جيكور والمدينة

وتلتف حولي دروب المدينهْ
حبالًا من الطين يمضغن قلبي
ويعطين، عن جمرةٍ فيه، طينهْ
حبالًا من النار يجلدن عُرْيَ الحقول الحزينهْ
ويحرقن جيكور في قاع روحي
ويزرعن فيها رماد الضغينهْ
دروبٌ تقول الأساطير عنها
على موقدٍ نامٍ ما عاد منها
ولا عاد من ضفة الموت سارٍ
كأن الصدى والسكينهْ
جناحا أبي الهول فيها، جناحان، من صخرةٍ في ثراها دفينهْ
فمن يفجر الماء منها عيونًا لتُبْنَى قُرَانَا عليها؟
ومن يرجع الله يومًا إليها؟

•••

وفي الليل، فردوسها المستعاد
إذا عرش الصخر فيها غصونهْ
ورصَّ المصابيح تُفاح نارٍ
ومدَّ الحوانيت أواق تينهْ
فمن يشعل الحب في كل درب وفي كل مقهى وفي كل دارْ؟
ومن يرجح المخلب الآدمي يدًا يمسح الطفل فيها جبينهْ؟
وتخضلُّ من لمسها، من ألوهية القلب فيها، عروق الحجار؟
وبين الضحى وانتصاف النهار
إذا سبَّحَت باسم رب المدينهْ
بصوت العصافير في سدرة يخلق الله منها قلوب الصغار
رحى معدن في أَكُفِّ التجار
لها ما لأسماك جيكور من لمعةٍ واسمها من معانٍ كثار
فمن يسمع الروح؟ من يبسط الظل في لافحٍ ومن هجير النضار؟
ومن يهتدي في بحار الجليد إليها فلا يستبيح السفينهْ؟
وجيكور، من غلق الدور فيها — وجاء ابنها
يطرق الباب — دونه؟
ومن حوَّل الدرب عنها … فمن حيث دارَ اشرأبت إليه المدينهْ؟
وجيكور خضراء مس الأصيل ذرى النخل فيها
بشمسٍ حزينهْ
يمد الكرى لي طريقًا إليها
من القلب يمتد، عبر الدهاليز، عبر الدجى والقلاع الحصينهْ …
وقد نام في بابل الراقصون
ونام الحديد الذي يشحذونهْ
وغشى، على أعين الخازنين، لهاث النضار الذي يحرسونهْ
حصاد المجاعات في جنتيها
رحًى من لظى مَرَّ دربي عليها
وكرم عساليجُه العاقرات شرايين تموز عبر المدينهْ
شرايين في كل دارٍ وسجن ومقهى
وسجنٍ وبارٍ وفي كل ملهى
وفي كل مستشفيات المجانين
في كل مبغًى لعشتار
يطلعن أزهارهن الهجينهْ
مصابيح لم يُسرَج الزيت فيها وتمسسه نار
وفي كل مقهى وسجن ومبغى ودار:
«دمى ذلك الماء، هل تشربونه؟
ولحمي هو الخبز، لو تأكلونه!»
وتموز تبكيه لاةُ الحزينهْ

•••

ترفع بالنواح صوتها مع السحر
ترفع بالنواح صوتها، كما تنهد الشجر
تقول «يا قطار، يا قدرْ
قتلت — إذا قتلته — الربيع والمطرْ»
وتنشر «الزمان» و«الحوادث» الخبر١
ولاة تستغيث بالمضمِّد، الحفر
أن يرجع ابنها يديه، مقلتيه، أيما أثر!
وترسل النواح: «يا سنابل القمرْ
دم ابني الزجاج في عروقه انفجرْ
فكهرباء دارنا أصابت الحجرْ
وصكه الجدار، خضه، رماه لمحة البصرْ
أراد أن ينير، أن يبدد الظلام … فاندحر»
وترسل النواح
ثم يصمت الوتر

•••

وجيكور خضراء
مس الأصيل
ذرى النخل فيها
بشمسٍ حزينهْ
ودربي إليها كومض البروق
بدا واختفى ثم عاد الضياء فأذكاه حتى أنار المدينهْ
وعرى يدي من وراء الضماد كأن الجراحات فيها حروق
وجيكور من دونها قام سورٌ
وبوابة
واحتوتها سكينهْ
فمن يخرق السور؟ من يفتح الباب؟ يدمي على كل قفل يمينهْ؟
ويمناي: لا مخلبٌ للصراع فأسعى بها في دروب المدينهْ
ولا قبضةٌ لابتعاث الحياة من الطين
لكنها محض طينهْ

•••

وجيكور من دونها قام سورٌ
وبوابةٌ
واحتوتها سكينهْ.
١  واضح أن «الزمان» و«الحوادث» جريدتان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤