لعلها ترتدي قميص نوم ورديًّا

جلسا على درابزين الجسر. سروال كلٍّ منهما كان خفيفًا، ودرابزين الجسر ثلجيًّا. غير أن المرء يعتاد ذلك. مثلما يعتاد شعوره بالضيق. جلسا هناك. كانت تمطر، لا تمطر، تمطر. جلسا وراحا يستعرضان المارة. ولأنهما طيلة الحرب لم يريا سوى رجال، فلم يريا الآن سوى البنات.

واحدة مرت.

صدرها كبير وجميل جدًّا. يمكن للرجل أن يشرب عليه القهوة، قال تيم.

وإذا سارت طويلًا في الشمس فسيحمض الحليب، قال الآخر مبتسمًا.

ثم مرت واحدة أخرى.

من العصر الحجري، قال الجالس بجانب تيم مستسلمًا.

شبكات العنكبوت تعشِّش في كل مكان من جسمها، قال الآخر.

عندئذٍ مر الرجال. مرُّوا دون تعليق؛ صبيان يتعلمون الحدادة، موظفون في المكاتب ببشرة بيضاء، مدرسون في المدارس الليلية بوجوه عبقرية وسراويل رثة، بدناء بسيقان بدينة، مرضى بالربو، وعاملون في الترام يمشون مشية عسكرية.

ثم جاءت هي. كانت مختلفة تمامًا. لا بد أن شذا الخوخ يفوح منها، هذا هو شعور المرء. أو رائحة البشرة النظيفة تمامًا. وبالتأكيد فإن اسمها فريد تمامًا: إيفيلين أو ما يشبه ذلك. ومرَّت. تتبعها كلاهما ببصره.

لديها ربما قميص نوم وردي، قال تيم.

لماذا؟ تساءل الآخر.

فأجاب تيم: فتاة مثل هذه ترتدي غالبًا قميصًا ورديًّا.

يا للسخافة! قال الآخر، من الممكن أيضًا أن يكون أزرق.

لا يمكن، لا يمكن. مثل هذه ترتدي الوردي. أعلم ذلك تمامًا يا عزيزي. علا صوت تيم جدًّا عندما قال ذلك.

عندئذٍ قال الجالس بجانبه: أنت تعرف واحدة، أليس كذلك؟

لم يرد تيم. جلسا فوق درابزين الجسر، وشعرا بالبرودة الثلجية عبر السروال. عندئذٍ قال تيم: لا، أنا لا، ولكني أعرف واحدًا كانت لديه امرأة بقميص وردي. في الجيش. في روسيا. في محفظته كان يحتفظ دومًا بقطعة من شيء وردي، ولكنه لم يظهرها أبدًا. غير أنها سقطت ذات يوم على الأرض. ورآها الجميع. غير أنه لم يقل حرفًا. نهض وركض ليلتقطها. كانت وردية تمامًا. وفي المساء حكى لي أنه حصل عليها من عروسه. كتعويذة، فاهم؟ إذ إن لديها قمصانًا وردية لا تُحصى، قال لي. ومن أحدها هذه القطعة.

توقف تيم.

ثم؟ سأله الآخر.

عندئذٍ قال تيم بصوت خافت تمامًا: لقد أخذتها منه. ثم رفعتها. وضحكنا جميعًا. على الأقل طوال نصف ساعة ونحن نضحك. ويمكنك أن تتخيل ما قلناه.

وماذا حدث؟ تساءل الجالس بجوار تيم.

حدق تيم في ركبته. انتزعها، قال. ثم تطلع تيم إلى الآخر: نعم، قال، انتزعها مني، ثم أُصيب. في اليوم التالي أُصيب.

ران الصمت على كلَيهما. ظلا يجلسان دون أن ينطقا بكلمة. ثم قال الآخر: كلام فارغ. ثم كررها مرة أخرى: كلام فارغ.

نعم، أعرف، قال تيم. إنه بالطبع كلام فارغ. هذا شيء لا شك فيه. أعرف ذلك أنا أيضًا. ثم أضاف: ولكنه غريب، أتعرف، الأمر غريب.

وضحك تيم. وضحك كلاهما. ثم أدخل تيم قبضته في جيب سرواله ضاغطًا على شيء. قطعة صغيرة من القماش الوردي. لم يبقَ من اللون الوردي الكثير؛ إذ إن القطعة كانت في جيبه منذ وقت طويل، ولكنها ما زالت وردية. لقد أحضرها من روسيا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥