دولة سيدات في مملكة نساء

أما سمعت أيها القارئ بالأمازونيات؟ أَوَمَا عَرَفْتَ شيئًا عن تاريخهن؟ أو قرأت أساطيرهن؟ فقد حدَّث هيرودوتس المؤرخ اليوناني المشهور عن أصلهنَّ وفصلهنَّ، وعرفنا منه أنهن قبيلة من الإناث المحاربات، كانت تقطن في بنطس في آسيا الصغرى على شاطئ البحر الأسود، وكانت ذات مملكة مستقلة تحت سيادة ملكة من أصل شريف منها، وكانت عاصمتها تاميسيرا على ضفة نهر ترمودون حسب نص هيرودوتس.

وكانت الأمازونيات يزحفن من تلك المملكة لمحاربة أهل سيتيا، وتراقيا، وشواطئ آسيا الصغرى، وبحر إيجه، وكنَّ أحيانًا يتطرقنَ إلى سوريا، وبلاد العرب حتى مصر.

ويقال في أصلهنَّ إنهنَّ قَدِمْنَ إلى مدينة ترمودون من بالوس ومايوتوس على بحر أزوف (قزبين)، ويقال إنهنَّ حاربن مع الإسكندر الكبير.

ولم يكنَّ يأذنَّ لرجل أن يقيم في مملكتهنَّ يومًا واحدًا، وإنما لكيلا ينقرضنَ كنَّ يزرنَ مدة أسبوع في السنة قبيلة الجاريجاريين في مملكة جارجاريا المجاورة لبنطس مملكتهنَّ، فالذكور الذين يلدنهم بعد هذه الزيارة يقتلنهم أو يرسلنهم إلى آبائهم إذا كنَّ يعرفنهم. وأما الإناث فيحتفظنَ بهنَّ وتربيهنَّ أمهاتهنَّ، ويعلمنهنَّ الزراعة والصيد وفن الحرب (بحسب قول المؤرخ سترابو)، راجع دائرة المعارف البريطانية.

ورد في إلياذة هوميروس أنهنَّ غزونَ ليسيا فهزمهنَّ بيليريفون، وهاجمنَ الفريجانيس الذين انتصر لهم بريام حين كان لا يزال غلامًا على الرغم من أنهنَّ أخذنَ جانبه ضد الإغريق تحت قيادة ملكتهنَّ بتسيليا التي قتلها أخيل (أو أشيل).

كنَّ يعبدنَ أريس إله الحرب، وإله تراقيا، والإلهة أرطاميس إلهة النور العذراء، والإله أجكس إله القوة، وكانت أزياؤهنَّ وعاداتهنَّ وتقاليدهنَّ يونانية تقريبًا.

وسترى في هذه القصة الغريبة الحوادث العجيبة التقاليد أن القوانين والشرائع التي تناقض الطبيعة البشرية لا يمكن أن تطاع طاعة تامة بصدق وإخلاص، ولا أن تنفَّذ إلَّا بالإكراه. فلا يمكن أن تقوى الآلهة على الإله كيوبد (إله الحب)؛ لأن هذا الإله يجاري قوة الله الواحد الأحد الذي قال: «انموا واكثروا، واملئوا الأرض.»

وسترى أيضًا أن البشر في العصر الميثولوجي كانوا عن غير قصد ينفذون نبوءات الكهنة أو الكاهنات اللواتي كنَّ يزعمنَ أنهنَّ نَبيَّات بوحي من الآلهة، يعني أن الناس كانوا متى سمعوا بنص نبوءة يتوجهون إلى تحقيقها من تلقاء أنفسهم، وهم يعتقدون أنهم يفعلون ذلك بدافع من الآلهة، بقوة حافزة في داخلهم، كأنَّ ما يفعلونه قضاء إلهي مبرم لا بدَّ من حدوثه.

وعند التحقيق في حوادث النبوءات كان المحققون يستنتجون أن تلك التكهنات النبوية كانت مكايد ينصبها الكهنة والكاهنات والأشخاص الذين يتصلون بهم وبالهيكل، كهيكل دلفي الذي اشتهر بنبوءاته التي كانت تتحقق بعض التحقيق؛ لأنها كانت مبهمة، وكان المقضي عليهم بمقتضاها يساعدون على تحقيقها منساقين بتأثيرها في أنفسهم.

وسترى في سياق هذه الرواية العجب العجاب من دهاء الكهنة أو الكاهنات، ومقدرتهم في التأثير على الأشخاص والجموع، فاقرأ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤