حياة المؤلِّف

من إنشاء ابنه ملتزِم طبع الكتاب

لأيامٍ خَلَتْ من شهر رجب سنة ١٢٦٩ للهجرة، من أسرة شريفة، في منوف العلا، وُلِدَ والدي العزيز مؤلِّف هذا الكتاب. ولمَّا بَلَغَ أشدَّهُ وقرأ وكتب وحسب، بعثَ به والده إلى الأزهر، فأخذ فقه الشافعي عن الشيخ إبراهيم السقَّا، والنحو والصرف عن الشيخ عفيفي الباجوري، وعلوم البلاغة والأصول عن الشيخ أحمد شرف الدين المرصفي، والمنطِق عن الشيخ الأجهوري الضرير.

وفي أوائل يناير سنة ١٨٧٤ للميلاد، دخل مدرسة دار العلوم، فتلقَّى فيها التفسير عن الشيخ أحمد شرف الدين المذكور آنفًا، وفقه أبي حنيفة عن الشيخ سليم عمر والشيخ حسونة النواوي، وعلوم الأدب عن الشيخ حسين المرصفي، والدرس التام في التاريخ العام عن مؤلفه أبي السعود أفندي، والحساب والهندسة والهيئة وتقويم البلدان عن يعقوب بك صبري، والطبيعة والكيمياء عن منصور أفندي أحمد، والخط عن محمد بك جعفر. ومُدَّة التعلم هذه كانت نشاطًا واجتهادًا ومجاراةً في ميادين التحصيل، فضَرَبَ بسهمٍ في كل علم من هذه العلوم، وسار في طليعة نوابغ المدرسة المعدودين، وكتب موضوعات إنشائيَّة وعلمية تُناسِب ذلك العصر، أُدرِجَتْ في المجلة العلمية التي كانت تُسَمَّى «روضة المدارس».

وفي ١٦ يوليو سنة ١٨٧٦ اختير مُعَلِّمًا للنحو في مدرسة أطفال الجند بالقلعة، وكانت تُعرف بالخيرية، وكان بها ما ينيف عن ألف تلميذ، فألَّفَ لتلاميذه كتاب «الدروس النحوية»، وطبعه سنة ١٢٩٤ للهجرة.

وفي ٢١ أبريل سنة ١٨٧٩ اختير مُدَرِّسًا للحساب والهندسة في مدرسة «المبتديان» بالناصرية، فألَّف كتابه المشهور ﺑ «النخبة السنية في الأصول الحسابية»، وطبعته نظارة المعارف مرتين: سنة ١٢٩٨، وسنة ١٣٠٠ بعد أن اعتمده مجلس معارفها الأعلى، وعمَّ نفعه جميع المدارس، وعرَّبَ من الفرنسوية مسائل تطبيقية على مقالات الهندسة، وطبع منها مسائل المقالة الأولى بمطبعة الهلال سنة ١٣٠٢. وكذا عرَّبَ ألف مسألة رياضية طبعت سنة ١٣١٣، وكتابًا في الجبر لم يُطبع. ومع وظيفته هذه عُهِدَ إليه في يناير سنة ١٨٨٢ تعليم الحساب والهندسة، وتقويم البلدان في مدرسة الآثار القديمة. وفي سنة ١٨٨٦ اختير مُدرسًا لدروس الأشياء في مدرسة «المبتديان» السَّالفة الذكر، فألَّفَ فيها كتابًا ذا ثلاثة أجزاء، طُبع مرَّات بمطبعة بولاق الأميرية، وكانت دراسة هذه الدروس في مدارس الحكومة وغيرها على طِبقِ ما جاء في كتابه هذا.

وفي نوفمبر سنة ١٨٨٧ اختير أستاذًا لتعليم الإنشاء في القسم العالي من مدرسة المعلِّمين المسمَّاة الآن ﺑ «المدرسة التوفيقيَّة». (والتعليم في هذه المدرسة على ثلاث درجات: تعليم ابتدائي ومدته أربع سنين، وتعليم ثانوي يرقى عن الأول ومدته كانت أربعًا ثم صارت خمسًا، والآن هي ثلاث فقط، وتعليم عالٍ أرقى منهما ومدته ثلاث سنين، والغرض من هذا القسم تخريج معلِّمين أكْفَاء ليعلموا في المدارس.) والمترجَم له كان أستاذ هؤلاء المعلمين في الإنشاء، فصنَّفَ من أجلهم كتاب «الإنشاء النظري»، وقرَّظَهُ كثير من أدباء العصر، وقرَّرَهُ ديوان المعارف لتلامذة المدارس، وطُبِعَ في مطبعة بولاق الأميرية سنة ١٣٠٦. وألَّف أيضًا مُعجمًا في اللغة العربية سمَّاه «قلائد الذهب في فصيحِ لغة العرب»، ولدرك منزلة هذا المعجم في دائرة المعجمات اللغويَّة يراجَع ما كُتِبَ بشأنه في باب اللغة من الجزء الأول من «تاريخ أدب اللغة» هذا وما قرَّظَهُ به كبار العلماء، وطبع منه الجزء الأول بمطبعة بولاق الأميرية سنة ١٣١١. وكان من اللجنة التي عهدت إليها نظارة المعارف تأليف أربعة كتب في النحو، وكتاب خامس في البلاغة، سهلة المأخذ مُدَرَّجَة على حسب أعمار تلامذة المدارس الابتدائية والثانوية، فأُلِّفَتْ هذه الكتب فحازت رضا الكافة، وفتحت الطريق لعلوم الأدب.

وفي سنة ١٨٩٢ عُهِدَ إليه تعليم التاريخ في مدرسة دار العلوم، فألَّفَ منه «خلاصة تاريخ مصر القديم والحديث»، وقد أقرَّتهُ نظارة المعارف واستعمَلَتْهُ في بعض مدارسها، وطُبِعَ طبعًا حسنًا في مطبعة بولاق، وعَرَّبَ من الفرنسوية «تخطيط أوروبا» ولكنه لم يُطبع.

وفي فبراير سنة ١٨٩٣ تعيَّنَ مفتِّشًا ثانيًا للغة العربية في جميع المدارس، وفي خلال مُدَّة وظيفته بالتفتيش ألَّفَ كتابه هذا.

ومكافأة على قيامه بوظائفه خير قيام وجَّهَ إليه المغفور له خديوِ مصر توفيق باشا الرُّتبة الرابعة سنة ١٣٠٣، وأنعم عليه سمو المولى الخديوي عباس باشا الأفخم بالرتبة الثالثة سنة ١٣١٤.

وقد ساح في أوروبا أثناء عطلة المدارس ثلاث مرات سنة ١٨٨٨، وسنة ١٨٩٢، وسنة ١٨٩٦ ابتغاءَ التزوُّد من اللغة الفرنسويَّة فاستفاد وأفاد بما عرَّبهُ منها.

فلنا من هذه الحياة نابغة صَرَفَ عصر الشبيبة مُجِدًّا في طلب العلوم، سَبَّاقًا إلى نَيلِ المعارف، فبلغ في الكبر مبلغ علَّامة مُتفنِّن، له في كل جوٍّ مُتَنَفَّس، ومن كل نار مقتبس، فيَّاض بعلمِهِ على قومه، أمتعني الله بحياته مدى الزمان. آمين.

كُتِبَ لخمسة عشر يومًا خَلَت من شعبان سنة ١٣١٨.

محمد رياض دياب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤