(٢-١) يوغورطا يوحِّد نوميديا
تُوفي الملك ميكبسا ميكواسن سنة ١١٨ق.م وترك من بعده ولدين، هما:
أدهر بال
Adherbal، وهيمبسال
Hiempsal، وقد نشأ في حجره ابن أخيه
مستنبعل يوغورطا
jugurtha، ويعود له فضل
تربيته، فأصبح بهذه العناية وريثًا شرعيًّا مثل باقي أبنائه.
٥ بدأت معالم الشجاعة والإقدام تظهر على يوغورطا، وشجَّعه في
نبوغه المحيطُ الملكيُّ الذي نشأ فيه. استطاع أن يُظهِر مهارات قتالية في
قيادة الجيش خاصة في حروب نومانتيا سنة ١٣٤ق.م، وتألق اسمه بانتصاراته التي
حقَّقها. كان حُلم استقلال نوميديا وتوحيدها يراود يوغورطا كثيرًا، غير
أنَّ المناورات التي كانت تقوم بها روما لدفع هيمبسال وأدهربال لعزل
يوغورطا من الحكم، أدخل الأسرة الملكية في دوامة من الصراعات بين يوغورطا
وأبناء عمه، قُتل على إثرها هيمبسال. وما كان من روما إلا أن قامت بتدعيم
حليفها أدهربال في محاولة جريئة لتثبيته على نوميديا الشرقية. اقتضت ضرورة
الحرب أن يستقر حكم يوغورطا على حكم نوميديا الغربية لاستجماع قواه، وسرعان
ما أعلن الحرب على أدهربال، قُتل على إثرها في سيرتا، واستردَّ يوغورطا
نوميديا الشرقية، ووضعها تحت سلطانه. بذلك استطاع يوغورطا توحيد نوميديا
وأسَّس فيها نظامًا سياسيًّا مستقلًّا تمامًّا عن روما.
لم يكن توحيد نوميديا هدفًا في حد ذاته بقدْر ما كان وسيلة لاستعادة
سيادتها وكفِّ كل محاولات التدخُّل الأجنبي، ورفع القهر والاستبداد
المسلطين على النوميديين من قِبَل روما.
دخلت نوميديا في حربٍ ضد روما بدايةً من سنة ١١٠ق.م، واستطاع يوغورطا أن
يُلحِق هزيمةً بالجيش الروماني الذي كان يقوده سبوريوس ألبينيوس
Spurius Albinus، فما كان من
روما إلا أن أوكلت قائد الجيش بستيا للتفاوض من أجلِ عقدِ صلحٍ معه مقابل
ثروة تُدفع لمجلس الشيوخ، وقد قال يوغورطا حينها كلمته الشهيرة: «في روما،
كل شيء يُباع.»
٦ وفي تعبيرٍ ساخرٍ آخَر أورده سالوستيوس أن يوغورطا قال قبل أن
يغادر ميناء روما: «يا لكِ من مدينة للبيع، ستنتهي بمجرد أن تجد المشتري.»
٧
فجاء يغورطا على هديه
بحكمِ الجماهيرِ يفشي الأمانا!
وقال: «مدينة روما تُباعُ
لمن يشتريها!» فهزَّ الكيانا!
ووحَّد سيرتا بأعطاف كاف
وأولى الأمازيغ عزًّا وشأنا
«تبوَّأ يوغورطا عرش سيرتا قسنطينة سنة ١١٢ق.م، وأعلن استقلال الجزائر التام.»
٨ كانت حملات الجيش الروماني، التي قادها كلٌّ من ميتللوس
وماريوس من سنة ١٠٩ إلى ١٠٨ق.م، عنيفةً على الجيوش النوميدية، أجبرت
يوغورطا على الاحتماء بالملك الموريطاني باخوس
Bocchus بمنطقة قبائل الجدالة بالهضاب العليا. لم يكن
باخوس وفيًّا ليوغورطا؛ فقد تمكَّن من إيهامه بالأمن لديه إلى أن دبَّر له
مكيدةَ غدرٍ وخديعةٍ سلَّم بموجبها يوغورطا سنة ١٠٦ق.م إلى قائد الجيش
الروماني ماريوس، نُقل بعدها يوغورطا إلى روما حيث تُوفي في ظروفٍ تدعو إلى
الريبة سنة ١٠٤ق.م بسجنٍ هناك. عرفت نوميديا ازدهارًا في عهد حكم يوغورطا
ونموًّا اقتصاديًّا واجتماعيًّا.
وقد تمكَّن من سك نقود من فضة على وجهها صورة تمثال نصفي له وعلى وجهها
الآخر صورة فيل تحته نقش بونيقي.
٩ بعد وفاة يوغورطا، تولَّى شقيقه جودا
Gauda مُلَك نوميديا من بعده إلا أن المنية وافته بعد عام
أو عامين من توليه الحكم. بعد وفاته وقع صراع بين هيامبسال الثاني
وهيرباص
Hierbas حول استخلاف جودا،
فما كان من بومبي
Pompée إلا أنَّ يميل
إلى هيامبسال، ويساهم في توليه الحكم على نوميديا سنة ٨١ق.م.
تساءل مفدي زكريا عن تأسيس مدينة مليانة من قِبَل هذا القائد الروماني
المدفون بها هو وحفيده بناءً على بعض الآثار المكتوبة المخلِّدة له بهذه
المدينة.
أشادَكِ بومبي مقوقسُ روما؟
أم أن بولوغين رب الصنيعة؟
فأغرى بمليانة الطامعين
وما كنتِ للطامعين وديعة
عرفت نوميديا في عهد حكم هيامبسال الثاني تطورًا منفردًا في نظام الحكم
والجباية، ونموًّا في الإنتاج الزراعي والحيواني. ضُربت في عهده النقود
ذهبًا وفضة ونحاسًا، ونمت التبادلات التجارية بين نوميديا وأثينا ومارسيليا
وجنوب إسبانيا وروما.
(٢-٢) يوبا الأول والحرب ضد قيصر
بعد وفاة هيامبسال الثاني تولَّى من بعده ابنه يوبا الأول منذ سنة ٥٢ق.م،
وقد ثبت عنه مولاته لحزب بومبي الملكي وعداؤه لملك موريتانيا باخوس الثاني
المناصر لحزب قيصر
César١٠ الجمهوري، وسرعان ما انتصر قيصر على يوبا الأول.
١١
إنَّ النزعة الاستعمارية لروما لم تهدأ
بمرور الزمن، بل اتَّقدت نيرانُها ضد يوبا الذي سارع في استنفار جيوشه ضد
القائد العسكري كوريو والانتصار عليه في سنة ٤٩ق.م. أعاد قيصر الكرَّة على
يوبا بجيشٍ مستعملًا هذه المرة المداخلَ البحرية، إلا أنَّه رغم انهزام
الجيش النوميدي، لم يتمكَّن قيصر من الظفر بيوبا حيًّا؛ فقد تُوفي يوبا
انتحارًا حسب عديد الروايات، وضم قيصر المملكة النوميدية إلى روما. حوَّل
قيصر جانبًا كبيرًا من نوميديا إلى ولايةٍ رومانيةٍ باسم إفريقية الجديدة
Provincia Africa Nova.
١٢
(٢-٣) يوبا الثاني، الحاكم والعالم
بعد وفاة باخوس الثاني نصَّبت روما يوبا الثاني ملكًا على الشمال
الإفريقي، وكان موسوعة في التاريخ والجغرافيا وفنون الموسيقى، وقد تزوَّج
من سيليني ابنة الملكة كليوبترا ملكة مصر، تُوفيت قبل زوجها يوبا بثماني
عشرة سنة، ويُقال أيضًا إنَّها دُفنت هي كذلك بهيكل يوبا المشهور شرقي
مدينة شرشال والمعروف لدى الجزائريين بقبر الرومية.
١٣
أشاد مفدي زكريا بالدور الرائد للنساء الجزائريات في الثورة، مقيمًا
تناسقًا بين كليوبترا وبين النسوة مثيلات جميلة بوحيرد:
وكم ضارعت في الفدا كليوبترا
جميلات ثورتنا الهادرة
اتخذ يوبا الثاني شرشالَ عاصمةً للمملكة النوميدية، وكان له باعٌ طويلٌ
في الفنون والثقافات الإغريقية، وكان عالمًا فنيًّا كبيرًا.
١٤ ازدهرت في فترة حكمه المملكةُ في شتى الميادين بفضل الأمن
والاستقرار.
أشاد مفدي زكريا بيوبا الثاني، وخصَّص المقطع الثامن والعشرين من
الإلياذة كاملًا له ولأبولوس:
أشرشالُ! … هلَّا تذكرتَ يُوبا
ومَن لقَّبوا عَرشك القيصريه؟
ومَن مصَّروك فنافست رُوما؟
وشرَّفت أقطارنا المغربيه
لماذا يُلقَّب يُوبا بثان؟
أما حقَّق السبقَ في المدنيه؟
وباهى بشرشال جنَّة عدن؟
وزانَ حدائقها السُّندسيه؟
أما كان أوَّل مَن خطَّ رسمًا
لوجه جزيرتنا العربيه؟
أما شاد يوبا بشرشال للعلـ
ـمِ أوَّلَ جامعةٍ أثريَّه؟
أبوليوس عالِم مؤلِّف عدةَ كتبٍ أشهرها: «الحمار الذهبي»، «المسوخ»،
Les florides, L’hermagoras
و
L’apologie.
١٥
وهذا أبولوس كان طبيبًا
يَدِينُ له العلمُ بالعبقريه
وأبدع في قصص الحيوان
فأثَّر في القصص الأمويه
وكان الأفارقُ في منتداهم
بروما يخصونه بالتحيه
وكان أبولوس قاضي روما
ليمناه تُرفع كلُّ قضيه
بعد وفاة يوبا الثاني سنة ٢٣م تولَّى ابنه بطليموس
Ptolémée حُكمَ المملكة النوميدية. سعى أن يسيطر على
القبائل الأمازيغية، فأظهر المقاومون البربر جأشًا وصمودًا بقيادة
تاكفاريناس
Tacfarinas المنتمي لقبيلة
موسالامس
Musalams،
١٦ وكان يومها عاملًا لحساب روما، اغتيل بطليموس حوالي سنة
٤٠م.