الفصل الأربعون

الهدايا

بدا ملائمًا في هذا الجزء من قصة فيبي أن يصيح جدي: «أيدااهوو!» كنا نسير في طريق مرتفع وسط الجبال، وكنا قد عبرنا لتونا حدود ولاية مونتانا إلى أيداهو. للمرة الأولى، أيقنت أننا سنصل إلى لويستون غدًا، في العشرين من أغسطس، عيد ميلاد أمي.

اقترح جدي أن نواصل حتى مدينة كور ديلين، التي تبعد حوالي ساعة، حيث يمكننا أن نبيت ليلتنا. من هناك، كانت لويستون تبعد حوالي مائة ميل جنوبًا، وهي مسافة من السهل قطعها صباحًا. «ما رأيكِ في ذلك يا عزيزتي؟» كانت جدتي تجلس بلا حَراك وقد أسندت رأسها على ظهر المقعد وشابكت يديها في حجرها. «عزيزتي؟»

حين تكلمت جدتي، كانت الحشرجة في صدرها مسموعة. قالت: «لا بأس.»

«عزيزتي، هل أنت بخير؟»

قالت: «أنا متعبة قليلًا.»

«قريبًا جدًّا سنجد لكِ فِراشًا.» التفتَ إليَّ جدي وعلى وجهه نظرة مفعمة بالقلق.

قلت: «جدتي، لو أردتِ أن نتوقف الآن فلا بأس.»

قالت: «كلا. أود أن أبيت الليلة في كور ديلين. أرسلَت لنا أمكِ بطاقةً بريديةً من كور ديلين، وكانت عليها صورة لبحيرة زرقاء شاسعة.» سعلت سعلةً طويلةً متحشرجةً.

قال جدي: «حسنًا، ها نحن قادمون أيتها البحيرة الزرقاء الشاسعة.»

قالت جدتي: «أنا سعيدة جدًّا بعودة أم فيبي إلى بيتها. ليت أمكِ تستطيع العودة أيضًا.»

ظل جدي يومئ برأسه لخمس دقائق تقريبًا. ثم ناولني منديلًا وقال: «أخبرينا عن السيدة بارتريدج. لماذا كانت تترك ظرفًا على شُرفة منزل فيبي؟»

هذا ما أردت أن أعرفه أنا وفيبي. سألتها: «هل تريدين شيئًا ما، يا سيدة بارتريدج؟»

وضعَت يديها على شفتيها. وهمهمت.

التقطت فيبي الظرف بسرعة وفتحته.

قرأت الرسالة بصوت مسموع: «لا تحكم على أحد قبل أن تسير في دربه مسيرة قمرين.»

التفتت السيدة بارتريدج راحلةً. وقالت: «وداعًا!»

نادتها فيبي: «سيدة بارتريدج. لقد تلقينا تلك الرسالة من قبل.»

قالت السيدة بارتريدج: «عذرًا؟»

قالت فيبي: «كنت أنتِ، أليس كذلك؟ أنتِ من كنتِ تتسللين وتتركين تلك الرسائل، أليس كذلك؟»

قالت السيدة بارتريدج: «هل أعجبتكِ؟» كانت واقفةً في منتصف الممر الجانبي وقد أمالت رأسها نحونا قليلًا، وارتسمت على وجهها نظرة تساؤل، فبدت كطفلة مشاغبة. «تقرؤها لي مارجريت من الجريدة كل يوم، وحين تعجبني واحدة، أطلب منها أن تنسخها. أعتذر على إرسال تلك المتعلقة بالحكم على الآخرين من قبل. لقد نسي عقلي ذلك.»

قالت فيبي: «ولكن، لمَ كنتِ تحضرينها إلى هنا؟»

«ظننتها ستكون مفاجآتٍ سارةً لكم؛ مثل كعك الحظ، غير أني لم يكن عندي كعك أضعها فيه. على أي حال، هل أعجبتكِ؟»

نظرت لي فيبي مطولًا. ثم نزلت الدرج وقالت: «سيدة بارتريدج، متى قابلت أخي؟»

قالت السيدة بارتريدج: «قلتِ إنه ليس لكِ إخوة.»

«أعرف، لكنكِ قلتِ إنكِ قابلته. متى كان ذلك؟»

نقرت بأصبعها على رأسها. «تذكر يا عقلي. لنرَ، منذ بعض الوقت. أسبوع؟ أسبوعين؟ جاء إلى بيتي بالخطأ. وسمح لي بأن ألمس وجهه. كان وجهه يشبهكِ. لهذا ظننته أخاكِ. أليس هذا غريبًا؟»

قالت فيبي: «ليس أغرب من معظم ما حدث مؤخرًا.» بينما سارت السيدة بارتريدج مترنحةً إلى بيتها، قالت فيبي: «العالم برمته غريب يا سال.» اجتازت المرج ثم بصقت في الشارع. قالت: «هيا، فلتجربي.» بصقت أنا أيضًا في الشارع. قالت فيبي: «ما رأيكِ؟» بصقنا مجددًا.

قد يبدو ذلك مقززًا، لكن لا أخفيكم أننا استمتعنا كثيرًا بتلك البصقات. لا أظن أنني سأعرف تفسيرًا لذلك قط، لكن لسببٍ ما بدا هذا التصرف الأمثل لحظتها، ولما التفتت فيبي ودخلَت البيت، عرفتُ أنه أيضًا كان التصرف الأمثل لها.

مستعينةً بالشجاعة التي أمدتني بها تلك البصقات، ذهبت لمقابلة مارجريت كادافر، وخضت معها حديثًا طويلًا عرفت منه كيف التقت بأبي. كان الحديث معها مؤلمًا، حتى إني بكيت أمامها، لكني أدركت بعده سبب حب أبي لرفقتها.

حين وصلت إلى البيت، وجدت بِن جالسًا على السلم الأمامي. قال: «أحضرت لكِ شيئًا. إنه في الفناء الخلفي.» قادني إلى جانب البيت، فرأيت دجاجةً تتبختر على رقعة العشب الصغيرة. في حياتي لم أشعر بسعادة لرؤية دجاجة كالتي شعرت بها في تلك اللحظة.

قال بِن: «لقد أطلقتُ عليها اسمًا، لكن يمكنكِ تغييره إن أردتِ.»

حين سألته عن الاسم، مال للأمام وكذلك فعلت، وتبادلنا قبلة أخرى، قبلة رائعة، مثالية، وبعدها قال بِن: «اسمها توتة برية.»

قالت جدتي: «أوه، هل هذه نهاية قصة فيبي؟»

قلت: «أجل.» أظن أن ذلك لم يكن صحيحًا، إذ كان بوسعي أن أحكيَ المزيد. كان بوسعي أن أحكي عن تعود فيبي على وجود أخ لها، وعن «النسخة الجديدة» من أمها، وعن كل ذلك، لكن ذلك الجزء من الحكاية ما يزال جاريًا بينما نقطع تلك الجبال. كانت تلك قصة مختلفة.

«لقد أحببت قصة فيبي تلك، وسعدت لأنها لم تكن حزينة للغاية.»

أغمضت جدتي عينيها، وفي الساعة التالية التي قضيناها في الطريق إلى مدينة كور ديلين، أصغيت أنا وجدي لأنفاسها المتحشرجة. راقبتها ترقد ساكنةً، هادئةً للغاية. همستُ: «جدي. تبدو شاحبةً قليلًا، أليس كذلك؟»

قال: «أجل يا صغيرتي، تبدو شاحبةً.» زاد جدي من سرعته وانطلقنا بسرعةٍ شديدةٍ نحو مدينة كور ديلين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤