صورة المرأة في الأمثال العامية المصرية١

(١) بعض الملاحظات الأولية

ما زالت المجتمعات التراثية تستمدُّ سلطتها من موروثها الثقافي القديم الذي ما زال حيًّا في وجدانها الثقافي يمدُّها بتصوُّراتها للعالم وبأنساق القيم وبمعايير السلوك، وغالبًا ما يكون تراثها مدونًا في صيغة نصوص دينية أو أدبية أو شفاهيًّا في صيغة روايات وسير وأمثال عامية، تستشهد به الناس، وتعتبره سلطة واجبة الإشباع إما لتبرير مواقفها للرضا والاستسلام لكل ما تجد نفسها فيه من أوضاع اجتماعية بعد أن كشف لها الموروث الثقافي مصيرها أو للثورة عليها كما تقتضي بذلك تجربة الشعوب التي دوَّنتها الأمثال العامية وسير الأبطال؛ لذلك تصف بعض الأمثال العامية ما هو كائن بينما يُحدد البعض الآخر ما ينبغي أن يكون؛ فالمثل العامي ليس فقط تقريرًا لواقع ولكنه أيضًا وضعًا لمعيار؛ لذلك يتفق البعض منها مع الشرع بينما يختلف معه البعض الآخر؛ فالشرع أيضًا إقرار للواقع والفطرة وفي نفس الوقت تطوير لها نحو الكمال لتحقيق ما ينبغي أن يكون، وهذا ما يفسر أيضًا بعض التناقض بين الأمثال العامية، وهو ليس في الحقيقة تناقضًا لأن الحياة أيضًا تفرض أحيانًا سلوكًا متشابهًا ومعقدًا، فالأخلاق مواقف وليست عقلية، ومنطق الحياة لا يقوم على الاتساق كما هو الحال في المنطق العقلي الصوري بل قد يقوم أحيانًا على التناقض والتعارض والتضاد، وإثبات الشيء ونقيضه في آنٍ واحد.٢
وهناك بعض الأمثال العامية في صيغة المؤنث ولكنها لا تتعلَّق بصورة المرأة على وجه الخصوص بل المرأة والرجل على حدٍّ سواء أو الإنسان بصرف النظر عن الجنس، ويدل ذلك على أن المرأة هي الجنس الأعم وأن الرجل هو النوع الداخل تحت الجنس، وهذا عكس ما هو شائع في اللغة العربية عن الإشارة إلى المرأة بصيغة المذكر على التغليب. المرأة في الذهن الشعبي تسبق الرجل وعنوان له.٣ قد يكون المثل على لسان المرأة من حيث الشكل اللغوي أو ضرب للمثل بها، ولا يتضمن صورة المرأة على وجه الخصوص، بل ينطبق على المرأة وعلى الرجل على حدٍّ سواء، قد تكون الصيغة مؤنثة والمقصود المعنى المجازي الذي يشمل الرجل أيضًا أي الإنسان وليس المعنى الحرفي الخاص بالمرأة، المؤنث هنا له دلالة عامة على المؤنث والمذكر على حدٍّ سواء، وهناك أمثلة أخرى قد تُشير إلى المرأة عن طريق العند أو العكس أو القلب، فالحديث عن الرجل قد يتضمن حديثًا عن المرأة عن طريق السلب، كما أن الحديث عن الزوج قد يتضمن حديثًا عن المرأة عن طريق الإضافة، وأحيانًا يموت التمايز في نفس المثل بين الرجل والمرأة بصيغتين متمايزتَيْن، الأولى للمؤنث، والثانية للمذكر،٤ ولكن الغالب هو الشكل الأول، الإشارة بصيغة المؤنث على المذكر وكأن المؤنث أصبح الدلالة العامة على الإنسان.

وتتكرر بعض الأمثلة إما بنفس الصياغة أو باختلاف وفروق بسيطة مما يدل على تواترها أو على نشأتها في ظروف متشابهة، فالطبيعة البشرية واحدة تتجلى في توارد الخواطر والأفكار والأمثال والتشبيهات ليس فقط داخل شعب واحد بل عند عديد من الشعوب، وقد يساعد رصد هذه الأمثال المتوافقة عند الشعوب على معرفة الطبيعة البشرية الواحدة عبر الشعوب والأقوام ومن خلال العصور والأزمان. ومع ذلك هناك أمثلة أكثر دلالة من أمثلة أخرى نظرًا لاختلاف الظروف الاجتماعية من عصر إلى عصر، فما كان دالًّا في الماضي قد لا يكون دالًّا الآن، كما تختلف الأمثال فيما بينها من حيث القوة والضعف، الوضوح والغموض، المباشرة والتوسيط.

ويمكن تصنيف الأمثال العامية عن المرأة لمعرفة صورتها إلى عدة صور تبدأ من المرأة كفرد أنثى لها جمالها البدني ولها شخصيتها وبناؤها النفسي حتى المرأة العاملة التي لا وجود لها، وما بينهما تظهر صورة المرأة في مكانها الطبيعي، الزوجة الواحدة أو المتعددة، والمطلقة، والخليجية، والأم، والابنة، والأخت، والحماة، والقريبة، والخادمة التي تعمل في الأسرة، والغائبة التي لا عمل لها في المجتمع.

(٢) الأنثى

وتصوِّر بعض الأمثلة القليلة قيمة المرأة كموجودٍ جمالي في حد ذاته بصرف النظر عن الوظيفة الاجتماعية التي يؤديها الجمال من أجل أن تصبح المرأة زوجة؛ فالجمال قيمة فردية مطلقة في المرأة وليس لها بديل آخر في زوج أو ولد «اللي ما يغليها جلدها ما يغليها ولدها.» (٢٨٣)؛ فالجلد هنا رمز على ما هو خاص بالمرأة وما يلتصق بها، الجلد هو الشخص؛ لذلك كان النعيم والعذاب في الجلد عن طريق اللمس، كما أن العشق لا يكون إلا للجمال المطلق مثل جمال القمر الذي طالما ضُرب به المثل لجمال المرأة–الأنثى في الأغاني والمواويل الشعبية «إن عشقت اعشق قمر، وإن سرقت اسرق جمل.» (٦٠٦)؛ فالجمال من عظائم الأمور، يدفع الإنسان إلى نيل الحد الأقصى وإظهار الطموح والرغبة في التفوق ونيل الكمال، الجمال هنا هو الكمال، وهو مثل «اعشق غزال والا فضها.» والجمال الطبيعي قد يحتاج أيضًا إلى التزين من صنع الأنثى طبقًا للأعراف والعادات الاجتماعية كما تفعل العروس يوم الزفاف «العروسة في صنيفها وأهل المحلة متحففة.» فالأولى هو أن تتحفف العروس وتتجمل وتتزين لا أن يفعل ذلك أهل القرية بلا مناسبة.

وقد يتكامل الجسد فيكون الجمال في القصر والقبح في الطول «جوز القصيرة يحسبها صغيرة.» (٩٨٦) لأن كبر السن لا يظهر على القصيرة كما يتغير جمال الجسد بتغير السن، فيقل مع العمر «البنات بسبعة وجوه.» (٨٢٦)، وهذا هو الجمال النسبي نظرًا لارتباطه بالجسد.

وفي مقابل الجمال يوجد القبح، وإذا كان الجمال رمزه القمر فإن القبح مثال العوراء؛ لذلك كثرت الأمثلة حولها مثل «تبقى عورة وبنت عبد ودخلتها ليلة الحد.» (٨٧٠)؛ فالعوراء السوداء ليست في حاجة إلى إعلان وفرح وتَهانٍ بل الأفضل لها الزواج في صمت، وأيضًا «تغور العورة بفدانها.» (٨٩٧)؛ فالجمال يسبق الغنى، والقبح مع الغنى لا قيمة له ولا يؤهل للزواج، والجمال مع الفقر أفضل وأكثر هناء وسعادة، ومع العوراء تأتي العرجاء والضفدعة مثل «ادلعي يا عوجه في السنة السودة.» (٨٨)؛ لأن الأعور عند العمى مفتح، فالجمال نسبي، والعوجاء وسط القبيحات قد تكون أجمل الجميلات، وأيضًا «العِرْس والمعمعة والعروس ضفدعة.» (١٨٨١)؛ فالإعلان والأفراح والطبول والزمور والإعلان لا يكون إلا للجميلة، أما القبيحة كالضفدعة فالزواج صمتًا أفضل حتى لا يتنافر قبح العروس مع جمال الزينات، ومثله أيضًا «العِرْس بزوبعة والعروس ضفدعة.» (١٨٨٠).

ويمكن لجمال الشخصية أن يكون تعويضًا عن نقص الجسد؛ فالجمال ليس جسديًّا فقط بل يكون معنويًّا وروحيًّا وأخلاقيًّا كذلك مثل «يا وحشة كوني نِفْشة.» (٣١٢١)، والنِّفشة هي الظريفة القادرة على حسن المداعبة في التقابل بين قبح البدن وجمال الروح والذي صوره أدموند روستان في «سيرانو دي برجراك»، وأيضًا «النسا مقص أعوج قال لولاه أعوج ما كانش ينضم.» (٢٩٤٠)، وهو حكم ينطبق على تصور المرأة الموروث من الشرع بأنها ضلع أعوج في حاجة إلى استقامة، وهي مهمة الرجل، ولكن الاعوجاج هنا في الثقافة الشعبية عيب في الظاهر، ميزة في الباطن؛ لأنه لما انضم على الرجل وما انضم للرجل عليه كالمقص؛ فالنقص في حاجةٍ إلى كمال، والفرد في حاجةٍ إلى مثنى، والمرأة والرجل نصفان يجتمعان في شخصية واحدة.

والعيب كل العيب هو عدم الاعتراف بالقبح الجسدي ومحاولة إكماله بجمال الجسد، وهو مستحيل، فنقص الجسد لا يكمله إلا كمال النفس، وقبح الجسد لا يوازيه إلا جمال الروح، وذلك هو حال العمشاء والعمياء مثل: «عمشة وعاملة مكحلة.» (١٩٦٢)؛ فالعمش لا يُغطى بالكحل بل بخفة الدم وحلو الحديث، وأيضًا «عمية وعرجة وكيعانها خارجة.» (١٩٦٩)؛ فالعمياء والعرجاء عليها بالتخفي وعدم التظاهر بإبراز باقي مفاتن الجسد مثل الذراع؛ فالقبح والجمال الجسديان لا يجتمعان، والرغبة في تجاوز الواقع لا تتم بواقع مثله بل بمثال قادر على تجاوزه، وأيضًا «عمية تحفف مجنونة وتقول حواجب مقرونة.» (١٩٦٨)؛ فالعمياء التي تجمل حواجب عيون المجنونة من أجل إبراز جمالها استحالة، ويظل الواقع واقعًا لا يتحول إلى مثال إلا بالتعويض بشيء آخر على مستوى أرفع وهو الجمال الروحي.

أما إذا وقع النقص في الشخصية فذلك لا تعويض فيه ولا سمو، مثل النفاق والغدر والنميمة وحب الاستطلاع وذلك مثل «يا مستخبية حِسِّك فرق ودنية.» (٣١٠٩)، فلا يمكن إخفاء الظاهر أو ادعاء الحياء وعدم الرغبة؛ لأن الظاهر يكشف عن الباطن، وأيضًا «لا تأمن للمرأة إذا حطت، ولا للخيل إذا أطلت، ولا للشمس إذا ولت.» (٢٤٧٩)، فقد تكون صلاة المرأة لإخفاء شيء على نقيض الصلاة كما يفعل الخيل بوجه خاص الذي قد يهرب والحيوان بوجه عام الذي قد يراوغ، بل هو قانون طبيعي، بالغروب الجغرافي قد يكون شروقًا روحيًّا، فصلاة المرأة لا تعبِّر بالضرورة عن التقوى بل عن التظاهر من أجل استرعاء الانتباه وجلب الأنظار وجذب الرجال الأتقياء، وكما يحدث أحيانًا في وظائف الحجاب للنساء وإطالة اللحى، ولبس الجلباب الأبيض، ومسك السبحة للرجال؛ لذلك الاحتراس من النساء واجب، والمرأة تعشق جلب الأخبار ونقلها وروايتها، فلديها قدر كبير من حب الاستطلاع والثرثرة مثل «أم عبر جلابة الخبر» (٥٢٤)؛ فهي أقرب إلى الكلام منها إلى الصمت، وإلى الإسهاب منها إلى الاختصار، ومن الإيصال منها إلى التعبير مثل أجهزة الإعلام وقنوات الاتصال.

(٣) الزوجة

الزوجة هي الصورة الأكثر شيوعًا وترددًا وتفصيلًا في الأمثال العامية المصرية،٥ وأعلى الدرجات في الزواج ذلك الذي يأتي عن حب ووفاق وتآلف بين الرجل والمرأة مثل «إن كان بدك تصون العرض وتلمه جوز البنت للي عينها منه.» (٦٢٤)؛ فأساس الزواج هو العواطف والاختيار الحر للمرأة المبني على الحب وضرورة طاعة الأب وإقراره لهذا الاختيار دون قهر أو إجبار أو بناء على مصلحة أو الزواج من أجل الزواج، وأيضًا «جوزها له، ما لها إلا له.» (٩٩٦)؛ فالزواج اتفاق حر بين اثنين، ورضا متبادل، وهو الأساس الشرعي للزواج، وأيضًا «العروسة للعريس، والجري للمتاعيس.» (١٨٨٦)؛ فالألفة بين الاثنين هي الأساس وليس الأهل أو المجتمع، وقد يقع الاتفاق أيضًا في الأسماء مثل «جوزوا زقزوق لظريفة.» (٩٩٧). وعلى هذا الأساس تظهر الحمية بين الاثنين وحسن التعامل والتفاهم «لقمة الراجل معترة، ما تاكلها إلا المشمرة.» (٢٥٣٢)، فكلاهما على نفس القدر من الذكاء والسلوك العملي، ولا ريب أن يكون الزواج من نفس الطبقة حتى يكون زواجًا سعيدًا حتى ولو كانت الطبقة الدنيا «جوزوا مشكاح لريمة، ما على الاتنين قيمة.» (٩٩٩)؛ فالحب قد يكون في الفقر وقد يكون في الغنى، أخوة ومحبة في الطبقة، الفقر يجمع والغنى قد يفرق.

ويقتضي هذا الوفاق التكامل في الداخل وحسن المظهر في الخارج، فإن كان الرجل بحرًا تكن المرأة جسرًا على شاطئيه «إن كان الرجل بحر تكون المرأة جسر.» (٦٣٢)، إن كان الرجل غضوبًا تكون المرأة عاقلة، وإن كان فيضانًا تمنعه من الإغراق وإلحاق الضرر بالغير، والألفة بينهما تمنع من إفشاء أسرارهما إلى الخارج «الراجل ومراته زي القبر وأفعاله.» (١٢٧٢)، وفي الخير هنا يكون الإعلان، إعلان الرجل عن زينته وجماله للمرأة، بل وإعلان للمرأة وزينتها وجمالها للناس «البس يعجب مراتك، ولبس مراتك تعجب الناس» (٢٢٨)، زينة الرجل لامرأته في مقابل ما يوحي به الشرع من زينة المرأة لبعلها، وزينة المرأة للناس في مقابل ما يقرره الشرع أو العادة من الحجاب.

لذلك وجب على الرجل رعايتها واحترامها وتقديرها أمام الناس، وعدم الإضرار بها أو نفي شخصيتها وإرضاؤها وحمايتها من الغرباء مثل «اللي يقول لمراته يا عورة، تلعب بها الناس الكورة.» (٥٠١)، فمن لا يحترم زوجته لا يحترمها الناس، والاحترام في المنزل شرط الاحترام في المجتمع وأيضًا: «اللي يقول لمراته يا هانم، يقابلوها على السلالم.» (٥٠٢)، فإذا احترم الرجل امرأته احترمها الناس، وأيضًا «إن كان الرجل غول، مايكلش مراته.» (٦٣٣) نظرًا للحب المتبادل بينهما وإثباتًا لشخصيتهما، من أجل التكافؤ بين الطرفين، والضرر الواقع على المرأة هو في نفس الوقت ضرر واقع على الرجل «قال جاتك داهية يا مرة، قالت على راسك يا راجل.» (٢١٤٩)؛ فالرجل والمرأة متساويان في المنافع والأضرار، ويحرص كلٌّ منهما على الآخر في السراء والضراء، بل إن موطن الرجل وسكنه هو موطن امرأته وسكنها «قالوا يا جحا فين بلدك قال اللي مراتي فيها.» (٢١٩٧)، فنسبة الرجل ليست إلى بلده بل إلى بلد امرأته، ولا يأخذ الرجل امرأته إلا إلى ما يُعرف من بلاد حتى لا يخاطر بها «مرتك ماتزورهاش في البلد اللي ما تعرفهاش.» (٢٧٢٢).

ومصير المرأة هو الزواج، المرأة هي أساسًا زوجة، وهي التي تجعلها أمًّا وحماة وضرة وخليلة؛ لذلك تعلن المرأة عن نفسها، فالزواج حقها «تقعد تحت الحينية، وتقول يامه مالوش نية.» (٩٠٠)، ويمكن أن يكون ذلك مثلًا على الحياء والتظاهر بغير الحقيقة، وكذلك نفس الشيء بالنسبة للرجل؛ فمصيره المرأة، وحياة العازب حياة جحيم، يتمنى الزواج بقلبه إن استعصت الظروف، ويتوق لسماع الحديث عن الزواج ويستعيذ به تعويضًا له عما يفقده «اركب حمارة العازب وقدته.» (١٠٧)، ويتضمن المثل صورة الركوب، ركوب الحمارة بدلًا من مباشرة المرأة، أما العانس فلا مكان لها إلا بيت الأب ما دامت لا تخرج منه إلى بيت الزوج «البايرة أولى ببيت أبوها» (٧٤٢)، وليس في الطريق.

لذلك تحرص المرأة على مكانتها كزوجة، فلا بديل عن الزوج عند الأب، يحضر الأب في غياب الزوج، ويحضر الزوج حتى ولو حضر الأب، والعيش مع الزوج حتى ولو كانت حياة جهنم خير من العيش مع الأب حتى ولو كانت حياة جنة «جهنم جوزي، ولا جنة أبويا.» (٩٧٦)، وفي صيغة أخرى «نار جوزي، ولا جنة أبويا» (٢٩٢٠)، فلا غناء عن الرجل، وإذا كان على المرأة أن تستظل بما يحميها فالأفضل «ضل راجل ولا ضل حيطة» (١٧٦٩)، وعلى المرأة أن تصبر على الرجل حتى ولو أساء الرجل معاملتها، فليس لها إلا هو حتى يعمر بيتها «حرة صبرت في بيتها عمرت.» (١٠٤٩)، وحتى لا تخرب بيتها بأيديها، فأذى الرجل طارئ وليس دائمًا، والمهم لها الرجل في حد ذاته وليس بالضرورة غناه أو مكانته أو قدره، فالرجل في النهاية هو الرجل «أقل الرجال يغني النساء.» (١٩٥)، فالزواج إذن هو مصير المرأة وأن تصبح زوجة حتى يخلو البال ويتغير الحال «لا اتجوزت، ولا خلي بالي، ولا أنا فضلت على حالي.» (٢٤٦٨).

وتتعرض عديد من الأمثلة لكيفية اختيار الزوجة، لجسدها وجمالها أو لحسبها ونسبها، وما هي مواصفات الرجل وشروطه أيضًا، غناه وماله أو قدرته ورجولته؟ قد يكون اختيار الزوجة لبدانتها «الراجل زي الجزار ما يحبش إلا السمينة.» (١٢٧٠)، طبقًا لمقاييس الجمال العربي الموروث، وتشبيه المرأة بالظبية، وبهذا المعنى تتساوى النساء، فلكل امرأة جسدها الذي يعشقه الرجل «العاقلة والمجنونة عن الرجل بالمونة.» (١٨٤٦)، المرأة كائن بيولوجي حي، جسد يطعم ويلتذ، والقطط بالليل كلها سوداء، وقد يذهب من يخطب امرأة لآخر ثم يخطبها لنفسه لأنها أعجبته «راح يخطبها له اجوزها.» (١٢٧٩)، بعيدًا عن أخلاق الأثرة والغيرية وتحقيقًا لإطلاق الإيثار والأنانية، أما من جانب الرجل فإنه قد يظن أن المال يجعله قادرًا على حب بنت السلطان، «بفلوسك، بنت السلطان عروسك.» (٨٠٥)، ولكن المال له حدود، والطبقات الاجتماعية لا يمكن اختراقها «لو كان الحب بالخاطر، كنت حبيت بنت السلطان.» (٢٥٥٢)، ويبدو تناقض المثلين لصحة كل منهما في موقفه الخاص، وتعبيره عن حالتين واقعتين وإن كانت متضادتين، فالحياة ميدان التضاد.

وبالرغم من هذه الصورة الإيجابية للمرأة كزوجة تبدو بعض الصور السلبية الأخرى ضد الزواج وتفضيل العزوبية من جانب الرجل، فقد تكون حاجة الزوجة إلى رجل أكثر من حاجة الرجل إلى زوجة؛ لذلك قيل «امشي في جنازة، ولا تمشي في جوازة.» (٥٣٤)، وكأن الزواج أكثر رهبة من الموت وذلك لصعوبة المصالحة بين الطرفين، ويكون النقد هنا ضد الزواج كمؤسسة اجتماعية وليس ضد المرأة في حد ذاتها أو ضد الرجل من حيث هو الرجل، وأيضًا «العزوبية، ولا الجوازة المرة.» (١٨٩٤)، كما قال كيركجارد فيما بعد «أفضل الشنق على الزواج التعيس.» وفي هذه الحالة السلبية قد يتسلط الرجل؛ لأنه يلغي المؤسسة، ويرفض المشاركة، وينفي وجود الآخر نفسيًّا مثل «الراجل ابن الراجل، اللي عمره ما يشاور مراته.» (١٢٦٩)، وتقابل النساء الرفض بالرفض، والعبودية للرجل بالرغبة في التحرر منه «إيه يحرر النساء، قال بعد الرجال عنهم.» (٧٢٨)، وهو تناقض آخر بين حياة الزوجية وحياة العزوبية عند الطرفين.

ونظرًا لأهمية المرأة كزوجة في عشرات الأمثلة العامية إلا أن المرأة المطلقة تكاد تغيب؛ فالزواج أبدي، لدرجة أن الطلاق يؤخذ وكأنه مجرد علامة على سلطة الرجل المزيفة، وكل من يريد أن يستأسد أو يظهر سلطة ليست له «بقى للشخرم مخرم، وبقى للقرد زناق، وبقى له مرة يحلف عليها بالطلاق.» (٨١٢)؛ فالطلاق من جانب الرجل وسيلة لإثبات الرجولة المفتعلة، ورفع الوضيع إلى درجة أعلى، كما يدين المثل العامي «التعليق» كما أدانه الشرح «زي الحرمة المفارقة، لا هي مطلقة ولا هي معلقة.» (١٤٠٨)، وهي المرأة التي تهجر زوجها فلا هي مطلقة ولا هي قد علَّقها زوجها، وقد قرر الشرع «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.» كما نهى عن النشوز أي عصيان المرأة للرجل، والتعليق، هجر الرجل للمرأة «ولا تذروها كالمعلقة».

(٤) الضرة والخليلة

ونظرًا لوجود تعدُّد الزوجات كموروثٍ شعبي أقرَّه الشرع في حدودٍ وبشروطٍ، فقد عبَّرت بعض الأمثال العامية عن صورة المرأة كضرة، وهي في الغالب من طرف الزوجة الأولى التي تدافع عن وضعها ومكانتها وحقها ضد الزوجة الثانية، فالضرة هي الزوجة الثانية وليست الأولى؛ الحبيب الأول،٦ كما تعبر بعض الأمثال الأخرى عن فضل الضرة على الزوجة الأولى وتحميسها لها للتجمل والتزين من أجل الدخول في مناقشة مع الغريم الجديد حفاظًا على الرجل، والرجل هو السعيد في كلتا الحالتين «جوز الاثنين عريس كل ليلة.» (٩٨٥)؛ فكلتاهما تتباريان في إرضائه، وتتنافسان في خطب وده، وإدخال السرور والبهجة عليه، وأيضًا «الضرة تعدل القصبة.» (١٢٢٣)، أي تجعل الزوجة الأولى متجملة تعدل لباسها وتحسن وضع زينتها، أما الرجل الذي يتزوج اثنتين فهو إما قادر وإما فاجر «اللي يتجوز اتنين يا قادر يا فاجر.» (٤٣٨)، فهو إما قادر جنسيًّا وماليًّا وعاطفيًّا على التوفيق بينهما وإما يكون فاجرًا ظالمًا؛ فتعدد الزوجات مشروط بالعدل كما أقر الشرع، والعدل هو القدرة العامة التي تشمل الإنفاق، والإشباع والرعاية المتساوية.

ومع ذلك هناك عدة أمثال عامية على لسان الزوجة الأولى تبين مضار الضرة وعيوب تعدد الزوجات مثل «تاخدي جوزي واتغيري، ماتخيلي.» (٨٦)؛ فعادة ما تكون الضرة إحدى معارف الزوجة الأولى، قريبة أو صديقة أو جارة التي تتردَّد على المنزل أو يتردد الزوج عليها فيحدث الانسجام، وحسد المرأة الثانية للأولى ورغبتها في الاستيلاء على زوجها، فمصلحتها أولى من مصلحة غيرها، وهنا تصبح الزوجة الأولى «يا واخدة جوز المرة، يا مسخرة.» (٣١٩)، وأحيانًا تشعر أنها لا حيلة لها، مغلوبة على أمرها نظرًا لأنه حق الرجل «يا ميلتي، جاتني ضرتي.» (٣٧١٢)، وأحيانًا يقال مجازًا على تقليد البنت لأمها، ومع ذلك، ورعاية للمؤسسة «الضرة مرة، ولو كانت حلق جرة.» (١٢٢٤)، حتى ولو كانت الضرة أقل قيمة من الزوجة الأولى وحتى لو كان فيها الإشباع الجنسي والعاطفي للرجل وري لظمئه، ومهما حاول الزوج العدل بينهما فإن العداوة بين الاثنتين تظل قائمة في الصدور «الضرة ما تحب لضرتها إلا المصيبة وقطع جرتها.» (١٢٢٣).

وهناك صورة المرأة الخليلة وهي صورة إيجابية على عكس صورة الضرة السلبية أو صورة المطلقة؛ فالمرأة تريد الجنس بصرف النظر عن صورته الشرعية، ولا فرق في إشباعها بين رجل ورجل، بين رجل من الترك ورجل من المغاربة «راحت من الغُز هاربة قابلوها المغاربة.» (١٢٨٢)، والجنس من أقوى الدوافع لديها حتى ولو ذهبت لأخذ الثأر من قاتل أبيها فقد تعود حاملًا منه وكما صوَّر طه حسين في دعاء الكروان، التي ذهبت للانتقام لأختها فعادت مكتوية بنار الحب «راحت تاخد بتار أبوها رجعت حبلة.» (١٢٨١)، والرجل أيضًا يريد الجنس بصرف النظر عن الصورة الشرعية له، وهو ما يُعرف باسم الخيانة الزوجية، فالرجل لا أمان له «يا مآمنة للرجال يا مآمنة للمية في الغربال.» (٣٠٩٥)، وقد تشعر المرأة بذلك، بعلاقات زوجها مع غيرها، فتدفعها الغيرة إلى المعاملة بالمثل انتقامًا منه في نفسها «زاني ما يآمن على مراته.» (١٣٣٦)؛ فالطبيعة البشرية واحدة، والأسباب التي قد تدفع الرجل إلى اتخاذ الخليلة قد تدفع المرأة أيضًا إلى اتخاذ الخليل.

وقد تكفي هذه الأسباب في غياب الحب بين الزوجين، حب الرجل لزوجته «اللي تتغير محبته تتغير مخدته.» (٢٥٣)، وقد يكون السبب من جانب المرأة ضعف شخصية الرجل فيشدها رجل آخر قوي الشخصية «جوزي ما حكمني، دار عشيقي وراي بالنبوت.» (٩٨٨)؛ فالمرأة لا تحب إلا الزوج «الحمش»، وقد يشعر الرجل بالملل من الحياة الزوجية وبطول الألفة والتكرار وتعرضه للإغراءات الوقتية في مجال العمل أو الحياة العامة «ألف رفيقة ولا لزيقة.» (٢٣٤)، وهو ما يعارض الشرع الذي يفضل شكل الارتباط على جوهره ودوافعه.

(٥) الأم

والصورة التالية في الأهمية بعد الزوجة هي صورة الأم؛ فالحمل طبيعي في مرحلة الشباب ويستحيل في مرحلة الشيخوخة «جابوا الخبر من أبو زعبل إن العجائز تحبل.» (٩٢٢)، فحمل العجائز نموذج الخبر الكاذب، وتبدأ صورة الأم بالتي تعد ابنتها للعرس أي للأمومة، فتكون يوم العرس لا شأن لها بإتمام الزفاف ومع ذلك مشغولة في استقبال المهنئين حتى أصبحت مثلًا بالخالي المشغول «زي أم العروسة فاضية ومشبوكة.» (١٣٧١).

وتحن الأم على أولادها، قد تغضب منهم وتدعو عليهم ولكنها تكره أن يؤمن على دعواتها الآخرون؛ لأنها دعوات باللسان وليست من القلب وقد يكون الآخرون أعداء يتمنون وقوع الدعوات من القلب «ادعي على ولدي واكره من يقول آمين.» (٨٩)، غضب الأم على أولادها مقرون بالرحمة والشفقة، مجرد تعبير وقتي لا وجود له في الواقع.

والأم هي أقدر البشر على فهم لغة أبنائها سواء منذ مرحلة الصياح الأولى حتى مرحلة التمرد الأخير «أم الأخرس تعرف بُلغى ابنها.» (٥٢٠)، وهي قادرة حتى على معرفة لغة ابنها الأخرس بالإشارة والرمز نظرًا للعلاقة القلبية الوطيدة بين الأم وأبنائها، وأيضًا «أم الأعمى أخبر رقاده.» (٥٢١)، فصلة الرحم أداة للتفاهم ووسيلة للتواصل بين الأم وأولادها.

وقد تلد الأم من هو أفضل منها ذكاء «أم بربور تجيب الشاب الغندور.» (٥٢٢)؛ فالإرث نحو الأفضل وليس فقط بالمطابقة والمساواة لكن تظل الطبقة لا تتغير بين الأم وأولادها مثل «أمه عياشة وعامل باشا.» (٥٣٧)؛ فالطبقة هي التي تحدد قيمة الأم وأولادها وخروج الأبناء عن طبقة الآباء رذيلة مستهجنة.

ولما كانت الأم ليست بمفردها في علاقتها بالأبناء يدخل الأب في الصورة معها في علاقة عكسية: حنان الأم وقسوة الأب مثل «الأم تعشعش، والأب يطفش.» (٥٢٣)، فالأم تدرك قيمة حياة الأسرة أكثر من الأب، وهي المسئولة عن الجماعة والترابط والتراحم داخل الأسرة، الأم شعور جمعي، والأب شعور فردي، ولو ساءت علاقة الأم مع الأب فإنها تعود إلى الأولاد «أم القعود في البيت تعود.» (٥٢٥)، ويصبح الأولاد دعامة الأسرة، يتحوَّل الفرع إلى أصل، والأصل إلى فرع، بل إذا فشل زواج البنت فإنها تعود إلى بيت الأم «جوزتها تتاخر راحت وجابت لاخر.» (٩٩٤)، وبدلًا من أن يخف حملها بواحدة يزيد باثنين، هي وزوجها، أو بأربعة هي وزوجها وولديها «جوزت بنتي اقعد في دارها جاتني وأربعة وراها.» فالأم تود أن تعيش في منزل ابنتها الأرحب والأوسع والأكثر راحة؛ فزوج البنت بمثابة الزوج الثاني للأم وربما الزوج الأول في حالة كبر السن.

وقد يكون سر الأم مع البنت أكثر من سرها مع زوجها، وقد يكون سر البنت مع الأم أكثر من سرها مع زوجها، ولكن يفشل الزواج وتعود البنت وأولادها إلى حضن الأم، وتضيق سبل الحياة بالرجل فيعود مع زوجته وأولاده إلى بيت الأم التي تحنُّ على البنت وأحفادها أفضل من أن يعود إلى بيت الأب الذي يعتبر امرأة ابنته وأحفاده غرباء عنه.

وتنعكس علاقة الأم والأب على الأبناء في وحدة عضوية هي الأسرة، فإذا عشق الأب غير الأم، وغارت الأم، تحتار البنت أي صف تأخذ؟ «الأب عاشق، والأم غيرانة، والبنت في البيت حيرانة» (٢٠)، وإذا كان الأب والأم غير محمودي السيرة يكون الأبناء مثلهما، فالإناء ينضح بما علق «أبوك البصل، وأمك التوم، منين لك الريحة الطيبة يا مشوم.» (٤١)، وهما اللذان يحسنان التربية مثل الترك مما يدل على صورة التركي في الحزم والشدة «لولا أمك وأبوك لأقول الغُز ربوك» (٢٥٦١)، ويرمز إلى حسن التربية ببياض الوجه وسوئها بسواد الوجه، والأتراك بيض الوجوه حسنو التربية.

(٦) البنت والأخت

وكما توجد صورة الأم توجد صورة البنت والابن ولكن صورة البنت أكثر مما يدل على ارتباط الأم بالبنت، والبنت بالأم وربما أكثر من ارتباط الأب بالبنت أو البنت بالأب أو الأب بالابن أو الابن بالأب، وأكثر الأمثال في علاقة البنت بالأم ومدى القرب بينهما لدرجة الوراثة في الأخلاق والسلوك والعادات؛ فالبنت نسخة من الأم طبق الأصل «اكفي القدرة على فمها، البنت تطلع لامها.» (٢٠٨)، تنشأ البنت على ما تنشئها عليه الأم؛ وأيضًا «بنت الحراتة تطلع دراسة.» (٨٢٩)، والأم تحرث الأرض والبنت تدرس الغلال، وكلتاهما تعملان بالزراعة، وأيضًا «بنت الفارة حفارة.» (٨٣٢)، الأم تعترض كالفار والابنة تحفر مثله، وقد ينطبق المثل أيضًا على الابن والأب مثل «ابن الوز عوام.» وقد تأخذ العمة مكان الأم، أي الأم من جهة الأب، ليس أم الأب بل أخت الأب التي تربَّت مثله على نفس الأم، وتكون المشابهة بين البنت والعمة «البنت لعمتها.» (٨٣٣)، ويُعمم المثل على الابن في «الولد لخاله.» من ناحية أخي الأم على التبادل مع أخت الأب، العمة بالنسبة للبنت.

ومصير البنت كمصير الأم، الزواج، وإخلاء المكان وشغر مكان آخر «البنات مربطهن خالي.» (٨٢٧)، والأفضل الانتقال إلى مكان قريب حتى يسهل نداؤها وقت الحاجة إليها «جوزها بديك، وناديها تجيك.» (٩٩٥)، فقرب المكان أحد شروط السكن الجديد حتى ولو كان الزوج فقيرًا، مما يجعل كثيرًا من الأسر المصرية تتردد الآن في زواج بناتها من المهاجرين عبر البحار والمحيطات، ويعم الحزن الفرح، ويطغى صوت البكاء على الزغاريد، وزواج البنت مقدم على زواج الابن، وتأخير زواج البنت قبيح في حين أن تأخير زواج الابن لا ضرر منه «اخطب لبنتك قبل ما تخطب لابنك.» (٨٣)، فالبنت تعنس مبكرًا والابن لا يعنس إلا متأخرًا.

والبنت أيضًا مثل الأم بنت طبقتها الاجتماعية مثل «بنت الأكابر غالية ولا تكون جارية.» (٧٢٨)، فالسيد لا يكون عبدًا، ويسهل تلبية حاجات البنت الغنية مثل «بنت السايغ اشتهت على أبوها مزتقة (قلادة).» (٨٣١)، وهو أمر ميسور، وقد يعمم المثل على الابن مع الأب في «ابن السايغ اشتهى على أبوه خاتم».

والأم ولادة، وطالما أن هناك ولادة، فلا يوجد شاطر على الأرض لأن المستقبل أكثر غنًى من الماضي والحاضر، والإمكان أكثر ثراء وغنى من الواقع «طول ما الولَّادة بتولد ما على الدنيا شاطر.» (١٨١٥).

ومع ذلك قد يحدث بعض عدم الوفاء من البنت تجاه الأم، عندما تحاول أن تقوم بتعليمها فالجيل الجديد أكثر علمًا من الجيل القديم «الحولية علمت أمها الرعية.» (١١٠٦). وفي صيغة أخرى «البدرية علمت أمها الرعية.» (٧٦٧)، وقد يتم تعميم ذلك أيضًا على الابن وعدم وفائه للأم «ياما جاب الغراب لامه.» (٣٠٩٧)؛ وذلك بالتجاهل والإهمال في كبر السن وبعد الاستقلال عنهما في أسرته الجديدة، وقد يُعمم ذلك على الأب أيضًا «اللي ما يعرف أبوه ابن حرام.» من أجل البر بالوالدين، وهو ما يتفق مع وصايا الشرع.

وصورة الأخت أقل تكرارًا من صورة الابنة، ولكنها تظهر في علاقتها بصورة الأخ؛ فسلوك الأخت ينعكس على سلوك الأخ مثل «أخته في الخمارة وعامل أمارة.» (٧٩)، ثم تبرز قيمة الأخ المطلقة؛ إذ يمكن تعويض الزوج بزوج آخر، وتعويض الابن بابن آخر، ولا يمكن تعويض الأخ بأخ آخر «الجوز موجود، والابن مولود، والأخ مفقود.» (٩٨٧).

(٧) الحماة، وامرأة الأب، وزوج الأم

والأمثلة على الكراهية المتبادلة بين الحماة وزوجة الابن أكثر من الأمثلة التي تدل على الكراهية المتبادلة بين الحماة وزوج البنت؛ فحماة البنت تعتبر زوجة الابن قد خطفت ابنها منها، في حين أن حماة الابن سعيدة «بتستيت» ابنتها لها، ففي الحالة الأولى، كراهية الأم لامرأة الابن يقال: «عرق جنب ودنهم ما يحبش مراة ابنهم.» (١٨٨٣)، فكراهية الحماة لامرأة الابن شيء طبيعي في التكوين الفزيولوجي، في عرق وراء الأذن، وهي منطقة حساسة تحفظ التوازن، والحماة نفسها كانت في يوم من الأيام كنة أي زوجة ابن عانت من كراهية حماتها لها، أم زوجها، ولكنها تكيل بمكيالين، إذا كبرت مارست نفس الدور وكرهت زوجة ابنها «قالوا يا حما ما كنتيش كنة، قالت كنت كنة ونسيت.» (٣٢٠٢)، فيتغير السلوك لتغير المواقف.

ومعظم الأمثلة على لسان الزوج ضد حماته وكما هو الحال في بعض الأفلام المصرية الضاحكة التي تسخر من الحماة (ماري منيب) مثل «بيض الفرخة موش لقيه وجوز البنت مش خبية.» (٨٥١)، فمن الطبيعي عدم محبة زوج الابنة لحماته نظرًا لتدخلها في شئونه، وأيضًا «الميه والنار، ولا حماتي في الدار.» فالحرق والغرق أهون من الحماة في المنزل، ومثل «وفري نفسك يا حماتي، ما لي إلا مراتي.» (٣٠٠٨)، فالحماة زائلة والزوجة باقية، جسديًّا ومعنويًّا.

وهناك صورة سلبية أخرى للمرأة باعتبارها امرأة الأب؛ فامرأة الأب بطبيعتها لا تحب أولاد زوجها من زيجاته السابقة سواء كان مطلقًا أم أرملًا «قالوا يا جحا مراة أبوك تحبك، قال هي اتجننت؟» (٢٢٠٠)، على عكس ما يقال من أن البنوة بالتربية وليست بالولادة كما صور برشت والمدرسة الاجتماعية في التربية، وأيضًا «مراة الأب سخطة من الرب» ولعنة على أولاد زوجها، ونادرًا ما يحدث العكس.

أما بالنسبة لزوج الأم فالصورة متناقضة، أحيانًا يخضع الابن لسيده الجديد الذي هو بمثابة أبيه، ويطيعه ولو نفاقًا حتى لا يعاديه «اللي يجوز أمي، أقول له يا عمي.» (٤٣٩)؛ فزوج الأم في منزلة العم، وقد تكون الأم أم الأم أو الجدة وفي هذه الحالة يكون له نفس المنزلة التي للأب «اللي يجوز ستي، أقول له يا سيدي.» (٤٤٠)، ولكن زوج الأم لا يبادله النفاق بالنفاق، فهو الأقوى، لا يهتم بأمر الابن قدر اهتمامه بأمر الأم وهي زوجته الجديدة، فنشأت صورة زوج الأم الذي يهمل شئون الابن من زوجته مثل «حاجة ما تهمك وهي عليها جوز أمك.» (١٠١٠).

(٨) القريبة والجارة

والقريبة والجارة لكل منهما صورتان: إيجابية وسلبية، فالزواج من القريبة فضيلة، ومن هنا نشأ تقليد الزواج من أولاد وبنات العمومة «آخد ابن عمي واتغطى بكمي.» (١)؛ لذلك يُفضل الزواج من الأقرباء حتى ولو كانوا فقراء، وزواج المرأة من ابن عمها حتى ولو لم يكن لديه ما تغطي به نفسها، وأيضًا «نار القريب ولا جنة الغريب.» فالقريب يصون، والغريب يخون.

وليست القريبة فقط هي المطلوبة للزواج بل القريبة حين تزور القريبة بفرح وسرور صلة للرحم «اللي لها طرحة تخشى بفرحة.» (٣٤٠)، ويعم الفرح إذا كانت القريبة للزوجة ومن طرفها، أما إذا كانت القريبة للزوج فإن الفرحة تكون أقل، وقد تكون القريبة رمزًا للعشيرة كلها وللتواصل بين الأرحام «اللي ماتت عشيرته، يا حيرته.» (٣٤١)، ويكون كما هو الحال في التصور الشعبي مقطوعًا من شجرة، وحدانيًّا، ويحاول هذا الوحيد أن يجد بديلًا عن العشيرة في الخيل طبقًا لصورة الحصاة في الذهن الشعبي، الصداقة والوفاء والعرفان بالجميل «ما التقى له عيلة جاب له خيلة.» (٢٥٨٠)، فالخيل بديل عن البشر، وصداقة الحيوان تعويض عن فَقْدها عند الإنسان.

وللقرابة أيضًا صورة سلبية، فتفضل المرأة الغريبة على المرأة القريبة، «بارك الله في المرأة الغريبة والزرعة القريبة.» (٧٢٨)، وهنا تبدو الزراعة القريبة أكثر قيمة من المرأة القريبة، وأيضًا «خد من الزرايب ولا تاخد من القرايب.» أو «الدخان القريب يعمي.» أو «إن كان لك قريب لا تشاركه ولا تناسبه.» فالبعد عن القرايب غنيمة، فكل قريب باسم القرابة وصلة الرحم يريد استغلال قريبه، وباسم القرابة يتدخل الأقرباء في حياة الزوج والزوجة حتى تفسد العلاقة بينهما، وما زالت عادة الريف الزواج من الأقارب بالرغم من عدم تفضيل الشرع ذلك رعاية للصحة وتقوية للنسل، وهو ما يتفق مع علم الطب الحديث، وكثيرًا ما يحاول الأقرباء تحت ستار القرابة، الإيذاء، والإفساد «يا خالتي خلخليني، ودخان بيتك عاميني.» (٣٠٥٤).

أما الجارة فلها صورة إيجابية في مدى مساعدتها للجارة نفعها لها نفسيًّا وبدنيًّا، معنويًّا وماديًّا «لولا جارتي لانفقعت مرارتي.» (٢٥٦٢)، وفي صيغةٍ أخرى «لولاكي يا جارتي كانت طقت مرارتي.» فالجارة كاتمة سر الجدارة والأمينة عليه، وقد تقص عليها ما لا تقصه على زوجها وأولادها، فالجارة أداة تنفيس، وطرف محاور، وناصح أمين.

وفي نفس الوقت للجارة صورة سلبية حين تحسد الجارة «حسدتني يا جارتي على طول رجليه.» (١٠٥٦)، بل إنه الحسد على ما لا يُحسد عليه مثل طول الرجلين الذي هو أقرب إلى القبح منه إلى الجمال، وقد تكون الجارة بذيئة القول، سليطة اللسان كما يبدو ذلك في الأفلام المصرية في الشجار بين الجارة والجارة «الغجرية ست جيرانها.» (٢٠٤٢)، وهي المرأة فتوة الحارة.

(٩) المرأة العاملة

واضح أن صور المرأة في الأمثال العامية: الأنثى، والزوجة، والضرة، والخليلة، والأم، والابنة، والأخت، والحماة، وامرأة الأب، وزوج الأم هي كلها صور للمرأة في المنزل للإنجاب، فأين صورة المرأة العاملة خارج المنزل؟ هناك صورة للمرأة العاملة داخل المنزل مثل الجارية التي تعمل في المطبخ، وفي هذه الحالة ما عليها إلا الطبخ والتكلفة من سيد المنزل، ومقدار ما تطبخه ونوعه متوقف على مقدار التكلفة: «اطبخي يا جارية، كلف يا سيد.» (١٥٠)، وقد يكون المثل على وجه العموم متجاوزًا عمل المرأة كجارية بالمنزل، والجارية لا تخدم إلا السيد، ولا تخدم جارية مثلها «جارية تخدم جارية، قال دي داهية عالية.» (٩٣٣)، وقد يكون للمثل معنى عام وهو التساوي في الخطوط وعدم التساوي في المصير، وصورة الجارية مرتبطة بالمجتمع العربي القديم، وهناك صورة الشحاتة التي مهما اغتنت فإنها تكثر ما تغتني وتظل شحاتة تشحذ من ستها «جوزوا شحاتة تنغني، حطت لقمة في الطاقة وقالت: يا ستي حسنة.» (٩٩٨)؛ فالطبع غلاب، وإذا تزوجت الشحاتة كي تغنى فإنها تظل تشحذ لتعودها على الشحاذة، والشحاذة عمل غير منتج، تسول يعتمد على إحسان الغير.

ويبدو أن ما يمنع المرأة من العمل طبقًا للأمثال العامية هو شيء متعلق بشخصيتها مثل الكيد و«الخيانة»؛ فمن طبيعة المرأة الكيد «كيد النسا غلب كيد الرجال» (٢٤٦٧)، وهو عن الرجال أيضًا ولكنه عند النساء أعظم، وكما يذكر تهكمًا وسخرية أن الكيد أيضًا مذكور في القرآن: إنَّ كَيدَهُنَّ عَظِيمٌ مثال ما فعلته امرأة العزيز مع يوسف، أما صورة «الخايبة» فتجعل المرأة غير صالحة للشيء ولا حتى التدبير للمستقبل مثل «وبقي يا خايبة للغايبة» (١٢١٤)؛ لذلك يدعوها المثل إلى التدبير والتفكير في المستقبل حتى تخرج عن التركيز والإغراق في الحاضر.

إن أقصى ما تستطيع المرأة عمله هو داخل المنزل، الكنس، والطجن، وتربية الطيور، أما العمل المنتج مثل النجارة وباقي الأعمال اليدوية فهي ليست قادرة عليه؛ فالعمل خارج المنزل يحط من قيمة المرأة «اللي تخرج من دارها يتقل مقدارها.» (٢٥٩)، وهو ما يتفق مع الشرع في دعوتها إلى المكوث بالمنزل «وقرن في بيوتكن.» بل إن الكنس داخل المنزل قد تتركه المرأة لخادمة أو الجارية، وتؤجر عمل الآخرين بدلًا من أن تقوم هي بنفسها به «بين للرعنة بيت وهي تكنسه، وإن ما تكنسه تكرى عليه.» (٨٦٥)؛ فالمرأة لأعمال المنزل وهي أقرب إلى الرعونة منها إلى الذكاء، وأقصى ما يصل إليه ذكاؤها هو تأجير الآخرين.

والطحين أيضًا عمل للمرأة داخل المنزل، وقد تتنازل عنه وتؤجر من يقوم به أو تذهب هي لتطحن عند الآخرين «قالوا يا جحا فين مراتك؟ قال: بتطحن بالكرا. وطحينك؟ قال: كريت عليه! قالوا: كنت خلي مراتك تطحنه.» (٢١٩٨)، وهو مثال على خلط الأمور واضطرابها وسوء التدبير، تعمل المرأة كأجير لتطحن عند الآخرين ثم تؤجر من يطحن له طحينها، فما تكسبه من طحنها تدفعه أجر من يطحن لها، فلا هي وبرت منزلها ولا هي كسبت رزقها، فإذا ما ربت المرأة العجول فإن هذه العجول لن تكون قادرة على الحرث لعدم حسن المرأة التربية «عمر النسا ما تربي عجل ويحرت.» (١٩٦١).

وأخيرًا لا تستطيع المرأة أن تتعلم أية حرفة مثل النجارة لما بها من نقر بالقادوم و«الشاكوش» ونشارة بالمنشار «لولا النقر والنشارة، كانت النسوان اتعلمت النجارة.» (٢٥٧١)، فالمرأة لا تقدر على الأعمال الدقيقة أو الصاخبة كما هو الحال في المصانع.٧

هذه هي صورة المرأة المتعددة في الأمثال العامية المصرية، وربما تعبر عن أوضاع المرأة في المجتمعات التقليدية القديمة، وما زالت مؤثرة كثقافة شعبية في المجتمعات المعاصرة تعوق حركات التغير الاجتماعي باسم الحداثة المنقولة دون أن تبدأ بإعادة بناء الثقافة الشعبية كما جسدتها الأمثال العامية، وإن إفراز المجتمعات المعاصرة أمثالًا عامية جديدة تعبر عن صورة المرأة الجديدة وأوضاعها الحالية، وفي مقدمتها المرأة العاملة لتحتاج إلى وقت طويل لإبداعها ثم لاختزانها في الذاكرة الجمعية ثم لنقلها وروايتها عبر الأجيال، ثم لتأثيرها في سلوك الناس، فتتفاعل مع الأمثال العامية القديمة وتتغلب عليها وتزيحها، ما دامت المجمعات المعاصرة ما زالت تراثية تستشهد بالنصوص كمصدر سلطة وتشريع.

١  مشروع بحث «التراث والثقافة الشعبية والتطور الاجتماعي»، مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، القاهرة، ٢٠٠٢.
٢  وقد قمنا بمحاولتين سابقتين في هذا الاتجاه؛ الأولى: «الفلاح في الأمثال العامية»؛ والثانية: «التفكير الديني وازدواجية الشخصية» في «قضايا معاصرة»، ج١، في فكرنا المعاصر، دار الفكر العربي، القاهرة، ١٩٧٦، ص١١١-١٢٧، ص٢٦٩–٢٨٠.
٣  بعض هذه الأمثال العامية مثل:
• بنت الدار عورة. (٨٣٠)
• اتغندري وقولي مقدري. (٥٨)
• اللي تحبل بالليل تولد بالنهار. (٢٥٥)
• اللي في بال أم الخير تحلم به بالليل. (٣١٨)
• اللي فيه عيشه تاخده أم الخير. (٣٢٥)
• اللي يجوز أمي أقول له يا عمي. (٤٣٩)
• اللي يجوز ستي أقول له يا سيدي. (٤٤٠)
• اللي يستحي من بنت عمه ما يجبش منها غلام. (٤٦٦)
• أم قويق عملت شاعرة في السنين الواعرة. (٥٢٦)
• بعد ما كان سيدها يطبل في عرسها. (٧٩٨)
• جابوا العامية ترد الرمية. (٩٢٣)
الرقم بين القوسين هو رقم المثل العامي في مجموعة أحمد تيمور باشا، الأمثال العامية مشروحة ومرتبة على الحرف الأول من المثل، الطبعة الثانية، دار الكتاب العربي، مصر، ١٩٥٦، وقد اقتصرنا على هذه المجموعة دون غيرها كعينة ممثلة للأمثال العامية دون إحصاء شامل لها وإعطاء كل الصور الممكنة عن المرأة في الأمثال العامية.
٤  وذلك مثل: يموت الزمار وصباعه بيلعب، في مقابل: تموت الرقاصة ووسطها يلعب (٩٠٩)، أو تموت الغازية وصباعها يرقص (٩١٠).
٥  بالرغم من أن اللفظ العربي الصحيح هو «الزوج» للمرأة والرجل على حدٍّ سواء، ولكن تم تأنيثه في اللغة المتداولة للإشارة إلى المرأة واستبقاء اللفظ الصحيح للرجل.
٦  يكتبها أحمد تيمور باشا بالدال «الدُّرة» وهي أقرب إلى الضاد «الضرة».
٧  مثل هذه الأمثال العامية السلبية وما يقابلها من أحاديث موضوعة تسميها فاطمة المرنيسي Misogenique أي الأقوال المعادية للمرأة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤