الفصل الرابع

في‏ انقسام الحركة إلى توسطية وقطعية

الحركة في الفصل السابق بمعنى الحركة القطعية، كما يبدو من قوله: «كما أنه خروج من القوة إلى الفعل تدريجًا». والمقصود في هذا الفصل بيان معنًى آخر للحركة، وهي الحركة التوسطية؛ ولذلك قال: تُعتبر الحركة بمعنيَين.

إن الحركة التي هي أمرٌ واحد يمكن أن نلاحظها بلحاظَين، أو من زاويتَين مختلفتَين، وهذا كثيرًا ما يحدث في الفلسفة أن نلاحظ أمرًا واحدًا من عدة زوايا، فننتزع منه معاني بحسب زاوية النظر والحيثية؛ ولهذا قالوا: لولا الحيثيات لبطلَت الفلسفة. فالحركة بلحاظٍ معيَّن تُسمَّى حركةً توسطية، وبلحاظٍ آخر تُسمَّى حركةً قطعية؛ فالحركة في الخارج واحدة لكننا ننتزع منها معنًى أو معاني حسب لحاظات وزوايا نظرٍ مختلفة؛ فمرة نعبِّر عنها حركة توسطية، وأخرى حركة قطعية.

الحركة التوسطية

الحركة التوسطية هي توسُّط المتحرك بين المبدأ والمنتهى؛ فأنت عندما تكون مسافرًا ففي أثناء الطريق تكون بين نقطة البداية والنهاية، فحركتك هذه حركة توسطية، أو حركة الطير مثلًا من لحظة طيرانه بين شجرة وأخرى، فطيرانه من أول لحظة إلى آخر لحظة، أو حركته بين المكانَين، نسمِّيها حركةً توسطية.

الحركة القطعية

الحركة القطعية هي كون الشي‏ء في كل آنٍ في مكانٍ غير المكان السابق؛ أي نلاحظ الشي‏ء في كل لحظة فإنه في مكانٍ ما بالفعل وفي آخر بالقوة، وليس بلحاظ المبدأ والمنتهى؛ فأنت في كل خطوة في حركتك بالفعل في مكان وبالقوة في المكان القادم.

الحركة في الخارج

لا تُوجَد في الواقع الخارجي حقيقةٌ واحدة متصلة للحركة، تمثِّل مصداقًا لما يحسبه الذهن من مفهومٍ متصلٍ واحد للحركة؛ لأن الحركة وجودٌ تدريجي، لا يتحقق جزءٌ منه إلا بعد تصرُّم الجزء الذي قبله، لكن الذهن يرى الحركة شيئًا واحدًا.

والحركة التوسطية ذات مفهومٍ بسيط، عكس الحركة القطعية فهي ليست ذات مفهومٍ بسيط، وإنما هي تقبل الانقسام إلى أجزاء. وما درسناه في بحث الحركة السابق هو الحركة القطعية التدريجية لا الحركة التوسطية.

وكما قلنا فإن ما نلاحظه من مفهومٍ واحدٍ متصل هو أمرٌ ذهني لا وجود له في الخارج؛ لأن الحركة في الخارج ذات وجودٍ سيَّالٍ تدريجي تمتزج فيه القوة بالفعل، فلا وجود لصورةٍ متصلة للحركة بل إن صورةَ الحركة هذه ذهنية؛ لأن الحركة في الخارج منقسمة إلى أجزاء وليست متصلة.

وكل جزء مفروض في الحركة هو فعلٌ لما قبله من الأجزاء؛ أي فعلٌ للقوة التي تقارن ما قبله من الأجزاء، وقوة لما بعده، وتنتهي الحركة من الجانبَين إلى قوة لا فعل معها؛ أي من جهة الحركة، وإلى فعلٍ لا قوة معه؛ أي من جهة الحركة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥