المقدمة
في العشرين من أكتوبر عام ٢٠١١م، احتفلت جمعية الدبلوماسيين الروس بالذكرى التسعين لميلاد واحد من أبرز أعضائها؛ فلاديمير ميخايلوفيتش فينوجرادوف (٢ أغسطس ١٩٢١م، فينيتسه، ٢١ يونيو ١٩٩٧م، موسكو). وفي الكلمة التي ألقاها الابن الأكبر لفينوجرادوف، ألكسندر فلاديميروفيتش، أشار إلى وجود العديد من المخطوطات في أرشيف والده، وهي مخطوطات لم تُنشر من قبل، وتتعلَّق على وجه الخصوص بعمله سفيرًا للاتحاد السوفييتي لدى كلٍّ من مصر وإيران.
وما إن انتهت الأُمسية حتى توجَّهتُ إلى ألكسندر فلاديميروفيتش مُعبِّرًا له عن اهتمامي بهذه المخطوطات. وقد عَرَض عليَّ قائمةً كبيرة من الأعمال ذات الأهمية، نصف دستة منها تخص مصر، حيث عمل فلاديمير ميخايلوفيتش بها بدءًا من أكتوبر عام ١٩٧٠م وحتى أبريل ١٩٧٤م بوصفه سفيرًا مُفوَّضًا فوق العادة للاتحاد السوفييتي. وحيث إنني كنت شديد الاهتمام بالأمر، فقد طلبت منه أن يسمح لي بالتعرُّف على هذه المخطوطات وأنا على يقين أنها تُمثِّل قيمةً كبرى لقطاع عريض من الجمهور.
أطلق فلاديمير فينوجرادوف على الفترة التي عمل فيها سفيرًا لدى مصر اسم «زمن الفتنة»، وكان مُحقًّا في ذلك؛ فقد كان مستقبل مصر آنذاك، والتي فقدت لتوِّها جمال عبد الناصر، الزعيم البارز لحركة التحرُّر الوطني، يكتنفه الغموض. وقد بدأ أنور السادات، الذي خلف ناصر في منصب الرئيس، بدأ شيئًا فشيئًا في تغيير سياسة البلاد. وها هي مصر تتحوَّل أكثر فأكثر من التعاون الوثيق مع الاتحاد السوفييتي باتجاه التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية. وخلال ذلك كانت النوايا الحقيقية للرئيس تتخفَّى في كثير من الأوقات وراء التأكيدات على الولاء للنهج الناصري. كانت مصر بحاجة إلى دعم الاتحاد السوفييتي، وقد ترك التعاونُ مع بلادنا في العديد من المجالات أثره الإيجابي على الجزء الأكبر من السياسيين المصريين وعلى المصريين البسطاء. خلاصة القول، في هذا الوقت تحديدًا، تشكَّل اتجاه التطور القادم لمصر، واستمر، مع القليل من التعديلات، حتى أحداث يناير ٢٠١١م.
إلى القاهرة جاء فلاديمير ميخايلوفيتش يحمل على كتفَيه خبرةً عظيمة في العمل الدبلوماسي؛ خمس سنوات سفيرًا لبلاده لدى طوكيو (١٩٦٢–١٩٦٧م)، وثلاث تلتها شَغَل فيها منصب نائب وزیر خارجية الاتحاد السوفييتي. كان مهتمًّا بالدرجة الأولى، بطبيعة الحال، بمشكلات العلاقات السوفييتية المصرية، فضلًا عن أنه أَولى مستقبل مصر نفسها اهتمامًا بالغًا. كان يتابع الصحافة المحلية يوميًّا، ويلتقي بسياسيين مصريين وأجانب بانتظام. كان يدرس الوضع «من داخله»، وهو جانب شديد الأهمية.
واصل فلاديمير فينوجرادوف عمله الدبلوماسي بنجاح بعد عودته إلى بلاده بعد أن أنهى خدمته بالقاهرة، ليصبح منذ عام ١٩٧٧م وحتى ١٩٨٢م سفيرًا للاتحاد السوفييتي لدى إيران. وهناك كان شاهدًا على أحداث الثورة الإسلامية التي وقعت في عام ١٩٧٩م، وهو ما يتحدَّث عنه في عمله الأساسي الذي يحتفظ به في أرشيفه. ثم، وعلى مدى سنوات، يرأس وزارة خارجية جمهورية روسيا الاتحادية.
من الجائز أن يختلف قارئ اليوم مع بعض تقديرات المؤلف، لكن أعمال فينوجرادوف هي وثائق زمنه، رؤية شاهد عِيان لأحداث حدَّدت لزمن طويل مصير مصر نفسها والصراع العربي الإسرائيلي أيضًا. وهنا تكمن بلا شك أهمية هذه التقديرات.