عرس في القرية

مثلما تنفض الريحُ ذَرَّ النُّضار
عن جناح الفراشة، مات النهار
النهار الطويل
فاحصدوا يا رفاقي، فلم يبق إلا القليل
كان نقر الدَّرابكِ منذ الأصيل
يتساقط، مثل الثمار
من رياح تهوِّم بين النخيل
يتساقط مثل الدموع
أو كمثل الشرار
إنها ليلة العرس بعد انتظار
مات حبٌّ قديمٌ، ومات النهار
مثلما تطفئ الريح ضوءَ الشموع
الشموع … الشموع
مثل حقل من القمح عند المساء
من ثغور العذارى تعب الهواء
حين يرقصن حول العروس
منشدات: «نوار، اهنئي يا نوار!
حلوة أنت مثل الندى، يا عروس»
يا رفاقي، سترنو إلينا نوار
من علٍ في احتقار
زهدتها بنا حفنةٌ من نضار
خاتمٌ أو سوار، وقصرٌ مشيدْ
من عظام العبيدْ
وهي، يا ربِّ، من هؤلاء العبيد!
ولو أنَّا وآباءنا الأولين
قد كدحنا طوال السنين
وادَّخرنا، على جوع أطفالنا الجائعين
ما اكتسبناه في كدنا من نقود
ما اشترينا لها خاتمًا أو سوارْ!
خاتمٌ ضمَّ في ماسه الأزرق
من رفات الضحايا مئات اللحود
اشتراها به الصيرفي الشقي
مثلما تنثر الريح عند الأصيل
زهرة الجُلَّنَارْ
أقفر الريف لمَّا تولَّت نوار
بالصبابات، يا حاملات الجرار
رحن واسألنها: «يا نوار
هل تصيرين للأجنبي الدخيل؟
للذي لا تكادين أن تعرفيه؟
يا ابنة الريف، لم تنصفيه!
كم فتًى من بنيه
كان أولى بأن تعشقيه!
إنهم يعرفونك منذ الصغر
مثلما يعرفون القمر
مثلما يعرفون حفيف النخيلْ
وضفاف النهر
والمطر
والهوى، يا نوار …»
احصدوا يا رفاقي، فإن المغيب
طاف بين الروابي يرش اللهيب
من أباريق مجبولة من نُّضَار
والزغاريد تصدي بها كل دار
أوقد القصر أضواءه الأربعين
فاتبعوني إليها مع الرائحين
اتركوني أغني أمام العريس
وأراقص ظلي كقردٍ سجين
وأمثِّل دور المحب التعيس
ضاحكًا من جراحات قلبي الحزين
من هواي المضاع
من قلوب الجياع
حين تهوى، ومن ذلة الكادحين
سوف آكلُ حتى ينزَّ الدَّمُ
من عيوني فما زال عندي فمُ
كل ما عندنا نحن، هذا الفم!
كان وهمًا هوانًا، فإن القلوب
والصبابات وقفٌ على الأغنياء!
لا عتابٌ فلو لم نكن أغبياء
ما رضينا بهذا، ونحن الشعوب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤