الفصل السادس والعشرون

تضحيات

كانت عطلة نهاية الأسبوع طويلة إلى حدٍّ لا يُصدق. صباح يوم السبت جاءت فيبي ومعها حقيبة أمتعتها. قلت: «يا إلهي يا فيبي، هل تنوين قضاء شهر كامل هنا؟» حين أخذتها إلى غرفتي، سألتني إن كانت ستشاركني الغرفة. فقلت: «كلا بالطبع يا فيبي. لقد بنينا جناحًا إضافيًّا جديدًا خصيصى لكِ.»

قالت: «لا داعي للسخرية.»

«كنت أمازحكِ يا فيبي لا أكثر.»

«لكن لا يوجد غير سرير واحد.»

«يا لقوة ملاحظتكِ، يا فيبي.»

«ظننت أنك ربما تنامين على الأريكة في الطابق السفلي. يحاول الناس عادة أن يوفروا سبل الراحة لضيوفهم.» جالت ببصرها في أرجاء الغرفة. «ألا ترين أن الغرفة ليست واسعة بما يكفي لنا؟»

لم أجبها. ولم أهشم رأسها. كنت أعرف السبب وراء تصرفاتها تلك. جلسَت على سريري وارتدَّت عليه بضع مرات. «أظن أني سأُضطر لأن أعتاد مرتبتكِ غير المستوية يا سال. فمرتبتي صُلبة جدًّا. المراتب الصلبة أفضل بكثير للظهر. لهذا ظهري مستقيم. على الأرجح تلك المرتبة هي سبب انحناء ظهركِ.»

قلت: «انحناء ظهري؟»

«أجل، ظهرك منحنٍ يا سال. انظري في المرآة ذات مرة وسترين.» ضغطت بيدها على المرتبة. «ألا تعرفين أيَّ شيء عن الضيافة؟ يُفترض أن تقدمي لضيوفك أفضل ما لديكِ. يفترض أن تقدمي بعض التضحيات يا سال. لطالما كانت أمي تقول ذلك. تقول: «في الحياة، عليك أن تقدمي بعض التضحيات».»

قلت: «أظن أن أمكِ قدمت تضحيةً عظيمةً حين رحلَت.» لم أستطع منع نفسي من قول ذلك. كانت تستفزني بشدة.

«أمي لم ترحل. أمي اختُطفَت. وفي تلك اللحظة هي تقدم تضحية هائلة.» بدأت في إخراج أمتعتها من الحقيبة. «أين سأضع أغراضي؟» حين فتحتُ خزانة الملابس، قالت: «يا لها من فوضى! هل لديكِ شماعات إضافية؟ أم يفترض أن أترك ملابسي مكدسةً في الحقيبة طَوال عطلة الأسبوع؟ يفترض أن يحظى الضيف بالأفضل. هذا ما تقتضيه الكياسة يا سال. تقول أمي …»

«أعرف، أعرف؛ التضحيات.»

بعد عشر دقائق، ذكرت فيبي أنها تعاني صداعًا. «ربما كان صداعًا نصفيًّا. كانت طبيبة الأقدام التي تعالج خالتي تعاني نوبات صداع نصفي، لكن تبين أنه ليس صداعًا نصفيًّا على الإطلاق. هل تعرفين ماذا كان؟»

قلت: «ماذا كان؟»

«كان ورمًا دماغيًّا.»

قلت: «حقًّا؟»

قالت فيبي: «أجل. في دماغها.»

«بالطبع يا فيبي سيكون في دماغها. فهمت ذلك حين قلت إنه ورم دماغيٌّ.»

«ليس هذا بالأسلوب المتعاطف الذي يجدر بكِ أن تعاملي به شخصًا يعاني صداعًا نصفيًّا أو وربما ورمًا دماغيًّا.»

في كتابي، كان ثمة صورة لشجرة. رسمتُ رأسًا مستديرًا له شعر مجعد، ملفوف حول عنقه حبل مربوط بتلك الشجرة.

استمر الأمر على هذه الحال. هذا اليوم كنت أكرهها. لم يعنِني كم كانت حزينة على أمها، كرهتها بحق، وأردتها أن ترحل. تساءلت إن كان هذا هو شعور أبي تجاهي وأنا في خضم نوبات غضبي الكثيرة. ربما كرهني في فترة ما.

بعد العشاء، تمشينا إلى بيت ماري لو. كان السيد فيني وزوجته يتقلبان على المرج الأمامي في كومة من أوراق الشجر مع تومي ودوجي، وكان بن جالسًا على الشرفة. جلست بجواره فيما ذهبت فيبي للبحث عن ماري لو.

قال بن: «فيبي تدفعكِ للجنون، أليس كذلك؟» أحببت كيف ينظر مباشرةً في عينَي من يحدثه.

قلت: «لأقصى حد.»

«أراهن أنها تشعر بالوحدة.»

لا أعرف ما دهاني، لكني كدت أمدُّ يدي وألمس وجهه. كان قلبي ينبض بصوت مرتفع للغاية حتى إني ظننت أنه سيسمعه. دخلت المنزل. من النافذة الخلفية، راقبت السيدة فيني تتسلق سلمًا مستندًا إلى المرأب. لما صعِدت إلى السطح، خلعت سترتها وفرشتها. بعد بضع دقائق، جاء السيد فيني إلى الجانب الخلفي من المنزل وتسلق السلم. خلع سترته وفرشها بجوارها. ثم استلقى على السطح وأحاطها بذراعه. وقبلها.

استلقيا على السطح في الهواء الطلق يتبادلان القبلات. أثار ذلك لديَّ شعورًا غريبًا. ذكراني بأبي وأمي، قبل الطفلة التي وُلدَت ميتةً، وقبل العملية الجراحية.

دخل بن المطبخ. بينما كان يمد يده في الخِزانة ليأخذ كوبًا، تمهل ونظر إليَّ. عاودتني تلك الرغبة الغريبة في أن ألمس وجهه، ألمس تلك البقعة في وجنته، تلك البقعة الناعمة. خشيت أن ترتفع يدي وتتجه إليه إن لم أنتبه. كان شعورًا غاية في الغرابة.

قالت فيبي حين دخلت: «خمني أين ماري لو. إنها مع «أليكس». في موعد غرامي.»

لم أكن قد ذهبتُ في موعدٍ غرامي من قبل. وافترضت أن فيبي لم تفعل أيضًا.

تلك الليلة في منزلي، أخرجتُ من الخِزانة كيس النوم وفرشته على الأرض. نظرت فيبي إليه وكأنه عنكبوت. قلت: «لا تقلقي، سأنام فيه.» دخلتُ فيه وتظاهرت بالاستغراق في النوم على الفور. سمعت فيبي تستلقي على السرير.

بعد قليل، دخل أبي الغرفة. قال: «فيبي؟ هل ثمة خطب ما؟»

قالت: «كلا.»

«خُيِّل لي أني سمعتُ أحدًا يبكي. هل أنتِ بخير؟»

قالت: «أجل.»

«هل أنتِ واثقة؟»

«أجل.»

حزنت على فيبي. كنت أعرف أنه ينبغي أن أنهض وأحاول أن أتلطَّف معها، لكني تذكرت شعوري وأنا في مثل موقفها، وكنت أعرف أن المرء أحيانًا يود أن يُترك وطيور حزنه. أحيانًا نُضطر لأن نبكي وحدنا.

في تلك الليلة، حلمت أني جالسة على العشب أنظر عبر منظار معظِّم. على مسافة بعيدة، كانت أمي تتسلق سُلمًا. ظلت تتسلق وتتسلق. كان سلمًا طويلًا للغاية. لم يكن بوسعها رؤيتي، ولم تنزل قط. بل ظلت ترتقي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤