الفلسفة في الوطن العربي في مائة عام١

(١) الموضوع والقصد

«الفلسفة في الوطن العربي في مائة عام» محاولة لبلورة الوعي الفلسفي العربي على مدى قرنٍ من الزمان والعالم كله يتحوَّل من قرنٍ إلى قرن، ومن ألفيةٍ إلى ألفية.٢ ورَصْد مسار الوعي الفلسفي التاريخي العربي نوعٌ من التفكير على الذات، وتحويل الذات إلى موضوع للتأمل؛ فالأنا ذات وموضوع، ملاحِظ وملاحَظ، متأمِّل ومتأمَّل فيه عن طريق الاستبطان، خاصة وأن الغرب يتهم الحضارات غير الغربية بأنها ينقصها الوعي التاريخي؛ لأنها تعيش في الخلود، لا تعرف الزمان التاريخي، الفردي والجماعي؛ لأنها تعيش في كل الزمان، لا تعرف الإنسان لأنها تعيش مع الله وتنعم بالأبدية، والغرب وحده هو الذي أعطى العالم الزمان والتاريخ، الإنسان والتقدُّم. فيه صدرت الإعلانات العالمية المتتالية عن حقوق الإنسان، وفيه ظهرت فلسفات التاريخ وتحقيب أعمار العالم ومراحل التاريخ.٣

كانت الندوة الفلسفية الحادية عشرة للجمعية الفلسفية المصرية في العام الماضي «الفلسفة في مصر في مائة عام» والندوة الفلسفية الثالثة العام القادم ربما «الفلسفة في العالم»، الغرب والشرق على السواء، في مائة عام من أجل وضع مسار الوعي الفلسفي العربي في مسار الوعي الفلسفي العالمي، غربًا وشرقًا أسوةً بما قام به الحكماء السابقون، أسلافنا الأقدمون، عندما ظهر الوعي العربي الإسلامي بين الوعي الفلسفي عند اليونان والرومان غربًا, والوعي الفلسفي في فارس والهند شرقًا.

والغاية من ذلك كله محاولة الإجابة على سؤال عصرنا: في أية مرحلة من التاريخ نحن نعيش؟ وإلى أي جيل نحن ننتسب؟ خشية أن نقوم بدور أجيالٍ مضَتْ فنقع في السلفية، أو بدور أجيال قادمة فنقع في «العلمانية»، ويشق الصف الوطني، وتقع الحرب بين الإخوة الأعداء والتي قد تصل إلى حد النزاع المسلح الشامل كما هو الحال في الجزائر، أو العنف المحدود كما هو الحال في مصر واليمن والعراق، أو التوتر المكبوت في المغرب وليبيا وتونس وسوريا والكويت وشبه الجزيرة العربية باستثناء لبنان وتجربتها التعددية ونجاح حزب الله في تحرير الجنوب، والأردن وتجربتها البرلمانية وإعطاء الشرعية للحركة الإسلامية كتنظيمٍ سياسي له الحق في المشاركة السياسية وممارسة التجربة الديمقراطية.

هل نحن جيل النهضة العربية الأولى منذ القرن الماضي، ورثناها في مدارسنا وجامعاتنا وثوراتنا الوطنية ضد الاستعمار أولًا والقصر ثانيًا؟ هل نحن جيل التحرُّر الوطني الذي استأنف فجر النهضة العربية الأولى وأراد استكمال مشروع النهضة وتحويله من الفكر إلى الواقع ومن العقل إلى الثورة؟ هل نحن جيل الثورة العربية التي قامت منذ أوائل الخمسينيات واندلعت في معظم أرجاء الوطن العربي وازدهرت في القومية العربية والاشتراكية العربية؟ هل نحن جيل بناء الدولة الوطنية المستقلة، جيل التحديث والتصنيع؟ أم أننا جيل تعثُّر هذه الدولة وتحوُّلها إلى نظم تابعة إلى أعداء الأمس الاستعمار والصهيونية، وانقلاب حركات التحرر الوطني إلى نقيضها في التعاون مع الاستعمار والاعتراف بالكيان الصهيوني؟ أم أننا جيل تفكك الأوطان وتجزئة الوطن العربي وتشرذمه في عصر العولمة، جيل حصار العراق وليبيا وإيران والسودان والتهديد بتفتيت المغرب إلى عرب وبربر، والعراق إلى سنة وشيعة وأكراد، والخليج إلى سنة وشيعة، وسوريا إلى عرب ودروز وعلويين، واليمن إلى زيدية وشوافع، والسعودية إلى وهابيين قدامى ووهابيين جدد، ولبنان إلى طوائف وملل ونحل وعشائر، وتهميش مصر وإخراجها من قلب الوطن العربي لتحل إسرائيل محلها، أداة للتحديث وجسرًا مع الغرب؟

وقد تشعر الأجيال الحالية بأنها جيل نهاية النهضة العربية الأولى وبداية صبح النهضة العربية الثانية، نهاية الثورة العربية الأولى وبداية الثورة العربية الثانية، بداية بالانتفاضة الفلسطينية الأولى التي أحضرت السلطة الوطنية الفلسطينية، والثانية التي تحضر الآن الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، قد يشعر هذا الجيل أنه جيل مخاض جديد، القديم لم ينتهِ بعد، والجديد لم يبدأ بعد، جيل مخضرم بين عصرين، جيل انتقال بين فترتين، جيل تحول بين عهدين. المخاض عسير ولكن الولادة قادمة في أوانها وربما قبل الأوان، طبيعية أو قسرية، ذكرًا أو أنثى، ثورية أو محافظة، سليمًا معافًا أم بتشويه خلقي. ذلك محكوم بالقدرة على تحليل الوعي التاريخي ولحظته الراهنة في مساره الطويل الحديث أو القديم.

(٢) الحوامل التاريخية والأوعية الثقافية

وتعني «الحوامل» الحوادث التاريخية التي أيقظت الوعي الفلسفي التاريخي مثل احتلال مصر في ١٨٨٢ ثم توالى الاحتلال لتونس وليبيا والمغرب ولسوريا والعراق واليمن وباقي الأقطار العربية قبل هزيمة تركيا في الحرب الأولى عام ١٩١٨٤ وكانت الجزائر قد احتُلَّت منذ ١٨٣٠ كولاية عثمانية، وقد ولدت واقعة الاحتلال حركات الإصلاح الديني والتي منها انبثقت حركات التحرر الوطني، الأفغاني والحزب الوطني في مصر، وجمعية علماء الجزائر، حزب الاستقلال في المغرب، ورابطة علماء الزيتونة بتونس، وعلماء اليمن الأحرار، والكواكبي بالشام، والمهدية بالسودان، والسنوسية وعمر المختار بليبيا، وهو عصر الجيل الأول من الفلاسفة العرب جيل مصطفى عبد الرازق تلميذ محمد عبده. وبعد الثورة الكمالية في تركيا في ١٩٢٣ وإلغاء الخلافة في ١٩٢٤ بدأ التفكير في النظم السياسية البديلة، الدولة، الأمة، القُطر، الإمارة، الملكة، القومية، العروبة بسبب بروز الكيانات القُطرية أو القومية كأشكال سياسية بديلة عن الخلافة، فظهر ساطع الحصري مفكرًا للقومية، وأحمد لطفي السيد وعلي عبد الرازق مفكرين للقطرية، والأفغاني داعيًا للأمة الإسلامية وللجامعة الشرقية، والكواكبي جامعًا بين الإسلام والقومية، وعبد الحميد بن باديس، وعلال الفاسي، والبشير الإبراهيمي، وابن عاشور الفاضل والطاهر، وحسن البنا وكل دعاة الإصلاح في المغرب العربي جامعين بين الإسلام والعروبة والوطن. وهو عصر الجيل الثاني من الفلاسفة العرب، تلاميذ مصطفى عبد الرازق.٥
وبعد الثورات العربية في أوائل الخمسينيات تحول الوعي الفلسفي من فجر النهضة العربية والإصلاح الديني وحركات الاستقلال والتيار الليبرالي إلى الوعي الفلسفي العربي بالقومية والاشتراكية وبحركات التحرُّر في العالم الثالث وبعد الانحياز في عصر الاستقطاب، وهو عصر الجيل الثالث من الفلاسفة العرب، تلاميذ الجيل الثاني الذين بدءوا المزاوجة بين التراثَيْن الغربي والإسلامي، ظهرت التيارات الفكرية المعاصرة وإن لم تتحوَّل بعدُ إلى مذاهب وأنساق فلسفية.٦
وبعد هزيمة يونيو (حزيران) ١٩٦٧ ظهرت المشاريع العربية المعاصرة على أيدي الجيل الرابع من الفلاسفة العرب الذين تتلمذوا على أيدي الجيل الثالث وحوَّلوا التيارات الفكرية إلى مشاريع فلسفية مُعْطين الأولوية للمنهج أو المذهب على الموضوع جمعًا للوافد والموروث، المنهج أو المذهب من الوافد والموضوع من الموروث، الروح القوية من الخارج والبدن العليل من الداخل، روح بلا بدن من أجل بدن بلا روح.٧
وهناك جيل خامس قادم، تكوَّن وفي مرحلة العطاء، يعمُّ الوطن العربي كله، يتجاوز المشاريع العربية المعاصرة، يتجاور معها ويتحاور، يتداخل ويتقابل، يتولد منها ويتكاثر، بارقة أمل في عصر الاستقطاب الأيديولوجي بين السلفية والعلمانية، ويتجاوز تيارات الفكر العربي المعاصر، الإصلاح والتنوير وتحديث المجتمع بالعلم والمدنية، يقل جيلًا وراء جيل، ولكن الأمل مستمرٌّ والخيط الرفيع متصل، قد تختلف الأعمار إذ لا يوجد حدٌّ فاصلٌ بين الأجيال.٨
وبالإضافة إلى الحوامل التاريخية هناك الأوعية الثقافية والتعليمية والعلمية مثل نشأة الجامعات ومراكز الأبحاث والمجلات الفكرية والجمعيات الفلسفية ودور النشر المتخصصة، وعقد الندوات والمؤتمرات الفلسفية على مدى أكثر من نصف قرن؛ فقد ارتبطت الفلسفة في مصر بنشأة الجامعة المصرية عام ١٩٢٥، وفيها رأس مصطفى عبد الرازق أول قسم للفلسفة، درس فيها منصور فهمي، ورأسها أحمد لطفي السيد، كما نشأت الفلسفة في لبنان بفضل الجامعة اليسوعية والجامعة الأمريكية، ثم الجامعة اللبنانية، وكذلك الحال في معظم الجامعات العربية في المغرب حتى الخليج. وكان لمجلة «المشرق»، مجلة الآباء اليسوعيين أكبر الأثر في نشأة الفكر الفلسفي خاصة التحقيق ونشر النصوص وكما هو الحال في الجامعة العثمانية في حيدر آباد الدكن. واستمرت المجلات الفلسفية العامة مثل «الفكر المعاصر» في مصر في الستينيات (زكي نجيب محمود، فؤاد زكريا)، و«الفكر المعاصر» في سوريا–لبنان (مطاع صفدي)، و«الفكر العربي» ببيروت، و«عالم الفكر» بالكويت. ثم نشأت المجلات الفلسفية المتخصصة للجمعيات الفلسفية العربية في مصر وتونس والمغرب والأردن، كما قامت دور النشر الفلسفية المتخصصة مثل دار التنوير، وطوبقال، والمركز الثقافي العربي، ودار النشر المغربية، وأخيرًا دار قباء.٩

(٣) معايير التصنيف

وتتداخل «الفلسفة في الوطن العربي في مائة عام»، مع الفكر العربي المعاصر، من داخل الجامعات وخارجها؛ فالأفغاني ومحمد عبده لم يكونا فلاسفة بالمعنى التخصصي، ولكن كان لهما اجتهادهما في الفلسفة الإسلامية وأثرهما على مصطفى عبد الرازق مؤسس الدراسات الفلسفية المعاصرة، وأحمد لطفي السيد فيلسوف الجيل ومفكر الأمة المصرية، وقاسم أمين تلميذ محمد عبده، وعلي عبد الرازق القاضي الشرعي ومحمد فريد وجدي وخالد محمد خالد وغيرهم لهم أبلغ الأثر في الفكر الفلسفي السياسي المعاصر. وشبلي شميل وفرح أنطون وسلامة موسى لم يكونوا في أقسام الفلسفة في الجامعات المصرية لكنهم كانوا رواد الفكر العلمي العلماني كما ظهر عند زكي نجيب محمود وفؤاد زكريا داخل الجامعات.

اتسعت الفلسفة ولم تصبح قاصرةً على أصحاب المهنة بل ساهم فيها باعتبارها أم العلوم أو المعرفة الشاملة الأئمة والعلماء والقضاة الشرعيون والمصلحون الدينيون، والمفكرون السياسيون والأدباء والصحفيون والكتاب أصحاب الأقلام،١٠ وغطت مساحة كبيرة من الفكر الفلسفي العام الذي يضم الفكر الديني والعلمي والسياسي، داخل الجامعات وخارجها.

كما اتسع الفكر الفلسفي ليضم العلوم الإنسانية خاصة اللسانيات (محمد أركون، طه عبد الرحمن)، وعلم النفس (مصطفى حجازي، علي زيعور، مصطفى صفوان)، والجغرافيا (جمال حمدان)، والأنثروبولوجيا (أحمد أبو زايد)، والتاريخ (عبد الله العروي)، والسياسة (أحمد لطفي السيد)، والأدب (طه حسين)، والاجتماع (محمود إسماعيل)، واللغة (نصر حامد أبو زيد)، والقانون (كمال أبو المجد). وكانت أقسام الفلسفة قد ضمَّت منذ نشأتها الأولى علم النفس وعلم الاجتماع قبل أن ينفصل العِلْمان عنها كعلوم مستقلة في مصر والجزائر وقبل أن ترتبط بأقسام الدراسات الإسلامية والعقيدة في الكليات الأزهرية والجامعات الدينية وفروع الجامعات السعودية في موريتانيا والمغرب وعدد من الأقطار العربية والإسلامية الأخرى حتى الملايو، وقد كان الجمع بين الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والفن أحد عوامل قوة مدرسة «فرانكفورت».

ولا ينفصل الفكر العربي عن الفكر الإسلامي فهما لفظان على التبادل؛ إذ إن رائده الأول ومؤسس الإصلاح الديني جمال الدين الأفغاني ليس عربيًّا، ويدخل فيه محمد إقبال (الهند-باكستان)، وأحمد خان (الهند)، وقاسم أحمد (الملايو)، وسعيد النورسي (تركيا)، وعلي شريعتي وطالقاني والإمام الخميني (إيران)، ومن الجيل الحالي فريد إسحق، وعبد الله الطيب، وإبراهيم موسى (جنوب أفريقيا)، ومعظم التيارات في الفكر العربي المعاصر لها إمداداتها خارجة في العالم الإسلامي، فالعروبة قلب الإسلام ومهبط وحيه، ومصدر فكره، ولغته وثقافته.

والسؤال هو: ما هي معايير التصنيف؟ يمكن وضع أربعة:

  • (أ)
    الأجيال والمراحل، فهناك أربعة أجيال على الأقل في مصر وثلاثة في سوريا، واثنان في العراق ولبنان والمغرب العربي، وجيل واحد في شبه الجزيرة العربية، كل جيل يمثِّل مرحلة؛ الأول في مصر جيل ثورة ١٩، والثاني جيل الأربعينيات، والثالث جيل الثورة في ١٩٥٢، والرابع جيل هزيمة حزيران ١٩٦٧، وفي سوريا؛ الأول جيل ما قبل الاستقلال في ١٩٤٥، والثاني جيل الثورة في أوائل الخمسينيات، والثالث جيل المشاريع العربية المعاصرة، وفي العراق ولبنان والمغرب العربي؛ الأول جيل الخمسينيات، والثاني جيل السبعينيات، وهي أجيال قصيرة إذا كان الجيل، كما يحدده القدماء وابن خلدون، أربعين عامًا، وتتداخل الأجيال ويتسارع التفاعل حيث يتعايش أكثر من جيل في زمن واحد،١١ كما تتواصل الأجيال في تيارات واتجاهات فلسفية واحدة.
  • (ب)
    المناطق الجغرافية؛ إذ يزدهر الفكر الفلسفي في مصر والشام والمغرب ربما لبداية النهضة العربية في «بر» مصر و«بر» الشام، ولقرب المغاربة من الغرب الفرنسي، وقد تكو الدولة «التاريخية» أحد العوامل لازدهار الفكر الفلسفي السياسي، وقد يكون لاتصال هذه المناطق أكثر من غيرها بالغرب الحديث مما ساعد على «صدمة الحداثة» منذ الطهطاوي وخير الدين، ولعبة المرآة المزدوجة، رؤية الأنا في مرآة الآخر، والآخر في مرآة الأنا، والحقيقة أن المناطق الجغرافية متصلة فيما بينها ليس فقط عن طريق الهجرات، هجرات المفكرين الشوام إلى مصر مثل فرح أنطوان وشبلي شميل ورشيد رضا، أو عن طريق البعثات التعليمية إلى مصر مثل بديع الكسم،١٢ كما تظهر تيارات فلسفية واحدة في نفس الأقطار مثل الماركسية في مصر والشام والمغرب، والظاهراتية في سوريا ولبنان ومصر، والشخصانية في لبنان والمغرب، والبنيوية في مصر والمغرب.
  • (جـ)
    الاتجاهات والتيارات: وهو واضح من ظهور الاتجاهات وهو أعم من التيارات الفلسفية في شتى أنحاء الوطن العربي مثل الماركسية في مصر والشام، والشخصانية في لبنان والمغرب، والعقلانية في مصر والمغرب، والظاهراتية في مصر وسوريا ولبنان؛ فقد كان اختيار هذه التيارات تعبيرًا عن حاجات واقع عربي واحد.١٣
  • (د)

    المذاهب والمناهج؛ إذ انتشرت المذاهب والمناهج الغربية في الدراسات الفلسفية والفكر العربي المعاصر في كل أرجاء الوطن العربي مثل المثالية والوضعية والوجودية في مصر، والماركسية في مصر والشام والمغرب، والبنيوية في المغرب، والشخصانية في لبنان والمغرب، والظاهراتية في مصر ولبنان، وقد تأتي المذاهب والمناهج من الفرق القديمة مثل السلفية الجديدة والرشدية الجديدة في مصر والمغرب، والاعتزالية الجديدة والأشعرية التقليدية والماتوريدية التقليدية في مصر.

إذن لا يوجد مدخل واحد لعرض الفكر الفلسفي في الوطن العربي في مائة عام خاصة وأنه أصبح معروفًا لدى المتخصصين وربما لدى جمهور المثقفين؛ نظرًا لذيوعه وكثرة الدراسات والرسائل الجامعية عنه والمؤلفات فيه، ولأنه جزء منا ونحن جزء منه، ما زال يعبِّر عن الواقع العربي المعاصر الممتد من القرن الماضي إلى هذا القرن وربما إلى قرن قادم، كما يصعب الإحصاء الكامل للمؤلفين والمؤلفات، إنما هو وصف تقريبي، كما يستحيل الفصل بين الموضوعي والذاتي، بين الوصفي والتأويلي، فالباحث مفكر له مواقفه وقراراته، هناك اجتهادات عدة كلها صائبة تساعد في إكمال الرؤية.١٤

(٤) الاتجاهات والتيارات

لا يتجاوَز هذا المعيار للتصنيف إلى المذاهب الفلسفية؛ فالفكر الفلسفي العربي المعاصر لم يصل بعد إلى مرحلة بناء الأنساق الفلسفية الكبرى، كما حدث ذلك في الغرب الحديث مثل مذهب اسبينوزا في السابع عشر، وكانط في الثامن عشر، وهيجل في التاسع عشر؛ فقد تم ذلك بعد عصر النهضة، ونقد القديم، وانتصار المحدثين على القدماء في الفكر والعلم والفن والأدب والسياسة والدين، وتمَّت تعرية الواقع من كل غطاء نظري قديم، الموروث من أرسطو أو بطليوس أو الكنيسة أو الوافد من العرب نصارى ومسلمين، وكان من الضروري إيجاد تصورات نظرية جديدة للإنسان والحياة والكون فنشأت الأنساق الفلسفية تطبيقًا للمناهج التي نشأت أولًا، المنهج العقلي بفضل ديكارت، والمنهج التجريبي بفضل بيكون.

ونحن ما زلنا في مرحلة انتقال من الإصلاح الديني إلى عصر النهضة، من مارتن لوثر إلى جيور دانو بروتو، وما زالت الأغطية النظرية القديمة باقيةً بالرغم من محاولات نقدها منذ فجر النهضة العربية حتى الآن، ما زالت الأجوبة القديمة قائمة: الله موجود، والعالم مخلوق، والنفس خالدة، إجابة على الأسئلة الفلسفية الثلاثة التي وضعها كانط: ماذا يجب عليَّ أن أعرف؟ ماذا يجب عليَّ أن أعمل؟ ماذا يجب عليَّ أن آمل؟ الأول من الوحي والنبوة، والثاني من الشريعة، الحلال والحرام، والثالث الثواب والعقاب. وإذا غاب السؤال غاب الجواب، وإذا حضر الجواب غاب السؤال، وإذا ثبت القديم وتكرَّر استحال الجديد وغاب، هناك وئام نظري بيننا وبين العالم، ولم يحدث بعد سقوط معرفي بين الأنا والنحن يدعو إلى التساؤل بالرغم من أن القرآن يقوم على السؤال والجواب.١٥

هناك اجتهادات لإحياء القديم كما فعل محمد بن عبد الوهاب مع ابن تيمية، وكما فعل ابن تيمية مع أحمد بن حنبل في إحياء السلفية التي أحياها رشيد رضا. وهناك اجتهاد آخر لإحياء الماتوريدية كما فعل محمد عبده، الأشعري في التوحيد، المعتزلي في العدل، وهناك محاولات ثانية في مصر والمغرب لإحياء الرشدية الجديدة أو الاعتزال الجديد، وهناك محاولات ثالثة في مصر والمغرب أيضًا لإحياء المالكية (الطوفي) ومقاصد الشريعة (الشاطبي) عند علال الفاسي وحسن حنفي، وهناك محاولات رابعة لإعادة النظر في علوم القرآن في مصر (نصر حامد أبو زيد)، والحديث (حنفي)، والفقه (القرضاوي)، والسيرة (طه حسين، هيكل، الشرقاوي)، والتفسير (سيد قطب)، ولإعادة قراءة تاريخ العلوم الرياضية والطبيعية عند العرب (رشدي راشد، عبد الحميد صبرة، سويدان، حمارنة). وقد نشأت مثل هذه المحاولات أيضًا قبل بدايات العصور الحديثة في الغرب في عصر الإحياء، إحياء الآداب القديمة في القرن الرابع عشر قبل عصر الإصلاح الديني في الخامس عشر، وعصر النهضة في القرن السادس عشر قبل بداية العصور الحديثة في السابع عشر «أنا أفكر فأنا إذن موجود».

وقد تنشأ تيارات واتجاهات إحياء لفرق من الموروث القديم مثل الرشدية والاعتزال (محمود قاسم) أو السلفية (الجليند) أو الأشعرية (النشار) أو الخوارج (سيد قطب بعد «معالم في الطريق») أو الشيعة (بعض الحركات الإسلامية السرية) أو المرجئة (بعض فقهاء السلطان) أو المالكية الجديدة تطويرًا لمقاصد الشريعة عند الشاطبي (الفاسي) أو الحنبلية الجديدة (الوهابية)، فهناك فلاسفة ومتكلمون وأصوليون وصوفية جدد، كما أن هناك علماء قرآن جددًا (نصر حامد أبو زيد)، ومفسرين جددًا (رشيد رضا، سيد قطب)، ومحدثِّين جددًا (قاسم أحمد)، ومتكلمين جددًا (محمد عبده، حنفي)، وأصوليين جددًا (شلتوت، مدكور) وصوفية جددًا (السنوسية، المهدية)، وفقهاء جددًا (القرضاوي).

كما انتشرت الفلسفات الغربية منذ عصر الترجمة الثاني في الفكر العربي المعاصر مثلما نشأت الفلسفة اليونانية في عصر الترجمة الأول ابتداءً من القرن الثاني، وروَّج أساتذة الفلسفة لها، كلٌّ طبقًا لمزاجه الخاص أو إحساسًا بما يحتاجه الواقع العربي المعاصر، ويمكن تصنيفها في تيارات ستة:
  • (أ)
    المثالية بكل أنواعها، سواء المثالية الترنسندنتالية كما صاغها كانط ابتداء من ديكارت (عثمان أمين، نجيب بلدي) أو المثالية المعتدلة مطبقة في علم الأخلاق، أخلاق الواجب وأخلاق الضمير، وأخلاق الحاسة الخلقية، وأخلاق الإرادة الخيرة والفطرة (توفيق الطويل) أو المثالية العقلانية في الثنائية اليونانية الإسلامية القديمة عند الفلاسفة والحكماء أو الغربية الحديثة عند ديكارت (محمود قاسم) كسبيل للإصلاح.١٦
  • (ب)

    الوضعية بكل أنواعها خاصة الوضعية المنطقية (زكي نجيب محمود) والمنهج التحليلي من أجل حسن استعمال اللغة والفلسفة العلمية بوجه عام (عادل ضاهر).

  • (جـ)

    الماركسية التقليدية والمنهج الجدلي التاريخي الذي تقوم عليه (محمود أمين العالم، صادق جلال العظم، الطيب تيزيني) أو الجديدة، الماركسية الليبرالية أو الماركسية العربية (عبد الله العروي) أو المادية التاريخية (حسين مروة ومجلة «الطريق»).

  • (د)

    البنيوية في تركيب العقل العربي (الجابري) أو اللغة العربية (أركون، نصر حامد أبو زيد) أو في الأدب (كمال أبو الديب، صلاح فضل، جابر عصفور).

  • (هـ)

    الظاهراتية البنيوية في وصف الثقافة العربية بين الثابت والمتحول (أدونيس) أو الشعورية لإعادة بناء العلوم القديمة بناء على ظروف العصر (حنفي)، ثم ذاعت في الجيل الجديد وتطبيقاتها في الفلسفة (يوسف سلامة، محمود رجب)، والجمال (سعيد توفيق)، والعلوم الإنسانية (علا أنور).

  • (و)

    الوجودية بكل أنواعها ابتداء من الوجود – الإرادة – القوة عند نيتشه بالإضافة إلى هيدجر وبرجسون (بدوي) أو الظاهراتية عند مارسل وياسبرز (زكريا إبراهيم).

(٥) تمثل الوافد الغربي الجديد

وكما بدأ المترجمون والحكماء القدماء بتمثل الوافد على مراحل عدة، الترجمة ونشأة المصطلح الفلسفي والتعليق ثم العروض الجزئية والكلية والنسقية المنطقية والنسقية الشعبية ثم التأليف ابتداء من اجتماع تمثل الوافد وتنظير الموروث، أولًا تمثل الوافد، ثانيًا تمثل الوافد قبل تنظير الموروث، ثالثًا تمثل الوافد مع تنظير الموروث، رابعًا تنظير الموروث قبل تمثل الوافد، خامسًا تنظير الموروث، سادسًا اختفاء الوافد والموروث من أجل الإبداع الخالص دون ما حاجة إلى سندين كذلك سار الفكر الفلسفي المعاصر على نفس المنوال.١٧
بدأت مرحلة العرض بترجمة النصوص الفلسفية طبقًا للتيارات الستة الشائعة، وكانت الأولوية للنصوص المثالية؛ لأنها تطور طبيعي للدين وفهم فلسفي إيماني له من ديكارت واسبينوزا وليبنتز وكانط وفشته وهيجل، ثم تأتي نصوص أخرى من باقي التيارات التجريبية والبنيوية والماركسية والظاهراتية والوجودية، وما زالت الترجمة مستمرةً في مشروع الألف كتاب الأولى ثم الثانية ثم المشروع القومي للترجمة، والدافع هو اللحاق بثقافة العصر في الظاهر، ومزيد من التغريب في الباطن، وحصار للموروث الذي تنهل منه جماعات المعارضة السياسية، وارتبطت النصوص الفلسفية الغربية بأسماء مترجميها مثل ارتباطها بمؤلفيها،١٨ وقد برع المصريون في ذلك أكثر من الشوام والمغاربة من حيث نصاعة النص المترجم ووضوحه والأسلوب الأدبي عكس الترجمات الحرفية والمستغلقة والغربة في المصطلحات، واعتمادًا على التعريب أكثر من النقل مما يزيد في شق الثقافة الوطنية ومزاحمة الوافد للموروث،١٩ وتؤدي الترجمة دورها إذا صاحبتها التعليقات والمقدمات والشروح حتى يسهل إدخال النص في الثقافة وإعادة توظيفه كعلوم الوسائل لا علوم الغايات؛ فالغاية ليست نقل الثقافة الوافدة طبقًا لنظرية المطابقة بين النص المترجم والترجمة بل تطوير الثقافة الموروثة طبقًا لنظرية القراءة، والترجمة كإعادة كتابة للنص طبقًا للمتلقي، فقد مات المؤلف.٢٠
قام المترجمون أنفسهم والفلاسفة بالعروض للمذاهب الفلسفية الغربية لديكارت واسبينوزا وليبنتز وكانط وهيجل،٢١ وهي العروض الغالبة أكثر من عروض التيارات الفلسفية الأخرى؛ لأن المثالية تطوُّر طبيعي للدين في حين أن التجريبية أو الماركسية أو الظاهراتية أو الوجودية فَهْم جذري له مع تغيير المستويات والبؤر، من الله إلى العالم والإنسان والمجتمع خاصة، بل إن بعضها نشأ ضد الفكر الديني التقليدي وناقدًا لتصوراته وممارساته ووظائفه ومؤسساته، كان الهدف منها إعطاء البدائل للموروث القديم دون مزاحمته بالضرورة من أجل الإصلاح مثل الاتجاه نحو الباطن (المثالية)، وحسن استخدام العقل (العقلانية)، والتركيز على أهمية المعرفة الحسية (التجريدية)، وإبراز قضية العدالة الاجتماعية (الماركسية)، والدفاع عن حقوق الإنسان، استقلاله وحريته (الظاهراتية والوجودية)، والتوجه نحو العمل في ثقافة القول (العملية).

كانت الأجيال الماضية أكثر وعيًا في اختيارها الفلسفي للترجمة والعرض من الجيل الحالي الذي أصبح يترجم كل شيء ما دام وافدًا من الغرب من أجل اللحاق بركب الحداثة ودون توظيف مما ساهم في الاستقطاب بين عنصري الثقافة، الوافد والموروث، واتساع الهوية بينهما ليس فقط في الفكر بل أيضًا في الواقع، في الصراع السياسي بين أنصار الوافد، العلمانية، وأنصار الموروث، السلفية، كانت الترجمات الأولى تصب في تيار النهضة في حين أن الترجمات الحالية مبعثرةٌ في الرمال.

وفي إطار العرض ألفت عدة قواميس فلسفية للأعلام وللمصطلحات همها إعطاء المعلومات السريعة مثل دوائر المعارف تيسيرًا للباحثين، وتثقيفًا للقراء، وهي جهود تجميعية لا أصالة فيها ولا ابتكار، بل إن من شروط المادة «القاموسية» عدم وجود أي رأي شخصي أو قراءة أو تأويل أو نقد أو تطوير، مجرد مادة موضوعية مصمتة لا حياة فيها، وغالبًا ما تكون مترجمة عن مثيلاتها في الغرب أو منقولة عن المعاجم القديمة، ويقوم بها الأفراد والمؤسسات على حد سواء، وما زالت تمثِّل طموحًا فلسفيًّا كبيرًا للجامعة العربية.

وفي التأليف، غالبًا ما يكون تمثل الوافد وقليلًا ما يضم له تنظير الموروث في دراسات مقارنة حتى يتم التوحيد بين عنصري الثقافة، الوافد الغربي الجديد والموروث القديم طبقًا لعقلية النقل، نقل المحدثين أو نقل القدماء؛ فالنقل واحد بصرف النظر عن اختلاف مصدره، اختفت كلية المرآة المزدوجة، رؤية الأنا في مرآة الآخر، والآخر في مرآة الأنا التي بدأها الطهطاوي وخير الدين؛٢٢ لذلك غاب الإبداع الخالص الذي هو آخر مرحلة من مراحل التأليف والجمع بين عنصريه تمثل الوافد وتنظير الموروث؛ لذلك لم يُحدِث التأليف الفلسفي أثره في الإبداع الفلسفي.

(٦) إعادة دراسة الموروث القديم

بدأ الرعيل الأول دراسة الموروث القديم برؤية إصلاحية فقد كان مصطفى عبد الرازق من تلاميذ الأستاذ الإمام، رد على المستشرقين مثل كارا دي فو كما فعل أستاذه في رده على هانوتو والأفغاني في رده على رينان، لإثبات أصالة الفكر الإسلامي دون تبعيته لليونان، وأن هذه الأصالة تبدو في علم الأصول، أصول الدين وأصول الفقه، ووجه تلميذه علي سامي النشار لدراسة «مناهج البحث عند مفكري الإسلام ونقد المسلمين للمنطق الأرسطي» قبل أن يتحول إلى أشعري في «نشأة علم الكلام» ناقدًا المعتزلة والحكماء، ووجه مصطفى حلمي لدراسة «العشق الإلهي» عند سلطان العاشقين ابن الفارض، وأبا العلا عفيفي لدراسة «فصوص الحكم» عند ابن عربي، وتوفيق الطويل لدراسة الشعراني إمام التصوف في عصره، واستمر في هذا التيار علي عبد القادر وعبد القادر محمود وأبو الوفا التفتازاني عن ابن عطاء الله السكندري وابن سبعين، كما وجه مدكور لدراسة «منطق الشفاء» لابن سينا وعثمان أمين لمحمد عبده أستاذ الجميع، وأعطى الرائد الأول نموذجًا لأصالة الفكر الفلسفي في «الكندي فيلسوف العرب» و«الفارابي المعلم الثاني»، و«الشافعي واضع علم الأصول»، ومعطيًا نموذجًا للأصالة في اتفاق الفلسفة والدين عند حكماء الإسلام، واستمرت الدراسات الأصولية (حسن حنفي، وعبد الحميد مدكور، وسحبان خليفات، ورابح مراجي)، والكلامية (الجليند وعلي مبروك) والإصلاحية (حسن الشافعي وعبد المعطي بيومي)، والصوفية (هالة فؤاد) وقد خرجوا كلهم من عباءة شيخ الإسلام.

واستأنفت الدراسات الرشدية في المغرب العربي (جمال الدين العلوي، محمد مصباحي، محمد عابد الجابري) وابن خلدون (علي أومليل، الجابري) لخصوصية عقلانية مغربية متميزة وربما منقطعة عن الفلسفة «المشرقية» المرتبطة بإيران وتركيا، مع أن الإشراق كان أيضًا في الأندلس عند ابن باجه وابن طفيل أساتذة ابن رشد وفي مدرسة ابن مسرة وعند ابن عربي والتصوف الأندلسي، والعراقية المغربية، وحضور الغزالي في المغرب عند ابن تومرت لا يقل عن حضوره في المشرق.

وازدهرت الفلسفة السياسية نظرًا لحاجة العالم العربي لتأصيله أيديولوجياته السياسية المعاصرة سواء في «الأحكام السلطانية» و«قوانين الوزارة والملك» عند الماوردي (صلاح رسلان) أو عند ابن الأزرق والحضرمي (النشار) أو الجويني (سعيد بن سعيد) أو تأسيس مجلة خاصة لذلك «الاجتهاد» (رضوان السيد).

وإذا كان القدماء قد اجتهدوا في العلوم النقلية العقلية الأربعة، الكلام والفلسفة والتصوف والأصول، كما اجتهدوا في العلوم العقلية الخالصة، الرياضية والطبيعة والإنسانية إلا أنهم تركوا العلوم النقلية الخالصة بلا إعمال للعقل واكتفوا فيها بالنقل، دون دراية واقتنعوا فيها بالرواية، وتقدم المحدثون لإعادة النظر في هذه العلوم معتمدين على العقل والتاريخ؛ ففي علوم القرآن برزت اتجاهات جديدة في «مفهوم النص» (نص حامد أبو زيد)، وفي علوم الحديث بدأ نقد المتن بالإضافة إلى نقد السند في تركيا، وماليزيا ومصر (قاسم أحمد، خيري، حنفي) حتى لا يترك المجال وحده للاستشراق، وفي علوم التفسير ظهر التفسير الموضوعي للقرآن في موضوع فلسفة التاريخ (محمد باقر الصدر)، وفي علوم السيرة دخل الأدباء والمفكرون لإعادة كتابة سيرٍ عصرية للرسول مثل «حياة محمد»، «في منزل الوحي» (محمد حسين هيكل)، و«على هامش السيرة» (طه حسين)، و«عبقرية محمد» (العقاد)، و«محمد رسول الحرية» (عبد الرحمن الشرقاوي). وساهم في ذلك أقباط مصر مثل «محمد رسول الله» (نظمي لوقا)، كما ساهم المسلمون في كتابة سير للسيد المسيح مثل «عبقرية المسيح» (العقاد). وفي علوم الفقه بدأت إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية (فتحي نجيب)، وفي أبواب الفقه القديم مثل العبيد والغنائم والصيد والنساء والذبائح (عبد المعطي بيومي)، وفي الثروة وتوزيع الدخل وملكية الأرض (القرضاوي).

وتمت ترجمة بعض دراسات المستشرقين في الكلام (فان إس. شاخت)، والفلسفة (دي بور، أوليري)، والتصوف (ماسنيون، نيكلسون)، والتفسير (فلها وزن، جولدزيهر)، والترجمة (ماكس مايرهوف)، وبلغت الذروة في ترجمة «دائرة المعارف الإسلامية».

وتمت الترجمة بمنهج النقل عن الغرب، ونادرًا ما يحدث التعليق إلا في حالة الدفاع عن الإسلام باستثناء حالات قليلة التي تكون فيها الترجمة إعادة كتابة النص الاستشراقي مثل ترجمة «تاريخ الفلسفة في الإسلام» لديبور و«مذهب الذرة عند علماء المسلمين» لبينيس (أبو ريدة) و«مذاهب التفسير الإسلامي» لجولدزيهر (النجار)، وكذلك الترجمة الجماعية لدائرة المعارف الإسلامية.

وقد برع المصريون في التحقيق ونشر التراث القديم، واعتمد عليهم الأساتذة العرب، يتلوهم أساتذة المغرب العربي، وأصبحت الطبعات المصرية المحققة هي الطبعات العمدة في البحث العلمي منذ مطبعة بولاق حتى مطابع دار الكتب المصرية والهيئة العامة للكتاب وبعض المكتبات الأزهرية.٢٣

ومع ذلك ما زال الكم الغالب على الدراسات الإسلامية هو عرض المادة القديمة دون رأي أو قراءة أو تأويل أو تطوير باستعمال مناهج جديدة خاصة في مصر من أجل المقررات الجامعية أو الترقيات العلمية، تغلب عليها الإيمانيات بهدف تجديد عقود العمل في جامعات شبه الجزيرة العربية، فساد الموضوع بلا منهج، والتكرار بلا تجديد، والعرض بلا موقف، والمادة بلا روح، والكم بلا كيف، وعم ذلك الدراسات الإسلامية القليلة في شبه الجزيرة العربية، وفي المركز والأطراف، ويستثنى من ذلك المغرب العربي الذي فاق المشرق في الجرأة الفكرية والمنهجية بصرف النظر عن الصعوبة والغربة والنخبوية وإعطاء الأولوية للمنهج على الموضوع، وللجديد على القديم، وللحداثة على التراث، ووقف الشام والعراق وسط بين مصر والمغرب.

(٧) قراءة الموروث من خلال الوافد، والوافد من خلال الموروث

ثم ظهرت مجموعة من الأعمال الفلسفية المعاصرة أقرب إلى الفكر العربي المعاصر منها إلى الدراسات والبحوث العلمية، تقوم على الرغبة في تجاوز ثنائية الوافد والموروث إلى فكر عربي جديد يعبر عن حاجة الواقع العربي للعقلانية والمثالية أو الطبيعية أو الإنسانية أو العدالة الاجتماعية. فالترويج للمذهب أو المنهج الغربي لا يجد لا حضورًا واسعًا، ويظل اختيار النخبة، في حين أن انبثاقه من الموروث يجعل له حضورًا أوسع وقبولًا أشمل عند الجماهير أو على الأقل إعطاء تطبيقات محلية له في مادة موروثة تقضي على غربته كبدن وإن ظلت الروح غريبة، ويمكن التمييز بين ستة اتجاهات:
  • (أ)
    المثالية خاصة عند ديكارت وكانط وفشته ورواد المثالية الغربية، وهي فهم عقلي روحي للدين سهل انبثاقها من الفارابي والغزالي ومن الحركات الإصلاحية الحديثة عن الأفغاني ومحمد عبده وإقبال. اجتمع المصدران في «الجوانية، أصول العقيدة وفلسفة الثورة»، تعطي الأولوية للداخل على الخارج، وللفرد على الجماعة، وللفكر على الواقع، وللماهية على الوجود (عثمان أمين)، ولما اتهمت المثالية الأخلاقية الكانطية بالتزمُّت والصورية في تصوُّره للواجب تم تعديلها إلى مثالية عقلية إسلامية فطرية تقوم على الاعتدال والتوسط والواقعية في المثالية «المعتدلة» أو «المعدلة» (توفيق الطويل).٢٤
  • (ب)
    الوضعية المنطقية: وقد راجت في الفكر العربي المعاصر بفعل أحد روادها العرب «زكي نجيب محمود» ثم تطبيقها بعد عرضها ابتداء من عام ١٩٧١ في موضوعات تراثية مثل الثنائية التقليدية في «تجديد الفكر العربي»، والتصوف في «المعقول واللامعقول» وفي الأخلاق في «قيم من التراث» وإصدار أحكام عامة على الفكر العربي مثل ارتباطه بالوجدان والدين قدر ارتباط الغرب بالعلم. وإذا ارتبط الشرق بالوجدان والدين، «الغرب العالم والشرق الفنان» فالعرب جمعوا بين الاثنين. فالعلم ظاهرة غربية وكأن حضارات الشعوب القديمة لم يكن لها علم، وقد كان هذا التطبيق الجديد للمنهج التحليلي في التراث عرضًا بعد إعارة إلى الكويت بعيدًا عن مكتبته الغربية وفي وسط مكتبة الجامعة العربية، وبأسلوب ثقافي عام يجمع بين الأدب والفلسفة من خلال الصحافة (مقال الأهرام)، فكان «أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء»، ولم يكن التراث غريبًا على العلم مثل «جابر بن حيان».٢٥
    واستمر في هذا التيار، ولو بطريقة أخرى، ما يسمَّى بالتفسير العلمي للقرآن (طنطاوي جوهري) أو علوم الطبيعة في القرآن إحساسًا بالنقض أمام الآخر العالم وأخذ مناط قوته ثم قراءة أصل التراث من خلاله، «تلك بضاعتنا ردت إلينا»، فنأخذ الحسنيين، الآخرة من التراث، والدنيا من الغرب، فنفوز مرتين، ويخسر الغرب بدنياه بعد أن سخره الله لنا لخدمتنا وسعادتنا. مع أن تاريخ العلم في التراث متوافر، ويمكن دراسته لمعرفة كيف تحولت العقلية التوحيدية إلى عقلية علمية خاصة، وأن الوحي يقوم على العقل والطبيعة، فتأسَّست العلوم الرياضية والعلوم الطبيعية.٢٦
  • (جـ)

    الماركسية العربية أو الماركسية الليبرالية (العروي) التي تتبنَّاها الطبقة المتوسطة التي ما زالت مناط التحديث، الماركسية غاية، والليبرالية وسيلة، وهو منهج تاريخي قادر على دراسة التراث ومعاركنا معه (العالم) وإعادة كتابة تاريخه في مشروع «من التراث إلى الثورة» (الطيب تيزيني) و«النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية» (حسين مروة) وفي علم الكلام (غالب هلسا)، الماركسية هي الفلسفة (صادق جلال العظم). ويمكن أن ينبع من داخل التراث الثوري الإسلامي في «الحسين ثائرًا» و«الحسين شهيدًا» و«الأئمة الأربعة» (الشرقاوي)، هناك يمين ويسار في الإسلام (أحمد عباس صالح)، و«يسار إسلامي» (حنفي)، و«اشتراكية عربية» أو «تطبيق عربي للاشتراكية» (ناصر، وحزب البعث) وحياد إيجابي إسلامي «لا شرقية ولا غربية» و«اشتراكية ديمقراطية» وسطية (عبد الحميد إبراهيم) ترويجًا للأيديولوجيات المتعاقبة للنظم السياسية.

  • (د)
    البنيوية لم يُطلَق عليها لفظ عربي أو إسلامي ولكنها هي المنهج المعلن عنه في مشروع «نقد العقل العربي» (الجابري)، ويطبِّقها جيل جديد في علم الكلام في موضوعات في النبوة والإمامة (علي مبروك)، وذاع صيتها على أيدي النقاد العرب ترجمةً (جابر عصفور) وتنظيرًا (صلاح فضل) وتطبيقًا في الأدب (كمال أبو الديب)، والاعتراضات على صوريتها (شكري عياد، عبد العزيز حمودة)، ولما خرجت البنيوية من اللسانيات فإنها ارتبطت باللسانيات الحديثة في قراءة القرآن والعقل الإسلامي والقانوني (أركون)، واعتمادًا على علوم التأويل، الهرمنيطيقا والسميوطيقا والسمانطيقا في علوم القرآن والتصوُّف الإسلامي كابن عربي، والتأويل عند المعتزلة وتحليل الخطاب اليومي (نصر حامد أبو زيد).٢٧
  • (هـ)

    الظاهراتية وقد تم تطبيقها في الشعر العربي خاصة والثقافة العربية عامة في مشروع «الثابت والمتحول» (أدونيس)، وربما مشروع «التراث والتجديد» (حنفي) دون تسميتها بالعربية أو الإسلامية، تساعد على فَهْم البنية الثقافية أساس البنية الاجتماعية، كما تم تطبيقها من جيل جديد لفَهْم الفكر الطوباوي في الإسلام (يوسف سلامة).

  • (و)

    والإنسانية والوجودية والشخصانية كانت لها النصيب الأوفر نظرًا لذيوعها وبساطتها وتنوُّع أساليب تعبيرها؛ فالإنسانية والوجودية موجودان في الفكر العربي في الشخصيات الفلسفية في الإسلام عند ابن الراوندي وعند الصوفية المسلمين (عبد الرحمن بدوي) وأبي حيان التوحيدي أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء (زكريا إبراهيم)، و«الشخصانية الإسلامية» وأبعادها في المفارقة والحرية والفعل قادرة أن تُحقِّق للمسلمين ما يصبون إليه من تأكيدٍ لحقوق الإنسان وحريته واستقلاله (الحبابي)، وهي سمة عامة لثقافة البحر الأبيض المتوسِّط لا فرق بين شماله وجنوبه (رينيه حبشي).

ثم انهارت هذه المحاولات فيما يسمى بتيار «أسلمة العلوم» والذي أصبح له مجلاته ومعاهده، يقوم على أخذ آخر ما وصل إليه الفكر الغربي من نظريات ونتائج، ثم قراءة أصول التراث من خلالها. هذه الأصول النصية، القرآن والحديث خاصة مجرد قالب تصبُّ فيه العلوم الغربية أو نظارة تُرى من خلالها، وتكون النتيجة إما الاتفاق بين الوافد والموروث «تلك بضاعتنا ردت إلينا»، نحن أسبق، وإما الاختلاف وهنا يبدأ الدفاع عن الموروث والهجوم على الوافد، وتكثر هذه الدراسات في شبه الجزيرة العربية خاصة من الأساتذة المعارين كثمنٍ لعقود العمل إبرامًا وتجديدًا، وكثرت المواد الجامعية المقررة بعنوان «نحن والغرب» أو «الثقافة الغربية من منظور إسلامي» تأكيدًا على التمايز أو التعارض خاصة في الجامعة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية وباكستان وماليزيا.

صحيح أن الفلسفة ليست لحظة واحدة في التاريخ، اللحظة اليونانية الأولى التي كانت الفلسفة فيها تنتقل من الغرب إلينا أو اللحظة اللاتينية الثانية التي كانت الفلسفة تنتقل منَّا إليهم بل هي لحظات متجددة عبر التاريخ في كل مرةٍ تلتقي فيها الحضارة الإسلامية مع الحضارات المجاورة تأثرًا وتأثيرًا، ولما كنا في علاقةٍ جديدةٍ مع الغرب الحديث، فالتعامل معه نقلًا واستيعابًا وتمثلًا شيء طبيعي، ممكن إلى فترة، يتم بعدها انقطاع.

ثم يتغير النموذج، تحويل الغرب من مصدر العلم كي يصبح موضوعًا للعلم كما هو الحال في علم «الاستغراب» حتى يتم التحرُّر منه، وإيقاف مد التغريب أي الانبهار بالغرب، وتجاوز عقدة النقص التي تربَّت فينا تجاهه، وعقدة العظمة التي تربَّت فيه تجاهنا، ووضع نهاية لأسطورة الثقافة العالمية؛ فالعالمية تعني المركزية، والهيمنة والقوة، وكل ثقافة هي ثقافة تاريخية بالضرورة.

ثم تأتي مرحلة جديدة تتغيَّر فيها موازين القوى بيننا وبين الغرب وتصبح الثقافة العربية الإسلامية هي الإطار المرجعي الذي يُحال إليه الغرب، والوعاء الذي يصبُّ فيه كما كان الحال في العصر الوسيط المتأخِّر عند «الرشديين اللاتين» عندما كان الفيلسوف هو المسلم كما كتب أبيلار «حوار بين يهودي ومسيحي وفيلسوف»، وكانت الفلسفة الإسلامية نموذجًا للعلم والفكر، للطبيعة والعقل، الركيزتين الرئيستين للوحي، وهو النموذج الذي أصبح يسمَّى ابتداءً من عصر النهضة وطوال العصور الحديثة قبل بداية نهايتها، النموذج «الأوروبي».

(٨) أين مواطن الإبداع؟

تظل «الفلسفة العربية في مائة عام» تتعامَل مع معطياتٍ تراثية، الوافد أو الموروث وإن كان همها في بعض جوانبها هو الواقع المعاش، والرغبة في الإصلاح والتغيير، والمساهمة في المشروع القومي العربي في التحرُّر والتحديث؛ ومن ثم يبرز سؤال: أين مواطن الإبداع في الفلسفة العربية أو حتى في الفكر العربي أسوة بالإبداع الأدبي والفني خاصة في الشعر والرواية والقصة والمسرح والموسيقى بل وفي الفنون التشكيلية الرسم والتصوير والنحت والزخرفة والعمارة؟

إن آخر ما وصل إليه الإبداع الفلسفي العربي هي المشاريع العربية المعاصرة في مصر والشام والمغرب، بل إن «المدرحية» (زكي الأرسوزي) التي تجمع بين المادية والروحية لا تبعد كثيرًا عن المشاريع العربية المعاصرة، وكذلك «انفصالية أو اتصالية»؟ (مولد قاسم) ما زالت تحدد العلاقة بين الماضي والحاضر، بين التراث والتجديد، بين الأصالة والمعاصرة، وهو الدافع الموجه للمشاريع العربية المعاصرة، والإشكال ما زال مطروحًا على عدة أجيال قادمة، فالقديم لم ينته بعد، والجديد لم يبدأ بعد، وما زلنا في مرحلة تحول من القديم إلى الجديد أشبه بعصر النهضة الأوروبي في القرن السادس عشر حتى ينتصر الجديد على القديم وتصبح له الأولوية عليه وهو روح الاجتهاد، ولم يبدأ الإبداع الخالص عند القدماء إلا بعد اختفاء ازدواجية الوافد والموروث التي ما زالت مسيطرةً على المشاريع العربية المعاصرة. فالإبداع هنا لا يعني بناء الأنساق الفلسفية بل نقد الأغطية النظرية القديمة من أجل فسح المجال لأبنية معرفية جديدة، الإبداع لدينا هو النقد مثل مونتني، الإبداع سلبًا، التمهيد لشروط الإبداع ورفع موانعه.٢٨
وقد يكون السبب في تأخر مواطن الإبداع هو أن المجتمعات العربية ما زالت غير مستقرة، ما زال البعض منها يصارع الاستعمار والصهيونية، لم يستقر بعدُ على شكل الحكم، تقليديًّا أم حديثًا، ما زال النضال الوطني يمنع من العرض النظري، والدفاع عن الحاجات الأساسية يجعل إشباع البدن له الأولوية على إبداع الروح، الكوجيتو العربي كوجيتو عملي «أنا أتحرر إذن أنا موجود» منذ مباحث التوحيد والعدل القديمة عند المعتزلة، فالإنسان يتفرَّد عن الله بالحرية، ثم يأتي العقل بعد ذلك مساندًا لها حتى تكون الحرية مسئولة، فالمشروع النهضوي العربي مشروعٌ عملي ويأتي النظر سندًا وتأسيسًا له، في حين أن الكوجيتو الغربي «أنا أفكر فأنا إذن موجود» كوجيتو معرفي، المعرفة تسبق الوجود، والنظر يسبق العمل بالرغم من قبل ماركس له بناءً على البواعث الإسلامية، فالنضال العربي من أجل تحرُّر الأفراد والأوطان والمجتمعات ما زال مستمرًّا، وإن صراعاتِ التحرُّر الوطني التي انتهَتْ إلى الاستقلال الوطني للشعوب إنجاز عملي ضخم في هذا القرن.٢٩
ومع ذلك فإن الردة التي حدثت في الربع الأخير من القرن بعد هزيمة يونيو (حزيران) ١٩٦٧ في حاجةٍ إلى إبداع نظري جديد يساند فجر النهضة العربية الثانية وحماية مكاسب الاستقلال الوطني، ودرء مخاطر التبعية في عصر الهيمنة الجديدة باسم العولمة، فغياب الإبداع في الفكر الفلسفي إنما هو أحد مظاهر غياب الإبداع في اللحظة التاريخية الراهنة بعد انهيار التجربتين الأوليين، الليبرالية الغربية في النصف الأول من القرن، والقومية العربية واختيارها الاشتراكي في الربع الثالث منه؛ ومن ثم يعود السؤال الأول القديم «من هنا نبدأ» إلى وضعه من جديد «من أين نبدأ؟»٣٠

وقد يكون السبب هو عصر الاستقطاب الذي تعيش فيه المجتمعات العربية حاليًّا بين التيارين الرئيسين المتنازعين، أنصار الوافد وأنصار الموروث اللذين تحوَّلا إلى قوتَيْن سياسيتَيْن متصارعتين، العلمانية والسلفية، كل فريق يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة؛ ومن ثم غاب الحوار والتزاوج والتفاعل، الشرط الضروري للإبداع، وكل منهما يعتبر نفسه المهدي المنتظر، بيده الخلاص، وريث النظام القائم التابع للخارج، الفاسد في الداخل، والنظام يعتمد على هذا الفريق مرة لضرب الفريق الآخر حتى يضعفه ثم يعتمد على الفريق الآخر مرةً أخرى حتى يضعف الفريق الأول فيقوى القلب بضعف جناحَيِ المعارضة وقص ريشيهما، لا إبداع دون حوار وطني بين مدارس الفكر والعمل في هذا الجيل من أجل تجميع القوى وحشد الطاقات وإقامة الجسور والبحث عن الطريق الثالث.

(٩) الحالة الراهنة للفكر الفلسفي

إن رصد «الفلسفة في الوطن العربي مائة عام» إنما الهدف منه معرفة الحالة الراهنة للفكر الفلسفي في الوطن العربي حتى يتحرَّك التاريخ، وينتقل من قرنٍ إلى قرن، ومن ألفيةٍ إلى ألفيةٍ عن طريق الوعي بالماضي واستشراف المستقبل بعد سبر غور طبيعة المرحلة الراهنة؛ إذ يزدهر الفكر بازدهار المرحلة.

لقد مر الفكر العربي في المائة عام الأخيرة بتجربتَيْنِ؛ الأولى: التجربة الليبرالية التي كانت نمطًا للتحديث للتيارات الفكرية الرئيسية الثلاثة منذ فجر النهضة العربية؛ الإصلاح الديني الذي أسسه الأفغاني، ونقطة بدايته: لا يتغير شيء في الواقع إن لم يتغير فهمنا للدين أولًا. والتيار العلمي العلماني الذي أسسه شبلي شميل، ونقطة بدايته: لا يتغير شيء في الواقع إن لم يتغير فهمنا للطبيعة والمجتمع أولًا. والتيار الليبرالي الذي أسسه الطهطاوي وخير الدين وبدايته: لا يتغير شيء في الواقع إن لم نبنِ الدولة الحديثة أولًا، ومع ذلك الغاية واحدة، والنموذج واحد، الدولة الحديثة التي تقوم على الدستور والتعددية الحزبية والبرلمان والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، وانتهَتْ بالثورة العربية ضد الملكية والقطاع والفساد السياسي.٣١

والثانية: التجربة القومية الاشتراكية العربية التي أكملت حركات الاستقلال الوطني، وأعادت بناء الهياكل الاجتماعية بالإصلاح الزراعي والتصنيع وحقوق العمال وتدعيم الدولة للمواد الأولية، والقطاع العام ومجانية التعليم، وتذويب الفروق بين الطبقات، ومعاداة الاستعمار والصهيونية، وعدم الانحياز، وانتهت بهزيمة ١٩٦٧.

والآن يمر العرب بتجربةٍ ثالثة لا يدرون ما كُنْهها إلا أنها رد فعل على التجربة الثانية، ومنجرفة نحو الخصخصة والرأسمالية والعولمة واقتصاد السوق والتحالف مع أعداء الأمس، والوطن العربي مهدد بالتشرذم والتفكُّك والضياع ليصبح محيطًا لمركز آخر سواه، الغرب وإسرائيل وليس القومية العربية ومصر، يعبر عنها الأدباء أكثر مما يعبر عنها المفكرون، يشعر بها السياسيون أكثر مما يعيشها الفلاسفة.

وكما بدأ فجر النهضة العربية على غير ما انتهى إليه، وانتهى إلى غيرها ما بدأ منه، كذلك كانت بداية القرن غير نهايته، ونهايته غير بدايته، كانت الأمور واضحةً في البداية وأصبحت غامضة في النهاية، من الصديق ومن العدو؟ إنها مرحلة المخاض الجديد لجيلٍ من الفلاسفة أقل تكوينًا من الأجيال الماضية، وواقع أكثر تشابكًا، مع نقص في الإمكانيات اللغوية والبحثية، وغموض في الهدف والقصد، وصعوبة الحياة اليومية، وغلق باب الإعارات ومصادر الرزق الذي كان مفتوحًا على الأبواب للجيل الماضي، وسيادة الكتاب الجامعي المقرر وانتهاء عصر الروَّاد وتلاميذهم، ولولا آخر من بقي من جيلٍ مضى لما استمر التاريخ، ربما يحتاج الإبداع إلى نقلةٍ نوعية في مسار العرب التاريخي وهم على أعتاب تجربةٍ ثالثة لم تتحدَّد معالمها بعد.

إن أجيالًا جديدة قديمة موغلة في الحداثة وأخرى في ما بعد الحداثة ومظاهرها في التفكيك والقضاء على مثل التنوير التي ما زالت تعبر عن المرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع العربي منذ فجر النهضة العربية حتى الآن، وتقع في اضطراب زماني؛ لأن كل حضارة لها مسارها التاريخي الخاص،٣٢ فبالرغم من أننا والغرب متعاصران في المكان إلا أننا لا نعيش نفس الزمان؛ فالحضارة الغربية في نهاية عصورها الحديثة التي بدأت منذ خمسة قرون، ونحن في بداية عصورنا الحديثة التي بدأت منذ قرنين من الزمان وما زالت في الطريق إلى أوجهها بالرغم من انكساراتها وردتها وكبوتها في التجربتين السابقتين، تَدَّعي علمًا وهي ناقلة علم، تريد التمايز عن غيرها وهي تعزل نفسها عن محيطها، تريد الحداثة في اللاشعور وهي تنقل ما بعد الحداثة في الشعور.

وتكون النتيجة رد فعل «القدامة» فهي أكثر فَهْمًا من ما بعد الحداثة، وألصق بثقافة الناس وبالوعي التاريخي منها، وتغلق الأبواب ضد الحداثة وما بعد الحداثة بعد أن كانت الحداثة منذ فجر النهضة العربية على أوسع نطاق، ليست فقط وافدة من الغرب بل نابعة من التراث كما بيَّن الطهطاوي في الحسن والقبح العقليين عند المعتزلة واللذين على أساسهما أقام مونتسكيو «روح القوانين»، وكلاهما؛ ما بعد الحداثة والقدامة، خارج الزمن الحاضر، وطبيعة المرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع العربي.

وانشغل مفكرون عرب آخرون وفلاسفة بتقديم شروح وتعليقات على التصورات والمفاهيم الوافدة حديثًا مثل: المجتمع المدني، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، الأقليات، الحكم أو الإدارة العليا،٣٣ صراع الحضارات، نهاية التاريخ، العولمة،٣٤ حتى يلحقوا بمفاهيم العصر، فأصبح الفكر العربي يلهث وراء تسارع نقل المفاهيم ويكتفي بشرحها، الغرب يُبدع ونحن نشرح، نفكر على فكره، ونمضغ لقمته، فلم يعد لدى العرب الوقت الكافي لالتقاط الأنفاس وإبداع مفاهيم تعبِّر عن لحظته الراهنة ومرحلته التاريخية، كل مفهوم غربي له مفهوم عربي بديل ومقابل له، مثل الدولة الوطنية مقابل المجتمع المدني، وحقوق الشعوب مقابل حقوق الإنسان، وحقوق المواطن مقابل حقوق المرأة، والتعدُّدية مقابل الأقليات، والمؤسسات الدستورية والمشاركة الشعبية مقابل الحكم أو الإدارة العليا، وحوار الثقافات مقابل صراع الحضارات، وبداية التاريخ مقابل نهاية التاريخ، والاعتماد المتبادل مقابل العولمة،٣٥ وتحدي الإبداع هو: من يكتب النص ومن يشرح؟ من الذي يضع اللحن ومن الذي يرقص على الإيقاع؟

(١٠) مسئوليات الجمعيات الفلسفية العربية

وإذا كانت الجامعات قد انشغلت بالخصخصة وبالأعداد الكبيرة وبالكتاب المقرر والامتحانات والحفظ والنقل، والأساتذة بالكسب من الداخل بعد أن استعصى الكسب من الخارج، فإنها مسئولية مراكز الأبحاث الفلسفية والجمعيات الفلسفية أن تستأنف الفلسفة في الوطن العربي في مائة عام، وأن تتحوَّل من قرن إلى قرن، ومن ألفية إلى ألفية،٣٦ وهي مسئولية الجمعية الفلسفية العربية في تجميع الفلاسفة العرب من أجل وضع خطة عربية مشتركة لنهضة عربية ثانية وتفكير فلسفي عربي جماعي،٣٧ وهي مسئولية اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية في تنسيق الجهود بين الجمعيات الفلسفية القطرية وتقويتها والمساعدة على إنشاء جمعيات فلسفية في الأقطار التي ما زالت تخلو منها،٣٨ ولعل التنظيمات والاتحادات والجمعيات العربية وسائر المنظمات غير الحكومية تكون أقدر على تحقيق أحد أبعاد الوحدة العربية، وحدة الوجدان والثقافة، ما لا تستطيع أن تحقِّقه الحكومات من وحدة سياسية.٣٩
إن العمل الجماعي العربي من خلال اتحاد المؤرخين العرب، والجمعية العربية للعلوم السياسية وسائر الأنشطة الفكرية والعلمية والأدبية على الصعيد العربي لَقادرٌ على الخروج من الأزمة الراهنة وتجاوز المأزق الحالي، كما أن عَقْد الندوات والمؤتمرات الفكرية العربية لَقادرٌ على التفكير الجماعي وخلق رأي عام عربي وبلورة رؤية شاملة للوضع العربي الحالي، كما أن النشر العربي والتوزيع لَقادرٌ على توحيد الأمة فكريًّا وثقافيًّا وعلميًّا في وقتٍ ينحسر فيه التشرذم العربي وتعود مؤتمرات القمة دوريًّا وتفعيل دور الجامعة العربية.٤٠ إن الفكر يسبق السياسة، والمفكرين الأحرار يسبقون الضباط الأحرار، والفلاسفة في طليعة المفكرين الأحرار.
إن التحديات ما زالت قائمة، والمشروع النهضوي العربي ما زال مستمرًّا، وإن تمَّت بعض إنجازاته المباشرة إلا أن معظمه لم يكتمل بعد؛ ففلسطين ما زالت محتلة، والاستعمار عاد على نحو غير مباشر في صيغ الهيمنة والعولمة واقتصاديات السوق، فما هو دور الفلسفة العربية في تحرير فلسطين وتقديم لاهوت الأرض، وفلسفة الأرض، وتصوف الأرض، وتشريع الأرض، وفقه الأرض؟ وتحرير المواطن ما زال أمامه شوطٌ بعيد، وما زال الصراع من أجل حقوق الإنسان والمواطن مستمرًّا، بل إن القوانين المقيدة للحريات تزداد عامًا بعد عام والرقابة الداخلية تزداد يومًا بعد يومٍ، ويُعاد الآن طبع مؤلفات رواد النهضة العربية في أوائل هذا القرن وكأنها آخر ما يصبو إليه نهاية القرن، وكأن الزمن توقَّف بل تراجع إلى الوراء، فكيف تستطيع الفلسفة أن تصوغ نظرية في حرية المواطن قادرة على أن تفكِّك أغلاله وأن تنزع جذور التسلُّط في وجدانه المعاصر والمترسبة في وعيه الثقافي؟٤١ ووحدة الأمة ما زالت بعيدة المنال بل ازداد العرب تشرذمًا وتجزئة وحدودًا وتأشيرات دخول وقُطرية ونزاعات حدودية وغزوًا مسلحًا وشكاوى في محاكم العدل الدولية وفي مجلس الأمن والمنظمات الدولية، فكيف تستطيع أن تضمن للأمة وحدتها بفلسفة في الوحدة تنبع من التوحيد كثقافة للأمة، وعلى اتساعها الجغرافي ومواردها المادية والبشرية في عصر التكتلات الكبرى والشركات العملاقة العابرة للقارات؟ والعدالة الاجتماعية ما زالت مطروحة منذ عصر الإقطاع بعد تراكُم الثروة العربية من عوائد النفط، فكيف تستطيع الفلسفة أن تعطيَ أيديولوجيةً لإعادة توزيع الثروة وتحقق أكبر قدرٍ ممكن من المساواة كأمن للوطن من الثورات الاجتماعية، مَن لا يملكون ضد من يملكون؟ والتنمية القومية ما زالت في تعثُّر، والعالم العربي يستورد ٧٥٪ من غذائه من الخارج، ٩٠٪ من سلاحه من الخارج، ٩٥٪ من علومه الحديثة وتقنياتها من الخارج، فكيف تستطيع الفلسفة أن تصوغ أيديولوجية للتنمية المستدامة تعتمد على الذات وتنمية الموارد وإعطاء الأولوية للعوامل الداخلية على العوامل الخارجية؟ وما زالت قضية الهوية مطروحة في عصر يشتد فيه الاستقطاب بين التغريب والأصولية، بين الانبهار بالآخر والانعكاف على الذات إلى حد الخصام الوطني والنزاع المسلح والقتال بين الإخوة الأعداء، فكيف تستطيع الفلسفة أن تقعد حوارًا وطنيًّا بين التيارات الفكرية والسياسية في الوطن العربي حماية للثقافة الوطنية والتعدُّدية مع صياغة برنامج عمل وطني موحد تلتقي فيه أهداف كل مدارس الفكر والعمل؟ وأخيرًا، ما زالت قضية لامبالاة الجماهير مطروحة حتى ولو غزا الكيان الصهيوني عاصمة عربية وضرب أهدافًا عربية واحتل أراضي عربية فلا تتحرك الجماهير إلا في هبات شعبية وقتية تخبو بمجرد اندلاعها، كيف تستطيع الفلسفة أن تصوغ رسالة في الأمانة وغاية الإنسان والمسئولية والالتزام بقضايا العصر؟ كيف تستطيع أن تحول الكم العربي إلى كيف، والجماهير إلى طاقة، والأعداد المتراصة إلى كتلة بشرية؟
إن الهدف من رصد «الفلسفة في الوطن العربي في مائة عام» هو بلورة الوعي التاريخي الفلسفي العربي، وسبر أغوار الحاضر بين الماضي والمستقبل حتى لا يظل الغرب وحده صاحب الوعي التاريخي، يحقب مراحله ويدعونا إلى الدخول في إحداها، وقد يأتي يوم يحقب فيه العرب وعيهم التاريخي ويدعون الآخرين للدخول فيه.٤٢
١  الندوة الفلسفية الثانية عشرة للجمعية الفلسفية المصرية ١٨–٢٠ نوفمبر ٢٠٠٠، كلية الآداب، جامعة القاهرة (المحاضرة الافتتاحية).
٢  بدأت المحاضرة بالوقوف دقيقةً حدادًا على شهداء انتفاضة الأقصى والراحلين من الزملاء أساتذة الفلسفة في الجامعات العربية، بديع الكسم أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق، ومحجوب بن ميلاد شيخ الفلاسفة التونسيين وأستاذ الفلسفة بجامعة تونس العاصمة، ويوسف حبي، عميد كلية بابل للفلسفة واللاهوت وعضو المجمع العلمي العراقي، وكان شعارها خريطة العالم العربي ملفوفًا بالمسجد الأقصى، وشارك في تنظيمها بالإضافة إلى الجمعية الفلسفية المصرية بمناسبة عيدها الفضي (١٩٧٦–٢٠٠٠)، مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، ووزارة الخارجية المصرية، والمجلس الأعلى للثقافة بوزارة الثقافة، ومركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، وحضرها ممثلون عن موريتانيا «السيد ولدأباه، موسى ولدابنو»، والمغرب «كمال عبد اللطيف، سالم يفوت، عبد الرازق الداوي، مصطفى حنفي»، والجزائر «عبد الرحمن بوقاف، جويدة جاري، خديجة هني، الزواوي باغورة، إسماعيل الزروخي، عبد الله عبد اللاوي، جلال الدين سعيد، عبد الكريم بو الصفصاف، بن مزيان بن شرحي»، وتونس «أبو يعرب المرزوقي، فتحي التريكي، مقداد منسية، علي الشنوفي»، ليبيا «فوزية عمار»، الأردن «أحمد ماضي، وليد عطاري، ماهر هناندة، محمد عواد»، لبنان «أحمد أمين، عاهدة طالب، أدونيس العكرة، علي حمية»، العراق «عبد الأمير الأعسم، حسام الدين الألوسي، فضيلة عباس»، سوريا «يوسف سلامة، أحمد البرقاوي» بالإضافة إلى خمسة وعشرين أستاذًا من مصر. انظر الملحق: برنامج الندوة.
٣  Denis de Rougemon: L’amour et L’occident.
٤  «الحامل» Tràgef لفظ من الظاهريات من أجل حماية الفكر باعتباره ماهيةً من الرد التاريخي الذي يحوله إلى مجرد انعكاس لحوادث التاريخ؛ فالتاريخ «حامل» للفكر وليس «مصدرًا» له.
٥  ومن أشهرهم: إبراهيم بيومي مدكور، عثمان أمين، مصطفى حلمي، أبو العلا عفيفي، علي سامي النشار، توفيق الطويل، محمد عبد الهادي أبو ريدة، عبد الرحمن بدوي، زكي نجيب محمود (مدرسة المعلمين العليا)، محمود قاسم. وفي سوريا عبد الكريم اليافي، عادل العوا، بديع الكسم.
٦  مثل: محمود أمين العالم، زكريا إبراهيم، فؤاد زكريا، أبو الوفا التفتازاني، أحمد صبحي، عبد اللطيف خليف. ومن المغرب: محمد عزيز لحبابي أول حاصل على الدكتوراه في الفلسفة في المغرب العربي. ومن العراق: حسام الدين الألوسي. ومن الجزائر: عبد الله شريط وشيخ بوعمران، ومن لبنان: جورج زيناتي، رينيه حبشي، ناصيف نصار. ومن سوريا: سامي الدروبي، أسعد ذرقاوي، مطاع صفدي. ومن تونس: محجوب بن ميلاد وغيرهم. من المغرب: عبد الله العروي، محمد عابد الجابري. ومن مصر: حسن حنفي وإمام عبد الفتاح إمام. ومن سوريا: الطيب تيزني، صادق جلال العظم. ومن لبنان: حسين مروة، حسن صعب. ومن الجزائر-فرنسا: محمد أركون. ومن مصر-فرنسا: رشدي راشد وآخرون. ومن العراق: عبد الأمير الأعسم وغيرهم.
٧  نعتذر عن نسيان أحد الفلاسفة العرب نظرًا لغياب الإحصاء الكامل وليس تجاهلًا لهم أو إقلالًا من شأنهم.
٨  في المغرب: سعيد بن سعيد في الفلسفة السياسية، ومحمد وقيدي وعبد السلام بن عبد العالي وسالم يفوت في فلسفة العلم، وكمال عبد اللطيف وعلى أومليل في الفكر العربي المعاصر، وعبد الإله بلقزيز في الفكر القومي، طه عبد الرحمن في المنطق والتصوف واللغة، وعبد الكريم الخطيبي في النقد، ومحمد مصباحي «والمرحوم جمال الدين العلوي». ومن موريتانيا: السيد ولدأباه وموسى ولدابنو، وفي الجزائر: عبد الرحمن بوقاف، البخاري حمانة، إسماعيل زورقي، الزواوي باغورة. وفي تونس: فتحي التريكي، محمد علي الكبسي، أبو يعرب المرزوقي، الغنوشي. وفي ليبيا: علي فهمي خشيم، فوزية عمار «المرحوم يسن العريبي». ومن مصر: صلاح قنصوة، محمد مهران، مصطفى النشار، أميرة حلمي مطر، محمود رجب، سعيد توفيق، زينب الخضيري، عزت قرني، علي مبروك، يمنى طريق الخولي، ماهر عبد القادر، علي عبد المعطي، حسين علي، سيد نفادي. وفي لبنان: رضوان السيد، علي حرب، أحمد الأمين، علي حمية، أدونيس العكرة. وفي سوريا: يوسف سلامة، أحمد البرقاوي. وفي الأردن: أحمد ماضي، سلمان البدور، سحبان خليفات. وفي العراق: علي حسين الجابري. وفي اليمن: أبو بكر السقاف. وفي الكويت: أحمد الربعي، عبد الله العمر، شفيقة بستكي. وفي الإمارات: عبد الله المظرب.
٩  وقد أفسحت دور النشر الكبرى في الوطن العربي مساحة واسعة للنشر الفلسفي مثل دار الطليعة، دار المشرق ودور الفارابي وابن سينا وابن خلدون في لبنان، والهيئة المصرية العامة للكتاب، ودار المعارف، والحلبي في مصر، والمثنى في بغداد.
١٠  مثل برهان غليون من سوريا، محمد جابر الأنصاري من البحرين، محمد الرميحي من الكويت، والسيد يس ومحمد سيد أحمد وعصمت سيف الدولة، وغيرهم من مصر، وعبد الله القصيمي من المملكة العربية السعودية.
١١  ويتضح هذا في الأدب والفن مثل نجيب محفوظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وقد تولَّدت منهم على الأقل ثلاثة أجيال أثناء حياتهم.
١٢  انظر دراستنا: «جدل الأنا والآخر»، دراسة في تخليص الإبريز للطهطاوي، هموم الفكر والوطن، ج٢، الفكر العربي المعاصر، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨، ص٢١٩–٢٥٠.
١٣  ومن الجيل الحالي يوسف سلامة (سوريا)، البخاري حمانة (الجزائر)، علي فهمي خشيم (ليبيا)، علي أومليل (المغرب)، عبد الله المظرب (الإمارات)، أبو بكر السقاف (اليمن).
١٤  لا تعني كثرة الإحالات إلى دراستنا السابقة أي تجاهل لدراسات الأساتذة الزملاء بل تعني فقط إكمال المنظور الذي سبق التعبير عنه عدة مرات.
١٥  انظر دراستنا: ما السؤال؟ هموم الفكر والوطن، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨، ص٧–٣٠.
١٦  انظر دراستنا: العقل والإصلاح، تحية في الذكرى العشرين لمحمود قاسم، حوار الأجيال، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨.
١٧  حسن حنفي: من النقل إلى الإبداع، مج٢ التحول ج١ العرض ج٢ التأليف ج٣ التراكم، دار قباء، القاهرة، ٢٠٠٠-٢٠٠١.
١٨  مثل نصوص المثالية الغربية ديكارت وكانط بعثمان أمين، ونصوص رسل والفلسفة العلمية بزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا، وبرجسون بسامي الدروبي، واسبينوزا بحنفي، وهيوم بالشنيطي، وفتجنشتين بعزمي إسلام.
١٩  من أمثال ذلك ترجمات جورج طرابيشي لكل شيء، وعبد العزيز الشيباني لاشبنجلر وعبد الرحمن بدوي لنقد العقل الخالص لكانط، والوجود والعدم لسارتر، وتيسير شيخ الأرض لتأملات ديكارتية لهوسرل.
٢٠  مثل ترجمات عثمان أمين لدريكات وكانط، وترجمات حنفي لاسبينوزا ولسنج وسارتر وأوغسطين وأنسيلم وتوما الأكويني.
٢١  ارتبطت عروض ديكارت بعثمان أمين ونجيب بلدي، وعروض المذاهب الفلسفية الغربية خاصة المثالية الإلحادية بعبد الرحمن بدوي، وهيجل بإمام عبد الفتاح إمام، وفتجنشتين بعزيم إسلام، وهيوم بالشنيطي.
٢٢  وذلك باستثناء ترجمات «رسالة في اللاهوت والسياسة» لاسبينوزا، «تربية الجنس البشري» للسنج، «نماذج من الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط» لأوغسطين وأنسيلم وتوما الأكويني، «تعالي الأنا موجود» لجان بول سارتر التي يتم فيها التقديم والتعليق والشرح من خلال الموروث حتى يمكن توحيد عنصري الثقافة: الوافد والموروث، استئنافًا لما بدأه عثمان أمين على استحياء، وقد كان يمكن للأساتذة أصحاب الثقافتين القيام بذلك مثل محمد عبد الهادي أبو ريدة، عبد الرحمن بدوي، محمود قاسم، محمود حمدي زقزوق، عبد اللطيف خليف، محمد كمال جعفر، حسن الشافعي، أبو العلا عفيفي، زكي نجيب محمود، توفيق الطويل القيام بذلك.
٢٣  مثل «المغني» و«شرح الأصول الخمسة» للقاضي عبد الجبار، و«الشفاء» لابن سينا والمؤلفات الكاملة لابن رشد (محمود قاسم)، والكندي (أبو ريدة)، و«الفتوحات المكية» (عثمان يحيى)، و«الموافقات» للشاطبي.
٢٤  انظروا دراستنا: من الوعي الفردي إلى الوعي الاجتماعي، دراسات إسلامية، الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٨٢، ص٣٤٧– ٣٩٢.
٢٥  انظر دراستينا: تجديد الفكر العربي، أشكال التواصل والانقطاع (زكي نجيب محمود)، عربيان بين ثقافتين، قراءة وحوار، حوار الأجيال، ص٢٢٩–٢٩٦.
٢٦  انظر دراستنا: الوحي والعقل والطبيعة، مجلة الفلسفة والعصر، العدد الأول، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ١٩٩٩، ص١٠٧–١٣٠.
٢٧  انظر دراستنا: علوم التأويل بين الخاصة والعامة، قراءة في بعض أعمال نصر حامد أبو زيد، حوار الأجيال، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨، ص٤٠٩–٤٣٢.
٢٨  انظر دراساتنا الثلاث: موانع الإبداع، شروط الإبداع الفلسفي، تجديد اللغة شرط الإبداع، هموم الفكر والوطن، ج٢، الفكر العربي المعاصر، ص١٧٩–٢٠٥.
٢٩  من العقيدة إلى الثورة، ج٢ التوحيد ج٣ العدل، مدبولي، القاهرة، ١٩٨٨.
٣٠  وهو سؤال لينين الشهير: «ما العمل؟»
٣١  انظر دراستنا: تيارات الفكر العربي المعاصر، هموم الفكر والوطن، ج٢، الفكر العربي المعاصر، ص٤١٧–٤٨٠.
٣٢  الاضطراب الزماني Anachronism.
٣٣  الحكم أو الإدارة العليا Governance.
٣٤  حسن حنفي، صادق جلال العظم: ما العولمة؟ دار فكر، دمشق، ٢٠٠٠.
٣٥  Cultures in conflict or dialogue Islam in the modern world, vol, II, Tradition. Revolution and Culture, Dae Kebaa, Cario, 2000 pp. 556–563.
٣٦  هذه هي الندوة الثانية عشرة للجمعية الفلسفية المصرية بعد إحدى عشرة أخرى هي:
• الأولى: دور أقسام الفلسفة في مصر، كلية الآداب، جامعة القاهرة، ١٩٨٩.
• الثانية: دور مصر في الإبداع الفلسفي، كلية الآداب، جامعة القاهرة، يوليو ١٩٩٠.
• الثالثة: نحو علم كلام جديد، كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، يوليو ١٩٩١.
• الرابعة: نحو مشروع حضاري جديد، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، يوليو ١٩٩٢.
• الخامسة: نحو فلسفة إسلامية جديدة، كلية الآداب، جامعة القاهرة، يوليو ١٩٩٣.
• السادسة: مدرسة الإسكندرية عبر العصور، كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، ديسمبر ١٩٩٤.
• السابعة: التأويل بين الفلسفة والعلوم الإنسانية، كلية الآداب، جامعة القاهرة، ديسمبر ١٩٩٥.
• الثامنة: فلسفة التاريخ والوعي بالتاريخ، كلية الآداب، جامعة القاهرة، ديسمبر ١٩٩٦.
• التاسعة: الخطاب الفلسفي، كلية الآداب، جامعة القاهرة، ديسمبر ١٩٩٧.
• العاشرة: قراءات ابن رشد، كلية الآداب، جامعة القاهرة، ديسمبر ١٩٩٨.
• الحادية عشرة: الفلسفة في مصر في مائة عام، كلية العلوم، جامعة القاهرة، ١٩٩٩.
٣٧  تأسَّست الجمعية الفلسفية العربية في عمان ١٩٨٣ برئاسة أ.د. أحمد ماضي وبفضل جهوده المتواصلة وضيافة الجامعة الأردنية.
٣٨  هناك جمعيات قطرية في مصر والمغرب وتونس والأردن والعراق واليمن وموريتانيا، وما زالت في سبيل التكوين في الجزائر وليبيا ولبنان، وما زال الشوط بعيدًا لتأسيس جمعيات فلسفية في السودان والكويت والإمارات وعمان والمملكة العربية السعودية والصومال.
٣٩  هناك نوايا طيبة لإنشاء اتحاد للجمعيات الفلسفية العربية بمبادرة من الجمعية الفلسفية في القاهرة، ومن بيت الحكمة والجمعية الفلسفية العراقية في بغداد هذا العام، وقد تم إشهار الاتحاد بالقاهرة في ١٤ / ٣ / ٢٠٠١.
٤٠  من نماذج دور النشر والتوزيع الرائدة «مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت».
٤١  انظر دراستنا: الجذور التاريخية لأزمة الحرية والديمقراطية في وجداننا العربي المعاصر الدين والثورة في مصر، ج٢، التحرر الثقافي، مدبولي، القاهرة، ١٩٨٩، ص١١٩–٢١٨.
٤٢  وتلك هي المهمة الكبرى لعلم «الاستغراب».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤