مقدمة

نحن نستخدم طوال الوقت كلمتَي «أرستقراطية» و«أرستقراطي»، ونَمِيل إلى استخدامهما في وصف المجموعات أو المؤسسات أو السلوكيات التي نراها متفرِّدة وراقية ومفاخِرة، وفي أغلب الأحيان ثريَّة. وفي أحيان كثيرة، يكون هذا الاستخدام مقرونًا بنبرة إعجاب. هذه الدلالات مستمدَّة من مزاعم ظهرت منذ وقت طويل على يد النُّخب الاجتماعية التي سيطرت على المجتمعات الأوروبية وأنظمة السلطة منذ العصور القديمة وحتى وقت قريب نسبيًّا. في أوروبا، توجد آثارهم في كل مكان من حولنا، ونحن نتعرَّف على هذه الآثار بالغريزة، بل وأحيانًا نعتزُّ بها، رغم أننا لم نعُد نمنحها الاحترام المطلَق الذي كان أصحابها يطالِبون به في وقتٍ ما.

كان الهدف من هذه الآثار عادةً هو التأثير في الآخرين. وهي ما زالت تؤدِّي هذا الدور، رغم أن الجمهور المستهدَف من التابعين قد اختفى منذ وقت طويل. ومع هذا، فإنَّ واجِهَاتِها الواثقة عادةً ما تُخفي أكثر بكثير مما تُظهر؛ فقد كانت الهيمنة الأرستقراطية دومًا أكثر تقلقُلًا وأقل ثقةً مما كانت تحب أن تبدو عليه. كذلك كان السلوك الأرستقراطي أقل صلاحًا وخلوًّا من العيوب مقارنةً بالمبادئ النبيلة التي يُفترض أنها توجِّهه. في الواقع، تاريخ الطبقات الأرستقراطية عامرٌ بخرافات تخدم مصالحها الشخصية، أَظْهَرَ غير المنتمين لهذه الطبقات استعدادًا مثيرًا للدهشة لتقبُّلها دون نقدها. وقلَّما تُقدِّم نتائجُ الأجيال الجديدة من الأبحاث والدراسات التاريخية مبرِّرًا للاستمرار في القيام بهذا. وهذا الكتاب الصغير — القائم على سنواتٍ من التدريس والكتابة عن الأرستقراطيين وأساليبهم — يسعى إلى دمج هذه النتائج في دراسة مستقلة عن كيفية تنظيمهم لأنفسهم وممارستهم للسُّلطة، وفي النهاية عن كيفية فقدانهم لهذه السُّلطة.

يتتبَّع الفصل الأول تاريخ مصطلح الأرستقراطية وتطوره، ويحاول تقديم عناصر تعريف موضوعي لها، أما الفصل الثاني فيدرس وجهات النظر الشخصية للأرستقراطيين أنفسهم. هذا ويدور الفصل الثالث حول معايير السلوك الأرستقراطي، في حين يسلِّط الفصل الرابع الضوء على بعض الطرق التي أثَّر بها الأرستقراطيون بمبادئهم وسلوكياتهم على باقي أفراد المجتمع غير المنتمين لطبقتهم الاجتماعية. إن أهم شيء بشأن الطبقات الأرستقراطية — من منظور القرن الحادي والعشرين — هو أنها قد اختفت، وكذا تأثيرها، إلى حدٍّ كبير، وعليه يدور موضوع الفصل الأخير حول كيفية حدوث هذا، رغم أنها — على مرِّ القرون — واجهت كثيرًا من التحديات الأخرى وتغلَّبت عليها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤