الفصل الثامن والثلاثون

بصقة

حين وصلت إلى هذه المرحلة في قصتي، قاطعتني جدتي. قالت: «مرحى! انتظرتُ تلك القبلة أيامًا. أحب القصص التي تتخللها قبلات جيدة.»

قال جدي: «يا لكِ من مشاكسة.»

كنا نقطع الطرق المتعرجة لولاية مونتانا. لم أجرؤ على تتبُّع تقدمنا على الخريطة. إذ لم أرد أن أكتشف أننا لن نصل في الوقت المناسب. ظننت أنني إن ظللت أتحدث، وأصلي في سري، وإن ظللنا نمضي في تلك الطرق المحفوفة بالجبال، فستكون لدينا فرصة.

قالت جدتي: «لكن ماذا عن فيبي؟ ماذا عن تقبيل أمها للمختل؟ لم أحب تلك القبلة كثيرًا. بل أحببت الأخرى؛ التي تبادلتِها أنتِ وبِن.»

•••

وجدتُ فيبي جالسةً على المقعد في محطة الحافلة. سألتني: «أين كنتِ؟»

لم أخبرها عن مقابلتي لبِن أو لأمه. أردت أن أفعل، لكني لم أستطع. «لقد خِفتُ يا فيبي. لم أطق البقاء هناك.»

قالت: «وأنا من ظننتكِ الشجاعة فينا. على كل حال لا يُهِم. لا شيء يُهِم. لقد فاض بي الكيل من ذلك الأمر.»

«ماذا حدث؟»

«لا شيء. ظلا جالسين على المقعد يستمتعان بوقتهما. لو كنتُ ماهرةً في قذف الحجارة مثلكِ لاستهدفتُ مؤخرة رأسيهما. هل لاحظتِ شعرها؟ لقد قَصَّته. صار قصيرًا. تعلمين ماذا فعلَت أيضًا؟ في منتصف حديثهما انحنت وبصقت على العشب. بصقت! كان ذلك مقززًا. وماذا فعل المختل حين بصقت؟ ضحك. ثم انحنى وبصق.»

«لمَ فعلا ذلك؟»

«من يدري؟ لقد فاض بي الكيل. لا أمانع أن تبقى أمي هنا. هي لا تحتاجني. لا تحتاج إلى أي منا.»

ظلت فيبي تردد ذلك في الحافلة طَوال طريق العودة. كانت في حالة مزاجية كئيبة للغاية. حين وصلنا إلى منزل فيبي، كان أبوها قد أوقف لتوه السيارة في المرأب. اندفعت برودنس من المنزل وهي تقول: «لقد اتصلت، لقد اتصلت، لقد اتصلت! لقد اتصلت أمي! ستعود.»

غمغمت فيبي قائلة: «رائع.»

قال أبوها: «ماذا قلتِ يا فيبي؟»

«لا شيء.»

قالت برودنس: «ستصل غدًا. لكن …»

قال أبوها: «لكن ماذا؟ ماذا قالت أيضًا؟»

«بدا صوتها متوترًا. أرادت أن تتحدث إليك …»

«هل تركَت رقمًا للاتصال بها؟ سوف أتصل بها …»

«كلا، لم تترك رقمًا. طلبَت أن أقول لكَ ألَّا تطلق أي أحكام مسبقة.»

قال أبوها: «ماذا الذي يُفترَض أن يعنيه ذلك؟ أُطلِقُ أحكامًا مسبقة بشأن ماذا؟»

قالت برودنس: «لا أعرف. آه، تذكرت شيئًا آخر! والأهم أنها قالت إنها ستُحضِر معها شخصًا ما.»

قالت فيبي: «هذا رائع! رائع جدًّا!»

قال أبوها: «فيبي …؟ برودنس … هل ذكرَت من يكون الشخص الذي ستحضره معها؟»

«صدقًا لا أعرف.»

«هل أتت على ذكر ذلك الشخص على الإطلاق؟ هل ذكرت اسمًا؟» كان انفعاله يزداد.

قالت برودنس: «كلا. لم تذكر اسمًا. لم تزد على أنها قالت إنها ستحضره معها …»

«تحضره؟»

نظرت لي فيبي. وقالت: «تبًّا»، ودخلت إلى البيت صافدةً الباب خلفها.

لم أصدق ذلك. ألن تخبر أباها بما رأته؟ أنا لم أكن أطيق الانتظار حتى أخبر أبي، لكن حين عدت إلى البيت، كان جالسًا هو ومارجريت في الشرفة.

قالت مارجريت: «أخبرني أخي أنكِ تدرسين في فصل اللغة الإنجليزية الذي يُدرِّسه. يا لها من مفاجأة!» لا بدَّ أنها كانت قد أخبرت أبي بذلك بالفعل، إذ لم يَبدُ متفاجئًا. «إنه معلم بارع. هل تحبينه؟»

«أظن ذلك.» لم يكن ذلك ما أريد الحديث بشأنه. أردتُ أن تختفي مارجريت.

اضطررت للانتظار حتى رحيل مارجريت كي أخبر أبي عن أم فيبي، ولما أخبرته، لم يزد عن أن قال: «إذن ستعود السيدة وينتربوتوم إلى بيتها. هذا جيد.» ثم سار إلى النافذة ووقف يحدق منها لوقت طويل للغاية، فعلمت أنه كان يفكر في أمي.

أمضيت تلك الليلة بطولها أفكر في فيبي وبرودنس والسيد وينتربوتوم. بدا أن عالمهم كله سوف ينهار غدًا حين تدخل عليهم السيدة وينتربوتوم متأبطةً ذراع المختل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤