المصادر الفكرية للعقلانية في الفكر العربي المعاصر١

أولًا: الموضوع والمفاهيم

لا تعني «المصادر» الجذور وحدها بل المصادر والتكوين، الجذور والثمار، البدايات والنهايات؛ فالمصادر قد تم تفعيلها في الثقافة العربية المعاصرة، ولم تعد فقط مصادر بل تحولت إلى نتائج، وإذا كانت المصادر تأتي من التاريخ فقد تحولت على مر التاريخ إلى بِنًى ثقافية مستقلة عنه ومؤثرة فيه.

كما لا تعني المصادر النقل من الخارج أو النقل من الداخل بل تعني أيضًا حاجة الواقع العربي المعاصر ومتطلباته التي يتم تلبيتها عن طريق البحث في المنابع الخارجية أو الداخلية؛ فالواقع هو الباعث على استدعاء المصادر، والحاضر هو الذي يستلهم الذاكرة البعيدة في التراث الإسلامي القديم أو الذاكرة القريبة في التراث الغربي المعاصر.

ويضم الفكر العربي المعاصر القرنين التاسع عشر والعشرين دون تفرقةٍ بين الحديث في القرن التاسع عشر، وربما الثامن عشر في الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية أو حركة الاستنارة العقلية لدى علماء الأزهر ممثلة في الشيخ حسن العطار أستاذ الطهطاوي، وبين المعاصر في القرن العشرين، في النصف الأول أو في النصف الثاني منه، ليس المهم هو البداية الزمنية في التاريخ بل البداية المعرفية في العقل.

ولا يوجد تحديد لمعنى العقلانية أو العقل بل مجرد تجليات وتطبيقات له في الحياة الاجتماعية والسياسية، ولا يوجد في المقالات المجمعة أو في الكتب المؤلفة مقال أو جزء صغير عن العقل والعقلانية،٢ وإن وجدت تحديدًا فمعظمها من الوافد الغربي أو من العقل البديهي؛ إذ يبدو أن الحديث عن العقل والعقلانية هو تلبية رغبة أو تعبير عن حاجة أو هو تخفيف من الإحساس بعقدة النقص أمام حضارة غربية عقلانية معاصرة لديها عقدة عظمة بالتفوق، والعقلانية أحد مظاهره.
و«المقال» هو الشكل الأدبي الغالب على العقلانية العربية المعاصرة الإصلاحية أو الليبرالية أو العلمية؛ فهي كتابات ملتزمة تخاطب الرأي العام، وتساهم في رقي المجتمع وتأسيس النهضة، بل إن المؤلفات التي لها عناوين مثل العقل والعقلانية إنما هي تجميع مقالات،٣ ونادرًا ما يكون أحدها مؤلفًا مكتوبًا،٤ بل قد يخلو عنوان يحمل اسم «العقل» من أي فصل عن العقل أو العقلانية.٥
ويمكن التمييز بسهولة وطبقًا للتصنيف الشائع بين ثلاثة تيارات في الفكر العربي المعاصر: التيار الإصلاحي الذي أسسه الأفغاني وتلاميذه، محمد عبده، رشيد رضا، حسن البنا، سيد قطب، وبعض الجماعات الإسلامية الحالية؛ والتيار الليبرالي الذي أسسه رفاعة رافع الطهطاوي في مصر، وخير الدين التونسي في تونس، والأجيال اللاحقة عند أحمد لطفي السيد وطه حسين والوفد الجديد؛ والتيار العلمي العلماني الذي أسسه شبلي شميل وفرح أنطون ويعقوب صروف وسلامة موسى وإسماعيل مظهر. وقد امتد كل تيارٍ على مدى خمسة أجيال، ينحسر فيها التيار جيلًا وراء جيل حتى تصبح النهايات غير البدايات وربما نقيضها.٦
وهناك مفكرون على التخوم بين أكثر من تيار، الإصلاحي والليبرالي عند قاسم أمين ومحمد حسين هيكل والعقاد وخالد محمد خالد، والإصلاحي العلمي مثل طنطاوي جوهري، والجيل الحالي من دعاة «العلم والإيمان».٧ والليبرالي العلمي مثل زكي نجيب محمود وفؤاد زكريا وغيرهما، وهناك مفكرون آخرون تحولوا من تيار إلى تيار تدريجيًّا أو بانقلاب، يبدأ ليبراليًّا أو علميًّا وينتهي دينيًّا إصلاحيًّا.٨

وقد اتسمت العقلانية بطابع كل تيار: العقلانية الإصلاحية التي تحاول فهم الدين فهمًا عقلانيًّا؛ والعقلانية الليبرالية التي تحاول تأسيس الحرية على مقتضيات العقل؛ والعقلانية العلمية التي نموذج العقل فيها هو العقل الطبيعي المرتبط بالحس والواقع.

ويعتمد كل تيار على مصدرين؛ المصدر الداخلي في جذور العقلانية القديمة في التراث الإسلامي، والمصدر الخارجي في جذور العقلانية الحديثة في التراث الغربي مع تفاوت في النسب؛ فالعقلانية الإصلاحية أقرب إلى جذور العقلانية القديمة في التراث القديم منها إلى جذور العقلانية الحديثة في التراث الغربي، والعقلانية الليبرالية حاولت الجمع بين المصدرين الداخلي القديم والخارجي الحديث على نحو متعادل ومتوازن، تقرأ الحسن والقبح العقليين عند المعتزلة في «الشرطة» لنابليون، وتقرأ علم العمران عند ابن خلدون في مرآة «روح القوانين» لمونتسكيو، ويكتب محمد حسين هيكل «حياة محمد» في مرآة جان جاك روسو. أما التيار العلمي فإنه أقرب إلى المصدر الخارجي في العقلانية العلمية الغربية الحديثة منه إلى المصدر الداخلي الإسلامي في التراث القديم بالرغم من محاولة شبلي شميل بيان جذور نظرية التطور في القرآن الكريم من أجل الترويج لها في الثقافة المحلية، ومحاولة فرح أنطون تأصيلها في «ابن رشد وفلسفته»، ثم اختل الميزان عند يعقوب صروف في «المقتطف» وسلامة موسى في «هؤلاء علموني» فلا يوجد منهم عربي مسلم واحد ولا حتى ابن رشد أو ابن خلدون، وإسماعيل مظهر قبل أن ينقلب على التيار في أواخر حياته إلى التيار الإسلامي في «الإسلام أبدًا»، أما محاولة زكي نجيب محمود في «جابر بن حيان»، فإنها ليست تأصيلًا للعقلانية العلمية في الوضعية المنطقية بل مجرد كتابة عارضة لأحد أعلام العرب.

ويصعب القيام بإحصاء شامل لحصيلة العقلانية على مدى قرنين من الزمان مهما كان كاملًا، إنما المهم هو النصوص التكوينية عند الرواد في القرن التاسع عشر وتفريعاتها عند الأجيال اللاحقة في القرن العشرين استمرارًا فيها أو نقدًا لها أو انقلابًا عليها. وقد لا يتساوى قدر العروض كيفًا ولا كمًّا، إنما هي نماذج ممثلة للتيار مع وجود نماذج أخرى، ويستحيل إيراد إحصاء شامل، قد يكون التركيز أحيانًا على القرن التاسع عشر؛ لأن به جيل الرواد، وقد يكون أحيانًا على القرن العشرين، فهو أقرب إلى المعاصر، وقد يغلب التيار الإصلاحي التيارين الآخرين في العرض؛ لأنه أكثر التيارات شيوعًا وحضورًا في الفكر العربي المعاصر.

وقد أخذت العقلانية بالمعنى الدقيق وتحليل أهم نصوصها وليس بمعناها الواسع إيجابًا الذي يضم الاجتهاد والمعاصرة والتجديد والتحديث والإصلاح والنهضة، أو سلبًا مثل نقد التقليد والقديم والمحافظة والسلفية والجمود والتعصب؛ فقد اتسعت العقلانية حتى أصبحت تضم كل شيء، واستعملت كشعار أكثر منها كمفهوم خاصة في الفكر العربي المعاصر الذي ما زال يغلب عليه الطابع الفكري العام في المنابر العامة، ولم يتحول بعد إلى فكر دقيق ومفاهيم محددة، ما زال الخطاب الإنشائي هو الغالب، وهو أحد التحديات للفكر العربي نفسه، جيلًا وراء جيل.

ثانيًا: العقلانية الإصلاحية

وتعني محاولة فهم الدين فهمًا عقلانيًّا وتأصيل ذلك الفهم في التيارات العقلانية في التراث القديم عند المعتزلة وابن رشد بل وبعض الفقهاء الذين يعتبرون من مصادر الفكر الإصلاحي الحديث مثل ابن تيمية في «درء تعارض العقل والنقل» و«موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول»، وهي أكثر التيارات حضورًا وشيوعًا، تنهل من الثقافة الموروثة التي أصبحت الرافد الرئيسي في الثقافة الشعبية، كما تبنتها النخبة الوطنية، وأصبحت إحدى أيديولوجيات التحرر الوطني.

  • (١)

    بدأت الحركة الإصلاحية عند محمد عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية تيارًا نصيًّا لا عقليًّا، وانتهَت كذلك منذ كبوة الإصلاح من الأفغاني إلى محمد عبده إلى رشيد رضا إلى الجماعات الإسلامية المعاصرة نصية لا عقلية، والتحدي الآن هو كيفية تحويلها إلى حركةٍ إصلاحيةٍ عقلية تتجاوَز عقلانية الإصلاح الأول من نصف الأشعرية ونصف الاعتزال عند محمد عبده إلى الاعتزال الكامل عند أصحاب الطبائع، ومن ديكارت وكانط عند عثمان أمين إلى اسبينوزا وفولتير.

  • (٢)
    وفي الشام بدأت حركة إصلاحية لا تعتمد على تحليل العقل بل على تحليل ظاهرَتَي الاستبداد والفتور؛ استبداد الحكام وفتور المحكومين، ففي «طبائع الاستبداد» لا يذكر العقل مباشرة بل يذكر التناقض بين الاستبداد والعلم، فليس غرض المستبد أن تنور الرعية بالعلم، ومن العلم الحكمة النظرية والفلسفة العقلية، والمستبد لا يخاف من العلوم كلها بل تلك التي توسع العقول وتعرف الإنسان ما هي حقوقه؛ لذلك كان العوام قوات المستبد قوته، يذبحون أنفسهم بأيديهم.٩
    وفي «أم القرى» في الاجتماع الخامس يتحدث الكواكبي عن الاجتهاد والتقليد دون الحديث عن العقل صراحة، فأقام الشافعي مذهبه على مبادئ اللغة وحدها، وأدخل أبو حنيفة في مذهبه بعض القواعد المنطقية، ثم توسع الأصوليون في ذلك حتى ابتعدوا عن روح الدين العملية، فأضروا أكثر مما نفعوا.١٠ وتعصب كل فريق لمذهبه وقلده، فضاع الاجتهاد لحساب التقليد،١١ ولا فرق بين القدماء أو بين من قلده من المحدثين الغربيين، فالتقليد واحد مع اختلاف المقلد، لا فرق بين أنصار المذاهب الفقهية أو الفئة المتفرنجة.
  • (٣)
    أما المدرسة الإصلاحية الأكثر تأثيرًا واعتمادًا على العقل فهي المدرسة المصرية التي أسسها الأفغاني وتلاميذه، محمد عبده ورشيد رضا وحسن البنا والتي انتهت إلى جماعة الإخوان المسلمين، ففي «الرد على الدهريين» للأفغاني تتم سعادة الأمم بعدة أمور منها «صفاء العقول»، من كدر الخرافات وصدأ الأوهام، فلو تدنس العقل بعقيدة وهمية لقامت حجب كثيفة بينه وبين الواقع، وقد تُوقِف خرافةٌ العقلَ عن حركته الفكرية فيصدق كل وهم وظن مما يبعده عن الكمال، وصفاء العقول هو أول ركن بُنِي عليه الإسلام بفضل التوحيد وتطهيرها من الأوهام؛١٢ لذلك قامت عقائد الأمة على البراهين القويمة والأدلة الصحيحة اعتمادًا على العقل بعيدًا عن الظن والوهم، وقيد الأغلال أهون من قيد العقول بالأوهام، والعقل أشرف مخلوق؛ فهو عالم الصنع والإبداع لا يعطله إلا الوهم والجبن، وكل شيء في هذا العالم خاضع للعقل، والمستحيل اليوم يصبح ممكنًا غدًا.١٣ والفضائل حسنة في ذاتها، والرذائل قبيحة في ذاتها،١٤ والعقل قادر على إدراكهما معًا، والإرادة قادرة على فعل الأولى وترك الثانية؛ فالعقل وحرية الاختيار كلاهما ركنا أصل العدل عند المعتزلة.
  • (٤)
    وتمثل «رسالة التوحيد» لمحمد عبده التحول إلى منتصف الطريق، من الأشعرية إلى الاعتزال؛ فقد ظل محمد عبده أشعريًّا في التوحيد، نظرية الذات والصفات والأفعال، ولكنه تحول إلى معتزلي في العدل، في الحسن والقبح العقليين؛ فعلم التوحيد لا ينشأ بالتقليد،١٥ والعقل قادر على التمييز بين الحسن والقبيح في المحسوسات والمعقولات والنافع والضار في الشرعيات أو الفضيلة والرذيلة في الأخلاقيات حتى ولو كان عددًا قليلًا عن أصفياء البشر، وقد أجمع عليه العقلاء في كل ملة. كمال الله يعرف بالعقل، والأفعال الاختيارية تعرف أيضًا بالعقل، بل إن مبدأ العقل يبقى للإنسان بعد موته للحساب والعقاب، وقد وهب الله للإنسان ثلاث قوى: الذاكرة والمخيلة والمفكرة، وكلها مظاهر للعقل، وليست عقول الناس سواءً في معرفة الله أو الحياة بعد الموت؛ نظرًا للتربية والتكوين والاستعداد. ومع ذلك، قد لا يستقل العقل البشري في كل شيء ويحتاج إلى عون خارجي وهو النبوة،١٦ إن منزلة النبوة من الاجتماع هي منزلة العقل من الشخص أو منزلة النظر من العمل،١٧ والأصل حمَلَ الإسلام على التقليد ودافع عن العقل،١٨ وأعلن استقلال العقل والإرادة، وهما أصلا العدل.١٩
    وردًّا على سؤال تلميذه محمد رشيد رضا عن الحاجة الماسة إلى تأليف كتب تناسب حاجة العصر في الترتيب والسهولة، ومراعاة عقول المسلمين، رد الشيخ ضاربًا المثلَ بعلم الكلام الذي كتب فيه «رسالة التوحيد» تحقيقًا لهذا المطلب، فما هو موجود تكرار لما عرفه الناس من واصل بن عطاء مؤسس الاعتزال باعتزاله مجلس الحسن البصري دون معرفة هذا الفكر الجديد ومنشئه وما سبب قول الأشعري بأن الوجود عين الموجود؟ ومتى دخلت الفلسفة في كتب العقائد؟ وما الهدف من ذلك؟ وهو ما قد يوجد في الكتب الإفرنجية.٢٠
    وفي «الإسلام بين العلم والمدنية» تقوم دعوة الإسلام، التوحيد، على النظر العقلي وتوجيه العقل نحو النظر إلى الكون واستعمال القياس الصحيح، فأطلق العقل البشري الفطري دون قيد للتفكُّر في السموات والأرض؛ لذلك كان النظر أول واجبات المكلف، بل إن الإعجاز القرآني أيضًا يعرف بالاستدلال وليس فقط بالتأثير في النفس، الأصل الأول للإسلام هو النظر العقلي والإذعان له.٢١ والأصل الثاني تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض؛ فالعقل أساس النقل كما هو الحال عند المعتزلة بل والفقهاء مثل ابن تيمية في «موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول»، و«درء تعارض العقل والنقل»،٢٢ فإذا لم يحل التعارض فإما التفويض وإما التأويل. والأصل الثالث البعد عن التكفير احترامًا لاجتهاد الآخرين وحق الاختلاف. والأصل الرابع الاعتبار بسنن الله في الخلق، فالعقل والطبيعة نظام واحد. والأصل الخامس القضاء على السلطة الدينية؛ فالعقل والثورة نظام واحد كذلك. والأصل السادس حماية الدعوة لمنع الفتنة وعدم التفرق. والسابع مودة المخالفين في العقيدة، والثامن الجمع بين مصالح الدنيا والآخرة.٢٣
    وكانت النتيجة انشغال المسلمين بالعلوم الأدبية والعقلية والكونية وإنشائهم دور الكتب والمدارس.٢٤ وبرع العرب في العلوم الرياضية والطبيعية، وشجع الخلفاء العلم والعلماء؛ فالجمود ليس حجة على المسلمين، فقد انطلق الدين بالعقل في سعة العلم.٢٥
    ويتعاون العقل مع الوجدان على التأمل والنظر والإدراك المباشر والبداهة. العقل للخارج والوجدان للداخل. العقل لظواهر الطبيعة والوجدان لظواهر النفس؛ لذلك يرى رشيد رضا أن «رسالة التوحيد» موجهة إلى العقل والوجدان لا مجرد تقرير وجيز للبرهان.٢٦ وهو في نفس الوقت العقل العلمي الذي يبحث في الأسباب والغايات.٢٧
    و«إصلاح العقل» أحد بنود إصلاح الأزهر المعنوي، إصلاح العقل بالاستقلال في العلم والفهم.٢٨ ووظيفة المفتي ليس التقليد بل الاجتهاد.٢٩ ولقد أعتق الإسلام الأفكار من رق التقليد وحرَّر العقول من ذل الأسر والعبودية.٣٠ والشجاعة في الحق رفع قيد التقليد ووضع قيد الدليل، وأسوأ من المقلد المستهزئ؛ لأن المقلد قد يتحول من التقليد إلى الاجتهاد إذا تراءى أمامه الدليل.٣١
    وفي حوار الشيخ مع سبنسر، وبالرغم من أن الفيلسوف البريطاني تطوري النزعة مادي الاتجاه آلي النظرة إلا أنه ينعى على الغرب محو الحق من العقول، واستبدلوا بالعقل القُوى التي أدَّت إلى الحروب بين الأمم الأوروبية، والدواء ليس العلم بل الرجوع إلى الدين.٣٢
    وينبه محمد عبده أربع مرات على «خطأ العقلاء»، وهو نقل النموذج الغربي المنقول من الكتب والمطالعات على واقع مخالف وبيئة مغايرة؛ فقد أغفلوا خصوصية تجارب الشعوب، وأن تجربة شعب لا يمكن تطبيقها على شعب آخر دون مراعاة للظروف النوعية للشعب المنقول إليه بل ونوعية التجربة للشعب المنقول عنه؛ فالأمم في أحوالها العمومية كالأشخاص في أحوالها العمومية، لكلٍّ منها فرديته.٣٣ إنما الحكمة في معرفة طبائع كلٍّ من التجربتين ثم التحول تدريجيًّا بعوائد التجربة والعادات المنقول إليها نحو التحسين والرقي حتى لا ينخلع الناس عن عاداتهم فيصبحوا مسخًا لا هو بالقديم ولا هو بالجديد، وهو حال النخبة المثقفة المنبهرة بالغرب.٣٤
    وبدلًا من تقليد العقلاء النموذج الغربي فإنه من الأفضل التعرُّف على أسباب رقي الغرب ثم الأخذ بها؛ أي العودة إلى الجذور وليس مجرد اقتطاف الثمار وعيش تجربة الرقي ومعاناة آلام المخاض.٣٥ وكانت البداية بالنفس أي تغيير عادات الناس من الذهن والقلب، ونزع جذورها من الداخل قبل الخارج، هكذا حدث التقدم في الغرب بنزع جذور التخلُّف من الذهن وتصحيح مسار العقل من العقل المدرسي إلى العقل الحديث، من العقل الناقل الحافظ إلى العقل الفاهم المستدل.٣٦
    ومن خطأ العقلاء أيضًا تبرير الحجر الذي يضعه المتسلطون على الأهالي تقييدًا لحرية الرأي، وهجوم الشرطة على الناس ليلًا فيما يسمى «الكبسة» أو «زوار الفجر» بلغة عصرنا. واجب العقلاء هو تخليص رقاب الناس من هذا القهر أسوة بالأمم المتمدنة في حرية الفكر، قولًا وعملًا، للناس، والرقابة على الحكم، والاعتراض على مظاهر الفساد.٣٧ لا يعني ممارسة الحرية التفوُّه بألفاظ تخدش عقائد الناس، ما فعله الأوروبيون في ذلك خطأ فاحش، قلَّده العقلاء في بلادنا بالرغم من أن الظروف غير ملائمة،٣٨ ومع ذلك يظل الحكم للصفوة المستنيرة.٣٩
  • (٥)
    وقد استمر صاحب المنار في العقلانية الإصلاحية إلى أن اندلعت الثورة الكمالية في تركيا في ١٩٢٣ وقضى على الخلافة، فارتد سلفيًّا خشية من الإصلاح بعد أن نجح حزب الاتحاد والترقي وجماعة تركيا الفتاة في الاستيلاء على السلطة في عاصمة الخلافة وخشية أن يتكرر ذلك في باقي أقطار العالم الإسلامي، كان الإصلاح الأول قبل الكبوة يمثِّل روح الأستاذ الإمام ضد الجبر والتوكُّل وترك الأسباب ورفض الرأي الآخر والجهل والخرافة والتقليد.٤٠
    قبل أن يرتد رشيد رضا سلفيًّا كان تلميذًا وفيًّا للأستاذ كما يبدو ذلك في «الأمالي الدينية» أو «العقيدة المنارية» لعام ١٩٠٠–١٩٠١، فالدين والعقل صنوان، الإيمان تصديق العقل، والعقل برهان الإيمان، لا يوجد في الدين ما يعارض العقل، ولا يوجد في العقل ما يناقض الدين، وإن تناقض ظاهر النص مع العقل أُوِّل النص؛ فالعقل أساس النقل، العقل يقين والنص باعتباره لغة ظن. وما أكثر الآيات التي تحث على التفكير والتعقُّل وطلب البرهان.٤١ ومن هنا أتى خطر التقليد وضرورة الاجتهاد،٤٢ وقد أوجب العلماء النظر والاستدلال على من يقدر عليه، وتركه عصيان.٤٣ وإذا كان الناس أربع طبقات؛ المجتهدون والعلماء والمقلدون ومن لا يعرفون من الإسلام إلا الظواهر فأعلاهم مرتبة المجتهدون.٤٤
    وفي الدرس الرابع من «الأمالي الدينية» «أحكام العقل» يتبنَّى رشيد رضا النسق الأشعري القديم الذي بدأته «العقيدة النظامية» للجويني، والذي يبدأ بأحكام العقل الثلاثة: الواجب والممكن والمستحيل؛ فالإيمان هو تصديق العقل بقضايا الدين جزمًا أو ظنًّا، والعقلي هو العادي والمستحيل هو غير العادي، فالعقل والواقع أيضًا صنوان.٤٥
    وفي «شبهات النصارى وحجج الإسلام» يرد رشيد رضا على إنكار فرح أنطون في «الجامعة» أن الإسلام دين العقل.٤٦ ويثبت أن الإسلام دين العقل بالكتاب والسنة، ولماذا يكون الإسلام عدوًّا للعقل ويمكن هدمه بالعقل وأنه ضد العلم مثل باقي الأديان والوقوع في القياس المستحيل؟٤٧ فالإسلام بالنص دين العقل والعلم، ولا يكفي فيه الظن، أصوله عقلية، وعقائده برهانية، وفي حالة تعارض العقل مع السمع يثبت العقل ويؤول السمع أو يفوضه.٤٨ وظل الأمر كذلك حتى العقائد المتأخرة التي تمَّت صياغتها بالشعر، وهو ما أكده المعتزلة في العقائد والرازي في التفسير. ونقد الغزالي الفلاسفة في «تهافت الفلاسفة» نقدًا عقليًّا لظنونهم في الإلهيات، وليس هدمًا للعقل، فبإجماع الأمة الإسلام دين العقل، ووحد الفلاسفة بين الدين والعقل، وكما عرض ذلك ابن رشد في «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال»؛ فالشرع الإسلامي أوجب النظر بالعقل وجعله أساسًا للعقائد، فالنظر أي الاعتبار واجب بالشرع، ويمكن استنباط الشرع بالقياس العقلي، بل إن ابن حزم قبله أثبت قواعد المنطق بنصوص الكتاب والسنة، وقد رد ابن رشد على الغزالي في «تهافت التهافت»، بل إن ابن رشد نقد الأشاعرة في «مناهج الأدلة»؛ لأنهم يسيئون استخدام العقل، ويسيئون تأويل النقل، ويتفق جميع الفلاسفة على ذلك، الكندي والرازي والفارابي وابن سينا وابن طفيل وابن باجه.
    وفي «يسر الإسلام وأصول التشريع العام» يجيب رشيد رضا على عشر مسائل عن كمال الدين ويسره والقرآن والرسول وأمور الدنيا والإسلام وكراهية كثرة السؤال وذم الابتداع، وأن الإسلام دين توحيد واجتماع، وأكبر المسائل هي العاشرة عن القياس والرأي والاجتهاد بحيث تشمل تسعة أعشار الكتاب.٤٩ يعرض لإبطال ابن حزم القياس والرأي ويقارنه برأي ابن القيم ويجمع بين الإنكار والإثبات؛ فالرأي ثلاثة أقسام؛ رأي باطل ورأي صحيح ورأي موضع الاشتباه؛ الرأي الباطل هو المخالف للنصوص، والكلام في الدين بالخرص والظن، والرأي المتضمن التعطيل، وما يؤدي إلى البدع والقول بالاستحسان، والرأي المحمود رأي الصحابة، وما يفسر النصوص، ورأي جماعة الشورى، والاجتهاد الذي أجازه الصحابة فيما لا نص فيه.٥٠
    لقد أخطأ نفاة القياس برد القياس الصحيح خاصة المنصوص على علته وتقصيرهم في فهم النصوص وتحميل الاستصحاب فوق ما يستحقه واعتقادهم أن عقول المسلمين ومعاملاتهم كلها باطلة، بينما أخطأ مثبتو القياس في شمول النصوص وتفاوت الأحكام فيها وإغنائها عن القياس الصحيح وليس في الشريعة شيء على خلاف القياس، مثال ذلك الربا في علته وحكمه.٥١ وهو ما انتهى إليه الشوكاني أيضًا في الاستدلال بالقرآن وبالحديث وبالإجماع على القياس. والقياس الصحيح هو بحث في التزام النصوص في العبادات واعتبار المصالح في المعاملات كما فعل مالك والطوفي والشاطبي في مسألة المصالح.٥٢
    وبعد الردة كتب رشيد رضا «الوحي المحمدي» عام ١٩٣٣ بالإضافة إلى عنوان فرعي طويل «ثبوت النبوة بالقرآن ودعوة شعوب المدنية إلى الإسلام دين الأخوة الإنسانية والسلام».٥٣ ويتخلله رد على المستشرقين كنموذج لموقف «الإفرنج» مثل درمنغام، وفيه يتم الانحياز إلى الموقف السلفي؛ فالعقل والعلم لا يغنيان عن هداية الرسل،٥٤ ومع ذلك تظل بقايا تعاليم الأستاذ الإمام في المقصد الثالث من مقاصد القرآن الإسلام دين الفطرة السليمة، والعقل والفكر، والعلم والحكمة، والبرهان والحجة، والضمير والوجدان، والحرية والاستقلال، يمنع التقليد والجمود واتباع الآباء والجدود، ويدحض شبه التقليد ويعطي البراهين على الاجتهاد.٥٥ ففي حين غاب لفظ العقل من الكتاب المقدس حضر في القرآن أكثر من خمسين مرة ومع أولي الألباب أي العقول بضع عشرة مرة، وكذلك أولي النهى، وذكر الفعل مئات المرات مما يدل على أن العقل هو فعل التعقل، وأبطل الإسلام التقاليد الدينية التي كانت حجرًا على العقل، ومن تجليات العقل العلم والحكمة، والإسلام دين الحجة والبرهان، أقام البرهان العقلي على بطلان الشرك، والإسلام دين القلب والوجدان والضمير، وكلها مرادفات للعقل.٥٦ وقواعد الاجتهاد من النصوص كما وضعها علم القواعد الفقهية.٥٧
    وفي «الدين والوحي والإسلام» للشيخ مصطفى عبد الرازق تلميذ الأستاذ الإمام لا يذكر العقل صراحة كجامع مشترك بين هذه المفاهيم الثلاثة، ولكن يذكر في الدين الصلة بين الدين والفلسفة عند الفلاسفة الإسلاميين.٥٨ والتوحيد بينهما عند ابن حزم في «الفصل في الملل والنحل»، والشهرستاني في «الملل والنحل»، وابن رشد في «فصل المقال»، وابن سينا والفارابي في «تحصيل السعادة». فالموضوع واحد؛ الحق، والغاية واحدة؛ الكمال، وإن اختلفت الطرق؛ العقل أو الوحي، الظاهر للجمهور والباطن للخاصة.٥٩

    وبمناسبة تعريب طه حسين ومحمد رمضان كتاب «الواجب» لجيل سيمون الذي أراد بسط الفلسفة على الحياة العملية، فالفلسفة هي علم الحياة، علَّق مصطفى عبد الرازق بضرورة تخليص أذهان الناس من سوء الظن بالفلسفة، ويعترض على جعل الفلسفة نصيرًا للدين؛ فذلك مضرٌّ بالفلسفة والدين معًا، فالدين إيمان والفلسفة رأي يمكن التعاون بينهما على إسعاد الإنسان، الدين عن طريق القلب والعواطف، والفلسفة عن طريق النظر والاستدلال، القلب حر في الإيمان، والعقل حر في الفهم، الفلسفة لا تعادي الدين ولكنها لا تخدمه.

    ويستمر العقل الإصلاحي عند محمد فريد وجدي، فمن ضمن مقاصد القرآن إقامة سلطان العقل، وإعلان حرية النظر، وهدم صنم التقليد.٦٠
  • (٦)
    وينتقل العقل الإصلاحي من الأزهر وبالإضافة إليه إلى أساتذة الجامعات مثل محمود قاسم (١٩١٣–١٩٧٣)، وعثمان أمين (١٩٠٨–١٩٧٨)، وتوفيق الطويل (١٩٠٥–١٩٩١). فعند محمود قاسم العقل هو أداة الإصلاح، والرشدية العقلانية هي النموذج.٦١ فابن رشد العقلاني غير تأويلات شراحه، التأويل الأفلاطوني الأفلوطيني أو المادي الأرسطي الملحد أو الذي يقول بالحقيقتين، للخاصة وللعامة. ابن رشد هو الذي يوحد بين الحكمة والشريعة، ويجعل النظر واجبًا بالشرع،٦٢ ويخصص دراسة لموضوع «النفس والعقل» مع مقارنة بين فلاسفة الإغريق وفلاسفة الإسلام،٦٣ وهو الذي أعد الطبعات العربية الأولى لشروح وتلخيصات ابن رشد، وهو أيضًا المعتزلي الفيلسوف الذي ساهم في إصدار بعض أجزاء «المغني» للقاضي عبد الجبار، ولم تكن له أصول غربية بالرغم من ترجماته لبعض مؤلفات الوضعية الاجتماعية.
    وتعتبر «الجوانية» ممثلة للعقلانية الإصلاحية التي يصعب فيها التمييز بين أصولها التراثية عند الغزالي والتصوف بوجه عام وأصولها الغربية خاصة عند ديكارت وكانط وبرجسون ومصادرها الإصلاحية عند الأفغاني ومحمد عبده ومحمد إقبال بل وربما مصادرها اليونانية في الرواقية؛ فاللفظ نفسه عربي «من أصلح جوانيه أصلح الله برانيه.» وهو في نفس الوقت ترجمة للفظ الألماني «ترنسندنتال». بل ويمكن كتابة تاريخ الفلسفة كله ابتداء من هذا التمييز بين الجوانية التي يمثلها سقراط وأوغسطين وديكارت وكانط وبرجسون، والبرانية التي تمثلها التيارات المادية مثل الوضعية والماركسية.٦٤
    ويتوجه العقل الإصلاحي إلى مجال الأخلاق في جملة أعمال «توفيق الطويل» (١٩٠٥–١٩٩١)، وهو عماد المثالية الأخلاقية التي تنحو نحو التوسط والاعتدال، فالمثالية المطلقة، أخلاق الواجب الصوري، والمادية والوضعية والماركسية والتطورية كلاهما تطرف، على طرفي نقيض، والعقلانية الإصلاحية وسط بينهما، مثالية معتدلة أو معدلة تنحو نحو الواقعية الإنسانية طبقًا لمبدأ «عدم جواز تكليف ما لا يطاق».٦٥
    وهي نفس العقلانية الإصلاحية عند محمد عبد الهادي أبو ريدة (١٩٠٩–١٩٩٣) تأصيلًا في النظام من أئمة الاعتزال والكندي في رسائله الفلسفية والعلمية وابن الهيثم في «ثمرة الحكمة»، تعيد عرض موضوعات علم الكلام القديم خاصة الطبيعيات بمنهج جديد وهو التأمل العقلي والبرهان النظري.٦٦
  • (٧)
    وفي مرحلة التحول من العقلانية الإصلاحية إلى الحركات الإسلامية المعاصرة يظهر «التراث في ضوء العقل» يغلب عليه الطابع السياسي أكثر من الطابع العقلاني.٦٧ فالمعتزلة مثل الحسن البصري، والزيدية مثل القاسم الرسي، والإمامية مثل الشريف المرتضى، يتقلص أصل العدل في خلق الأفعال أي في الحرية فحسب بل والحرية السياسية دون الحسن والقبح العقليين أي العقل.٦٨ والمعتزلة قوة سياسية في المناطق التجارية، ونشأة العقلانية الإسلامية تحوَّلت إلى مجرد خطابة وفتوحات. و«العقل والحكمة» تحليلات لآياتهما دون موقف أو سجال. و«العقل ومكانته في الإسلام» نظر في المعجزات. و«عقلانية الإسلام» مستمدة من القرآن الكريم وليست خارجة عنه.٦٩ والطهطاوي هو من دافع عن الحريات السياسية دون ذكر العقلانية والتنوير بعد أن تماهيا مع الغرب المناهض للدين.٧٠
    وخفتت العقلانية الإصلاحية وضعفت أركانها إلا من إعلان النوايا كما هو الحال في «النظرية الإسلامية للعقل»؛٧١ فهناك إسلامية للعقل تجعله عقلًا إسلاميًّا، تدفع عنه بعض الشبهات مثل التصديق القلبي للنص، وتبرير أنظمة الحكم، والوجدانية، وعدم القدرة على مواجهة التيارات، وعقيدة الجبرية، وتبرير ما يحدث في العالم من شرور وآثام.٧٢ ومن مظاهر تخلف العقل المسلم الآن تحجيم العقل بالشريعة وبعض المعتقدات التي أضرَّت بالعقل مثل التقليد، لقد وصف القرآن العقل وبيَّن وظائفه في معاني اللفظ المختلفة، كما أرشد إلى تربية العقل وحسن استعماله وتأسيسه على الأخلاق، جمعًا بين العقل النظري والعقل العلمي، كما ظهرت نفس المعاني في السنة وعند الصحابة.٧٣ وهو العقل الذي منه خرج الفهم المستنير للدين، وعليه تأسس العلم، وتأثيره في أوروبا قبل أن ينتكس بسبب الخوض في الإلهيات، وغياب الاعتزال، والانفصام بين القيادة السياسية والقيادة الفكرية، والنظرة التجزئية للقضايا، وعدم مراعاة سنن الكون، وليس مستحيلًا أن يعود العقل الإسلامي إلى الانفتاح من جديد.٧٤
ولدى الحركات الإسلامية المعاصرة لم يعد «العقل» أحد أركانها؛ ففي «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» يتسم الفكر الإسلامي بسبع خصائص ليس من بينها العقل أو العقلانية وهي: الربانية، الثبات، الشمول، التوازن، الإيجابية، الواقعية، التوحيد.٧٥
بل تتخلَّى العقلانية الإصلاحية عن دورها العقلي وتصب في الذوق الصوفي في «العمل الديني وتجديد العقل».٧٦ فالعقل ثلاث مراتب: الأول العقل المجرد وهو العقل الرياضي العلمي الذي يجرد الأشياء في الأعداد والرسوم ويشيء الحقائق في موضوعات، وله حدوده في عجزه عن تناول كل الموضوعات خاصة الإلهية والتي يعتبرها رمزية لا وجودية، ظنية لا يقينية، وتشبيهية لا تنزيهية، ووصفها لا التقرب إليها! وهناك حدود عامة لعقل المجرد مثل الحدود المنطقية: عدم البت وعدم التمام، والعجز عن رفع الحدود المنطقية، والحدود الواقعية مثل: النسبية، والاسترقاقية، والفوضية، والحدود الفلسفية مثل: مادية العقلانية المجردة، وملازمة اللاعقلانية للعقل المجرد، وعدم وجوب العقلانية المجردة؛ ومن ثم يحتاج العقل المجرد إلى تكميل.٧٧
والثاني «العقل المسدد» وهو العقل الشرعي العملي وليس العقل النظري، وظيفته جلب المنافع ودفع الأضرار والاشتغال بالمسائل العملية، وآفاته تطرقه إلى الموضوعات العقائدية وليس اللاعقلانية واللاتاريخية، ومن آفاته الخلقية تجنب مسألة الألوهية والتقرب بالأسماء الحسنى، وآفة التظاهر والتقليد، وهو العقل السلفي الفقهي الذي انشغل بالإصلاح، ونقد الطرق الصوفية، ووقوعه في آفتَيِ التجريد والتسييس.٧٨
والثالث «العقل المؤيد» وله صفاته التجريدية والعينية والعبدية، وله كمالاته العقلية والصوفية، وهو قادر على التحقُّق الأكمل، يتقرَّب بالأسماء الحسنى وبالذكر، وهو عقل عملي أيضًا، له نموذجه وإشاراته، فله صفة الإلزام والتكليف الباطني الذي لا يتصف بالذاتية والغموض.٧٩ فلا يتعارض الذوق مع العقل.
ثم تضيق الحركة السلفية بكل توظيف جذري للعقل أو تأكيد دوره في النقد متهمة إياه بالعقل الوضعي الذي يفصل بين العقل والوحي ويقوم بنقد وضعي للتراث، وهو عقل محدود ليس به إشراقات بين الحدس والفكر، وهو أقرب إلى الهوى منه إلى الحق، يدعي التجديد والأصالة وهو أقرب إلى التبعية والاستعارة.٨٠ أما العقل في التراث وهو العقل الموروث فقد استطاع حل إشكالية احتمال تعارض العقل والوحي فيما عرف باسم العقل والنقل، وهما متكاملان قادران على معرفة القيمة والغيب، والجمع بين المعارف الجزئية والمعرفة الكلية.٨١
ولا ضير من إعمال العقل في النصوص مع الحفاظ على مستويات النص، والعلاقة المنهجية بين الكتاب والسنة، كما لا ضير من استعمال القياس ضمن نظام الخطاب ومنطق اللغة: الدلالة والبيان، والعلة والقياس، وقواعد الاستدلال.٨٢ ولا ضير من استعمال العقل في الوقائع والتحول من السحر إلى العلم، وتوجيه العقل نحو الطبيعة واكتشاف أسسه العينية واتباع مناهج الاستنتاج وطرائق الاستدلال والنظر، وقواعد الاستقراء وطرائق الاستدلال التجريبي؛ فالعلم له أسسه النظرية والتجريبية، ولا ضير أخيرًا من توجيه العقل نحو نظام المجتمع والخيارات القصدية دون وقوع في الوضعية المنطقية أو المادية التاريخية كما فعل ابن خلدون أو المنهجية الإسقاطية في دراسة المجتمع بل بالاتجاه نحو تكاملٍ منهجيٍّ في الدراسات الاجتماعية.٨٣
وتدرأ الشبهات عن العقل السلفي في «منهج السلف بين العقل والتقليد».٨٤ فمن الشبهات وصفها بالاتباع والتقليد، وبالغلو والتكفير، وبالتفويض فيما لا يمكن معرفته؛ ومن ثم تكون أقرب إلى الجهل منها إلى العلم.٨٥ في حين أن المناهج تختلف باختلاف العلوم؛ لذلك فإن مفهوم العقل عند السلف يعني مدارك العقول أي قدرة العقل على إدراك موضوعاته سواء في عالم الشهادة أو عالم الغيب، والغيب نوعان: نسبي يمكن إدراكه كما هو الحال في الدراسات المستقبلية، ومطلق وهو ما لا يمكن إدراكه مثل نهاية الزمان، ويستند الوحي إلى العقل كما يستند العقل إلى الوحي بالتوجه نحو اليقين ضد الظن والشك والنسبية، والشمول ضد التجزئة، والتوجه إلى العمل ضد المغالاة في التحليلات النظرية المجردة،٨٦ والمنهج السلفي منهج تحليلي نقدي كما وضح في أعمال ابن تيمية في نقد المنطق الأرسطي وفرق الشيعة والقدرية، كما يعتمد على البرهان، ويؤسس العقيدة على اليقين، ويبدأ بالتجربة الحسية والعالم الحسي المدرك بالحواس، كما اتجهت السلفية المعاصرة نحو النقد الذاتي والتطلع إلى الحوار مع التيارات الفكرية المغايرة.٨٧

وبعد هزيمة يونيو (حزيران) ١٩٦٧ وظهور المشاريع العربية المعاصرة تم تجاوز القسمة التقليدية الموروثة منذ عصر النهضة العقلانية الإصلاحية، والعقلانية الليبرالية، والعقلانية العلمية العلمانية إلى مشاريع جديدة تحت «نقد العقلانية» بفروعها الثلاثة: «نقد العقل الإسلامي» لمحمد أركون وريث العقلانية الإصلاحية، و«نقد العقل العربي» لمحمد عابد الجابري وريث العقلانية القومية. و«نقد العقل الغربي» لمطاع صفدي وريث العقلانية العلمية العلمانية.

«من أجل نقد للعقل الإسلامي» هو الكتاب التاسع من أعمال أركون،٨٨ ويظهر فيه في الفصل الثاني فقط «مفهوم العقل الإسلام»،٨٩ ويستشهد في مقدمته بقول مأثور للغزالي عن علاقة العقل بالنقل وتلازمهما، وضرورة كلٍّ منهما للآخر، ويتصدره الحديث القدسي «أول ما خلق الله خلق العقل.» فالعقل ليس مستقلًّا بل هو مشروط بالوحي، ويميز في مدخل تاريخي بين العقل في التراث القديم النظري والعملي ثم العقل في الفكر العربي المعاصر، ويتجلَّى العقل القديم في «الرسالة» للشافعي وتحليل ألفاظها ومعانيها وتشريعاتها وكيفية التحوُّل من اللغة إلى التشريع مع تفصيل لأركان القياس ومفهوم الاختلاف وتعدد الصواب، وعلاقة المصطلحات الكلامية بالمصطلحات الفلسفية؛ فالعقل التراثي متجه نحو العمل أكثر منه نحو النظر، وهو ما حاول الفكر العربي تجاوزه باستعارة العقل النظري الخالص من الفكر الغربي مع أنه أيضًا ذو توجُّه عملي عند ديكارت وكانط وهيجل وحتى فوكو في العقل والسلطة. والحقيقة أن «العقل الإسلامي» هو مجرد الإنتاج التراثي لمتون في موضوع العقل؛ فهو تراثٌ أكثر منه عقلًا، خطاب وليس ملكة، إلا أن المشاريع العربية المعاصرة أرادت التجريد ونحت مفاهيم حتى ولو تم ذلك على حساب التراث والتاريخ، وتخلو باقي المؤلفات الأخرى من أي تحليل للعقل الإسلامي، واتجهت أكثر نحو الإسلام الاجتماعي والسياسي بمناهج تحليلية غربية خاصة اللسانيات وبهدف التفكيك وكما هو واضح في «قراءات القرآن».٩٠

ثالثًا: العقلانية الليبرالية

وتعني العقلانية التي استقت مصادرها من فلسفة التنوير في الغرب خاصة عند الطهطاوي في «تخليص الإبريز» و«مناهج الألباب» وخير الدين التونسي في «أقوم المسالك». ويتعادل فيها المصدران القديم والجديد.

  • (١)
    ففي «تخليص الإبريز» للطهطاوي تقوم الشريعة الإسلامية على العقل والمصلحة، وعلى التحسين والتقبيح العقليين والاستصلاح؛ ومن ثم لا تعارض بين التراث الإسلامي والتراث الغربي، علوم الأنا وعلوم الآخر، دار الإيمان ودار الكفر، دار القرب ودار البعد، دار الرخص ودار الغلاء، الشريعة أساس الحكم، والحكم الشرعي والشرف الذاتي نفس الحكم، فالشرع والوجود نفس الشيء، الشرع شرف الوجود، والوجود تحقق الشرع، العقل والشرع كلاهما تأكيد على المعرفة الوجدانية والتجربة الحية، فالإنسان على الفطرة يعرف بالوجدان أولًا ثم تحصل المعارف بالصدفة وبالإلهام وبالإيحاء؛ ومن ثم يمكن أن تتقدم الأمتان، أمة الإسلام والأمم الغربية، الأولى بحكم الشرع، والثانية بحكم العقل، وكلاهما يقومان على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين. قاعدة الاعتزال الأول وأحد أصوله الخمسة بالرغم مما يظهر من ثنايا الطهطاوي من أشعرية ظاهرة، لا عجب إذن أن تتقدَّم أمة الإسلام، فهي أولى بسائر العلوم الحكمية والفنون والعدل والإنصاف، وقد تقدَّمت الأمة الفرنسية كذلك لإقامة علومها السياسية على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين كما بدا ذلك في «روح الشرائع» لمونتسكيو، ابن خلدون العرب كما أن ابن خلدون لدينا هو مونتسكيو الشرق.٩١ والأمة الفرنسية إحدى الفرق غير الإسلامية بتعبير القدماء ولكنها من حيث قاعدة التحسين والتقبيح العقليين تتفق أو تختلف مع الفرق الإسلامية. فالدين والعمران شيء واحد، والشريعة مثل السياسة، والعلوم الشرعية على منوال العلوم السياسية، والأنبياء مثل الحكماء كما قال الفلاسفة القدماء، لا فرق إذن بين حضارة الأنا وحضارة الآخر، بين الدين والدنيا، بين التنزيل والتأويل، بين النقل والعقل، بين الموروث والوافد بناءً على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين. «الكرنتينة» مثلًا أي العزل الطبي فعل حسن؛ وبالتالي حكم شرعي عندنا وحكم عقلي عندهم،٩٢ وقد ظهر الإسلام ظهورًا تلقائيًّا في الغرب عن طريق رفض النصرانية العقائدية الشعائرية وحصرها في مجرد الشكل ثم قيام الحياة العامة على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ومنها الحرية وحق المعارضة السياسية وهي عندنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لقد رفض الأوروبي الدين لسوء سمعته ومخالفته للعلوم الطبيعية، وعرف تلقائيًّا التسامح والعقل والعلم وجميع قيم التنوير، إن ما تحتويه «الشرطة» أي الدستور الفرنسي من تقييد لسلطة ملك فرنسا تتفق مع الكتاب والسنة من حين المضمون؛٩٣ فالعدل والإنصاف من أسباب تعمير الممالك وراحة العباد، وقد ترجمها الطهطاوي لبيان اعتمادها على العقل ثم شرحها. وتبدو متفقة تمامًا مع العلوم الشرعية وعلم الفقه.٩٤ لا فرق إذن بين علوم الأنا وعلوم الآخر؛ إذا ما قام كلاهما على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين.٩٥ وفي «مناهج الألباب» «الحالة المستحسنة» و«الأمور المستحسنة» هي التي تتفق مع العقل والشرع؛٩٦ فالاستحسان مصدر من مصادر التشريع عند المالكية والحنفية.
    والأحكام الإسلامية تقتضي تسوية جميع الناس في العدل والإنصاف، ومن واجب علماء الشرع الدراية بالمعارف البشرية كالعلوم الحكمية والعملية، كما تقتضي الأحوال والمعاملات العصرية تنقيح الأقضية والأحكام الشرعية بما يوافق مزاج العصر دون شذوذ، ومن لم يحمل هم المسلمين فليس منهم، وليس كل مبتدع مذمومًا، وأن المبتدع النافع يقع موقع الاستحسان.٩٧
    وفي «المرشد الأمين للبنات والبنين» يبدو العقل أشبه بالعقل الصوفي؛ فهو العقل النوراني في القلب الإنساني في مرآة للعارف الفاضل للتمييز بين الحق والباطل، فالعقل المنير رسول قبل النبي، الرسول الحقيقي هو المشرع، هو العقل والنبي، الرسول مبين لما يقرر العقل؛ فقد أفادت العقول قبل الشرع نوعًا من التدبير؛ إذ يميز العقل الراجح الصحيح النظر الخالي من الموانع بين الحق والباطل، ويؤيد رسالة الأنبياء، ويختلف الناس في درجة العقل طبقًا للمواهب الطبيعية؛ فعقول الأنبياء أرجح من عقول العلماء، وعقول العلماء أرجح من عقول العوام، وقدر التفاوت في العقول يكون التفاوت في إدراك الدين والدنيا، وإنكار شيء منهما إنما ناتج عن نقصان العقول، وهو أيضًا العقل الطبيعي المتأمل في ظواهر الكون.٩٨ وتستند الأحكام الطبيعية قبل التشريع إلى العقل، فلا فرق بين نظام الوحي ونظام العقل ونظام الطبيعة.٩٩
  • (٢)
    وفي «أقوم المسالك» لخير الدين التونسي وطبقًا لقاعدة الحسن والقبح العقليين لا تعارض بين «التنظيمات» والشريعة الإسلامية؛ فكلاهما يقومان على القانون ويحقِّقان الحرية والعدالة والمصالح العامة، وتعلن المقدمة قيم العدل والعمران والعقل وحسن التدبير والعرفان والتعاون على البر والتقوى دون الإثم والعدوان.١٠٠ فما حدث من تقدُّمٍ في البلاد الأوروبية موافق لنصوص الشريعة.١٠١ ولا ضير أن يوافق المسلم غير المسلم في الأفعال المستحسنة،١٠٢ فكيف يسوغ للعاقل حرمان نفسه مما هو مستحسن في ذاته ويمتنع عما به قوام نفعه بمجرد أوهام خياله واحتياط في غير محله، تقوم التنظيمات على العدل والحرية وهما أصلان في الشريعة وأساسَا الاستقامة في جميع الممالك، ولا فرق بين الديمقراطية الغربية والشورى الإسلامية، وتقييد سلطة الملك بمشاركة أهل الحل والعقد، وإثبات ذلك بالمنقول والمعقول.١٠٣ وقد لاحظ ابن قيم الجوزية «أن إمارات العدل إذا ظهرت بأي طريق كان فهناك شرع الله ودينه».١٠٤
    الشريعة تقتضي التنظيمات، والشريعة لا تنافي التنظيمات السياسية المقوية لأسباب التمدُّن والعمران.١٠٥ والأمة الإسلامية قادرة على النهوض من جديد بما نهضت به الأمم الأوروبية بفضيلتي الحرية والهمة الإنسانية،١٠٦ وأن ما ينال به الأوروبيون من أساليب التمدن إنما هي «بضاعتنا ردت إلينا»،١٠٧ وكان ابن رشد هو الحلقة الوسيطة بين التقدم الإسلامي والتقدم الأوروبي،١٠٨ ومع ذلك غاب عن المؤرخين الإسلاميين مثل المسعودي وأبي الفدا والمقريزي «الكريتيك» أي النقد، فلم يقيِّموا الروايات بمقياس العقل، وقد أشار ابن خلدون إلى ذلك بعدم تحقُّق القدماء بصدق الروايات.١٠٩
  • (٣)
    ويُعلن كتاب «الشعر الجاهلي» أنه استعمل منهج الشك الديكارتي الذي يقوم على التخلص من الأفكار القديمة الشائعة واستعمال منهج عقلاني جديد؛ فالعقل هو أعدل الأشياء قسمةً بين الناس، وهو منهج للبحث وللقراءة، للمؤلف والقارئ على حدٍّ سواء، وهو العقل السليم.١١٠
    ومع ذلك، تخاطر العقلانية الليبرالية باستعمال مفاهيم مثل «العقل المصري»، «العقل اليوناني»، «العقل الأوروبي»، «العقل الإسلامي»، «العقل الإنساني» لما توحي به هذه المفاهيم من بقايا عرقية وعنصرية ما زالت حية من القرن التاسع عشر عند رينان وجوتييه وجوبينوه في النصف الأول من القرن العشرين؛١١١ فالعقل لا جنس له مصريًّا أو يونانيًّا أو أوروبيًّا، بل الثقافة الوطنية هي التي يمكن أن توصف مثل الثقافة العربية أو الإسلامية أو الأوروبية، ولا توجد ثقافة مصرية خاصة منفصلة عن الثقافة العربية والإسلامية، والثقافة لا توصف بالعقل، العقل الإسلامي، بل بالحضارة مثل الثقافة الإسلامية، والخطر أيضًا في تعميم الأحكام مثل عدم اتصال «العقل العربي» بالشرق قدر اتصاله بالعقل اليوناني،١١٢ مع أن روح التوحيد في مصر لا يختلف كثيرًا عن روح التوحيد في آسيا خاصة البوذية والكونفوشوسية، بل لقد أثر الشرق كله في اليونان بما في ذلك مصر؛١١٣ فالعقل المصري عقل متوسطي نشأ حول بحر الروم.١١٤
    ولم تتغير طبيعة «العقل الأوروبي» باتصاله بالمسيحية وظل أوروبيًّا بالرغم من اعتبار الفلاسفة وقادة الرأي الحديث أن المسيحية عنصرٌ مكون للعقل الأوروبي، وأنه لا خطر عليه منها، ولم تمسخ المسيحية العقل الأوروبي ولم تخرجه عن يونانيته الموروثة ولم تجرِّده من خصائصه المتوسطية، فكذلك الإسلام لم يغير العقل المصري ولا عقلية الشعوب التي اعتنقته حول البحر الأبيض المتوسط، بل إن انتشار الإسلام إلى الشرق الأقصى قد ساعد على انتشار العقل اليوناني إلى آسيا في حين أغارت الأمم الوحشية غير المتحضِّرة على اليونان وكادت تطفئ نور العقل لديهم حتى انهارت الإمبراطورية الرومانية قبل أن يسطع نور العقل في أوروبا بفضل الترجمات العربية للفلسفة اليونانية، لا يوجد فرق حول البحر الأبيض المتوسط بين عقل مصري وعقل يوناني.١١٥ وكما أغارت الشعوب الهمجية على اليونان فقضت على عقله هاجم العنصر التركي مصر وقضى على عقلها اليوناني، وكما استعادت أوروبا العقل اليوناني في عصورها الحديثة فإن مصر قادرة على استعادته أيضًا في نهضتها الحالية.١١٦
    وتتحول العقلانية إلى سياسة تربوية في التعليم.١١٧ فمن أهداف التربية تهيئة الطالب لأن يكون صحيح الجسم قوي الخلق قوي العقل.
  • (٤)
    وما زال الدفاع عن العقل قائمًا في هذا الجيل في «دفاعًا عن العقل»،١١٨ وهو ليس العقل النظري الخالص بل هو العقل الاجتماعي السياسي والثقافي والأدبي أي الرؤية العقلية لجوانب الحياة العامة من أجل تأسيس مجتمع عقلاني رشيد، وتضم النزعة التنويرية والروح العلمية أي توجيه العقل نحو الإنسان والمجتمع والطبيعة، لها رصيدها عند القدماء خاصة المعتزلة من متكلمين وأصوليين، ثم توارت بعد الغارات على العالم الإسلامي من الشرق والغرب من التتار والمغول مرتين والفرنجة في العصر الوسيط والعصر الحديث مرتين، بل وسيطرة الأتراك العثمانيين من الشمال، وفي نفس الوقت نهضت أوروبا بفضل العقلانية الإسلامية؛ ومن ثم لا فرق بين أئمة التنوير عند قدماء المعتزلة كالقاضي عبد الجبار والفلاسفة كابن رشد وفلاسفة التنوير في أوروبا في العصر الحديث. أما اليوم فقد وقع العرب في «وهم العقلانية» وما زالت أسسها لم تكتمل بعد، ووقع الأوروبيون في «ما بعد العقلانية» يحطمون ما بنوه ودافعوا عنه بأيديهم في بداية العصر الحديث، والتحدي الكبير كيف يتحوَّل العرب من مرحلة ما قبل العقلانية إلى مرحلة العقلانية، وكيف يتمسك الأوروبيون بالعقلانية ضد ما بعد العقلانية وما بعد الحداثة؟١١٩
    ويستلهم من التراث القديم قضية العقل والنقل من أجل تعقيل النصوص الفقهية ضد الجماعات الإسلامية المعاصرة وقولها بالحاكمية النصية دون تحكيم العقل.١٢٠ فالليبرالية لا تقبل الحوار مع الجماعات الإسلامية المعاصرة؛ وبالتالي تفقد أهم سماتها وهي قبول الرأي الآخر وعدم استبعاده كما تفعل الحركات السلفية.
  • (٥)
    ومن المشاريع العربية المعاصرة «نقد العقل الغربي» لمطاع صفدي، فبعد ممارسة طويلة للفكر الغربي وتبني كثير من مصطلحاته المنقولة أو المعربة أو المنحوتة الغامضة حتى أصبح الفكر أسيرًا لمصطلحاته والرسالة حبيسة في خطابها بدأ التحول من الاستعارة إلى النقد. ويعني «نقد العقل الغربي» هنا إعادة كتابة الفكر الغربي على نحو موضوعي مع بعض وجهات النظر النقدية لمذاهبه الكبرى، فهو أقرب إلى التاريخ النقدي للتراث الغربي منه إلى «نقد العقل الغربي» وهو ما وقع فيه أيضًا «نقد العقل العربي» الذي هو في النهاية «نقد التراث الإسلامي».١٢١

رابعًا: العقلانية العلمية

وتعني العقلانية التي ارتبطت بالعلم الطبيعي في الغرب الحديث، وكما تمثلها شبلي شميل وفرح أنطون ونقولا حداد ويعقوب صروف وسلامة موسى وزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا ومراد وهبة على اختلاف مرجعياتهم الفكرية الليبرالية عند زكي نجيب محمود وفؤاد زكريا أو الماركسية عند مراد وهبة وإسماعيل المهداوي أو حتى الإصلاحية عند طنطاوي جوهري، ولا يظهر مفهوم «العقل» عند مؤسس التيار شبلي شميل.

  • (١)
    ويؤصل فرح أنطون التيار العلمي العلماني في «ابن رشد وفلسفته»، قدمه لعقلاء الشرق أي للمفكرين والفلاسفة، ويتم الاعتماد أساسًا على «فصل المقال» لبيان اتفاق الدين والفلسفة، وذلك عن طريق التأويل.١٢٢
    وفي معرض السجال يرى محمد عبده أن الإسلام أكثر اتفاقًا مع العلم والعقل والمدنية من المسيحية في حين يرى فرح أنطون أنه لا فرق بين الإسلام والمسيحية أو أي دين آخر في معاداة العقل والعلم والمدنية بدليل وجود الخوارق والكرامات والمعجزات وهو الجانب اللامعقول في كل دين.١٢٣
    وتظهر مشكلة العقول في الفلسفة الإسلامية القديمة دون تطوير لها بالنسبة للعقلانية الحديثة؛ فالعقول أنواع، منها: العقل الفاعل البريء عن المادة، والعقل المنفعل أو المفعول وهو العقل الإنساني، الأول خالد والثاني فانٍ. الأول شمس العقول، واحد لا ينقسم والثاني مستقبل للنور ومتجزئ متفرد. ثم ينشأ اتصال بينهما من الأول إلى الثاني كي تتم المعرفة.١٢٤
  • (٢)
    وقد يكون العقل العلمي هو العقل العضوي الجسمي النفسي الغريزي، لا فرق بين عقل الإنسان وعقل الحيوان من حيث إن كليهما ذكاء، ولا فرق بين العقل والمخ، بين التفكير واللحاء، بين النظر ومراكز الحس في الدماغ. الجسم يؤثر في العقل كما يؤثر العقل في الجسم، وهو أيضًا العقل الكامن المرتبط بالتحليل النفسي والقدرة على الكظم والقيام بدور الأنا الأعلى.١٢٥ والجنون يُطفئ نور العقل.
  • (٣)
    وتتأصل العقلانية العلمية في التراث القديم سلبًا، بنقد اللامعقول فيه الذي يمثله التصوف دفاعًا عن المعقول الذي يمثله العلم.١٢٦ والحقيقة أن المسافة بينهما ليست كبيرة؛ فالعقل نور يتوهج اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وهي صور تشبيهية بعيدة عن العقل التحليلي، أقرب إلى الإشراق منها إلى العقل، وإلى التصوف منه إلى العلم، وإلى تأويل النصوص منه إلى وصف الظواهر، بالرغم من نية الكشف عن طريق العقل واختيار الجانب العقلي من تراثنا الفكري من أجل وصل الماضي بالحاضر؛ فالعقل مرتبط بالعاطفة وبالتجربة وليس بالأعداد المجردة أو الأشياء المادية، الغرب العالم، والشرق الفنان، ونحن نجمع بين العلم والفن، بين العقل والعاطفة، أصبح الغزالي هو ممثل العقلانية عند القدماء وليس ابن رشد، وهوسرل من الغرب الحديث وليس ديكارت، ويختلط العقل النظري بالعقل السياسي والفتنة الكبرى، ويأتي النظام والعلاف والجاحظ والجرجاني والتوحيدي وابن جني وابن الراوندي وأبو العلاء المعري وإخوان الصفا ونجم الدين الكبرى والسهروردي وابن عربي وابن تيمية والأشعري والكندي والفارابي وابن سينا جمعًا بين الكلام والفلسفة والتصوف والفقه، كما يحال إلى هيوم وليبنتز وديكارت وبيكون ووليم جيمس جمعًا بين التيارات العقلية والحسية التجريبية والعملية.

    وفي النهاية لا فرق بين المعقول واللامعقول، بين طريق العقل وشطحات العقل، بين العقل النظري وشطحات الحالمين، بين المنطق والسحر والتنجيم.

    و«قصة العقل» أشبه ﺑ «المنقذ من الضلال»، فالعقل يلتمس الطريق بينه وبين الوجدان وشائج قربى، ومع ذلك يتم الدفاع عن العقل.١٢٧
  • (٤)
    وتتم مقاربة بين العقل البشري والعقل الإلكتروني والذاكرة الصناعية.١٢٨ ولا يستلهم أي مصدر تراثي أو غيره لتأصيل العقلانية العلمية المعاصرة لا الرازي الطبيب ولا ابن رشد ولا ابن خلدون، بل تدافع العقلانية العلمية عن المصدر الخارجي، وترفض مفاهيم «الغزو الثقافي» و«الأفكار المستوردة»،١٢٩ وترفض العقلانية العلمية أي تقارب بين العلم والإيمان باعتباره تزييفًا لهما معًا.١٣٠
    والعقلانية العلمية علمانية في الدين، وليبرالية في السياسة تدافع عن حرية الفرد وديمقراطية الحكم، وترفض الطاعة المطلقة للحكام.١٣١ بل وتعادي كل فكر إصلاحي مستنير على أنه توفيقية مصطنعة بين القديم والجديد، والأصالة والمعاصرة، والتراث والتجديد.١٣٢
  • (٥)
    وينقد العقل الجدلي العقلانية العلمية الذي يفتقد إلى التحليل التاريخي (زكي نجيب محمود)، والعقلانية البرجماتية (جارودي، محمد عمارة)، والعقلانية الطبيعية المعادية للجدل (فؤاد زكريا)، والعقلانية العلوية المفارقة (العراقي)، ويحاول قراءة ابن رشد قراءة جدلية.١٣٣
    و«العقلانية الشاملة» ضد الماركسية والبرجماتية والغيبية وضد السفسطة والفلسفة الطفولية، فالماركسية نقد للعقل البرجوازي الرأسمالي الذي يشرع للوضع القائم، يحاول تحديد معنى العقلانية والفرق بينها وبين اللاعقل، والمساواة واللامساواة في العقل، والتمييز النفسي بين العقل والذهن والنفس، ودرجات خفض التفكير وتدمير العقل، ثم يحاول وضع مبادئ للعقلانية محولًا إياها إلى عقيدة، والدفاع عنها ضد ماركس واللاهوتيين وأعداء الفلسفة، والصلة بين العقلانية والفن، والتمييز بين العقل واللاعقل في المشاكل الذهنية والنفسية وأمراض العقل والنفس، وكله خليط من المعلومات من الثقافة الغربية الشائعة والتجارب النفسية الشخصية.١٣٤
  • (٦)
    وقد يقع الفكر القومي في موقف شعوبي للعقل ووصفه بأنه عقل «عربي» كما فعل الغربيون من قبل في «العقل العربي»، والعقل الياباني»، في إطار السمات العامة للشخصية الوطنية.١٣٥
وتكاد تجتمع الأيديولوجيات العربية المعاصرة الليبرالية والقومية والماركسية والإسلامية المستنيرة على أن العقلانية هي طريق التقدم.١٣٦ وتعم العقلانية قضايا الثقافة والمنهج والتراث، ومناهج القراءة والتأويل بين الثقافتين العربية والغربية، وإشكال الهوية والعالمية، والشرق والغرب، ولا وجود لعقلانية خالصة، ولا لعقل دون لا عقل، فاللاعقل جزء من مكونات العقل، وفائدة اللاعقل في الجوانب الفنية، إنما خطورة اللاعقل في توظيفه الأيديولوجي كما يفعل بعض المعاصرين مع المعتزلة وابن رشد وبعض الماركسيين مع ابن خلدون،١٣٧ ولا توجد قطيعة معرفية بين مشرق عرفاني ومغرب برهاني؛ فالبرهان والعرفان في المشرق والمغرب على حدٍّ سواء ولا معنى للتمسح بالقدماء في عقلانية ابن رشد أو بالمحدثين في عقلانية ديكارت وكانط، إنما العقلانية هي نضال اجتماعي وسياسي يبدأ من الواقع وليس من الفكر.١٣٨
والعقلانية العربية هي إحدى ركائز المشروع الحضاري العربي.١٣٩ والعقلانية غير العقلنة، العقلانية منهج في حين أن العقلنة تطبيق وتحقيق العقل في الترشيد، وهي ليست مجرد رؤية بل هي ممارسة في شتَّى نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية،١٤٠ وأحيانًا يكون الربط بين العقلانية والقومية مجرد ربط أيديولوجي دون توظيف فعلي.١٤١
ليس المهم البحث في العقل وغير العقل في الوجود العربي بحثًا نظريًّا معرفيًّا تأمليًّا خالصًا بل المهم توظيفه في رؤية سياسية تحدد معالم المشروع الحضاري العربي.١٤٢ العقل الخالص يفصل المصادر القديمة والمصادر الحديثة ومظاهر اللاعقلانية في الفكر العربي المعاصر، وتظل العقلانية لها مصادرها الغربية، رائدها ماكس فيبر قبل ديكارت وكانط.١٤٣
وقد يتم تأصيلها عند المعتزلة القدماء.١٤٤ والحاضر يرجع إلى الماضي، فالماضي ما زال حيًّا في الحاضر، وهي عقلانية إشراقية منذ الفارابي وابن سينا وابن باجه وابن طفيل، وليست العقلانية الجذرية عن الكندي وابن رشد أو العقلانية الأخلاقية عند يحيى بن عدي ومسكويه، وقد انشغلت هذه العقلية بعدة موضوعات مثل البرهان العقلي والسببية في الطبيعة والنظام الكوني والوجود الإنساني جزء منه، والتوفيق بين العقل والوحي، وسيطرة الاتجاه النصي المحافظ، ومن الواضح ارتباط العقل بالدين والسياسة في الثقافة العربية.
وقد جعل القدماء المخيلة جزءًا من قوى العقل،١٤٥ وقد يعرض التراث القديم لذاته دون أية دلالات سياسية معاصرة،١٤٦ وكما يتم ربط العقلانية بالمخيلة في الأدب يتم ربطها أيضًا بالطبقة المتوسطة في الاجتماع؛ فالعقلانية هي تعبير عن الطبقة المتوسطة وأداتها.١٤٧
والعقل السجالي يرجح المدخل الأيديولوجي بين التقليديين والتحديثيين على العقل النقدي، فيقع في الاختلاط المنهجي بين التبشير والنقد، وفي المدرسية «السكولستيكية» أو النقاش خارج الواقع، وينحاز إلى الرؤية التجزيئية، ويتهرب من المسئولية متسترًا بالتحليل النظري المعرفي الخالص.١٤٨ فلا يمكن إحياء التراث كما تفعل العقلانية الإصلاحية بل لا بد من التوجه إلى نقد العقل وتحرير العقل لاستيعاب الحضارة الراهنة ضد الأصولية السلفية؛ ومن ثم تتغير ركيزة العقلانية العربية بدلًا من أن تكون الدين تصبح القومية.
وبعد هزيمة يونيو (حزيران) ١٩٦٧ بدأت المشاريع العربية المعاصرة تعيد النظر في طبيعة العقل العربي، بدأها عبد الله العروي فبعد «الأيديولوجية العربية المعاصرة» و«العرب والفكر التاريخي» و«ثقافتنا في ضوء التاريخ» بدأت سلسلة المفاهيم مثل الدولة والحرية والأيديولوجيا والتاريخ ومنها «مفهوم العقل»،١٤٩ وفيه يتم التمييز بين «العقل المطلق» وهو العقل الإصلاحي، محمد عبده نموذجًا، والعقل النسبي، ابن خلدون نموذجًا، وكلاهما يقوم على مفارقة، مفارقة بين العقل وموضوعه، فالعقل المطلق هو العقل الديني الذي يهدف إلى معرفة المطلق وتجلياته في الكلام والفلسفة والتصوف والأصول، والموضوع في كل العلوم واحد هو الإيمان، وقد حاول العقل القديم صياغة «عقل العقل» في المنطق الأرسطي والقياس الأصولي كما حاول العقل العلمي وضع قواعد الاستقراء ولكنه ظل مفارقًا؛ لأن موضوعه مفارق.١٥٠ أما العقل النسبي الذي يتعامل مع التاريخ موضوعًا له فإنه يتعامل أيضًا مع الغيب والكسب والجهاد والوهم ولا يختلف كثيرًا عن العقل المطلق.١٥١ المفارقة إذن كيف يمكن التحول من العقل كاسم إلى العقل كفعل، من العقل النظري إلى العقل العملي وإيجاد قطيعة بينهما، قطيعة بنيوية وليست فقط قطيعة تاريخية أو جغرافية حتى نتخلص من العقل النصي الفقهي الكلامي العقائدي ومن الموروث اللاعقلي في العقل ونضع العقل مع نفسه، وليس مع غيره في العقل والنقل.١٥٢
وفي «نقد العقل العربي» يتم وصف تكوينه وبنيته ثم تطبيق ذلك في السياسة والأخلاق، وهو أقرب إلى التراث الإسلامي منه إلى العقل العربي، وتكوين التراث وبنيته وليس تكوين العقل وبنيته، فالعقل أداة للمعرفة لا فرق بين عربي وأعجمي بل نتاجه الثقافي هو الذي يمكن وصفه بالوطن، المصرية، أو بالقوم، العربية، أو بالثقافة، الإسلامية.١٥٣ مراحل تكوينه: البيان، العرفان، البرهان هي نفسها بنيته. والخطورة التعميم في الأحكام لصالح تكوين وبنية صارمتين؛ فالبرهان ظهر في المشرق عند المعتزلة الأوائل في البصرة واستمر في القرن الثالث عند الكندي، واستمر البيان في المشرق وازدهر في القرن الرابع، عصر البيروني والمتنبي، كما ظهر العرفان منذ القرن الأول عن العباد والزهاد والنساك والبكائين، وعند صوفية القرن الثاني كرابعة والحسن البصري، واستمر حتى القرن السادس عند السهروردي وابن عربي، وفي البنية لا تناقض بين أنواع الخطاب، فالبرهان دليل العقل، والبيان أداة التعبير، والعرفان حدس معرفي، فكلها عملية معرفية واحدة على التكامل وليست على التبادل.
ويظهر في الفكر العربي المعاصر الآن جيل جديد، يتجاوز جيل المشاريع العربية المعاصرة ويمارس «نقد النقد» أي نقد كل المحاولات في «نقد العقل العربي» للجابري أو «نقد العقل الإسلامي» لأركون، والحكم عليهما معًا بأنه عقل التوافق،١٥٤ وهو العقل الذي يريد المصالحة بين القوى السياسية والتيارات الفكرية التي تزخم بها الثقافة العربية الآن،١٥٥ وظيفة الفكر في التاريخ ليست مجرد البحث عن التوافق والوئام،١٥٦ كما يقتصر «نقد العقل العربي» فقط على التحليل المعرفي دون الموضوعي.١٥٧ ربما هو الجيل الذي سيعيد صياغة المشاريع العربية المعاصرة من هزيمة يونيو (حزيران) ١٩٦٧ إلى احتلال مجموع فلسطين وبداية الانتفاضة في سبتمبر ٢٠٠٠ واحتلال مجموع أفغانستان في ٢٠٠١ وأخيرًا احتلال العراق في مارس ٢٠٠٣، إنه جيل «العقل التاريخي» الذي يتجاوز توفيقات العقل الإصلاحي والعقل الليبرالي وانشطار العقل العلمي العلماني ليقوم بتحليل العقل من خلال الفكر وفي قلب الواقع.
١  ندوة «حصيلة العقلانية والتنوير في الفكر العربي المعاصر»، أبريل ٢٠٠٤، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
٢  محمد عبد المنعم مجاهد، رحلة في أعمال العقل الجدلي، سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، بيروت ١٩٨٥، العقل في غيبة الجدل والبراكسيس، ص٧١–٧٨. فؤاد زكريا، خطاب إلى العقل العربي، محاولة لفهم العقل العربي، ص١١٢–١٢٣. محمد نور فرحات، البحث عن العقل، حوار مع فكر الحاكمية والنقل، كتاب الهلال، دار الهلال، القاهرة، ١٩٩٧، العقل والنقل، ص٦٧–٨٦، هل النصوص معقولة؟ ص٨٧–١٠١، فقه ازدراء العقل، ص١٦٩–١٨٠. برهان غليون، اغتيال العقل، محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية، دار التنوير، بيروت، ١٩٨٥. العقل السجالي، ص٤٣–٦٦، حجاب العقل، ص٢٠٦–٢٥١، في العقلانية وجذورها أو مقام العقل، ص٢٢٥–٢٣٥، مأزق العقلانية العربية الحديثة، ص٢٣٦–٢٥١، من إحياء التراث إلى نقد العقل، ص٣٠٩–٣١٦، تحرير العقل، ص٣٤١–٣٥١.
٣  مثل: جابر عصفور، أنوار العقل، العقلانية العربية والمشروع الحضاري. محمد نور فرحات، البحث عن العقل، حوار مع فكر الحاكمية والنقل. سلامة موسى، عقلي وعقلك. زكي نجيب محمود، في حياتنا العقلية قصة عقل، المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري. فؤاد زكريا، خطاب إلى العقل العربي. إسماعيل المهداوي، العقلانية الشاملة ضد الماركسية والبرجماتية والغيبية وضد السفسطة والفلسفة الطفولية. مجاهد عبد المنعم مجاهد، رحلة في أعماق العقل الجدلي.
٤  برهان غليون، اغتيال العقل، محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية. زكي نجيب محمود، المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري.
٥  جابر عصفور، أنوار العقل، الهيئة العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، ١٩٩٦. زكي نجيب محمود، في حياتنا العقلية، دار الشروق، القاهرة، ١٩٧٩.
٦  انظر: دراساتنا العديدة في هذا الموضوع: هموم الفكر والوطن، ج٢، الفكر العربي المعاصر، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨؛ تيارات الفكر العربي الحديث، ص٤١٧–٤٨٠؛ دراسات فلسفية، الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٨٧؛ كبوة الإصلاح، ص١٧٧–١٩٠.
٧  وذلك مثل مصطفى محمود، زغلول النجار … إلخ.
٨  وذلك مثل انقلاب عادل حسين ومحمد عمارة من الماركسية إلى الإصلاح، وإسماعيل مظهر من التيار العلمي العلماني إلى الإسلام، وخالد محمد خالد من الإصلاحي الليبرالي إلى المحافظة الدينية.
٩  الأعمال الكاملة لعبد الرحمن الكواكبي، تحقيق محمد عمارة، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، ١٩٧٠، طبائع الاستبداد، ص٣٥٦–٣٦٠.
١٠  أم القرى، الاجتماع الخامس، السابق، ص٢٢٥-٢٢٦، ٢٤٣–٢٤٧.
١١  السابق، ص٢٦٩–٢٧١.
١٢  الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني، تحقيق محمد عمارة، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة (د.ت)، الرد على الدهريين، ص١٧٣-١٧٤، ١٧٦.
١٣  «قيد الأغلال أهون من قيد العقول بالأوهام، العقل أشرف مخلوق؛ فهو عالم الصنع والإبداع، ولا معطل له إلا الوهم، ولا يقعده عن عمله إلا الجبن، وهو الذي يخيل المفقود موجودًا والقريب بعيدًا، كل عناصر الوجود في هذا العالم الفاني خاضعة للعقل الإنساني، فكل مستحيل اليوم في الطب والصناعة سوف يكون غدًا ممكنًا.» السابق، ص٣٢٤.
١٤  السابق، الحسن والقبح، ص٣٧٦–٣٨٢.
١٥  محمد رشيد رضا: تاريخ الأستاذ الإمام، ج١، ٩٨٨، محمد عبده: رسالة التوحيد، نهضة مصر، القاهرة، ١٩٥٦، حسن الأفعال وقبحها، ص٦٣–٧٥. «كل هذا من الأولويات العقلية لم يختلف فيه ملي ولا فيلسوف.» ص٦٨.
١٦  «لهذا كان العقل الإنساني محتاجًا — في قيادة القوى الإدراكية والبدنية إلى ما هو خير له في الحياتين — إلى معين يستعين به في تحديد أحكام الأعمال، وذلك المعين هو النبي.» ص٧٤–٧٦.
١٧  «إن منزلة النبوات من الاجتماع هي منزلة العقل من الشخص أو منزلة العلم المنصوب على الطريق المسلوك.» رسالة التوحيد، ص١١٨.
١٨  «صاح بالعقل صيحة أزعجته من سباته، وهبت به من نومة طال عليه الغيب فيها كلما نفذ إليه شعاع من نور الحق.» السابق، ص١٤٧. «فأطلق بهذا سلطان العقل من كل ما كان قيده وخلصه من كل تقليد كان استعبده.» ص١٤٩.
١٩  «تم للإنسان بمقتضى دينه أمران عظيمان طالما حُرم منهما وهما استقلال الإرادة واستقلال الرأي والفكر، وبهما كملت له إنسانيته …» السابق، ص١٤٩.
٢٠  «إننا إذا أردنا أن نكتب في تاريخ علم الكلام مثلًا فلا يوجد في تواريخنا مادة تفي بالغرض، ويذكرون أن واصل بن عطاء أول من تكلَّم في العقائد على مذهب المعتزلة، واعتزل مجلس الحسن البصري، لكن ما سبب ذلك؟ من أين جاءه هذا الفكر الجديد؟ وكيف انتشر هذا المذهب؟ وما الذي حدا بالشيخ أبي الحسن الأشعري للقول بأن الوجود عين الموجود؟ … ومتى دخلت الفلسفة في كتب العقائد؟ وماذا كان غرض العلماء في إدخال الفلسفة على العقول مع العقائد في وقت واحد؟ كل هذا يعسر علينا أن نعرفه من تواريخنا، ويمكننا أن نعرف كثيرًا من شئون الإسلام وتاريخه من الكتب الإفرنجية؛ فإن فيها ما لا نجده في كتبنا.» تاريخ الأستاذ الإمام، ج١، ٩٢٧.
٢١  «فأما الدعوة الأولى (الاعتقاد بوجود الله) فلم يحول فيها إلا على تنبيه العقل البشري وتوجيهه إلى النظر في الكون واستعمال القياس الصحيح … وأطلق للعقل البشري أن يجري في سبيله الذي سنَّته له الفطرة بدون تقييد، فنبهه إلى خلق السموات والأرض …» الإسلام بين العلم والمدنية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٣، أصول الإسلام، ص٩٧. «فالإسلام في هذه الدعوة والمطالبة بالإيمان بالله ووحدانيته لا يعتمد على شيء سوى الدليل العقلي والفكر الإنساني الذي يجري على نظامه الفطري (وهو ما نسميه بالنظام الطبيعي).» ص٩٨-٩٩. «إن أول واجب يلزم المكلف أن يأتي به هو النظر والفكر لتحصيل الاعتقاد.» ص٩٩، «الأصل الأول للإسلام النظر العقلي لتحصيل الإيمان؛ فأول أساس وضع عليه الإسلام هو النظر العقلي. والنظر عنده هو وسيلة الإيمان الصحيح؛ فقد أقامك منه على سبيل الحجة وقاضاك إلى العقل، ومن قاضاك إلى حاكم فقد أذعن إلى سلطته، فكيف يمكنه بعد ذلك أن يجور أو يثور عليه؟» ص١٠١.
٢٢  «الأصل الثاني تقديم العقل على ظاهر الشرع حين التعارض … اتفق أهل الملة الإسلامية إلا قليلًا ممن لا ينظر إليه على أنه إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل، وبقي في النقل طريقان: طريق التسليم بصحة المنقول مع الاعتراف بالعجز عن فهمه وتفويض الأمر إلى الله في علمه، وطريق تأويل النقل مع المحافظة على قوانين اللغة حتى يتفق معناه مع ما أثبته العقل.» ص١٠١–١٠٢.
٢٣  السابق، ص١٠٢–١٢٠.
٢٤  السابق، ص١٢٤–١٣٧.
٢٥  «كان الدين هو الذي ينطلق بالعقل في سعة العلم … فكانت جميع الفنون مسارح للعقول …» السابق، ص١٥١. «الإنسان … يصعد بقوة عقله إلى أعلى مراتب الملكوت، ويطاول بفكره أرفع معالم الجبروت.» محمد عبده، رسالة التوحيد، ص٩٨.
٢٦  «ويأخذ الدين بيد العلم، ويتعاونان معًا على تقديم العقل والوجدان، فيدرك العقل مبلغ قوته …» محمد عبده، الإسلام بين العلم والمدنية، ص١٦٧؛ رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام، ج١، ٧٧٩.
٢٧  «منحنا العقل للنظر في الغايات والأسباب والمسببات والفرق بين البسائط والمركبات، والوجدان لإدراك ما يحدث في النفس والذات من لذائذ وآلام …» السابق، ص١٦٩.
٢٨  محمد رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام، في إصلاح الأزهر ج١، ٥٦٧.
٢٩  «إن الشيخ محمد عبده صار معزولًا من الإفتاء؛ لأن وظيفة الإفتاء مختصة لمن يكون مقلدًا للإمام أبي حنيفة، ولما كان الشيخ محمد عبده لم يستند في فتوى الترانسفال على شيء من نصوص مذهب أبي حنيفة بل أخذ برأيه مثلًا؛ فقد أعلن أنه مجتهد لا مقلد لمذهب، وحيث قد خرج عن التقليد المنصوص عليه في أمر التولية فيرى العلماء أنه صار معزولًا شرعًا من وظيفة الإفتاء بمجرد هذا الخروج؛ لأن الحاكم إنما ناط الوظيفة بالمقلد لإمام مخصوص.» السابق، ج١، ٦٧٢. القول في اجتهاد المفتي وتقليده ج١، ٦٩٠–٦٩١. «وليت أصحاب الجمود ودعاة التأخير يعلمون أن الأستاذ الإمام وحزبه هم الذين يخدمون الإسلام والمسلمين في هذه البلاد دون سواهم، وأن عقلاء المسلمين في جميع الأقطار معهم ومؤيدون لدعوتهم …» السابق، ج١، ٧١٨.
٣٠  «وقد جاء الإسلام ليعتقَ الأفكار من رقِّها، ويحلها من عقلها، ويخرجها من ذلِّ الأسر والعبودية، فترى القرآن ناعيًا على المقلدين ذاكرًا لهم بأسوأ ما يذكر به المجرم؛ ولذلك بنى على اليقين …» السابق، ج١، ٧٦٢.
٣١  «وهذا «المستهزئ» لا شك أجبن من المقلد؛ لأن المقلد تحمل ثقل التقليد على ما فيه، وربما تنبع في عقله خواطر ترشده إلى البصيرة أو تلمع في ذهنه بوارق من الاستدلال لو مشى في نورها لاهتدى، وخرج من الحيرة، وأما المستهزئ فإنه أقل احتمالًا من المقلد؛ فإن الهوس الذي يعرض لفكره إنما يأتيه من عدم صبره وثباته على الأمور وعدم التأمل فيها.» السابق، ج١، ٧٦٣.
٣٢  الفيلسوف: مُحي الحق من عقول أوروبة بالمرة وسترى الأمم يتخبط بعضها ببعض (ولعله ذكر الحرب) ليتبين أيهما الأقوى ليسود العالم – أو فيكون سلطان العالم. السابق ج١، ٨٦٩. «حار الفيلسوف في حال أوروبا وأظهر عجزه مع قوة العلم، فأين الدواء؟ الرجوع إلى الدين … إلخ، الدين هو الذي كشف الطبيعة الإنسانية وعرفها إلى أربابها في كل زمانٍ لكنهم يعودون فيجهلونها.» السابق نفس الصفحة.
٣٣  محمد عبده، الأعمال الكاملة، ج١، الكتابات السياسية، تحقيق محمد عمارة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ١٩٧٢، خطأ العقلاء، ص٢٩٦–٢٩٩، كلام في خطأ العقلاء، ص٣٠٠–٣٠٣، كلام في خطأ العقلاء، ص٣٠٤– ٣٠٨، ج٢، ١١٩–١٣٢. «لكنهم أخطئوا خطأً عظيمًا من حيث إنهم لم يقارنوا بين ما حصلوه وبين طبيعة الأمة التي يريدون إرشادها، ولم يختبروا قابلية الأذهان واستعدادات انطباع للانقياد إلى نصائحهم واختفاء آثارها …» السابق، ص٣٩٦، وأيضًا: وصفة للمتفرنجين المقلدين؛ رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام، مطبعة المنار، ١٩٣١، ج١، ٣١٢.
٣٤  «وإنما الحكمة أن تحفظ لها عوائدها الكلية المقررة في عقول أفرادها ثم يطلب بعض تحسينات فيها لا تبعد منها بالمرة، فإذا اعتادوها طلب منهم ما هو أرقى بالتدرج حتى لا يمضي زمنٌ طويل إلا وقد تخلَّصوا عن عاداتهم وأفكارهم المنحطة إلى ما هو أرقى وأعلى من حيث لا يشعرون …» محمد عبده، الأعمال الكاملة، ج١، الكتابات السياسية، ص٢٩٨.
٣٥  «تولَّى أمرَ هذه البلاد (المصرية) أناسٌ في أزمان مختلفة، تظاهر كلٌّ منهم بأنه يريد تقدمها ونقلها من حالة الهمجية — على ما يزعم — إلى حالة التمدُّن التي عليها أبناء الأمم المتمدنة، وجعلوا الوسيلة إلى ذلك أن ننقل عادات أولئك الأمم المتمدنين وأفكارهم وأطوارهم إلى هذه البلاد، وظنوا أن تقليدنا لعاداتهم وأخذنا الآن بأفكارهم اليومية وتشبهنا بهم في الأطوار كافٍ في أن نكون مثلهم، وأن استلامنا لتلك العادات وتلقينا لتلك الأفكار أمر غير عسير، لم ينظروا في الأسباب والوسائل التي توصل بها أولئك الأمم إلى هذه الحال التي هم عليها حتى يعتدوا مثلها أو قريبًا منها لترقى هذه البلاد، بل ظنوا أن هذه الغاية من الممكن أن تكون بداية …» السابق، ص٣٠٠.
٣٦  «إن بداية التقدُّم الأوروبي في الحقيقة كان في نفوس الأهالي وأفراد الرعايا.» السابق، ص٣٠٠ «أما عقلاؤنا فقد وجهوا نظرهم إلى حالة التمدُّن الحاضرة والأهالي على غير علم منها بأنفسهم فاستلفتهم العقلاء إليها لكن لا بتحريك غيرتهم إلى العمل اختيارًا أو إلجائهم إليه اضطرارًا وتسهيل الطرق لهم حتى يسير من جميع عناصر البلاد وطبقاتها أشخاص مختلفون في الأفكار والأحوال إلى تلك البلاد المتمدنة ويشهدوا عاداتها وأحوالها، ويهتم العقلاء منهم بالبحث عن أسباب السعادة وموجبات الشقاء …» السابق، ص٣٠١.
٣٧  «وكان من جملة التقييدات العنيفة التي وضعها أولئك المتسلطون الحجر على أهالي المدن في الأعمال والأقوال الشخصية … فتلك كانت حالة تعيسة يجب على عقلائنا أن ينتحلوا كل وسيلةٍ لتخليص رقاب العباد منها …» السابق، ص٣٠٤–٣٠٥.
٣٨  «وأما نتائج حرية الفكر — التي يزعمونها — فكانت خاصة بالاعتقادات والمشارب الدينية، فأخذ كثير من الناس يجهر بين العامة بألفاظ تناقض دينه الذي ولد فيه … فهذه الحرية البتراء التي رمانا بها عقلاؤنا لم تدع لها أثرًا يحمد وإن كان الأورباويون يحرصون عليها فإن استعداد بلادنا لم يكن ملائمًا لمثل هذا الإطلاق الذي هو في الحقيقة عين الرق والاستعباد …» السابق، ص٣٠٦. «فتلك الحرية التي سموها إطلاق الفكر قد عتقت صاحبها من قيد العقل وأسلمتْه إلى الجهل الأعمى؛ فهو يتصرف به كيف ما يقتضي من المضرات، ولو أنه بقي تحت سيادة العقل يسوسه المهذبون، ويقوده المتبصرون حتى يعلم من أين تؤتى الأفكار وبأي وسائل يوفى العقل حظوظه الحقيقية لكان ذلك خيرًا وأبقى …» السابق، ص٣٠٧.
٣٩  السلطة للصفوة المستنيرة، السابق، ص٣١٦-٣١٧.
٤٠  «تبدَّلت الأحوال وصار الجبر توحيدًا، وترك الأسباب إيمانًا، وترك الأعمال المفيدة توكلًا، ومعرفة الحقائق كفرًا وإلحادًا، وإيذاء المخالف في المذهب دينًا، والجهل بالفنون والتسليم بالخرافات صلاحًا، واختبال العقل وسفاهة الرأي ولايةً وعرفانًا، والمهانة تواضعًا، والخضوع للذل والاستبسال للضيم رضًا وتسليمًا، والتقليد الأعمى لكل متقدم علمًا وإيقانًا.» السابق، ج١، ١٠٠٦.
٤١  «العقل مشرق أنوار الدين، والإيمان هو تصديق العقل بأن جميع ما أتى به النبي حق؛ فالدين الإسلامي والعقل توءمان، وقد أجمع أئمتنا على أنه ليس في الدين شيء يمنعه العقل ويحيله، وأن من علامة الحديث الموضوع، أي المكتوب على النبي ، استحالة معناه عقلًا، ومن المقرر عندهم أن ما عساه يوجد من النقول الصحيحة مخالفًا في ظاهره للعقل فلا بد من تأويله وتخريجه على وجه صحيح يقبله العقل وإلا استحال الإيمان به، القرآن لا يخاطب إلا العقل لا سيما في قضايا الإيمان ومسائل الاعتقاد والتي يطلب فيها العلم ويرفض الظن وإن كان راجمًا …» السيد محمد رشيد رضا، أمالي دينية أو العقيدة المنارية، جمعها د. محمد رضوان حسن، دار الشمال، طرابلس، لبنان، ١٩٩٠، الدرس الثاني: الدين والعقل، ص٥٩–٦١.
٤٢  الاجتهاد والتقليد، السابق، ص٦١– ٦٦.
٤٣  «لا خلاف بين العلماء في وجوب النظر والاستدلال على من يقدر عليه وفي عصيان من يتركه مع القدرة ويكتفي بالتقليد، فتلخص أن المقلد إما كافر وإما عاصٍ بترك النظر، اللهم إلا إذا كان ضعيف العقل بعيد الفهم غير قادر على النظر والاستدلال» السابق، ص٦٣.
٤٤  السابق، ص٦٣–٦٤.
٤٥  السابق، ص٧٥–٧٨ «أحكام العقل: الإيمان هو تصديق العقل بقضايا الدين جزمًا في البعض وظنًّا في البعض الآخر …»
٤٦  محمد رشيد رضا، «شبهات النصارى وحجج الإسلام»، المؤتمر الإسلامي، ط٣، القاهرة، ١٩٥٦، ص٦٠–٦٨.
٤٧  انظر دراستنا: القياس الحضاري.
٤٨  مثل:
وكل نصٍّ أَوْهم التشبيها
أوِّله أو فوِّض ورُمْ تنزيهَا
ص٦١.
٤٩  محمد رشيد رضا، يسر الإسلام وأصول التشريع العام، المؤتمر الإسلامي، القاهرة، ١٩٥٦، المسائل التسع الأولى، ص٢٣–٢٧، المسألة العاشرة، ص٢٨–٧٤.
٥٠  السابق، ص٣٥–٤٧.
٥١  السابق، ص٤٧–٦٢.
٥٢  السابق، ص٦٣–٧٩.
٥٣  «تبدلت الأحوال وصار الجبر توحيدًا، وترك الأسباب إيمانًا، وترك الأعمال المفيدة توكلًا، ومعرفة الحقائق كفرًا وإلحادًا، وإيذاء المخالف في المذهب دينًا، والجهل بالفنون والتسليم بالخرافات صلاحًا واختبال العقل وسفاهة الرأي ولاية وعرفانًا، والمهانة تواضعًا، والخضوع للذل والاستبسال للضيم رضًا وتسليمًا، والتقليد الأعمى لكل متقدم علمًا وإيقانًا.» السابق، ج١، ١٠٠٦.
٥٤  محمد رشيد رضا، الوحي المحمدي، ج٢، مطبعة المنار، مصر، ١٣٥٢ﻫ.
٥٥  السابق، ص٣٠-٣٣.
٥٦  السابق، ص١٩١–٢٠٨.
٥٧  السابق، ص٢٢٧.
٥٨  مصطفى عبد الرازق، الدين والوحي والإسلام، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، ط٢، ١٩٧٠، ص٣٦–٤٠.
٥٩  من آثار مصطفى عبد الرازق، جمعها علي عبد الرازق، دار المعارف، مصر، ١٩٥٧، ص١٢٤– ١٢٦ «إني أحب الحرية حبًّا يجعلني حريصًا على أن تكون للعقول حريتها في الفهم، وللقلوب حريتها في الإيمان، ما كانت الفلسفة لتعادي الدين ولكنها أيضًا لا تخدمه.» السابق، ص١٢٥.
٦٠  محمد فريد وجدي، الأدلة العلمية على جواز ترجمة معاني القرآن إلى اللغات الأجنبية، مطبعة المعاهد الدينية، القاهرة، ١٩٣٦، ص٣.
٦١  انظر دراستنا: العقل والإصلاح، تحية في الذكرى العشرين، محمود قاسم (١٩١٢–١٩٧٣)، حوار الأجيال، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨، ص٥١–٧٦.
٦٢  كانت رسالته للدكتوراه في فرنسا «نظرية المعرفة عند ابن رشد وتأويلها لدى توما الأكويني»، الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٦٩، والرسالة التكميلية ترجمة بالفرنسية لكتاب «الكشف عن مناهج الأدلة» لابن رشد، الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٦٤.
٦٣  محمود قاسم، في النفس والعقل لفلاسفة الإغريق والإسلام، الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٦٩.
٦٤  انظر دراستنا: من الوعي الفردي إلى الوعي الاجتماعي، قراءة في الجوانية، عثمان أمين (١٩٠٨–١٩٧٨)، دراسات إسلامية، الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٨٢، ص٣٤٧–٣٩٢، حوار الأجيال، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨، ص٧٧–١١٣.
٦٥  انظر دراستنا: من المثالية المعتدلة إلى الواقعية الجذرية، تحية إلى وحوار مع توفيق الطويل (١٩٠٥–١٩٩١)، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨، ص١١٥–١٧٣.
٦٦  انظر دراستنا: الجديد في القديم، تحية وحوار في الذكرى السنوية الأولى، محمد عبد الهادي أبو ريدة (١٩٠٩–١٩٩٣)، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨، ص١٧٥–٢٠٩، كذلك كتب أبو يعرب المرزوقي «إصلاح العقل»، مركز دراسات الوحدة العربية.
٦٧  د. محمد عمارة، التراث في ضوء العقل، دار الوحدة، بيروت، ١٩٨٠.
٦٨  السابق، ص١٠٢–١١٤.
٦٩  نشأة العقلانية الإسلامية، ص١١٧–١١٨، المعتزلة، ص١٣٥–١٣٦. العقل والحكمة، ص١٤٨–١٤٩، العقل ومكانته في الإسلام، ص١٥٦–١٥٧، عقلانية الإسلام، ص٢٤٨-٢٤٩.
٧٠  السابق، ص٧٥–٩٣.
٧١  عبد الحي عمور: النظرية الإسلامية للعقل، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ١٩٩٨.
٧٢  السابق، ص١١–٤٠.
٧٣  السابق، ص٤١–٧٤.
٧٤  السابق، ص٧٥–١١٦.
٧٥  سيد قطب، خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، دار الشروق، القاهرة (د.ت)، ص٤٧–٢٣٦.
٧٦  د. طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، بابل، الرباط، ١٩٨٩.
٧٧  السابق، ص٢٩–٦٨.
٧٨  السابق، ص٦٩–١٣٢.
٧٩  السابق، ص١٣٣–٢٣٨.
٨٠  لؤي صافي، إعمال العقل، من النظرة التجزيئية إلى الرؤية التكاملية، دار الفكر، دمشق، ١٩٩٨.
٨١  السابق، ص٢٩–١١٦.
٨٢  السابق، ص١١٧–٢١٢.
٨٣  السابق، ص٢١٣–٣٠٠.
٨٤  د. محمد السيد الجليند، منهج السلف بين العقل والتقليد: تصحيح مفاهيم، درء شبهات، رد مفتريات، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٩.
٨٥  السابق، ص٧–٣١.
٨٦  السابق، ص٣٢–٨٥.
٨٧  السابق، ص٨٦–١٩٥.
٨٨  الأعمال السابقة وهي بالفرنسية هي: (١) تهذيب الأخلاق (ترجمة فرنسية لمسكويه) ١٩٦٩. (٢) مساهمة في دراسة النزعة الإنسانية العربية في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي، مسكويه فيلسوف ومؤرخ ١٩٧٠. (٣) محاولات في الفكر الإسلامي ١٩٧٣. (٤) الفكر العربي ١٩٧٥. (٥) الفكر العربي ١٩٧٥. (٦) الإسلام بالأمس والغد ١٩٨٢. (٧) الإسلام، الدين والمجتمع ١٩٨٢. (٨) قراءات القرآن ١٩٨٢. (٩) نقد العقل الإسلامي ١٩٨٤. (١٠) الإسلام، الأخلاق والسياسة. (١١) انفتاحات على الإسلام.
٨٩  M. Arkoun Pour une critique de la Raison Islamique. Maissonneuve et larose, Paris. 1984.
٩٠  السابق، ص٦٣–١٠٠.
٩١  «وهذا الفن عبارة عن التحسين والتقبيح العقليين يجعله الإفرنج أساسًا لأحكامهم السياسية المسماة عندهم شرعية … روح الشرائع لمونتسكيو وهو أشبه بالمذاهب الشرعية والسياسية ومبني على التحسين والتقبيح العقليين، ويلقب عندهم بابن خلدون الإفرنجي كما أن ابن خلدون يقال عندهم أيضًا مونتسكيو الشرق أي مونتسكيو الإسلام.» تخليص الإبريز، ص١٩١.
٩٢  «فإن الفرنساوية من الفرق التي تعتبر التحسين والتقبيح العقليين … إنهم ينكرون خوارق العادات، ويعتقدون أنه لا يمكن تخلف الأمور الطبيعية أصلًا، وأن الأديان إنما جاءت لتدل الإنسان على فعل الخير واجتناب ضده، وأن عمارة البلاد وتطور الناس وتقدمهم في الآداب والظرافة تسد مسد الأديان، وأن الممالك العامرة تُصنع فيها الأمور السياسية كالأمور الشرعية.» تخليص الإبريز، ص١٠٣.
٩٣  «وفيه أمور لا ينكر ذوو العقول أنها من باب العدل … وإن كان غالب ما فيه ليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله لتعرف كيف قد حكمت عقولهم بأن العدل والإنصاف من أسباب تعمير الممالك وراحة العباد، وكيف انقاد الحكام والرعية لذلك حتى عمرت بلادهم، وكثرت معارفهم، وتراكم غناهم، وارتاحت قلوبهم، فلا تسمع فيهم من يشكو ظلمًا أبدًا، والعدل أساس العمران.» السابق، ص٩٥.
٩٤  «فإذا تأمَّلت رأيت ما في هذه الشرطة نفيسًا … إقامة العدل وإسعاف المظلوم وإرضاء خاطر الفقير … وما يسمونه الحرية ويرغبون فيه هو عين ما يطلق عليه عندنا العدل والإنصاف؛ وذلك لأن معنى الحكم بالحرية هو إقامة التساوي في الأحكام والقوانين بحيث لا يجور الحاكم على إنسان.» السابق، ص١٠٢. «إن أحكامهم القانونية ليست مستنبطةً من الكتب السماوية إنما هي مأخوذة من قوانين أغلبها سياسية.» السابق، ص١٠٦.
٩٥  «ويمكن أن يقال إن الفيء ونحوه لو كان مرتبًا في بلاد الإسلام كما هو الحال في تلك البلاد لطابت النفس، خصوصًا إذا كانت الزكوات والفيء والغنيمة لا تفي بحاجة بيت المال أو كانت ممنوعة بالكلية وربما كان لها أصل في الشريعة على بعض أقوال مذهب الإمام الأعظم، ومن الحكم المقررة عند قدماء الحكماء الخراج عمود الملك.» السابق، ص١٠٣. انظر أيضًا دراستنا: جدل الأنا والآخر، دراسة في «تخليص الإبريز» للطهطاوي، هموم الفكر والوطن، ج٢، الفكر العربي المعاصر، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨، ص٢١٩–٢٤٩.
٩٦  الطهطاوي، مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب المصرية، الرغائب، القاهرة، ١٩١٢، مطلب تحويل مصر إلى حالة مستحسنة في نحو عشرين سنة، ص٢٩٣، فيما يجب للوطن الشريف على أبنائه من الأمور المستحسنة، ص٣٤٨.
٩٧  السابق، ص٣٦٥، ٣٧٢، ٣٨٧، ٤٤١.
٩٨  الطهطاوي، المرشد الأمين للبنات والبنين، الأعمال الكاملة، تحقيق محمد عمارة، ج٢، السياسة والوطنية والتربية، في تمام أمور الدين وأحكامه مقام العقل، ص٢٨٤–٢٨٨.
٩٩  السابق، ص٤٧٩–٤٨٢.
١٠٠  «سبحان من جعل من نتائج العدل العمران، وفضل بالعقل نوع الإنسان، وأهَّله به لحسن التدبير ومراتب العرفان، وأمره بالتعاون على البر والتقوى دون الإثم والعدوان.» أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، تحقيق: د. معن زيادة، ج٢، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ص١٤٥.
١٠١  «والغرض من ذكر الوسائل التي أوصلت الممالك الأوروبية إلى ما هي عليه من المتعة والسلطة الدنيوية أن تتخيَّر منها ما يكون بحالنا لائقًا ولنصوص شريعتنا مساعدًا وموافقًا.» السابق، ص١٤٧-١٤٨.
١٠٢  «مطلب ما يسوغ موافقة غير المسلم في الأفعال المستحسنة.» السابق، ص١٥٠–١٥٧.
١٠٣  «مطلب نفي تضييق سعة تصرف الملك بمشاركة أهل الحل والعقد والاستشهاد عن ذلك بالمعقول والمنقول.» السابق، ص١٦٤–١٦٧.
١٠٤  السابق، ص١٩٧.
١٠٥  «مطلب دفع شبه القادحين في التنظيمات وما يجب على مؤسس أصول الحرية من اعتبار حال السكان.» السابق، ص١٩٩–٢٠٧.
١٠٦  «إن الأمة الإسلامية بمقدار ما شهد به المنصفون من رجحان عقول أواسط عامتها على عقول غيرها من الأمم تقتدر أن تكتسب بما بقي لها من تمدنها الأصلي وبعاداتها التي لم تزل مأثورة لها عن أسلافها ما يستقيم به حالها ويتسع به في التمدن مجالها، ويكون سيرها في هذا المجال أسرع من غيرها كائنًا من كان، إذا أذكيت حريتها الكافية بتنظيمات مضبوطة تسهل لها التداخل في أمور السياسة؛ وذلك أن الحرية والهمَّة الإنسانية اللتَيْن هما منشأ كل صنع غريب غريزتان في أصل الإسلام مستشهدتان مما تكسبه شريعتهم من فنون التهذيب بخلاف غيرهم مما لم تحصل لهم الغريزتان المذكورتان إلا بإجراء التنظيمات في بلدانهم.» السابق، ص١٩٩-٢٠٠.
١٠٧  «وبما نقلناه يعلم ما كان للأمة الإسلامية من غمر العمران، وسعة الثروة، والقوة الحربية الناشئة عن العدل، واجتماع الكلمة، وأخوة الممالك واتحادها في السياسة، واعتنائها بالعلوم والصناعات ونحوها من المآثر العرفانية التي ظهرت في الإسلام، ونسج الأورباويون على منوالها وشهد المنصفون منهم بفضل التقدم للأمة الإسلامية.» السابق، ص١٧٢.
١٠٨  أقوم المسالك، ص١٧٤–١٧٥.
١٠٩  السابق، ص١٧٦.
١١٠  «إني أسلك في هذا النحو من البحث مسلك المحدثين من أصحاب العلم والفلسفة فيما يتداولون من العلم والفلسفة، أريد أن أصطنع في الأدب هذا المنهج الفلسفي الذي استحدثه ديكارت للبحث عن حقائق الأشياء في أول هذا العصر الحديث … فلو أن الفلاسفة ذهبوا في الفلسفة مذهب ديكارت منذ العصور الأولى لما احتاج ديكارت إلى أن يستحدث منهجه الجديد … فأنت ترى أن منهج ديكارت هذا ليس خصبًا في العلم والفلسفة والأدب فحسب، وإنما هو خصب في الأخلاق والحياة الاجتماعية أيضًا.»
١١١  طه حسين، مستقبل الثقافة في مصر، مطبعة المعارف ومكتبة مصر، القاهرة (د.ت)، ص١٦–٣٠.
١١٢  «إن العقل المصري لم يتصل بعقل الشرق الأقصى اتصالًا ذا خطر، ولم يعش عيشة سلم وتعاون مع العقل الفارسي … إن العقل المصري قد اتصل من جهة بأقطار الشرق القريب اتصالًا منظمًا مؤثرًا في حياته ومتأثرًا بها، واتصل من جهة أخرى بالعقل اليوناني منذ عصوره الأولى اتصال تعاون وتوافق وتبادل مستمر منظم للمنافع في الفن والسياسة والاقتصاد … إن العقل المصري منذ حضوره الأولي عقل إن تأثر بشيء فإنما يتأثر بالبحر الأبيض المتوسط، وإن تبادل المنافع على اختلافها فإنما يتبادلها مع شعوب البحر الأبيض المتوسط.» السابق، ص١٦. «إذن فالعقل المصري القديم ليس عقلًا شرقيًّا … وقد نشأ هذا العقل المصري في مصر متأثرًا بالظروف الطبيعية والإنسانية التي أحاطت بمصر … وكان من أشد الشعوب تأثرًا بهذا العقل المصري أولًا وتأثيرًا فيه بعد ذلك العقل اليوناني …» السابق، ص١٨ «من السخف الذي ليس بعده سخف اعتبار مصر جزءًا من الشرق، واعتبار العقلية المصرية عقلية شرقية كعقلية الهنود والصين.» السابق، ص١٨.
١١٣  «إن تبادل المنافع بين العقل المصري والعقل اليوناني في العصور القديمة قد كان شيئًا يشرف به اليونان …» السابق، ص١٧. «إن مصر لم تنفرد بالتأثير في حياة اليونان، ولا في تكوين الحضارة اليونانية والعقل اليوناني.» السابق، ص١٧. «كان العقل المصري إذن أيام الإسكندر مؤثرًا في العقل اليوناني متأثرًا به مشاركًا له في كثير من خصاله إن لم يشاركه في خصاله كلها.» السابق، ص٢٢.
١١٤  «فإذا لم يكن بدٌّ من أن نلتمس أسرة للعقل المصري نقره فيها فهي أسرة الشعوب التي عاشت حول بحر الروم، وقد كان العقل المصري أكبر العقول التي نشأت في هذه الرقعة سنًّا وأبلغها أثرًا.» السابق، ص١٨.
١١٥  «المسيحية التي ظهرت في الشرق قد غمرت أوروبا … ولم تتغير طبيعة العقل الأوروبي.» السابق، ص٢٣.
١١٦  «فلا ينبغي أن يفهم المصري أن بينه وبين الأوروبي فرقًا عقليًّا قويًّا أو ضعيفًا.» السابق، ص٢٧. «وإذن فمهما نبحث ومهما نستقصِ فلن نجد ما يحملنا على أن نقبل أن بين العقل الأوروبي والعقل المصري فرقًا جوهريًّا.» السابق، ص٣٠.
١١٧  محمد علوبة باشا، مبادئ في السياسة المصرية، دار الكتب المصرية، القاهرة، ١٩٤٢، ص١٧٥–١٧٧.
١١٨  إبراهيم العجلوني، دفاعًا عن العقل، مؤسسة رم للدراسات والنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ١٩٩٩.
١١٩  السابق، ص٧–١٠.
١٢٠  محمد نور فرحات، البحث عن العقل، حوار مع فكر الحاكمية والنقل، كتاب الهلال، دار الهلال، القاهرة، ١٩٩٧. العقل والنقل، ص٦٧–٨٦، هل النصوص معقولة؟ ص٨٧–١٠٢، فقه ازدراء العقل، ص١٦٩–١٨٠.
١٢١  مطاع صفدي، نقل العقل الغربي (جزءان)، دار الإنماء، بيروت.
١٢٢  فرح أنطون، ابن رشد وفلسفته، مع نصوص المناظرة بين محمد عبده وفرح أنطون، قدم لها د. أدونيس العكرة، دار الطليعة، بيروت، ١٩٨١، ص٣١، ١٢١-١٢٢، ١٣٨، ١٨٤، ٢٠٩–٢١١.
١٢٣  السابق، ص١٢٧، ١٦٥–١٧٢.
١٢٤  السابق، ص٧٨-٧٩، ١٠٥، ١١٥–١١٧.
١٢٥  سلامة موسى، عقلي وعقلك، الخانجي، القاهرة، ط٣، عقل الإنسان وعقل الحيوان، ص١٢–١٩، العقل والمخ، ص٢٠–٢٣، الجسم يؤثر في العقل، ص٣٨–٣٩، العقل يؤثر في الجسم، ص٤٢–٤٨، الكظم والعقل الكامن، ص٨٥–٩٢، الجنون الذي يطفئ نور العقل، ص٣١٨–٣٢٣.
١٢٦  زكي نجيب محمود، المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري، دار الشروق، القاهرة (د.ت).
١٢٧  زكي نجيب محمود، قصة عقل، دار الشروق، القاهرة، ١٩٨٣، عقل يلتمس الطريق، ص١١–٣٠، دفاع عن العقل، ص١٢٠–١٥٠، عقل ووجدان معًا، ص١٧٥–١٩٩.
١٢٨  فؤاد زكريا، خطاب إلى العقل العربي، ص١٦٥–١٧٦.
١٢٩  «ويسألونك عن الأفكار المستوردة.» السابق، ص٨٤–٩٣.
١٣٠  فؤاد زكريا، خطاب إلى العقل العربي، الإيمان والعلم، كتاب العربي، الكويت، أكتوبر، ١٩٨٧، ص٦٤–٧٦.
١٣١  فؤاد زكريا، نقد العقل العربي، مرض عربي اسمه الطاعة، ص٧٧–٨٣، أسطورتان عن الحاكم والأعوان، ص٩٤–١٠٢.
١٣٢  جابر عصفور، أنوار العقل، عن الأصولية، ص١٢٣–١٥٨، الهيئة العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، القاهرة، ط٣، ١٩٩٦.
١٣٣  محمد عبد المنعم مجاهد، رحلة في أعمال العقل الجدلي، ابن رشد بنظرة جدلية، ص٤٥–٥٢، العقل في غيبة الجدل والبراكسيس، ص٧١–٧٨.
١٣٤  إسماعيل المهداوي، العقلانية الشاملة ضد الماركسية والبرجماتية والغيبية وضد السفسطة والفلسفة الطفولية، الطبع والنشر للمؤلف، القاهرة، ١٩٩١، وضم الكتاب قسمين: الأول العقلانية والتناقض، والثاني العقلانية واللاعقل في مختلف المجالات.
١٣٥  فيليب بتاي، العقل العربي، جون لافيني، العقل العربي، مراجعة، حاجة إلى الفهم، فؤاد زكريا، نقد العقل العربي، محاولة لفهم العقل العربي، ص١١٢–١٢٣.
١٣٦  د. محمد عابد الجابري، د. هشام جعيط، د. الطيب تيزيني، د. نادية رمسيس فرح، لقاءات قابس (٢)، منشورات مهرجان قابس الدولية، تونس، ١٩٨٩.
١٣٧  السابق، محمد عابد الجابري، الثقافة والمنهج والتراث، ص٩–٣٧.
١٣٨  السابق، هشام جعيط، آراء ومواقف في الثقافة العربية، ص٦١–٧٢.
١٣٩  العقلانية والمشروع الحضاري، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية، الرباط، ١٩٩٢، ص٣٢١–٣٣٨.
١٤٠  السابق، ص٥–٩.
١٤١  نديم البيطار، العقلانية القومية والعقل الحضاري الحديث، السابق، ص١٦٣–١٧٧.
١٤٢  أنطون المقدسي، العقل وغير العقل في الوجود العربي، بدايات، السابق، ص١١–٦٠؛ برهان غليون، العقلانية ونقد العقل، ملاحظات منهجية، ص١٩٣–٢٢٠.
١٤٣  محمد جسوس، جدلية العقلنة والعقلانية، السابق، ص٦٤–٧٣؛ مصطفى حجازي: نحو عقل عربي مستقبلي على ضوء تحليل البِنى الاجتماعية العربية الراهنة، ص٢٢٥–٢٤٣.
١٤٤  علي أومليل، الذات والمغايرة، مفهوم الاختلاف في الفكر العربي، السابق، ص٧٥–٧٩؛ د. نصيف نصار، في خصائص العقلانية الفلسفية العربية، السابق، ص٨١–١٠٤؛ هشام جعيط، العقل السياسي الديني في الوطن العربي، ص١٤٧–١٥٢.
١٤٥  حليم بركات، العقلانية والمخيلة في الثقافة العربية، ص١١٧–١٢٨.
١٤٦  محمد ياسين العريبي، الصراع بين الأنا المنطقية والأنا الجدلية من منظور ابن سينا والغزالي، السابق، ص١٢٩–١٣٩؛ محمد عابد الجابري، العقلانية العربية والسياسية، قراءة سياسية في أصول المعتزلة، ص١٤١–١٤٦؛ حسن صعب، المقاربة العقلانية للمعضلة السياسية العربية، السابق، ص٣٠٥–٣١٨.
١٤٧  عبد الباسط عبد المعطي، أزمة عقلانية أم أزمة الطبقات المسيطرة، السابق، ص١٥٣–١٦١؛ ناجي علوش، العقلانية في الممارسة السياسية العملية، السابق، ص٢٨٣–٣٠٣.
١٤٨  برهان غليون، اغتيال العقل، محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية، العقل السجالي، ص٤٣–٦٦، حجاب العقل، ص٢٠٦–٢٥١، في العقلانية وجذورها أو مقام العقل، ص٢٢٥–٢٣٥، مأزق العقلانية العربية الحديثة، ص٢٣٦–٢٥١، من إحياء التراث إلى نقد العقل، ص٣٠٩–٣١٦، تحرير العقل، ص٣٤١–٣٥١.
١٤٩  عبد الله العروي، مفهوم العقل، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط١، ١٩٩٦، ط٢، ١٩٩٧.
١٥٠  السابق، ص١٢٣–١٧٧.
١٥١  السابق، ص١٧٩–٣٦٤.
١٥٢  «إن الحسم يتطلَّب الاعتياد والتمرن على منطق الفعل في حين أننا نطبق على الفعل باستمرار منطق الاسم؛ لأنا نؤمن ونقول منذ قرون إن الموروث من ثقافتنا مبني على العقل إطلاقًا، هذا التعميم والإطلاق في المفهوم يقلب عند التطبيق العقل إلى لا عقل، تنعكس العلائق والأسباب في ممارستنا اليومية … إن العلاقة الأصلية عندنا مقلوبة … لا يكون العقل عقلانية لا يجسد في السلوك إلا إذا انطلقنا من الفعل، وخضعنا لمنطقه ثم بعد عملية تجريد وتوضيح وتعقيل أبدلنا به المنطق الموروث، منطق القول والكون، منطق العقل بإطلاق.» السابق، ص٣٦٤.
١٥٣  انظر دراستنا: «نقد العقل العربي» في مرآة «التراث والتجديد»، المجلد التذكاري عن محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ٢٠٠٤ (تحت الطبع).
١٥٤  كمال عبد اللطيف، نقد العقل أم عقل التوافق، دار الحوار، اللاذقية، سوريا، ٢٠٠٢.
١٥٥  السابق، ص١٥١.
١٥٦  «الأستاذ الجابري يريد أن يقصر وظيفة الفكر في التاريخ في المستوى الذي يبحث فيه ويهتم به على مسألة محددة، وهي البحث في إمكانيات التوافق والوئام على حساب القيم الفكرية الأخرى المتمثِّلة في الدفاع عن المغامرة المبدعة، النفي الخلَّاق والقطيعة المسلمة بمبدأ كونية فعل المثاقفة داخل الحضارات المتعددة ومبدأ النقد ونقد النقد ومحاصرة الثوابت والأصول والأزمنة.» السابق، ص١٦١.
١٥٧  محمود أمين العالم: ملاحظات منهجية تمهيدية حول نقد الجابري للعقل العربي، العقلانية العربية والمشروع الحضاري، ص٢٦١–٢٨٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤