الفصل الرابع

في السُّنَّة أو الأحاديث النبوية

ويلي القرآن الكريم في المنزلة السنة أو الأحاديث النبوية من حيث اللغة والإنشاء والحكم والآداب، وكانت الصحابة تحفظها، وإنما كانوا لا يكتبونها خشية اختلاطها بالقرآن. وكان أحفظ الصحابة وأكثرهم حديثًا: أبو هريرة، ثم ابن عباس، وأنس بن مالك، وعائشة، وأبو سعيد الخدري، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وغيرهم.

وروى الأحاديث عن الصحابة التابعون، وأَحْفَظُهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وابن شهاب الزهري، وخارجة بن زيد، وأبو سلمة، وسعيد بن جبير، وقتادة، والأعمش، وغيرهم، وروى عن التابعين تابعوهم.

(١) ابتداء تدوين الأحاديث

وكان ابتداء تدوين الحديث على رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز، فإنه كتب إلى الآفاق: «انظروا إلى حديث رسول الله فاجمعوه!» ودوَّنه بأمره ابن شهاب الزهري وغيره.

«موطَّأ مالك بن أنس»

وفي عصر أبي جعفر المنصور المتولي الخلافة العباسية سنة ١٣٧، صنَّف الإمام مالك بن أنس «الموطأ» بإشارته، وقد قال الخليفة إنه لم يبقَ على وجه الأرض أعلم مني ومنك، وإني قد شغلتني الخلافة، فضع للناس كتابًا ينتفعون به، تجنَّب فيه رُخَصَ ابن عباس، وشدائد ابن عمر، ووطِّئه للناس توطئة. قال مالك: والله لقد علمني التصنيف. وكان تصنيف «الموطأ» بالمدينة، وفي هذا العصر وبعده صنف في السنة كثير من الأئمة كلٌّ على حسب ما سنح له وانتهى إليه علمه.

وكانت الأحاديث تُدوَّن ممزوجة بأقوال الصحابة وفتاوي التابعين وغيرهم، ممزوجًا فيها الصحيح بغيره إلى أن جاء: (١) الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، المولود في بخارى سنة ١٩٤، وصنف كتابه في الأحاديث الصحيحة خاصة؛ والسبب في ذلك على ما رُوي عنه أنه قال: «كنا عند إسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله ! قال: فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع «الجامع الصحيح»، وقد ألَّفته في بضع عشرة سنة.» وفيه من الأحاديث (كما في «تقريب النواوي») سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون بالمكررة، وبحذف المكرر أربعة آلاف (وفي غيره ما يخالف ذلك).

وقد طُبع «صحيح البخاري» عدة مرات في مصر وغيرها، وفي عصرنا الحاضر سنة ١٣١٣ أمر أمير المؤمنين السلطان عبد الحميد بطبع خمسة آلاف نسخة منه بمطبعة بولاق الأميرية، وأمر أن تراجعه وتصححه طائفة من علماء الأزهر، وأن توزَّع النسخ المطبوعة على العلماء ومواضع العلم. وقد منحت نظارة معارفنا منه خمسمائة نسخة فوزعتها على أهليها.

وقد اعتنى الأئمة ﺑ «صحيح البخاري»؛ فمنهم من شرحه ومنهم من اختصره.

فمن الشارحين له: الحافظ ابن حجر المولود سنة ٧٧٣، وسمى شرحه: «فتح الباري» وهو أحد عشر جزءًا، والقسطلاني المولود بمصر سنة ٨٥١، وسمى شرحه «إرشاد الساري» وهو عشرة أجزاء، وكلا الشرحين مطبوع بمطبعة بولاق الأميرية.

ومن المختصرين له: الإمام الحسين الزبيدي، فرغ من مختصره المسمى «بالتجريد» سنة ٨٨٩.

ثم تلا البخاري (٢) تلميذه مسلم، فصنف جامعًا آخر في الأحاديث الصحيحة وفيه أربعة آلاف حديث بإسقاط المكرر (كما في «تقريب النواوي» وفي «التقريب» وشرحه)، واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان واحد بأسانيده المختلفة، وألفاظه المختلفة، فسَهُل تناوله، بخلاف البخاري فإنه قطَّعها في الأبواب بسبب استنباطه الأحكام منها.

وقد شَرح «صحيح مسلم» النووي، وطُبع «الصحيح» وحده ومع الشرح، وطُبع أيضًا «شرح النووي» على هامش «شرح القسطلاني» بالمطبعة المذكورة.

و«صحيح البخاري» و«صحيح مسلم» أصح الكتب بعد القرآن العزيز.

وصنَّف بعدهما في الصحيح: أبو داود السجستاني المتوفى بالبصرة سنة ٢٧٥، وأبو عيسى الترمذي المتوفى بترمذ سنة ٢٧٩، وأبو عبد الرحمن النسائي المتوفى بفلسطين سنة ٣٠٣، وابن ماجه القزويني المتوفى سنة ٢٧٣.

كتب الأحاديث الستة

قال في «مشكاة المصابيح» للخطيب التبريزي: إن الكتب الستة المشهورة المقررة في الإسلام التي يقال لها الصحاح الست هي: «صحيح البخاري»، و«صحيح مسلم»، و«الجامع للترمذي»، و«السنن» لأبي داود والنسائي، و«سنن ابن ماجه». وعند البعض «الموطَّأ» بدل «ابن ماجه»، وصاحب «جامع الأصول» اختار «الموطأ». وفي هذه الكتب الأربعة أقسام من الأحاديث؛ من الصحاح، والحسان، والضعاف. وسمى صاحب «المصابيح» أحاديث غير الشيخين بالحسان. ا.ﻫ.

(٢) حِكَم وآداب من السنة

جاء في الحديث الشريف: «إن من أخيركم أحسنكم خُلُقًا.» وفيه: «إن خياركم أحاسنكم أخلاقًا.» وفيه: «إن شر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره.» وفيه: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا.» وفيه: «تجد مِن شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.» وفيه: «الكلمة الطيبة صدقة.» وفيه: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه.» وفيه: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو يصمت.» وفيه: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه.» وفيه: «من لا يَرحم لا يُرحم.» وفيه: «من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يَسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه وأمه.» وفيه: «إن الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات، ومَنْعَ وهاتِ، ووأدَ البنات، وكَرِهَ لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال.» وفيه: «من سرَّهُ أن يُبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره؛ فليصل رحمه.» وفيه: «إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا.» وفيه: «لا يحلُّ للرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.» وفيه: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.» وفيه: «ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.» وفيه: «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.» وفيه: «يسِّروا ولا تُعسِّروا، وسَكِّنُوا ولا تُنَفِّرُوا.» وفيه: «خالط الناس ودينك لا تَكْلِمَنَّه.» وفيه: «قال الله تعالى: يسبُّ ابن آدم الدهر وأنا الدهر؛ بيدي الليل والنهار.» وفيه: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحُمَّى.» وفيه: «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال.» وفيه: «لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين.» وفيه: «إياكم والجلوس في الطرقات! فقالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بُد نتحدث فيها.

فقال: إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه! قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.» وفيه: «إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع.» وفيه: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه.» وفيه: «المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده.» وفيه: «اتَّقِ المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قُسم لك تكن أغنى الناس، وأحسِن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأَحِبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا.» وفيه: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذاك أضعف الإيمان.» وفيه: «اطلبوا العلم ولو بالصين.» وفيه: «من تعلَّم وهو شاب كان كرسمٍ في حجر، ومن تعلم وهو في الكبر كان كالكاتب على ظهر الماء.» وفيه: «من سُئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة.» وفيه: «من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقه أو كلَّفهُ فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا خصيمه يوم القيامة.» وفيه: «دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك.» وفيه: «إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد تورث السقم، ومكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح للجسد وأبعد من السرف.» وفيه: «إياك وكل أمر يُعتذر منه.» وفيه: «الخَلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله.» وفيه: «من دلَّ على خير فله أجر فاعله.» وفيه: «رضا الله في رضا الوالدين، وسخطه في سخط الوالدين.» وفيه: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤