مقدمة

(١) صاحب إلياذة الجزائر

(١-١) مولده ونشأته

وُلِد الشيخ زكريا بن سليمان بن يحيى بن الشيخ سليمان بن الحاج عيسى، المعروف ﺑ «مفدي زكريا» يوم الجمعة ١٢ يونيو ١٩٠٨م الموافق ﻟ ١٢ جمادى الأولى ١٣٢٦ﻫ ﺑ «بني يزقن، ولاية غرداية بالجزائر». نشأ في عائلة جزائرية محافِظة أصلُها من الأبيض سيدي الشيخ — غرب ولاية البيض. دخل الكتاتيب، وتعلَّم القرآن الكريم وأساسيات اللغة العربية.

لقَّبه زميل البعثة الميزابية والدراسة الأستاذ سليمان بوجناح ﺑ «مفدي»، فأصبح لقبه الأدبي مفدي زكريا. استعار في بداية مشواره الأدبي أسماء أدبية مختلفة: أبي فراس، ابن تومرت، فتى المغرب …

تنقَّل رفقةَ أسرته إلى مدينة عنابة، ثم رحل إلى تونس وأكمل دراسته بمدرسة السلام والمدرسة الخلدونية ومدرسة العطارين، ثم الزيتونة التي نال بها شهادة التأهيل، وعاد بعد ذلك إلى الجزائر، وكان له دور كبير في إثراء المشهد الأدبي والسياسي. انخرط في صفوف الشبيبة الدستورية التونسية، ثم انضم إلى الحركة الوطنية الجزائرية، وناضل بداية من الثلاثينيات في صفوف جمعية «طلبة شمال إفريقيا المسلمين» و«نجم شمال إفريقيا» و«حزب الشعب» و«الانتصار للحريات الديمقراطية» ثم «جبهة التحرير الوطني».

تعرَّف على العديد من الشخصيات الوطنية والعربية عندما كان مقيمًا بتونس. لازم أبا العربي الكبادي، ورمضان حمود، وأبا القاسم الشابي.

وظَّف مفدي زكريا في المجال الإعلامي رصيدَه الثوري عندما تولَّى رئاسة تحرير جريدة «الشعب»، لسان حال حزب الشعب في سنة ١٩٣٧م.

سُجن عدة مرات بسجن بربروس (سركاجي)، وبعد قضائه مدة ثلاث سنوات فرَّ إلى المغرب، ثم إلى تونس، وأصبح سفيرًا للقضية الجزائرية.

ساهم في تحرير جريدة المجاهد إلى غاية الاستقلال، وكانت له إسهامات عبْر العديد من المقالات القيمة في صحف وجرائد عربية رائدة، منها جريدة «الأخبار» و«الصواب» التونسيتان و«اللواء» المصرية.

(١-٢) إنتاجه الفكري والأدبي

بعدما كتب النشيد الرسمي «فداء الجزائر»، ونظم النشيد الوطني للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية «قسمًا» الذي لحَّنه الأستاذ محمد فوزي، كتب مفدي زكريا «إلياذة الجزائر» التي هي محل بحثنا، استطاع بكتاباته وأشعاره ونضاله السياسي والثقافي أن يُعرِّف بقضية شعبه في العالم العربي، ويدعو إلى الوحدة العربية في مواجهة القوى الاستعمارية والتكتلات الإقليمية.

له العديد من المؤلَّفات، أخص منها: «تحت ظلال الزيتون» (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى عام ١٩٦٦م، «اللهب المقدس» (ديوان شعر) صدر في الجزائر عام ١٩٦١م، صدرت طبعته الأولى في عام ١٩٧٣م، «من وحي الأطلس» (ديوان شعر) ١٩٧٦م، وله عدد من القصائد الشعرية الوطنية: «من جبالنا طلع صوت الأحرار» سنة ١٩٣٢م، و«فداء الجزائر روحي ومالي» سنة ١٩٣٦م، و«اعصفي يا رياح»، ونشيد جيش التحرير الوطني، ونشيد العمال ونشيد الطلبة.١

وقد كان لمؤسسة مفدي زكريا بولاية غرداية فضلُ جمع التراث الفكري والأدبي للشاعر.

(١-٣) التشريفات

نال مفدي زكريا العديد من الاستحقاقات والتشريفات، من بينها: «وسام المقاوم من رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد في سنة ١٩٨٧م»، و«وسام الأثير من مصف الاستحقاق الوطني من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في سنة ١٩٩٩م»، و«وسام الكفاءة الفكرية من الدرجة الأولى من عاهل المملكة المغربية سنة ١٩٦١م»، و«وسام الاستحقاق الثقافي من الحبيب بورقيبة، رئيس الجمهورية التونسية».٢

(١-٤) وفاته

تُوفِّي الشاعر مفدي زكريا — رحمه الله — يوم الأربعاء ١٧ أغسطس ١٩٧٧م الموافق ﻟ ٢ رمضان ١٣٩٧ﻫ بتونس، ونُقل جثمانه إلى الجزائر ليُدفن بمسقط رأسه بعد عطاء ثري ونضال وفي.

(٢) موضوع الإلياذة

موضوع إلياذة الجزائر موضوع ملحمي، يروي تاريخ الجزائر وأهم البطولات التي خلَّدها أبناؤها، والواضح أنَّ طريقة إلقاء الإلياذة بتلك الصورة الإبداعية والحماسية في افتتاح الملتقى السادس للفكر الإسلامي سنة ١٩٧٢م بالجزائر ونمط تركيبها واستعمال مفدي زكريا للمحسنات عوامل أعطت الإلياذة رونقًا أدبيًّا وجرسًا موسيقيًّا يثير في النفس عزَّة الروح الوطنية، ويربِّي فيها قوة الارتباط بأمجادها وتاريخها وبطولاتها، وهي في حد ذاتها رسالة قوية قوة القضية الجزائرية عبْر التاريخ، ترسم في أبياتها معالم الدولة الجزائرية المعاصرة وأصالة مبادئها الإسلامية والعربية والأمازيغية.

إلياذة الجزائر، ديوان شعر، أرَّخ لتاريخ الجزائر، واجتهد في إزالة ما علِق به من شوائب، في صورة ملحمةٍ٣ تنبع حركة وأحاسيس جياشة.

وقد اشترك في ضبط نسجها التاريخي كلٌّ من مفدي زكريا الذي كان مقيمًا حينها بالمغرب، ومولود قاسم نايت بلقاسم الذي كان بالجزائر، وعثمان الكعاك من تونس. برزت الفكرة الأولى لنظم الإلياذة من قِبَل الأستاذ مولود قاسم — رحمه الله — الذي راوده مشروع الإشادة ببطولات هذا الوطن ومقوِّماته الدينية والثقافية والتاريخية في شكلِ ملحمةٍ خلال الملتقى الخامس للفكر الإسلامي الذي أُقيم بوهران سنة ١٩٧١م، طلب من خلالها من الشاعر مفدي زكريا كتابتها تحضيرًا للملتقى السادس، الذي كان مقررًا أن يُقام في قاعة المؤتمرات لقصر الأمم بالجزائر العاصمة.

ويا مُلتقى فِكرِ إسلامنا
ومجلى قداسةِ إيماننا

ويقول في بيتٍ آخر:

سلامٌ على مهرجان الخلود
سلامٌ على عيدِك العاشر

كان مولود قاسم يراجع مادة الإلياذة التاريخية، ثم يقوم الأستاذ عبد المجيد غالب بخطِّها.

تتكوَّن الإلياذة من ألفِ بيتٍ وبيت، تغنَّت بأمجاد الجزائر وحضارتها ومقاوماتها لمختلف الأمم المستعمِرة والمغتصِبة التي تدافعت عليها. أُلقيت بداية الإلياذة، وكان عددها ستمائة وعشرة أبيات، في افتتاح الملتقى السادس للفكر الإسلامي أمام جمْعٍ غفيرٍ من المؤتمرين، حضر لاستماع بعضٍ منها رئيس الجمهورية الراحل هواري بومدين — رحمه الله.

اقترن إلقاء الإلياذة بالاحتفالات المخلِّدة للذكرى العاشرة لاسترجاع السيادة الوطنية، والذكرى الألفية لتأسيس مدينة الجزائر والمدية ومليانة على يد بلكين بن زيري.

ركَّزت الإلياذة على أهم المحطات التاريخية التي صنعت الجزائر، وبطلها ليس من وحي الخيال، وليس من أوهام وإبداعات الأسطورة، ولا من قبيل الرواية الشعبية المتواترة، ولا وجهَ للشبه فيها لإلياذة هوميروس … إنما البطل فيها هو الشعب الجزائري في أوج تطوره وتنوُّع مشاربه العقدية والتاريخية والثقافية، عبْر فترات تاريخية يمكن إجمالها بداية من العصور القديمة إلى العصر الوسيط، وصولًا إلى العصر الحديث والمعاصر، ومحرِّك البطولة فيها هو مقوماته الإسلامية والأمازيغية والعربية، ودافع رفض الاستعمار والاستعباد في شتَّى صوره وأشكاله. لا مجالَ للتذكير أنَّ التَّاريخ رغم تقسيماته، هو وحدةٌ متواصلة وممتدة لا تصنعه الأمم المغيرة، ولا الدول المستعمرة، ولكن تصنعه الشعوب المقاومة والمكافحة من أجل صد العدوان في سبيل الحفاظ على مقوماتها واستعادة كرامتها وحريتها وسيادتها.

تختلج الدراسة التاريخية للإلياذة مسحة دلالية، أسهمت بشكل واضح وقوي في إعطاء الإلياذة حركية بطولية ورونقًا بلاغيًّا أضفى عليها حُلةً جميلةً منمَّقةً بجميل الطبيعة، ومزينةً بعبق التاريخ الذي لازم الألفية بطولة وأخلاقًا.

(٢-١) المسحة الجمالية في الإلياذة

أخذ التصوير الجغرافي حيزًا مهمًّا في الإلياذة، وهو يحمل دلالةً جمالية منبعُها الوصف الطبيعي، ودلالةً تاريخية مصدرَ طمعِ الأممِ المستعمِرة من الفينيقيين والقرطاجيين والرومان والوندال والبيزنطيين والإسبان والفرنسيين.

جزائرُ يا مطلع المعجزات
ويا حُجَّةَ اللهِ في الكائنات
ويا بسمةَ الرَّبِ في أرضه
ويا وجهه الضاحك القسمات
ويا لوحة في سجلِّ الخلود
تموج بها الصورُ الحالمات

تتجلَّى عبقرية مفدي زكريا في الجمع بين الدلالتين الجمالية والتاريخية في البيتين الأُخريين من المقطع الأوَّل للإلياذة:

وألقى النهاية فيها الجمال
فهِمْنا بأسرارها الفاتنات
وأهوى على قدميها الزَّمان
فأهوى على قدميها الطغاة

وفي منطلق العقيدة التي قال عنها مفدي زكريا:

شربتُ العقيدة حتى الثُّمالة
وأسلمتُ وجهي لرب الجلالة

كانت مقتضيات العقيدة الإسلامية حاضرة بقوة في شعره؛ فها هو يربط بين جَمال أرض الجزائر الخلاب، وبين الإيحاء الذي يتركه هذا التفكُّر في الجمال من إيمان واعتقاد يجلي في النفس تسليمًا جازمًا بالربوبية والاهتداء إلى سواء السبيل.

فلولا جمالك ما صحَّ دِيني
وما أن عرفت الطريق لربي

في مجال التفكُّر والاعتبار، يمكن لنا الاقتباس على عموم المقصد لا خصوص التنزيل، قول الله تبارك وتعالى في سورة الحج: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ولَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الآية: ٤٦).

(٢-٢) البطولة

لازمت البطولة أبيات الإلياذة، واتخذت من العامل الزماني والمكاني والبشري والحيواني سرَّ تنوُّع وقوة، أضفى على عمله الأدبي والتاريخي حركية وجاذبية، ليست البطولة من وحي الخيال، وإنَّما واقع تاريخي لأمةٍ مجاهدةٍ تحدَّت أقوى الاستعمارات القديمة والحديثة.

هوميروس أرَّخ … لم ينتقد
وشهْنامة الفرس بالوصف تغلو
فقلت: وشِعر الخرافات يفنى
وشِعر البطولات لا يضمحل

وما ورد في الإلياذة من ذكْر للأسطورة فمن جانب البلاغة في المعنى، والقوة في بيان البطولة التي أصبح ذكرها متواترًا على مرِّ الأزمنة والعصور.

ويا للبطولات تغزو الدُّنا
وتمنحها القيم الخالدات
وأسطورة رددتها القرون
فهاجت بأعماقنا الذكريات

ومن قوة الإلياذة ذِكر بطولات كل المناطق الجزائرية باختلاف مواقعها وتضاريسها، ولم يخص منطقة من الجزائر دون غيرها، ولا مقاومة دون غيرها.

فيا أيها الناس هذي بلادي
ومعبد حبي وحُلم فؤادي
وإيمان قلبي وخالص دِيني
ومبناه في ملتي واعتقادي
بلادي أحبك فوق الظنون
وأشدو بحبك في كل نادي
عشقتُ لأجلك كلَّ جميل
وهِمْت بحبكِ في كلِّ وادي

(٢-٣) قِيَم الإلياذة

يمكن تقسيم أبيات الإلياذة من حيث الموضوع إلى قيم جمالية وتاريخية ووطنيَّة.

فالقيم الجمالية تشمل ذلك الوصف الشاعري لجمال التَّضاريس الطبيعية والتَّغني بأفنانها وغاباتها وبمواقعها الأثرية وبمناطقها السحرية، وما يتخلل كل ذلك من خواطرَ نفسية، منها قول الشاعر مفدي في المقطع الأول:

ويا تربة تاهَ فيها الجَلال
فتاهت بها القمم الشامخات
وألقى النهاية فيها الجمال
فَهِمْنا بأسرارها الفاتنات

وقد أحصينا ٢٩٠ بيتًا تُذكر فيها القيم الجمالية؛ أي بنسبة ٢٨٫٩٧٪ من مجموع الإلياذة.

أما القيم التَّاريخية فهي تلك الوقفات التاريخية والعوامل الزمنية والمكانية التي صنعت تاريخ الجزائر، كما تتضمن ذِكر الأعلام والمعارك والمدن في جانبها التاريخي، ومنها قول صاحب الإلياذة:

وهال ابن رستم ألا نسود
ونبني كِيانًا لنا مستقلا
فقام بتيهرت يُعلي اللواء
ويُرسِي نظامًا وينْشر فضْلا

يُقدَّر عدد الأبيات الحاملة للقيم التاريخية ٤٢٨ بيتًا؛ أي ما يُعادل ٤٢٫٧٦٪ من مجموع الإلياذة، وهي أعلى نسبة من حيث إحصاء القيم.

أما عن القيم الوطنية فهي كل تجليات القيم التي تصنع شخصية الجزائر، وهي الإسلام والأمازيغية والعروبة، ومبادئ الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وآفاق الوحدة المغربية، وحُلْم تحرير فلسطين المغتصبة، كما تشمل الأخلاقَ والطِّباع والمواقف البطولية، والفكر ومناهج السياسة والاقتصاد والاجتماع. يقول مفدي زكريا في المقطع ٧٩:

تفسَّخ هذا الشباب وماعا
وخرَّب أخلاقه وتداعى
فويل الجزائر والمسلمين
إذا دنَّس النشء هذي الطِّباعا
مجموع الأبيات التي تتكلَّم عن القيم الوطنية هي ٢٨٣؛ أي ما يُقدَّر بنسبة ٢٨٫٢٧٪ من الإلياذة.٤

(٢-٤) التناص القرآني في الإلياذة

تتجلَّى شخصية مفدي زكريا المتشرِّبة من منبع الثقافة الإسلامية في أبهى صور الاقتباس من القرآن الكريم والشعر والحكم والأمثال؛ لتعطي للإلياذة رونقًا ومهابة وإضافة جليلة في النظم. نورد في هذا العنوان بعضًا من التناص القرآني الوارد في الإلياذة؛ لأنَّ القرآن الكريم يُعد «… من أهم مصادر الصورة الشعرية عند مفدي زكريا؛ فقد كان يستقي مشاهده التصويرية والإيقاعية من مشاهد القرآن الكريم وجرس ألفاظه …»٥

المقطع ٣

ويا بابل السحر من وحيها
تلقَّب هاروتُ بالسَّاحر

اقتباس من قوله تعالى: واتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ومَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ولَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ومَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ ومَارُوتَ … (سورة البقرة، الآية: ١٠٢).

المقطع ٨

ويلتفُّ ساقٌ بساق، فنصبو
فيغْمرنا ملتقى الفكر نصحا

والْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (سورة القيامة، الآيات: ٢٩-٣٠).

المقطع ١٠

ومن خائرين كأعجاز نخل
ضمائرهم في المزاد رقيقة

تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (سورة القمر، الآية: ٢٠).

المقطع ١٢

وأنفاسه تغمر الصَّبَّ دَفْئا
فينسى حرارة يوم الحساب

وقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (سورة ص، الآية: ١٦).

المقطع ١٤

تسلَّقْ إيعكورن واغزُ السها
وطاولْ به سِدرةَ المنتهى

عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوى (سورة النجم، الآيات: ١٤-١٥).

المقطع ١٦

وسبَّح لله ما في السَّموا
تِ والأرضِ ملء شفائف شفا

سَبَّحَ لِلهِ مَا فِي السَّمَواتِ ومَا فِي الْأَرْضِ وهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (سورة الحشر، الآية: ١).

المقطع ١٨

وأخرجت الأرضُ أثقالها
فطارَ بها العلمُ … فوقَ الخيال …!

إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (سورة الزلزلة، الآيات: ١-٢).

المقطع ٤٨

وتغري الكراسي ضعاف العقول
كنار جهنم ترجو المزيدا

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (سورة ق، الآية: ٣٠).

المقطع ٥١

تأذَّن ربُّك ليلةَ قدر
وألقى الستارَ على ألف شهر

لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (سورة القدر، الآية: ٣).

المقطع ٥٨

وأخضر يحصُد حُمْرَ الحوا
صلِ فيها، ويقطع منه الوتين

ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوتِينَ (سورة الحاقة، الآيات: ٤٤-٤٦).

المقطع ٦٢

وجاسوا خلال الديار، فكانوا
رُجومًا تُحيل الظلام نهارا

فَإِذَا جَاءَ وعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وكَانَ وعْدًا مَفْعُولًا (سورة الإسراء، الآية: ٥).

المقطع ٧٧

ويدعو لكل احتلال ثبورًا
ويضْرع في النكبةِ المدلهمة

وأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ ورَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (سورة الانشقاق، الآيات: ١٠-١١).

المقطع ٨١

فويلٌ لطلابٍ من شيوخ
توافه، لا يَعْلَمون الكتابا

ومِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (سورة البقرة، الآية: ٧٨).

المقطع ٨٣

غرابيبُ سود، تُجيد النَّعيق
وتختالُ في مشيها كالزَّرافة

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوانُهَا ومِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهَا وغَرَابِيبُ سُودٌ (سورة فاطر، الآية: ٢٧).

المقطع ٨٧

ولم ترضَ بالفحل من قومها
فهامت بمن «ما رمى إذ رمى»

… ومَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللهَ رَمَى … (سورة الأنفال، الآية: ١٧).

المقطع ٩٠

وبالمالِ تقذف طوعًا وكرهًا
بأحضانِ مَن نفضته الدُّهور

أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ ولَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَواتِ والْأَرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا وإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (سورة آل عمران، الآية: ٨٣).

المقطع ٩٧

وألقيتُ في الساحرين عصاي
تلقَّفُ ما يأفكون بسحري

فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (سورة الشعراء، الآيات: ٤٥-٤٦).

المقطع ١٠٠

ولم يبرحوا الأرض، لما استقلَّت
شعوبٌ، ولم تَسْتَكِنْ للهوان
وزلزلت الأرض زلزالها
وضجَّ لغاصبك النيِّران
وراهنه الشعبُ يوم التنادي
ورجَّ به الشعب يوم الرهان

… فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وهُو خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (سورة يوسف، الآية: ٨٠)، إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (سورة الزلزلة، الآية: ١)، ويَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (سورة غافر، الآية: ٣٢).

ولإبراز أهم المحطات التاريخية الواردة في الإلياذة، أقدِّم هذا الكتاب الذي سميته «ملحمة الجزائر: شرح تاريخي لإلياذة الجزائر لشاعر الثورة مفدي زكريا» لأستشفَّ من خلاله أروع بطولات وأمجاد الشعب الجزائري في نضاله وكفاحه ضد الأمم الاستعمارية التي توالت عليه؛ ولأبرزَ صفاته وطبائعه وحبَّه للشعوب التواقة للانعتاق، كما لا يخلو البحث من صور التضامن الذي توليه الجزائر للقضية الفلسطينية، ورغبتها الحثيثة في تجسيد مبدأ الوحدة العربية والمغاربية والاهتمام بقضايا التحرُّر والانعتاق.

فكيف لبلدٍ متأصلٍ في جذور التاريخ، ومشهود له بالسبق الحضاري في شتَّى العلوم والمعارف، ومتمتع بكل مصادر الجمال والرونق، ومحققًا لمعجزات الثبات على الحق، والدفاع عن الشرف والمقدسات، والذود عن حمى الأوطان؛ أن ينحرف بعضُ أهله عن مصادر القوة والمَنَعَة! ولعل هذا التناقض هو أبرز معالم الإشكالية في إلياذة الجزائر.

وسأحاول أن أقدِّم مقاربة تاريخية أراعي فيها التسلسل التاريخي ومستلهمًا الشرح والاقتباس من أهم مصادر التاريخ الجزائري الموثوقة بعيدًا عن كل ما شاب هذا التاريخ العريق من أباطيل بعض المستشرقين وشهادات الناقمين على الجزائر، مراعيًا في ذلك صدق المورد وأمانة الإحالة، ومتحريًا قدْر المستطاع مواطن الإجماع والوفاق بين المؤرخين والمؤلفين الجزائريين على سبيل الأولوية.

وأعلل ما ذهب إليه مؤرخ الجزائر الأستاذ أبو القاسم سعد الله — رحمه الله — بقوله: «إننا شعب يُحسِن صناعة التاريخ، ولكنه لا يجيد روايته.» إلى السطحية في الدراسات التاريخية الناجمة عن خلفيات التعامل مع القضية الوطنية بحكم المشارب الغربية والأفكار الغريبة عن طبيعة الشعب الجزائري، وبحكم القهر الاستعماري الذي غيَّب الكثير من حلقات البحوث التَّاريخيَّة.

١  مقدمة الطبعة الأولى ﻟ «مولود قاسم نايت بلقاسم» للشاعر مفدي زكريا: «إلياذة الجزائر»، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ١٩٨٧م، ص٩.
٢  مفدي زكريا، «أمجادنا تتكلم»، جمع وتحقيق مصطفى بن الحاج بكير حمودة، مؤسسة مفدي زكريا والوكالة الوطنية للإشهار، الجزائر، ٢٠٠٣م، ص٣.
٣  الملحمة: «قصة بطولية تحكي شعرًا ثوريًّا على أفعالٍ عجيبة؛ أي على حوادث خارقة للعادة، وفيها يتجاوز الوصف مع الحوار وصور الشخصيات والخطب» (غنيمي هلال، الأدب المقارن، دار الكتب، القاهرة، ١٩٧٠م، ص١٤٣).
٤  انظر تفصيل إحصاء القيم حسب المقاطع في الملحق رقم ١، ص١٤٦–١٤٩.
٥  محاضرة أ. صباح لخضاري، معهد الأدب واللغات، المركز الجامعي النعامة، الجزائر، ٢٠١٤م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤