الفصل الثالث والأربعون

مدينة وان – تركيا ١٩١٦م

كان أرتين يجري كالبرق على جواده متجهًا من وان نحو قريتهم وغريغور يحاول اللَّحاق به بغيةَ دفع أهل القرية إلى التوجُّه إلى وان، ومن ثَم إرسالهم إلى الأراضي الروسية مع المهاجرين. في الطريق كانت الأهالي تنزح زرافاتٍ زرافاتٍ نحو وان تاركةً وراءها قراهم، يحملون ما خفَّ حمْله وغلا ثمنه وفي وجوههم الهلع والخوف؛ فالناس هنا لديهم ذكريات سيئة مع العثمانيين، ففي أيام الثورة كانت المذابح لا تعرف مذنبًا أو بريئًا، فكيف الآن وقد تم اتهام الأرمن جميعًا بالخيانة العظمى للأرض والوطن؟

وقبل وصولهما إلى القرية صادفا رجالًا يلوِّحون لهم من بعيد بالتوقف .. عندما اقتربا منهم صاح غريغور: هؤلاء رجال قريتنا.

– ما الذي تفعلونه هنا يا بوغوز؟

– لقد هربنا من القرية بعدما دخلتها القوات العثمانية.

– وأين البقية؟ هل خرجوا معكم؟

– الجميع كانوا يجهِّزون أمتعتهم للنزوح، لكن البعض تأخَّروا ولم يلحقوا بنا، ولا نعلم مَن بقي، لكن حوالي نصف الأهالي نزحوا منها قبل وصول العثمانيين.

– أبي «تلمكيان»، هل حاول الخروج معكم؟

قالها وعيناه تبرقان من الأسى.

– لا أعتقد المختارَ قادرًا على الحركة بسبب المرض، من المؤكد أنه بقي في القرية.

– وتركتم المختار وحدَه أيها الجبناء؟!

طأطأ رأسه بوغوز ولم يُجِب، أدار أرتين وجهه للبقية فصدوا وجوههم عنه خجلًا من موقفهم.

– لقد دخلوا القريةَ على حين غفلةٍ منَّا، كانوا كُثرًا يا أرتين لم نستطِع مجابهتهم، يجب أن نسرع إلى وان، العثمانيون في تقدُّم مستمر وسيصلون هنا في أية لحظة.

كانت الثورة العمالية على سلطة القيصر الروسي «نيكولاس الثاني» في بدايتها، اضطر القيصر الروسي إلى سحب قواته من الغرب لإخماد الثورة الشعبية التي ضاقت ذرعًا من سياسات القيصر في زج أبنائهم بالحروب، والأوضاع المعيشية الصعبة التي يقاسونها من جرائها. ومع بدء انسحاب القوات الروسية نحو الشرق هاجر عشرات الآلاف من الأرمن معهم إلى داخل الأراضي الروسية وراء الحدود القديمة خشيةَ الانتقام العثماني. استغلت القوات العثمانية الانسحاب الروسي بالتقدم نحو الأراضي التي فقدوها، وبدأت القرى الأرمنية تسقط تباعًا تحت سيطرتهم.

على امتداد طول طريق العودة كان أرتين كمن فقد كلَّ شيء يثبِّته بالحياة، شعر لأول مرة أن أباه كان على صواب عندما كان يمنعهم من الثوار، لكن لم يستطِع إظهار ذلك الشعور المميت في داخله، رفع رأسه ونظر يمنة ويسرة تأمَّل وجوه الهاربين نحو بر الأمان وهم يتركون وراءهم الأرض التي قاتلوا من أجلها سنين خلت، وتساءل هل تلك الفترة القصيرة تحت حكمنا كانت تستحق منَّا كل ذلك القتال والدماء التي أريقت من أجلها! عشرون سنة من القتال وهذه هي النهاية المنتظرة!

عند مدخل وان كان بعض المقاتلين يحفرون الخنادق حول المدينة تحضيرًا للقتال، وآخرون يتدربون ويستعدون للمعركة المرتقبة، كان أرتين يتفحَّص البيوت والأزقة كالأب الذي ينظر إلى وجوه أولاده وهو يحتضر، نظرة مليئة بالألم والشوق قبل الفراق. ثم كان لا بد من وداعٍ طويلٍ على قبر بانوس الذي لربما ستطول زيارته له في المرة المقبلة أو لربما هي ستكون الأخيرة، جلس قرب شاهد قبره وقال بصوتٍ يملؤه الأسى: «بانوس يا صديق الدرب، ها نحن اليوم نمرُّ بأخطر أيامِ تاريخ شعبنا، لقد قاتلتَ قتال الأبطال، وفديت بنفسك وأهلك في سبيل أن تحيا أمتنا، ورويت بدمائك الزكية أرضنا الطاهرة، أعدك إن بقي في العمر المزيد أن أخلِّد ذكرك بين أبنائنا وأحفادنا إلى الأبد، ارقد بسلام يا صديقي، ارقد بسلام أنت وأهلك.» ثم قبَّل الصليب الذي كان يتدلى من رقبته، ومضى إلى المدينة.

جنود مشاة وخيالة وأعلام حمراء وسوداء ترفرف على مشارف مدينة وان، والعثمانيون يحملون الشر في أعينهم والثأر في قلوبهم، ثأر الخيانة العظمى للدولة العليا، أيُّ مصير أسود ينتظركم أيها الأرمن؟! كانت الغربان تجوب سماء المدينة وتصدِر صوت نعيقها، وتنذر بشؤمِ ما سيحصل بعد حين. ثم بدأت المدفعية بالقصف كعادة استراتيجيات الجيوش قبل اجتياح أية مدينة. ومن حسن حظ الثوار الأرمن كان الروس قد تركوا خلفهم عددًا من مدفعياتهم التي فاجئوا بها العثمانيين، واستطاعوا تأخير تقدُّمهم لعدة أيام، كانت الروح الحماسية بين المقاتلين عالية، فلا خيار أمامهم، إما النصر أو الاستشهاد في سبيل الأرض، حتى بعض الفتيات والنساء الأرمن أبيْنَ الرحيل من المدينة وبقين لتحضير الطعام للمقاتلين وإسعاف الجرحى، استبسل الجميع حينها وفقدوا الكثير من القتلى جراء القصف. كانت تمرُّ أوقات هدوء بين الطرفين من النهار أو الليل، ثم تعاود أصوات الطلقات والمدفعيات عزف سيمفونية الموت في الهواء الطلق وتحت أنقاض البيوت.

استمرت المعركة قرابةَ شهر كامل ولم تستطِع القوات العثمانية دخولَ المدينة، إلا حينما شعر الثوار أن الأسلحة لا تكفي لمدةٍ أطولَ، حينها انسحبوا تدريجيًّا نحو ساراي تاركين خلفهم مجموعاتٍ فدائية لتعيق التقدم السريع للعثمانيين، لم يمتلكوا خطوطَ إمداد بالأسلحة، وكذلك لم يكن بمقدورهم الصمود أكثر أمامهم، وبالأخص بعدما حصلت حالات فرار بعض المقاتلين من المعركة فأثَّرت على معنويات الباقين، وعندما كَثُرت هذه الأفعال الفردية لبعض المقاتلين أصدر «مانوكيان» أوامر بقتل كلِّ مَن يفرُّ من أرض المعركة دون أوامر بالانسحاب من قادة الوحدات المقاتلة، وإن فرَّ قائد الوحدة يُقتل من قِبل الجنود، لكن كل هذه القرارات كانت غير مجدية أمام الاجتياح العثماني المدجَّج بالأسلحة المتطورة التي حصلوا عليها من حلفائهم الألمان.

ولم يمضِ الوقت الطويل حتى أدركوا أن زحف القوات العثمانية اقترب من بلدة ساراي عندما شاهدوا جنود استطلاع الجيش العثماني على أحصنتهم يجوبون بعيدًا، لم تكن لدى مقاتليهم الروح المعنوية العالية للقتال بوجود مجموعة كبيرة من الجرحى الذين لا بد من نقلهم بعيدًا حتى لا يقعوا لقمة سائغة لدى الأعداء، وآخرون قد خارت قواهم وانهارت معنوياتهم من كثرة الهزائم التي ألحقها بهم العثمانيون، فنتجت هذه الأسباب عدم إطالة مقاومتهم لهم حتى فرَّ الجميع وتشتَّت المقاتلون، كلٌّ يريد إنقاذ نفسه، حتى إن بعضهم قد ألقى سلاحه وفرَّ هاربًا بحصانه نحو الحدود الروسية.

– غريغور لا بد من العودة إلى القرية، لقد بقي أبي وأمي هناك، وإخوتي لا أعلم ما الذي جرى لهم، سأصل إليهم مهما كلفني الأمر.

– أجُننت؟! كيف يمكننا العودة ونحن ملاحقان من قِبلهم، سيقطِّعوننا إربًا إن حظوا بنا.

– لم أعُد أخشى شيئًا، إن كنت لا تريد المجيء فلا تحمِّلني ذنبًا آخر كما أشعر تجاه بانوس.

– لم أرفض فكرتك، لكن كيف يمكننا الوصول إليهم؟

نظر إليه وهو يفكِّر في سؤاله: لا بد من طريقةٍ توصِّلنا إليهم.

في الطريق نحو الحدود الإيرانية مرُّوا بقريةٍ خاوية على عروشها كانت تبدو أنها قرية كردية تم إحراق بيوتها وقتْل أهلها أثناء الاجتياح الروسي، دخلا البيوت بحثًا عمَّا يسد الرمق، فالجوع قد أخذ منهما مأخذه، وبينما أرتين يجوب غرفَ أحد البيوت الذي لم يحترق بالكامل وجد صندوقًا خشبيًّا مقفلًا، كسر القفل وإذا به ممتلئ بالملابس الكردية، نادى غريغور بأعلى صوته.

– لقد وجدتها، وجدتها.

جاء غريغور وقد أمسك بدجاجة وهو يلهث: لقد أنهكَتني حتى استطعت الإمساك بها، قُل لي ماذا وجدت؟

– انظر، إنها ملابس كردية.

– وماذا نفعل بها!

– أيها الثور الهائج، أعلم أنك عندما ترى الطعام، حتى وإن كان كائنًا حيًّا في يديك، تنسى نفسك.

– دعك من ذلك، قُل لي ماذا نفعل بهذه الملابس.

– سنرتديها ونتجه نحو قريتنا ونُظهِر لهم أننا أكراد، وبذلك لن يعترض طريقنا أحد.

– وماذا لو سألونا عن بطائقنا التعريفية وعلموا أننا أرمن؟

– ومَن يلتفت للبطائق بهذه الأجواء المضطربة في المنطقة، إضافة إلى أننا سنتجنَّب القرى والأقضية في طريقنا، وإن رأينا دورية أو مجموعاتٍ من البشر فسنحاول الاختباء أو الفرار منهم إن تطلب الأمر ذلك. ما بك يا غريغور، أصبحت تذكِّرني ببانوس في تساؤلاته، هيا اختر منها ما يناسبك وقم بارتدائها.

كانت تلك القرية النائية توحي بنوع من الطمأنينة، لذلك قرَّرا الاستراحة فيها؛ لأن أبدانهما لم تذُق طعمَ الراحة منذ شهرين من القتال والانسحاب والفرار.

على امتداد الحدود الإيرانية توجَّها غربًا نحو قرية «ديز» العثمانية، وفجأة في الطريق رأيا من بعيد رجلين يركضان بكلِّ ما أُوتيا من قوة، فأسرع أرتين وغريغور بالاختباء وراء صخرة كبيرة على سفح تلَّةٍ، لاح لهما بعد ذلك ثلاثة من الخيالة بالزي العسكري العثماني، أطلقوا النار عليهما فسقط أحدهما مصابًا، رجع صديقه يريد مساعدته، فأشار الثاني بيده إليه بالمضي دونه، وصل الجنود إلى الرجل المصاب فوقف اثنان على رأسه، والثالث أكمل طريقه خلف الرجل الثاني الذي قرَّر أن يتجه نحو التلة التي يختبئ فيها أرتين وغريغور بسبب وجود الصخور الكبيرة التي تعيق سرعةَ مَن يطارده، عندما وصل التلة استطاع أن ينجو بنفسه من الجندي الذي وقف غاضبًا وهو يطلق النار التي ترتطم على الصخور وترتد إلى السماء، وصل الرجل قربهما وعندما أدار ظهره لكي يحتمي بصخرةٍ كبيرة تفاجأ بوجودهما حوله فأصابه الجمود، حسِب أنهما من العسكر بالزي الكردي، وضع غريغور إصبع سبابته على شفتيه بشكلٍ عمودي موحيًا له بالسكوت، حينها انفرجت أساريره وهزَّ رأسه مبتسمًا ابتسامةً صفراء بوجهٍ شاحبٍ من شدة الخوف.

بعدها نادى الجنديان على صاحبهما لكي يعودوا أداراجهم، وتم ربط الشخص المصاب بحبل وجرَّه حصان أحدهم طول الطريق وهو يصرخ من شدة الألم، وضع الرجل كفيه على أذنيه وتكوَّر على نفسه وهو يبكي حتى لا يسمع صراخ صديقه، توجَّه إليه أرتين وربَّت على كتفه: هوِّن عليك يا أخي.

عدَّل جِلسته ونظر في وجه أرتين، كانت نظراته تحمل وجعًا عميقًا مغمورًا بتلكما العينين الغائرتين: أخبِرنا لماذا كانوا يلاحقونكما؟

– أنا أرمني.

قالها وهو يرتجف خوفًا، ثم أكمل: لكنْ والذي تؤمنان به لم أكن مع المتمردين.

شعر أرتين بانتكاسةٍ كبيرة عندما رأى الهوان الذي وصل إليه الأرمن حتى يقول تلك الجملة مع كل هذا الخوف.

– وهل كلمة أنا أرمني تجلب كلَّ هذا الانكسار في الوجوه؟

صمت الرجل ولم يجِب بشيء، كان يرتجف ويشهق دون إرادةٍ من شدة الخوف.

– لا تخف، نحن من أرمن مدينة «وان»، وقد تنكرنا في الزي الكردي حتى لا يعترضنا أحد، اهدأ قليلًا، ثم أخبرنا ما الذي حصل حتى كانوا يريدون قتلكما.

سقاه غريغور ماءً ثم رشَّه على وجهه ومسح الدموع من عينيه، تخلَّص من الخوف وشعر بالأمان بعدما احتضنه غريغور وهو يخفِّف عنه.

– عندما سيطروا على قريتنا بعد انسحاب الروس منها حاول الثوار صدَّ الهجوم العثماني لكنهم لم يستطيعوا الصمود ففروا هاربين إلى قرية «زرناق»، ولم نستطِع الفرار من القرية، بعدها جمع العثمانيون الأهالي في وسط القرية، الرجال في مجموعة والنساء والأطفال وكبار السن في مجموعة أخرى، ثم أحضروا أحد الخونة من أهالي القرية فجَالَ الخائن بيننا وأي شخصٍ يؤشِّر عليه يتم ضربه بالعصي وسوقه على جنب، فأخرج من بيننا كلَّ مَن تعاون مع الثوار أثناء المعركة وعمل مع الروس عندما سيطروا على القرية في الأشهر الماضية، إلا أنا وأخي الكبير الذي أخذوه قبل قليل كما رأيتم.

– كان أخاك؟!

– نعم، لم يؤشِّر علينا الخائن فنجونا، اقتادوا أولئك المساكين خارج القرية، وسمعنا بعدها أصوات طلقات نارية «تم قتلهم جميعًا»، وبدأت النساء بالبكاء والصراخ، لكنهم لم يأبهوا بذلك وأخبرونا أن نحضِّر أنفسنا جميعًا للرحيل من القرية غدًا صباحًا.

– هل فعلوا ذلك فقط في قريتكم أم جميع القرى المجاورة؟

– يبدو أنه كان فرمانًا حكوميًّا؛ لأننا رأينا في اليوم التالي مجموعاتٍ من قرًى مجاورة يسوقهم الجنود على الطريق، الجميع قد واجهوا مصيرًا مشابهًا.

– أكمِل، أكمِل كيف استطعتم الهرب؟

– قبل أن تصل القوات العثمانية إلى قريتنا أرسلنا عائلتنا مع الذين نزحوا في بداية الأمر إلى مدينة وان، ومنها إلى الأراضي الروسية، وبقينا أنا وأخي مع الثوار نقدِّم لهم المساعدة في الخطوط الخلفية أثناء القتال، لكننا لم نستطِع الهرب معهم؛ إذ لم يكن هناك تنسيقٌ عالٍ بين المقاتلين. هرب القادة فجرًا، وفي الصباح تفاجأ المقاتلون بذلك، ولم يستطِع الكثير منهم الهرب فقُتل مَن قُتل في المعركة، والباقون قُتلوا بسبب الخائن.

– لكن لماذا لم يؤشِّر عليكما؟ ما دمت تقول إنكم ساعدتم الثوار؟

– هذا الخائن عندما كان صغيرًا، مات أبوه بعدما سقط على رأسه من سطح بيتهم؛ لأنه كان ثملًا، وتزوَّجت أمه بعد ذلك من تاجر أرمني مرَّت قافلته من القرية فرآها وأُعجب بها، فتركته أمه وراحت مع زوجها الجديد إلى بتليس حيث أهله، فأشفقت عليه أمي وربَّته كابنها معنا، لقد عاشَ بيننا ولم يشعر يومًا أنه فاقدٌ لأبويه؛ لذلك لم يؤشِّر عليَّ وعلى أخي يومها.

أما كيف هربنا .. فعندما خرجنا من القرية مع الأهالي كلَّفوا عشرة جنود لحمايتنا في الطريق وبعدما ابتعدنا عن القرية قليلًا أوقفونا وطلبوا منَّا أجورَ الحماية وإلا سيتركوننا في الطريق لقمةً سائغة لقطَّاع الطرق، فجمعوا من الأهالي كلَّ ما يملكون من ذهبٍ ومصوغاتٍ، وكانوا يعتدون على الفتيات الجميلات ونحن لا نستطيع فعْل شيءٍ لهم، سوى سماع بكاء أمهاتهن عليهن، وتم بيع بعضهن إلى أثرياء القرى التي مررنا منها للعمل في خدمة الحرملك، لم نتحمل وجودنا بينهم ونحن لا نستطيع فعْل شيء لأجلهم؛ لذلك خطَّطنا الهرب منهم نحو إيران إلى روسيا، ومن ثَم إلى أوروبا. كان الوقت الأمثل للهرب هو قبل الفجر؛ إذ كان الحراس لا يستطيعون مقاومة النعاس حينه، انتهزنا الفرصة اليوم فجرًا أنا وأخي وهربنا لا ندري بأي اتجاهٍ، فقط نريد الابتعاد عنهم، لم يُكشف أمرنا في البداية، لكن يبدو أنهم أحسوا بذلك بعد طلوع الشمس، ومن حسن حظنا أن هذه الأراضي ليست مستوية فلا يمكن رؤية أحد من بعيد بسبب التلال المتوزعة فيها، لكن لا أدري كيف لحِقوا بنا ولم نشعر إلا وهم خلفنا يأتون كالبرق على صهوة خيولهم، وأظنكما تعرفان ماذا حصل بعد ذلك.

– أتعلم ما حلَّ بأهلي قرية «أنجرلك»؟

– أظن أنهم رُحِّلوا إلى ولاية الموصل منذ مدة، لكن بالتأكيد إنهم لم يصلوا بعدُ؛ فالسير بهذه الأعداد الكبيرة من الأشخاص وبوجود الأطفال وكِبار السن والتوقُّفات التي تحصل في القرى يؤخِّر وصولهم كثيرًا، هم لا يسلكون الطرقات العامة الرئيسية بين المدن، بل يحبِّذون الطرق الفرعية بين القرى لأجل الوقوف فيها والتزود بالمؤن. آخر قرية مررنا منها إن لم تخني الذاكرة كانت قرية «باش قلعة».

– لم تخبرني ما اسمك؟

– اسمي «ديرون»، وأنتما؟

– أنا اسمي أرتين وهذا غريغور، أخبِرنا ماذا ستفعل الآن بعد خلاصك منهم؟

– سأتَّجه إلى إيران وأحاول الوصول إلى روسيا ومنها أخرج إلى أوروبا.

– إذن سِر من هذا الاتجاه ستجد في طريقك قرًى كردية مهدَّمة، ابحث في البيوت عن ملابسَ كردية، وارتدِها، ثم بعد ذلك توجَّه إلى إيران وكن حذرًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤