عندما امتلأت الشبكة بالأسماك

كانت المجموعة «ط-ب» تنتظر في فندق «كارونا» في مدينة «بورك» القريبة من نهر «كولجوا»، حيث تتم عملية السطو.

وكان الشياطين «مصباح» و«رشيد» و«إلهام» و«باسم» يجلسون في شرفة الفندق الواسعة. كان الصباح هادئًا، لكنهم لم يكونوا كذلك، فقد كانت رسالة المجموعة «س-أ» هي التي سوف تحدد مهمتهم، إن الخطة «تمام» لا بد من تنفيذها … فإذا كانت مجموعة النسف قد وقعت في يد المجموعة «س-أ»، فإن مهمتهم سوف تكون شيئًا آخر … أما إذا حدث شيء مختلف، فإن الخطة «تمام» ستكون هي المهمة المطلوب تنفيذها …

نظر «رشيد» في ساعة يده، ثم قال: لقد تأخرت الرسالة. لا بد أن شيئًا قد حدث!

لم ينطق أحد من الشياطين، ولم تمر لحظة حتى أشرق وجه «رشيد» وهو يقول: إن الرسالة في الطريق.

أسرع الشياطين إلى حجرة «رشيد»، والتفوا حول الجهاز السري؛ فقد كانت اللمبة الحمراء تعطي إشارةً، تعني أن هناك رسالةً … بدأ الشياطين يتلقون الرسالة: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»: المجموعة «ط-ب» وقعت السمكة في الفخ؛ الخطة «تمام» … الكابتن في الطريق.» … نظر الشياطين إلى بعضهم، ثم رفعوا أصابعهم بعلامة النصر في سعادة. ورد «رشيد» على الرسالة: «من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر»: الحركة تبدأ عند وصول الكابتن.»

لم يكد «رشيد» من دق الرسالة، حتى دق الباب … نظروا جميعًا إلى الباب، فقد توالت الدقات بإيقاع يعرفونه، فابتسموا، وأسرعت «إلهام» إلى الباب، وعندما فتحته، كان «أحمد» يقف مبتسمًا، ودخل بسرعة، وتعانق الشياطين …

جلسوا في اجتماع سريع … شرح لهم «أحمد» كل ما حدث في مغامرة «بحر المرجان»، ثم قال: إن خطتنا هي … وقبل أن يكمل الجملة، نطق الشياطين جميعًا: تمام.

قال «أحمد»: إننا سوف ننزل في منطقة شبه صحراوية. إن نهر «كولجوا» يقطع الصحراء، وتحفه بعض الأشجار والنباتات، أما خط السكة الحديد — الذي يعبر ولاية «كوينزلاند» إلى ولاية «نيوسوشويلز» — فيكاد يكون وحيدًا؛ إنه كالتائه في الصحراء، ولذلك فإن هذه المنطقة تكاد تكون مكشوفة.

أخرج من جيبه خريطة صغيرة، ثم بسطها أمام الشياطين، وبدأ يتحدث: إننا نقع الآن في هذه المنطقة، أمامنا أكثر من مائة ميل لنقطعها، حتى نصل إلى نقطة مرور القطار فوق النهر. سوف نأخذ القطار من «بوك»، ثم ننزل هناك. لاحظوا أنه لا توجد محطة في تلك المنطقة، وعلينا أن نكون مستعدين لذلك.

قال «باسم»: إنهم قد يأخذون أي شكل، فيلبسون ملابس عمال المناجم مثلًا، وقد يزورون أوراقهم الشخصية أيضًا.

أحمد: إن هذا حقيقي … بجوار أنهم سوف يتحركون بسيارة، تلك التي سوف ينقلون بها الذهب، وهذه المعلومة سوف تساعدنا كثيرًا.

مصباح: إنهم سوف يهاجمون القطار، ما دامت خطة النسف قد فشلت.

أحمد: بالتأكيد، وأمامنا أمر من اثنين؛ إما أن نلحق بقطار الذهب، وإما أن نتواجد معهم في نفس المنطقة.

إلهام: إننا نعرف أنهم مجموعة مُكوَّنة من ثمانية، لكن القطار سوف تكون حراسته مشددة بالتأكيد، ونخشى أن يحدث خلط بيننا وبينهم في نظر الحراسة.

أحمد: هذه أيضًا مشكلة؛ ولذلك فإن تحركنا بشكل أسرع سوف يجعل مهمتنا أسهل؛ فإن مواجهتهم مباشرةً أهم ما نرمي إليه.

مصباح: إذن؛ يجب أن نتحرك فورًا.

رفع «رشيد» سماعة التليفون، ثم طلب الاتصال بمحطة السكة الحديد، وعندما سأل عرف أن هناك قطارًا سوف يتحرك في خلال ساعة.

انتهى الشياطين من حساباتهم في الفندق، ثم أسرعوا ليتوجهوا إلى المحطة، وكان عليهم أن يستقلوا تاكسيًا إليها، فوقفوا عند باب الفندق ينتظرون، لكن لم يظهر أي «تاكسي»، فنظر «أحمد» في ساعة يده، ثم قال: إن الوقت يمر بسرعة؛ يجب أن نتصرف، ثم عاد بسرعة إلى الفندق، وسأل موظف الاستعلامات أن يطلب له تاكسيًا، غير أن الموظف أجاب «أحمد»: إن اليوم إجازة التاكسي، ولا يوجد تاكسي في المدينة كلها يعمل اليوم»، فعاد «أحمد» بسرعة إلى الشياطين وأخبرهم.

قالت «إلهام»: لا حل سوى الأوتوستوب.

نزلت بسرعة إلى الشارع، ومرت دقائق، ثم ظهرت سيارة صغيرة، فأشارت لها، فتوقفت، وتحدثت إلى سائقها وشرحت له الموقف، فأبدى الرجل استعداده أن يصحب واحدًا فقط معه قائلًا: هذه سعة السيارة. نظرت «إلهام» إلى الشياطين، فأشار لها «أحمد» أن تركب معه، وما إن انطلقت السيارة ﺑ «إلهام» حتى ظهرت سيارة أخرى أشار لها «باسم»، إلا أن السيارة لم تقف؛ فقد كانت مليئةً بركابها.

مر الوقت بسرعة، ثم ظهرت سيارة شرطة، وقف «أحمد» أمامها فتوقفت، وتحدث إلى الضابط الذي يركب بجوار السائق، فأخبره أنه يستطيع نقلهم. أسرع الشياطين بالقفز داخل السيارة التي انطلقت إلى المحطة، ولم يكن هناك سوى ربع ساعة فقط ويتحرك القطار.

قال «أحمد»: هل المحطة لا تزال بعيدة؟

أجاب «الضابط»: أمامنا خمس دقائق فقط.

جلس الشياطين في حالة صمت، فقد كانوا يشعرون بالقلق. فجأةً … سكت موتور السيارة، وحاول السائق أن يستمر، لكن بلا فائدة. نزل بسرعة، ثم كشف مقدمتها، وحاول قليلًا، ثم عاد وقد ظهر اليأس على وجهه، وقال: معذرةً؛ إن السيارة لن تسير، ولا بد من كهربائي.

نزل «مصباح» بسرعة، ثم انحنى فوق الموتور، وظل يحاول معه، ثم رفع قامته ونظر إلى السائق قائلًا: حاول الآن. أدار السائق المفتاح، فدارت السيارة. ابتسم السائق، وأسرع «مصباح» يقفز داخل السيارة، بينما كانت صفارات القطار تسمع بوضوح.

قال الضابط، مشيرًا إلى الأمام: هذه هي المحطة. ارتفعت صفارة حادة، فقال «باسم» على أثرها: إنه القطار؛ على وشك أن يتحرك.

عندما توقفت السيارة أمام باب المحطة، كان القطار قد تحرك وابتعد. وقف الشياطين ينظرون حولهم … لم تكن «إلهام» موجودةً. أشار «رشيد»: إنها في القطار؛ ها هي تشير. رفع يده يحدد مكانها، فأبصرها الشياطين. فجأةً توقف القطار، وارتفع صوت ميكروفون داخل المحطة يقول: الأصدقاء الذين تأخروا عليهم أن يتقدموا بسرعة إلى القطار. تحرك الشياطين بسرعة، إلا أن «أحمد» كان قد ألقى نظرةً عند باب دخول مبنى المحطة، فرأى ضابط الشرطة يقف هناك وهو يرفع يده محييًا، فحياه هو الآخر، ثم انطلق يلحق ببقية الشياطين. ما إن قفزوا جميعًا داخله، حتى بدأ يتحرك وهو يطلق صفارةً متقطعة. نظر «أحمد» من شباك القطار؛ كان الضابط لا يزال واقفًا، فأخرج يده وأشار له … فرد الضابط إشارته، وظل يرقب الضابط حتى انصرف، ثم … شيئًا فشيئًا … اختفى مبنى المحطة.

قالت «إلهام»: لماذا تأخرتم؟

قال «أحمد»: لقد توقعت ذلك!

إلهام: توقعت التأخير!

أحمد: لا؛ توقعت تصرف ضابط الشرطة. المؤكد أنه طلب من ناظر المحطة أن يُوقِف القطار حتى نلحق به؛ إنه موقف لا يُنسى!

كان القطار قد انطلق بأقصى سرعة، ولم يكن يحمل ركابًا كثيرين. كان بعض الركاب يجلسون وحدهم، والبعض يتحدث في صوت غير مسموع، فقد كان صوت عجلات القطار يغطي على أي صوت آخر. ولم تكد تمر نصف ساعة، حتى ظهرت حدود الصحراء. كان الشياطين ينظرون من نافذة القطار، ولم يكن يصطدم بصرهم بشيء، سوى الرمال أو تلك الكثبان الرملية المتناثرة.

علق «باسم»: إنها مناظر طبيعية لا بأس بها.

مصباح: فإذا أضيفت إليها بعض الأشجار، فإن المنظر يكون أحسن.

مر مفتش القطار، وطلب التذاكر، وشرح له «أحمد» الموقف، فابتسم الرجل، وطلب ثمن التذاكر. سأله «أحمد»: ألا توجد محطات قريبة من «نهر كولجوا»؟

المفتش: توجد محطة قبل عبور النهر بكيلومتر واحد، ومحطة أخرى بعده بمسافة كيلومتر واحد أيضًا.

إلهام: هل يُبطئ القطار عند عبور النهر؟

نظر لها المفتش لحظةً، ثم قال مبتسمًا: هل ستقفزين من القطار؟

ضحكوا جميعًا … ثم انصرف المفتش، فقالت «إلهام» بسرعة: سؤال ساذج ما كان يجب أن أسأله!

صمت الشياطين، وشرد كل منهم يفكر في شيء ما. كان «أحمد» يفكر في النزول في المحطة، ثم يمشي الشياطين مسافة الكيلومتر؛ فإن ذلك لن يجعلهم مُراقَبين من أحد، ولو أنهم قفزوا عندما يمر القطار من منطقة تهدئة السرعة، فربما كان أفراد العصابة في مكان يسمح لهم برؤيتهم، وشرح للشياطين فكرته، ثم طرحها للمناقشة.

قال «رشيد»: إنني أوافقك.

باسم: أخشى أن يدهمنا الليل … ونضطر لاستخدام البطاريات؛ إن ذلك قد يكشفنا أكثر.

مصباح: أعتقد أننا لن نستطيع اتخاذ القرار إلا عندما نقترب من المحطة. إن الضوء الباقي من النهار سوف يحدد قرارنا.

إلهام: أنا أتفق مع «مصباح».

استغرق الشياطين في تفكيرهم، مع رتابة صوت عجلات القطار. كان ضوء النهار ينسحب شيئًا فشيئًا، وفجأةً شعر الشياطين أن القطار يبطئ من السرعة، ثم بدأ يطلق صفارات متتاليةً متقطعةً. نظر الشياطين إلى بعضهم، ثم التقت أعينهم عند زجاج نافذة القطار. كان ضوء الشمس قد أصبح مصفرًّا … مما يعني أن الشمس على وشك الغروب.

وقف «أحمد» ينظر من زجاج النافذة. كانت بعض النباتات الصحراوية تنبت بجوار القطار، الذي أخذ يبطئ السرعة. كانت الصحراء الشاسعة تبدو أمامه مُوحِشة هادئة، وكأن الإنسان لم يطأها مرة. أبطأ القطار سرعته أكثر، وظهر بعض الناس منفردين، ثم أخذ الناس يتزايدون.

قال «باسم»: يبدو أنهم عمال مناجم المنجنيز، فهي قريبة من هنا.

توقف القطار في المحطة، وبدأ الركاب يملئون المقاعد، وأشار «أحمد» إلى الشياطين، فاتجهوا إلى باب النزول. لم تمر لحظات حتى انطلقت صفارة القطار، ثم أخذت عجلاته تتحرك، ثم تزداد سرعته شيئًا فشيئًا، حتى انطلق، وكان الشياطين يقفون وحدهم على الرصيف الخالي.

قالت «إلهام»: لا بد أن هناك مساكن لهؤلاء العمال.

ولم تكد تُتِم جملتها، حتى اقترب منهم رجل متقدم في السن، عرفوا أنه ناظر المحطة، فقال: إن مساكنهم بعيدة قليلًا، وتنقلهم سيارات خاصة إلى المحطة؛ إنهم دائمًا في حاجة إلى هواء نقي؛ نظرًا لبقائهم ساعات طويلةً في المناجم.

سأله «أحمد»: ألا توجد فنادق هنا؟

الناظر: لا يوجد شيء هنا أبدًا!

انصرف الشياطين في هدوء. كانت الشمس تلمع عند الأفق، وكأنها قرص ضخم من النحاس.

قال «أحمد»: ينبغي أن نسرع قبل أن يفاجئنا الظلام.

أسرعوا في مِشيتهم … وهم يحافظون على اتجاههم مع شريط القطار. ثم قالت «إلهام»: إننا نستطيع أن نقطع المسافة في أقل من نصف ساعة.

لكن، لم يعلق أحد بشيء.

اختفى نصف قرص الشمس، فبدا الوجود وكأنه لوحة رائعة. كان الصمت يخيم على كل شيء؛ اللهم إلا وقع أقدام الشياطين على الزلط المتناثر بجوار القضبان. وعندما اختفت الشمس تمامًا … كان هذا يعني أن المغامرة قد بدأت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤