مقدِّمة في الأدب

(١) أدب النفس

الأدب: تَحلِّي النفس بالفضيلة، ومظهر ذلك جميل الفعل وحسن القول، قال الشاعر الفزاري:

أُكْنِيه حينَ أناديه لِأُكرمَه
ولا أُلَقِّبه والسوأةَ اللقبا
كذاك أُدِّبتُ حتى صار من خلقي
أني وجدتُ ملاكَ الشيمة الأدبا

ولذا أطلقوه على آثاره فقالوا إنه استعمال ما يُحمد قولًا وفعلًا، أو هو الوقوف مع المستحسنات، أو هو أن تعظِّم مَن فوقك وترفق بمن هو دونك.

وأصل الأدب: الدعاء، ومنه قيل للوليمة يُدعى إليها: مأدبة.

(٢) أدب الدرس

ولما كانت علوم اللسان في صدر الإسلام لها العناية القصوى في أخذ الناس بها، وكانت أعظم وسيلة آدبة إلى تزكية نفوسهم؛ أطلقوا عليها اسم «الأدب» وأضافوها إليه، فقالوا: علوم الأدب أو علم الأدب. قال ابن عباس: كفاك من علم الدين أن تعرف ما لا يسع جهله، ومن علم الأدب أن تروي الشاهد والمثل. وقال والد لابنه: حبِّب إلى نفسك العلم حتى ترأمه، ويكون لهوَك وسكوتَك. والعلم علمان: علمٌ يدعوك إلى آخرتك فآثِره على ما سواه، وعلمٌ لتزكية القلوب وهو جلاؤها وهو علم الأدب، فخذ بحظك منه. وقال الإمام المطرزي: الأدب الذي كانت تعرفه العرب هو ما يحسن من الأخلاق وفعل المكارم. قال الغنوي:

لا يمنع الناس مني ما أردت ولا
أعطيهمُ ما أرادوا حُسْنَ ذا أدبا

واصطلح الناس بعد الإسلام بمدة طويلة على تسمية العالِم بالشعر أديبًا وعلوم العربية أدبًا. ا.ﻫ. باختصار.

وقد يُطلَق الأدب على الملَكة التي يكتسبها ممارس هذه العلوم فيقتدر بها على رواية أشعار العرب وأمثالهم وأخبارهم ونوادرهم، وعلى إجادة قرض الشعر وكتابة الإنشاء؛ فيكون بذلك أديبًا، وكانوا يصنفون لهذا الغرض مصنفات جامعة لما عساه تحصل به هذه الملَكة من أشعار وأخبار وأمثال ومسائل لغوية ونحوية مبثوثة في أثناء شرح ذلك. وقد قالوا إن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين؛ وهي: «أدب الكاتب» لابن قتيبة المتوفى سنة ٢٧٠ للهجرة، و«الكامل» للمبرد المتوفى سنة ٢٨٥، و«البيان والتبيين» للجاحظ المتوفى بالبصرة سنة ٢٥٥، و«النوادر» لأبي علي القالي البغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها، وكتب المحدثين في ذلك كثيرة.

وقد أنهى العلماء علومَ الأدب إلى ثلاثة عشر؛ وهي: متن اللغة، وكتابة الحروف أو الخط، وقرض الشعر، والعروض، والقافية، والنحو، والصرف أو علم الأبنية، والاشتقاق، والمعاني، والبيان، والبديع، والتاريخ أو المحاضرات، وإنشاء النثر. وبعضٌ يُسقِط البديع ويجعله ذيلًا لعلمَي المعاني والبيان. وقد نظمت أسماءها غير مراعٍ هذا الترتيب، فقلت:

لغة وشعر ثم قافية
نحوٌ عروض ثم إنشاءُ
وكذا اشتقاق ثم أبنية
خطٌّ بديع فيه آراء
وبيان معنًى معْ محاضرة
أدب له شرح وأنباء

وسأبسط القول على تاريخ هذه الفنون باذلًا جهد المستطيع في بيان نشأة كل فن، وأدوار سيره، وترقيه مع العصور والأجيال، وهذا في ثمانية أبواب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤