هذه الأفكار القول بأن الاستعمار كان لازمًا «للنهوض» بهذه البلدان و«تحديثها» بمعنى مساعدتها على الأخذ بأساليب الحياة «الحديثة» سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، حتى تلحق برَكْب الحضارة، والمقصود هو الحضارة الغريبة الحديثة — بطبيعة الحال — كأنما كانت الحضارة الإنسانية مقصورةً على نسق الحياة في مجتمعات الغرب الرأسمالية وحدها، ومن بينها أيضًا ما يكمن خلف أيِّ علاقة بين أبناء أوروبا (والغرب عمومًا في وقت لاحق) وبين أبناء الشرق (على اتساعه وتنوُّعِه) من تفوُّق «جوهري» أوروبي، أي تصوُّر وجود عناصر «جوهرية» في ابن الغرب تكفل تفوقَه دومًا، حتى في المجالات الإنسانية التي لا يُقاس فيها التقدم بالقوة العسكرية أو الصناعية وحدها، مثل الأدب، ومن توابع هذه النظرة الإيحاء «بتخلف» الآداب الشرقية عمومًا عن الآداب الغربية، وهو ما يفترض تأثير ما هو «متفوق» على ما هو «مختلف» في مناهج دراسة الأدب المقارن، وما تلا ذلك من مغالطات ومبالغات في تصور هذا التأثير، بل وفي تقديم الأدب العربي نفسه إلى القرَّاء الغربيِّين، فمن وراء ذلك كلِّه يكمن الاستشراق المستتر الذي يتمثل في موقف ثقافي عام أو فلك ثقافي كبير يدور الجميع فيه.
وهكذا، وحتى لا أُرهق القارئ بالمزيد عن «إدوارد سعيد» ومنهجه — وهو الذي خصَّصتُ له النصف الثاني من هذا التصدير — أختتمُ حديثي بتبرير اقتصاري على الحديث عن المنهج؛ إن كان الأمر في حاجة إلى التبرير، فأقول إنني لن أستطيع — مهما حاولت — تلخيصَ أفكار هذا الكاتب العملاق؛ فهو يستند في كل فكرة إلى قراءات واسعة متبحرة في الفلسفة والأدب والتاريخ وغيرها من العلوم الإنسانية، وهو يقتطف من أقوال الثقات الكثير والكثير، ولا سبيل إلى إدراك مجمل أفكاره إلا بالإبحار فيها بتأنٍّ وتؤدة، فهي تمتدُّ شاسعةً كالبحر الذي لا حدود له، وأما إن شئت تلخيص المنهج في كلمة أو كلمتين، قلت إنه موقف يقوم على الإيمان المطلق بإنسانية الإنسان وقدرته على تخطِّي حدود الزمان والمكان، فهو — في كل مكان على وجه هذه الأرض — ينبض دائمًا بنبض الحرية؛ ولذلك ﻓ «إدوارد سعيد» يعجب بل ويدهش دهشةَ الشاعر (فهو في أعماقه شاعر فنان) عندما يتبيَّن خداعَ الغرب لذاته، وتنكُّرَه لما دأب على الدعوة إليه والتغنِّي به على مرِّ القرون منذ عصر النهضة الأوروبية من تمجيد لحرية الإنسان وعقله وطاقاته الإبداعية، وهو يدهش دهشةَ الشاعر أيضًا حين يلمح ما وقع فيه كبار المبدعين من تزييف لحقائق الواقع بسبب غلبة الإطار الفكري الذي أقامه كبار المستشرقين بدعوى العلم والمعرفة فأوقعوا فيه قلوبًا وعقولًا كثيرة، وهو يُعرب عن حيرته حين يجد مفكِّرًا أصيلًا مثل «كارل ماركس» يقول ما يقوله عن معاناة المستضعفين ثم ينزلق في الهوَّة الاستشراقية التي تُبارك الاستعمار. و«إدوارد سعيد» يتسم في هذا المنهج بالاتساق العلمي؛ فإذا أحسَّ أنه يوشك غضَبًا أن يقع فيما وقع فيه البعض من الشطط أو المبالغة سارع بالاستدراك؛ ولذلك يشيع في كتابته أسلوب الاستدراك، ويشيع التحرز في القول، ولن يخفَى على قارئ النص العربي ولع الكاتب بأدوات التحرز المعروفة؛ مثل «يكاد»، و«تقريبًا»، و«أظنُّ ظنًّا»، وما إلى ذلك، وأدوات الاستدراك؛ مثل «لكن»، و«لو أنه»، و«إن كان»، وما إليها، إلى جانب أسلوب المقارنة بدلًا من التعابير المطلقة. ولجوءُه إلى النسبية من دلائل التحرُّز في القول أيضًا، ومن دلائل الحرص على الحفاظ على المنهج العلمي لكتاب تدفُّ بين جوانحه روحُ إنسان أولًا، وعربي أو شرقي ثانيًا، وباحث «إنساني» في آخر المطاف.
والاتساق العلمي في المنهج يرتبط بالاتساق الفكري، كما يبيِّن «سيد البحراوي» في دراسته الشهيرة للمنهج؛ أي إن «إدوارد سعيد» يدين — إلى حدٍّ ما — في اتساق منهجه العلمي إلى الاتساق في موقفه الفكري، وهو الموقف الذي أجاد التعبير عنه في «المثقف والسلطة» (١٩٩٤م)، وسبقت لي ترجمته (القاهرة، ٢٠٠٥م)، بل إننا نلمح هذا الاتساق على درب النقد الثقافي في كتاب لا أظن أنه اجتذب قراءً كثيرين في الوطن العربي؛ لأنه يعالج الموسيقى البوليفونية، وعنوانه: «تنويعات موسيقية» (١٩٩١م)، ويعتمد فيه «سعيد» على خبرته الخاصة في العزف على البيانو فهو من المشهود لهم بالبراعة في هذا المجال، ويُعيد فيه تأكيد مذهبه الذي يقول فيه بوجود الإطار الاجتماعي المحتوم حتى لعازف البيانو الذي يتجاوز المجتمع ظاهريًّا في عزفه لكنه محكوم في الواقع بهذا المجتمع، وإن لم يكن واعيًا كلَّ الوعي بذلك. و«سعيد» يُدلِّل على صدق قضيته بأمثلة من حياة عازف البيانو الشهير والمفكر اللامع «جيرالد جولد» وغيره، وقد وصف بعضُ النقاد في الغرب هذا الكتاب بأنه يمثِّل خروجًا على مذهب «إدوارد سعيد» أو منهجه، وليس ذلك بصحيح؛ فالكتاب يلتزم بالمذهب التكاملي وإن كان يتحدث عن الموسيقى، فأنا أعرف من خبرتي الخاصة بالموسيقى — كما ذكرت في تصديري لترجمة «تغطية الإسلام» — مدى ارتباط ذلك الفن بالمجتمع وبالثقافة بصفة عامة، وذهن «إدوارد سعيد» الوقَّاد يأتي بتحليلات تجريدية مذهلة للحدود التي يتقيد بها فن الصنعة أو التقنية الخالصة، وهو يذكرنا في هذه التجريدات بطاقته على التفكير الفلسفي الذي يشيع في جوانب الاستشراق.
وفيما بين كتاب «إدوارد سعيد» عن «جوزيف كونراد» (١٩٦٦م) وبين الطبعة الثانية ﻟ «الاستشراق» ١٩٩٥م أصدر «سعيد» عدةَ كتُب عرضتُ لبعضها ولم أعرض للبعض الآخر. ومن أهم هذه الكتب كتابه الذي وطَّد بلا جدال مكانته في عالم النقد الأدبي وهو «العالم والنص والناقد» (١٩٨٣م) وهو يضم مقالات نقدية متخصصة بالغة الأهمية، ثم تأتي كتبه عن القضية الفلسطينية لا في المرتبة الثانية بل في نطاق آخر، أو قُل في الإطار الآخر الذي يطبق فيه المنهج الإنساني الذي وصفته على دراسة بعض المسائل التي كانت تعتبر سياسيةً محضة فأحالها «سعيد» إلى قضايا ثقافية سياسية؛ مثل كتاب «المسألة الفلسطينية» (١٩٧٩م)، وكتاب «سياسات السلب والتجريد: كفاح الفلسطينيين في سبيل تقرير المصير ١٩٦٩–١٩٩٤م» (١٩٩٤م)، وكتاب «القلم والسيف» (١٩٩٤م). لكنني لا أستطيع أن أخوض في الحديث عن أيٍّ من هذه الكتب في تصديري لكتاب «الاستشراق»، ولمن يريد الإلمام بمنهج هذا المفكر العظيم فيها جميعًا أن يطَّلع عليه فيما كتبه عن «المثقف والسلطة» في الكتاب الذي ترجمتُه له بهذا العنوان، بل سوف يجد المبادئ الأساسية لهذا المنهج في مقدمة المؤلف للكتاب الحالي.
ويتبقى لي في هذا التصدير أن أُعرب عن شكري وتقديري لكل مَن مدَّ لي يدَ العون في العمل بالترجمة والمراجعة وتصحيح التجارب الطباعية، وأبدأ بالمترجم القدير «محسن زيدان» الذي رافقني في هذا العمل في النصف الأول كله من عام ٢٠٠٦م، فكان يقرأ بانتظام كلَّ جزء أنتهي من ترجمته، وقد يقترح اقتراحًا آخذ به في الصياغة أيضًا، وكذلك الكاتب والمترجم الفذ «أحمد صليحة» الذي يعمل حاليًّا في الأمم المتحدة، في نيويورك، الذي أعانني في بعض الترجمات عن الفرنسية، والأستاذة الدكتورة «منى إبراهيم»؛ الأستاذة في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة، التي قرأت المخطوط كلَّه قبل الطباعة ولفتت نظري إلى ما قد يحتاج إلى تعديل، فلهم مني جزيل الشكر والتقدير.
وأود أن أُعرب عن امتناني الخاص للصديقة العزيزة الأستاذة الدكتورة «أمينة رشيد»، الناقدة الجليلة ورئيسة قسم اللغة الفرنسية سابقًا بجامعة القاهرة، لتفضُّلها بمراجعة جميع الترجمات الواردة في الكتاب عن اللغة الفرنسية، وهي كثيرة، وكذلك للصديقة العزيزة الأستاذة الدكتورة «منى أبو سنة»، المفكرة والباحثة الجادة، والأستاذة في جامعة عين شمس، لتفضُّلها بمراجعة جميع الترجمات عن الألمانية.
وأخيرًا وليس آخرًا قطعًا لا بد أن أُسجل بالعرفان شكري لصديق العمر، العلامة والناقد والأديب الدكتور «ماهر شفيق فريد»، الأستاذ في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة، فهو حجةُ هذا الجيل في الدراسات الأدبية والنقدية، ولم يَبْخل عليَّ يومًا بمراجعة ما أطلب إليه مراجعته من تأليف أو ترجمة، فلقد تفضَّل بقراءة المخطوط، وأشار إلى ما يحتاجه من تدارك أو تعديل أو تصويب، فله مني صادق الشكر والامتنان، وخصوصًا لتشجيعه لي على المضيِّ في الترجمة وتحمُّل مشاق هذا النص العسير.
وبعد فأرجو أن أكون قد حققتُ ما أصبو إليه من إخراجِ نصٍّ عربي يجمع بين الدقة والوضوح في نقلِ فكرِ هذا المفكر العربي العالمي، وفاءً بحق القارئ العربي في هذا الجيل، في كل مكان، في أن يطَّلع على ثمار قريحته في هذا الكتاب «العمدة»، وما دفعني إليه إلا إحساسي بحق القارئ العربي وحق «إدوارد سعيد» في أن يقرأ كتابه بيسر وسهولة.
القاهرة، ٢٠٠٦م