مقدمة

تعدُّ الطاقة أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين. وبدايةً من الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، كانت صور الوقود الحفري، مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي، هي مصادر الطاقة الأساسية لكل شيء حيوي بالنسبة للمجتمع البشري: بدءًا من المحرِّكات البخارية حتى محرِّكات الديزل والاحتراق الداخلي، ومن الكهرباء حتى تدفئة وتبريد المباني، ومن الطهي وتسخين الماء والإضاءة حتى الأجهزة الكهربية والإلكترونية المختلفة، هذا إلى جانب معظم وسائل النقل، ولكن مصادر الوقود الحفري التي تُعد صورة مخزَّنة عبر مئات الملايين من السنين من الطاقة الشمسية باتت تنفد بسرعةٍ بسبب الاستخدام الزائد. علاوة على ذلك، أدى حرق تلك المصادر إلى الإضرار بالبيئة في كوكب الأرض، وما زال هذا يحدث حتى الآن.

من المعروف أن مصادر الطاقة البديلة أو المتجددة — غير مصادر الوقود الحفري — قد دُرست واستُغلَّت. فالطاقة المائية، وهي من مشتقات الطاقة الشمسية، تمثِّل حاليًّا 2 بالمائة من الطاقة المستهلكة في العالم. وقد تطورت التقنيات في هذا المجال، وتُستكشف وتُستغل المصادر المتاحة حاليًّا بكثافة. وهناك أيضًا طاقة الرياح، التي تُعد بدورها من مشتقات الطاقة الشمسية، والتي بدأ استهلاكها يزيد على نحو سريع، لكن مصدر تلك الطاقة المتقطعة على نحو كبير متناهٍ أيضًا. وهناك الطاقة النووية، لكنها طاقة غير متجددة. كما أن المصدر المعدني المستخدم فيها، وهو اليورانيوم، متناهٍ. هذا بالإضافة إلى أن مشكلات منع الحوادث في المحطات النووية والتعامل مع المخلفات النووية لا تزال قائمة.
تعد الطاقة الشمسية أكثر مصدر طاقة متاح للمجتمع البشري. ونظرًا لأن إجمالي الطاقة الشمسية التي تمتصها الأرض يصل إلى ، فإنها تمثِّل عشرة أضعاف الطاقة المستهلكة في العالم في عام 2007. على سبيل المثال، إذا تحول 50 بالمائة من ضوء الشمس الساطع على ولاية نيو مكسيكو إلى طاقة نافعة، فيمكن أن يفي هذا بكل احتياجات الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية.
يُعد استخدام الطاقة الشمسية قديمًا قدم التاريخ البشري، لكن حتى وقتنا الحالي تُعد هذه الطاقة، من بين الأنواع المتعدِّدة لمصادر الطاقة المتجدِّدة، الأقل استخدامًا؛ فهي حاليًّا توفر فقط نحو 0.1 بالمائة من إجمالي الطاقة المستهلكة في العالم، أو 0.00001 بالمائة من الإشعاع الشمسي المتاح. مع ذلك، ونتيجة للبحث المستفيض والتطوير المستمر، يحدث حاليًّا تقدم سريع على نحو مذهل في استخدام هذه الطاقة، وخاصة الخلايا الكهروضوئية الشمسية؛ لذلك من المنطقي توقُّع أن تلك الطاقة ستصبح في النصف الأخير من القرن الحادي والعشرين مصدرَ الطاقة الرئيسي، متجاوزةً كل مصادر الطاقة المستمدَّة من الوقود الحفري.
وكما هو الحال في المجالات التكنولوجية الأخرى، تُعد أول خطوة في النجاح في استغلال الطاقة الشمسية هي الفهم الجيد لجوانبها العلمية الأساسية؛ ولذا، منذ ثلاث سنوات، أطلقت جامعة كولومبيا برنامجًا للماجستير في علوم وهندسة الطاقة الشمسية، وطُلب مني تدريس مقرر فيه عن فيزياء الطاقة الشمسية. في الفصل الدراسي الخاص بالربيع في عام 2009، عندما بدأ التسجيل لهذا المقرر، سجل فيه 46 طالبًا. وقررت شبكة الفيديو التابعة للجامعة تسجيل المحاضرات وتوزيعها على الطلاب غير المسجِّلين. ونظرًا للطلب الكبير، تكررت سلسلة المحاضرات للطلاب المنتظمين لمدة فصلين دراسيين آخرين، وتكرر مقرر الشبكة عن فيزياء الطاقة الشمسية على مدى سبعة فصول دراسية متتالية. ويُعد هذا الكتاب تجميعًا لمحتوى هذه المحاضرات.
فيما يلي التصميم الأساسي للكتاب؛ يلخص الفصل الأول مشكلة الطاقة ويقارن بين الطاقة الشمسية والأنواع المختلفة لمصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة المائية وطاقة الرياح. ويعرض الفصل الثاني نظرية الموجة الكهرومغناطيسية لماكسويل إلى جانب نظرية الفوتون لأينشتاين. إن فهم إشعاع الجسم الأسود مهم لفهم الإشعاع الشمسي، وهو ما سنعرضه بالتفصيل. ويلخص الفصل الثالث الفيزياء الفلكية للطاقة الشمسية، بما في ذلك المعاملات الأساسية والتركيب الرئيسي للشمس، كما سنعرض فيه نظرية التقلُّص الجذبوي للورد كلفن ونظرية الاندماج النووي لهانس بيته عن أصل الطاقة النَّجمية. ويضم الفصل الرابع تناوُلًا مستقلًّا، لكنه أساسي، لعلم الفلك الموضعي الخاص بالشمس، وهو موجَّه بالأساس لغير طلاب التخصصات الفلكية، ويتضمَّن عرضًا سريعًا لكيفية اشتقاق صيغ التحويل الإحداثي، ويضم تناولًا مبسطًا لمعادلة الوقت، الفرق بين التوقيت الشمسي والتوقيت المدني، وذلك كأساس لتتبُّع ضوء الشمس اعتمادًا على الوقت كما نعرفه. واستكمالًا لهذا الفصل عرضنا ملخصًا موجزًا للجوانب المتعلقة بحساب المثلثات الكروية في هذا الشأن في الملحق ب. كما يُحلَّل فيه الإشعاع الشمسي اليومي المباشر المتراكم على الأنواع المختلفة من الأسطح عبر العام من خلال الأشكال البيانية. ويشرح الفصل الخامس كلًّا من تأثير الغِلاف الجوي وتخزين الطاقة الشمسية في الأرض، وهو أساس ما يُطلق عليه الطاقة الحرارية الأرضية الضحلة، كما سنقدم فيه نموذجًا مبسطًا لضوء الشمس المتبعثر أو المشتَّت. يبدأ الفصل السادس بملخص لأساسيات الديناميكا الحرارية ثم يعرض مسائل عديدة متعلقة باستخدام الطاقة الشمسية، بما في ذلك أساسيات المِضخَّة الحرارية والتبريد. وتتناول الفصول من السابع حتى العاشر الجوانب الفيزيائية الأساسية الخاصة بالخلايا الكهروضوئية الشمسية والكيمياء الضوئية الشمسية؛ يقدم الفصل السابع المفاهيم الرئيسية الخاصة بميكانيكا الكم وفق صيغة ديراك، مع عرض أمثلة لأشباه الموصلات والجزيئات العضوية، وتوضيح كامل لكيفية استنتاج القاعدة الذهبية ومبدأ التوازن التفصيلي. يعرض الفصل الثامن أحد أهم المفاهيم الأساسية فيما يتعلَّق بالخلايا الشمسية ألا وهو وصلة . ويتناول الفصل التاسع الخلايا الشمسية المصنعة من أشباه موصلات، بما في ذلك عرض كامل لحد شوكلي وكويسيه، مع وصف مفصل لتراكيب الخلايا الشمسية البلورية والترادفية وذات الأغشية الرفيعة. ويعرض الفصل العاشر تحليلًا لعملية التمثيل الضوئي في النبات وكذلك للبحث في مجال التمثيل الضوئي الصناعي، ويضم وصفًا لخلايا شمسية عضوية متعددة، بما في ذلك الخلايا الشمسية الصبغية والخلايا الشمسية العضوية الثنائية الطبقة. ويتناول الفصل الحادي عشر التطبيقات الحرارية الشمسية، بما في ذلك سخانات الماء الشمسية ومولدات الكهرباء الحرارية الشمسية، وسيُركز على المُجمعات الشمسية ذات الأنابيب المفرغة والمجمعات الحرارية الشمسية المعتمدة على طريقة الثعب الحراري، ويُقدم أيضًا للطاقة الشمسية المُركزة، مع ذكر أنواع المُركزات الضوئية الأربعة: المُركزات ذات حوض القطع المكافئ، والمُركزات ذات طبق القطع المكافئ، والمُركزات ذات جهاز الاستقبال المركزي المزود بالهيليوستات، ومُركزات فرينل الخطية المُحْكَمة (على وجه الخصوص). ويتناول الفصل الثاني عشر تخزين الطاقة، بما في ذلك نظم تخزين الطاقة الحرارية المحسوسة والمتغيرة الطور والبطاريات القابلة لإعادة الشحن، وبخاصة بطاريات الليثيوم أيون، ويقدم أيضًا للمبادئ المعمارية لاستخدام الطاقة الشمسية إلى جانب عناصر الهندسة المدنية.

أوضحت لي تجربتي في تدريس هذا المقرر أن خلفيات الطلاب تكون متشعبة جدًّا، بما في ذلك الفيزياء والكيمياء والهندسة الكهربية والهندسة الميكانيكية والهندسة الكيمائية والهندسة المعمارية والهندسة المدنية والعلوم البيئية وعلوم المواد وهندسة الفضاء والاقتصاد والشئون المالية. وعلى الرغم من أن هذا المقرر كان موجهًا للطلاب الجامعيين في الصفوف النهائية وطلاب الدراسات العليا الراغبين في نيل درجة الماجستير، فمن الضروري أن يتناسب مع نطاق واسع من الخلفيات الخاصة بالطلاب؛ لذا فإن تقديم الخلفية العلمية الضرورية جزء منه، وقد وُضع هذا في الاعتبار عند تصميم هذا الكتاب. على سبيل المثال، ضُمِّنَت المبادئ الأساسية لعلوم الفلك الموضعي والديناميكا الحرارية وميكانيكا الكم. وبالنسبة للطلاب الذين درسوا بالفعل هذه المقررات، فإن الخلفية التي سأوفِّرها ستكون بمنزلة مراجعة سريعة ومرجع للمصطلحات والرموز المستخدمة في هذا الكتاب. إن الهدف من تقديم هذه الخلفية العلمية هو خدمة تناولنا للطاقة الشمسية، وتسريع فهم الجوانب المتعلقة بها. على سبيل المثال، قُدِّمت ميكانيكا الكم باستخدام أسلوب «تجريبي»، بدايةً من الإدراك المباشر للحالات الكمية من خلال مِجهر نفقي ماسح، ومن ثَم، فإن الحالات الكمية ليست مجرد أداة رياضية وإنما واقع مُدرَك. وهذا المِجهر يُعد أيضًا أداة مهمة في البحث عن أجهزة جديدة للاستفادة من الطاقة الشمسية.

ملحق بالكتاب مجموعة من الرسوم والصور الفوتوغرافية الملونة التي تهدف إلى أن تكون بمنزلة تمثيل مرئي للعرض الرياضي الغالب للمادة المقدمة، وهو أمر مفيد للفهم البديهي للمفاهيم.

في أثناء إعطاء المحاضرات وتدوين محتواها، شهدت العديد من الصعوبات غير المتوقعة؛ فالطاقة الشمسية موضوع متشعب جدًّا، وتتضمَّن مجالاته الفلك والديناميكا الحرارية وميكانيكا الكم وفيزياء الحالة الصلبة والكيمياء العضوية وإلكترونيات الحالة الصلبة والعلوم البيئية والهندسة الميكانيكية والهندسة المعمارية والهندسة المدنية. وحتى يكون الكتاب كتابًا دراسيًّا ومرجعًا موحدًا، يجب تصميم مجموعة كاملة ومترابطة من المصطلحات والرموز، التي ينبغي أن تكون متناسقةً قدر الإمكان مع المصطلحات والرموز المستقرة في المجالات الفردية ذات الصلة، ومع ذلك تكون دقيقة وذاتية التناسق. وقد أدرجتُ قائمة بالرموز قرب نهاية الكتاب.

أشكر بشدة الأساتذة إرفنج هيرمان وريتشارد أزجود وفيجاي مودي لمساعدتهم لي في إعداد مقرر الطاقة الشمسية. وأنا ممتن بوجه خاص لعدد كبير من رؤساء الشركات والباحثين في مجال الطاقة الشمسية الذين قدموا لي معلومات مهمة. وأخص بالذكر هنا ستيف أورورك، المدير العام والمحلل البحثي السابق لمصرف دويتشه بنك والرئيس التنفيذي الحالي للاستراتيجيات بشركة إم إي إم سي إلكترونيكس للتحليل المفصل الذي قدَّمه لي لصناعة الخلايا الكهروضوئية الشمسية. كما أشكر أيضًا جون بريكنريدج، المدير العام للشركة الاستثمارية جود إنرجيز للمعلومات التي قدمها لي فيما يتعلَّق باستثمارات الطاقة المتجددة في العالم، وروبرت ديفيد دي أزيفيدو، المدير التنفيذي لغرفة التجارة البرازيلية الأمريكية، لما قدمه لي من معلومات وبيانات عن الجهات العاملة في مجال الطاقة المتجددة في البرازيل؛ ولوري إيه إلدادا، الرئيس التنفيذي للتقنية لشركة هليوفولت، للمعلومات التي قدَّمها لي عن تقنيات تصنيع الخلايا الشمسية ذات الأغشية الرفيعة المُصنَّعة من سيلينيد جاليوم إنديوم النحاس. وأشكر أيضًا إيونيس كيميسيس، وهو أستاذ زميل بجامعة كولومبيا، دعوته إلى تقديم محاضرتَيْن في مقرري عن الخلايا الشمسية العضوية، كما أن الفصل العاشر – قسم (٥) بصفة أساسية قائم على المراجع التي اقترحها لي. وأنا ممتن كذلك لفاسيلي إفتيناكيس، وهو أيضًا أستاذ زميل في جامعة كولومبيا، للمعلومات القيِّمة التي أعطاها لي فيما يتعلَّق بالجوانب الاقتصادية والبيئية الخاصة بالخلايا الشمسية؛ وجون برلين، وهو مؤرخ شهير في مجال الطاقة الشمسية، لإرساله الكريم نسخة إلكترونية من كتابيه إليَّ؛ وجورج كيتسميلر، صاحب شركة ميامي للسباكة وتسخين الماء بالطاقة الشمسية؛ لأنه أراني عددًا من سخانات الماء الشمسية التي يصل عمرها لثمانين عامًا والتي لا تزال تعمل في ميامي؛ ومارجريت أودونوهيو، رئيسة المعهد الأمريكي للمعماريين، لشرحها لي نظام التبريد والتدفئة المعتمد على الطاقة الحرارية الأرضية في معهدها بمدينة نيويورك؛ وميتشيل توماشو، رئيس كلية يونيون بولاية مين؛ لأنه جعلني شاهدًا على تاريخ الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التوسُّط لمنح لوح شمسي خاص بالبيت الأبيض يعود لفترة حكم الرئيس كارتر لمتحف الطاقة الشمسية في مدينة ديزو بالصين. كما أشكر الأكاديمي هي زيوكسيو، المدافع البارز عن الطاقة المتجدِّدة، لمساعدتي في التواصل مع أبرز العاملين في البحث والصناعة في مجال الطاقة المتجددة في الصين؛ ولي شينشنج، الأستاذ الفخري لمعهد بكين، لإعطائه الكريم لي نسخة موقعة من كتابه الذي لم يعد يُطبع «فيزياء الطاقة الشمسية» والذي نُشر في عام 1996 والذي ربما يُعد أول كتاب يُكتب عن هذا الموضوع بأي لغة؛ والسيد هوانج مينج، مؤسس مجموعة هيمين للطاقة الشمسية ورئيسها التنفيذي ونائب رئيس الاتحاد الدولي للطاقة الشمسية، للعديد من المناقشات الملهمة التي جرت بيني وبينه ولدعوتي إلى زيارة شركة هيمين، بما في ذلك زيارة لخط إنتاج رائع هناك للمجمعات الشمسية ذات الأنابيب المفرغة؛ والأستاذ هوانج زيوجي، الباحث لفترة طويلة في مجال بطاريات الليثيوم القابلة لإعادة الشحن ومؤسس شركة فيليون للبطاريات، للمناقشات العديدة التي دارت بيننا عن السيارات الكهربية وللجولة التي دعاني إليها في خطوط الإنتاج بشركته؛ ومير ما، نائب رئيس مجموعة ينجلي جرين إنرجي، للمعلومات القيمة التي قدَّمها لي وللجولة التي دعاني إليها لمشاهدة المراحل الكاملة لعملية تصنيع الوحدات الشمسية والخلايا الشمسية والسيليكون النقي الشمسي. وأخيرًا وليس آخرًا، ما كان هذا الكتاب ليظهر للنور لولا صبر زوجتي لي تشنج ودعمها.
سي جوليان تشن
جامعة كولومبيا، نيويورك
أبريل 2011

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤