في المغرب العربي

قرأت اسمي على صخرهْ
هنا، في وحشة الصحراءْ!
على آجرَّةٍ حمراء
على قبرٍ فكيف يحس إنسانٌ يرى قبره؟
يراه وإنه ليحار فيه:
أحي هو أم ميتٌ؟ فما يكفيه
أن يرى ظلًّا له على الرمالْ
كمئذنةٍ معفَّرةٍ
كمقبرة
كمجدٍ زالْ!
كمئذنة تَرَدَّدَ فوقها اسم الله
وخُطَّ اسم له فيها
وكان محمدٌ نقشًا على آجُرَّةٍ خضراء
يزهو في أعاليها
فأمسى تأكل الغبراء
والنيران، من معناه
ويركله الغزاة بلا حذاء
بلا قدم
وتنزف منه، دون دم
جراحٌ دونما ألم
فقد مات
ومتنا فيه، من موتى ومن أحياء
فنحن جميعًا أموات
أنا ومحمد والله
وهذا قبرنا أنقاض مئذنة معفَّرة
عليها يكتب اسم محمد والله
على كسرٍ مبعثرةٍ
من الآجُرِّ والفخار
فيا قبر الإله، على النهار
ظلٌ لألف حربةٍ وفيل
ولون أبرههْ
وما عكسته منه يد الدليل
والكعبة المحزونة المشوَّهَة
قرأت اسمي على صخرهْ
على قبرين بينهما مدى أجيالْ
يجعل هذه الحفرهْ
تضم اثنين: جد أبي، ومحض رمال
ومحض نثارة سوداء منه، استنزلا قبرهْ
وإياي، ابنه في موته والمضغة الصلصال

•••

وكان يطوف من جدي
مع المد
هتافٌ يملأ الشطآن: يا ودياننا ثُورِي!
ويا هذا الدمُ الباقي على الأجيالْ
يا إرث الجماهير
تشظَّ الآن وَاسْحَقْ هذه الأغلال
وكالزلزال
هز النير، أو فاسحقه واسحقنا مع النير
وكان إلهنا يختالْ
بين عصائب الأبطال
من زندٍ إلى زند
ومن بند إلى بند

•••

إلهُ الكعبة الجبارْ
تدرع أمس في ذي قارْ
بدرعٍ من دم النعمان في حافاتها آثارْ
إله محمد وإله آبائي من العرب
تراءى في جبال الريف يحمل راية الثوار
وفي يافا رآه القوم يبكي في بقايا دار
وأبصرناه يهبط أرضنا يومًا من السحب
جريحًا كان في أحيائنا يمشي ويستجدي
فلم نضمد له جرحا
ولا ضحى
له منا بغير الخبز والإنعام من عبد!

•••

وأصوات المصلين ارتعاشٌ من مراثيه
إذا سجدوا ينز دمُ
فيسرع بالضماد فمُ
بآياتٍ يغض الجرح منها خير ما فيه
تداوي خوفنا من علمنا أنا سنحييه
إذا ما هلل الثوار منا: «نحن نفديه!»

•••

أغار، من الظلام على قرانا
فأحرقهنَّ، سربٌ من جراد
كأن مياه دجلة، حيث ولى
تنم عليه بالدَّمِ والمداد
أليس هو الذي فجأ الحبالى
قضاه، فما ولدن سوى رماد؟
وأنعل، بالأهِلَّة في بقايا
مآذنها، سنابك من جواد؟
وجاء الشام يسحب في ثراها
خطى أسدين جاعا في الفؤاد؟
فأطعم أجوع الأسدين عيسى
وبل صداه من ماء العماد
وعض نبي مكة … فالصحاري
وكل الشرق ينفر للجهاد؟

•••

أعاد، اليوم، كي يقتصُّ من أنَّا دحرناه؟
وأن الله باقٍ في قرانا، ما قتلناه؟
ولا من جوعنا يومًا أكلناه؟
ولا بالمال بعناه
كما باعوا
إلهم الذي صنعوه من ذهبٍ كدحناه؟
كما أكلوه إذ جاعوا
إلههم الذي من خبزنا الدامي جبلناه؟
وفي باريس تتخذ البغايا
وسائدهن من ألم المسيح
وبات العقم يزرع في حشاها
فم التنين: يشهق بالفحيح
ويقذف من حديدٍ في حمانا
جحافل كالفوارس، دون روح
تجد وراء مكة في الصياصي
أقمناها، ويثرب في السفوح

•••

قرأت اسمي على صخره
وبين اسمين في الصحراءْ
تنفَّس عالم الأحياء
كما يجري دم الأعراق بين النبض والنبض
ومن آجرةٍ حمراء ماثلةٍ على حفرهْ
أضاء ملامح الأرضِ
بلا ومض
دمٌ فيها، فسماها
لتأخذ منه معناها
لأعرف أنها أرضي
لأعرف أنها بعضي
لأعرف أنها ماضي، لا أحياه لولاها
وأني ميت لولاه، أمشي بين موتاها
أذاك الصاخب المكتظ بالرايات وادينا؟
أهذا لون ماضينا
تضوَّأ من كوى «الحمراء»
ومن آجرةٍ خضراء
عليها تكتب اسم الله بقيا من دمٍ فينا؟
أنبرٌ من أذان الفجر؟ أم تكبيرة الثوار
تعلو من صياصينا …؟
تمخضت القبور لتنشر الموتى ملايينا
وهبَّ محمدٌ وإلهه العربي والأنصار
إن إلهنا فينا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤