الدور الحضاري الإسلامي الآسيوي

التشابه والاختلاف بين الإسلام والحضارات الآسيوية

أولًا: الإسلام دين آسيوي

  • (١)

    يظن الناس خطأً أن الإسلام انتشر غربًا نحو المغرب العربي ابتداءً من فتح مصر حتى الأندلس وفتح المستعمرات الرومانية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط بشاطئيه الشمالي الأوروبي والجنوبي الأفريقي؛ نظرًا لطول علاقة قلب العالم الإسلامي بالغرب منذ الحروب الصليبية حتى الاستعمار الغربي الحديث ومنذ حضور الثقافة اليونانية وانتشارها على نطاق واسع في الثقافة الإسلامية حتى إنهما يعتبران ثقافة واحدة نظرًا لاتحاد العقل والنقل، أساليب القرآن ومنطق اليونان.

  • (٢)

    والحقيقة أن الإسلام انتشر شرقًا قدر امتداده غربًا وفُتحت فارس أثناء ولاية الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وفُتحت أواسط آسيا أثناء ولاية الخليفة الثالث عثمان بن عفان، واستشهد عديد من الصحابة هناك مثل قثم بن عباس حتى تحولت سير الصحابة إلى دين شعبي جديد، وبلغ عشق السنة أن تم جمعها وتدوينها في بخارى وترمذ، وقد ساعدت السهولة الممتدة من فارس شمالًا ومن العراق شرقًا وعبر المحيط من عمان والهند شرقًا حتى الصين على هذا الانتشار.

  • (٣)

    وإذا كان الإسلام قد ارتبط بالثقافات العربية واليونانية والفارسية والهندية كما ارتبط بالديانات السابقة عليه، اليهودية والمسيحية كذلك ارتبطت الحضارات الآسيوية بدياناتها الرئيسية؛ الهندوكية، والبوذية، والشامانية، والزن، والكنفوشيوسية والطاوية والشنتوية في الهند والصين واليابان، فلا فرق بين الدين والثقافة والحضارة والمدنية والقوانين الاجتماعية والنظم السياسية والعادات والأعراف والتقاليد الشعبية.

ثانيًا: أوجه التشابه بين الإسلام والحضارات الآسيوية

  • (١)

    إذا كانت عقيدة التوحيد هي جوهر الإسلام، توحيد الطاقات البشرية الداخلية والخارجية، الوجدان والفكر والقول والعمل، وتوحيد الأسرة، النواة الأولى للمجتمع في صورة القوامة، وتوحيد المجتمع في التكافل الاجتماعي، وتوحيد البشرية تحت شعار «لا إله إلا الله» فإن ديانات آسيا كلها ديانات توحيد، توحيد الإنسان مع نفسه بالسيطرة على الأهواء والانفعالات، وتوحيد الإنسان مع الطبيعة، روح بوذا واحدة، الإسلام والديانات الآسيوية كلاهما دين اللانهائية على امتداد الصحراء العربية الكبرى أو سهول آسيا الوسطى.

  • (٢)
    الإسلام دين أخلاقي، يعتبر العمل الصالح جوهر الإيمان، والرسول قدوة في السلوك الأخلاقي: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ وغاية الإنسان الوصول إلى الكمال الخلقي، والديانات الآسيوية أيضًا تقوم على هذا الدافع الأخلاقي بسيطرة الإنسان على الانفعالات والعواطف والأهواء والرغبات والميول والغرائز؛ لذلك أنزل كونفوشيوس الدين الصيني في «كتاب التغيرات» من السماء إلى الأرض.
  • (٣)

    الإسلام دين اجتماعي يقوم على الترابط الاجتماعي في الأسرة والمجتمع، صلاة الجماعة، وصوم رمضان والزكاة، والحج، إحساسًا بالجماعة، اجتماعيًّا وسياسيًّا، ويحرم الاستغلال والاحتكار، الملكية وظيفة اجتماعية، والمجتمع الواحد وحدة عضوية واحدة كالبدن الواحد، وفي الحضارات الآسيوية بالرغم من أهمية الكمال الفردي إلا أنه عضو في جماعة، فالكونفشيوسية ما هي إلا مجموعةٌ من العلاقات الاجتماعية بين الفرد وأسرته، الأب والأم والأخ والأخت، وبين الفرد وجيرانه وأصدقائه، وبين الفرد والدولة، وحياة الرهبان في الهندوكية نموذج الحياة الروحية الاجتماعية، الإسلام نظام اجتماعي سياسي، وكذلك الديانات الآسيوية لا تفصل بين الحياة الخاصة والحياة العامة.

  • (٤)

    المرأة في الإسلام لها حضورها الفعلي حتى ولو لم تكن مساوية للرجل كلية في مواضيع الميراث والشهادة والإمامة الكبرى والقضاء، هي جزء من حياة المجتمع كما كانت زوجات الرسول في حياته وحياة المؤمنين، وفي الحضارات الآسيوية المرأة في آسيا تشارك في الحياة العامة، هي رمز المواطنة بزيها الوطني، ومع ذلك تخضع للقوامة.

  • (٥)
    الفن الإسلامي بالأصالة هو فن الزخرفة عن طريق الأشكال الرياضية المتكاثرة تجاورًا أو تداخلًا أو الحروف والخطوط العربية وفن اللانهائي ضد التصاوير، فن النهائي، وفي آسيا خاصة أوزبكستان، فن الزخرفة فنٌّ أصيل هو الذي أصبح فيما بعد الأرابيسك Arabèsque، الروح واحدة، النسق، والنظام والجمال في الرؤية اللانهائية، والانسجام والتآلف في تجاور الأشكال الرياضية.

ثالثًا: أوجه الاختلاف بين الإسلام والحضارات الآسيوية

  • (١)
    إذا كانت عقيدة التوحيد هي جوهر الإسلام فإن الاختلاف فيها واقع، التوحيد في الإسلام De Jure، والاختلاف De Facto، اختلاف الألسنة والألوان والشعوب والأقوام والقبائل، كما أن التعددية في الديانات الآسيوية فكرٌ ودافع، عقيدةٌ وشريعة، مبدأٌ وتعين. الآلهة، ومظاهر الطبيعة، والطبقات، والطوائف متعددة تسير وفقًا لقانون التنوع والاختلاف؛ لذلك نشأ الصراع بين المسلمين والهندوس، يريد المسلمون توحيد العقائد والناس والرؤى والشرائع، ويريد الهندوس إبقاء الطبيعة على حالها دون التبشير وإخراج الشيء عن مساره الطبيعي، الوحدة في الإسلام أصلٌ والاختلاف فرع، والاختلاف في الحضارات الآسيوية أصلٌ والوحدة فرع، الإسلام للفتح والجهاد وثقافات آسيا تتعايش فيما بينها دون أن تكون إحداها حقًّا والأخرى باطلًا.
  • (٢)

    الله في الإسلام مفارق للعالم وخالق له وباعث له بعد فنائه ومحاسب للإنسان بعد الموت طبقًا لقانون الاستحقاق؛ فالجزاء طبقًا للأعمال، ثواب أم عقاب. والنفس الفردية محاسبة ومسئولة عن أفعالها؛ فالعقل قادرٌ على التمييز بين الحسن والقبيح، والإرادة قادرة على الاختيار الحر، وفي الديانات الآسيوية لا يوجد إلهٌ خارج العالم، خالق وباعث له بعد فناء، يحاسب الناس. الله روح العالم والحساب والعقاب في الدنيا وليس في الآخرة، وتعود الروح إلى الدنيا في بدن خسيس عقابًا لها أو في بدن حسن ثوابًا لها. الأرواح واحدةٌ تتناسخ في دورةٍ بين الحياة والموت.

  • (٣)

    الإسلام دينٌ واضح وبسيط، خالٍ من التعقيدات، يقوم على العقل والبرهان؛ فالعقل أساس النقل عند المعتزلة، ومن قدح في العقل فقد قدح في النقل، وموافقة صحيح المنقول لصريح المعقول عند ابن تيمية، والبرهان منطق الفلاسفة الذين يوحدون بين الدين والفلسفة في حين يغلب على ديانات آسيا الأسطورة وبعض وسائل السحر وقراءة الطالع. وتصل الأسطورة إلى حد الخرافة. وإذا كان من ضمن الوضوح والبساطة الطهارةُ والنظافةُ فإن بعض الديانات الآسيوية خاصة في المعابد لا تراعي النظافة.

  • (٤)

    لا توجد سلطةٌ دينية في الإسلام منعًا للوساطة بين الحق والخلق بعد الاستفادة من تجارب أهل الكتاب، وأخذ الأحبار والرهبان أولياء من دون الله، ليس به كنيسةٌ صاحبة سلطة على المؤمنين في تقنين العقائد أو تفسير الكتاب، والعلماء ليسوا رجال دين أو كهنوت بل هم المتفقهون فيه العالمون به، في حين يوجد رهبان للهندوكية والبوذية ورجال دين في الكونفوشية والبوذية والشنتوية، وقد كانوا أحيانًا هم الحكام أو يشاركون الحكام في سلطاتهم؛ لذلك يدين الإسلام نظام الرهبنة ويدافع عن العمل في الحياة الدنيا طريقًا إلى الآخرة.

  • (٥)

    ولاء المسلم للأمة أي لجماعة المسلمين، والأقطار والأوطان أجزاء من الأمة، وحدة الأمة صورة من وحدة الإله، الهوية الإسلامية لا تنبع من الحدود الجغرافية بل من القيمة، الإيمان والعمل الصالح، وفي نفس الوقت تخرج منه الحركات الوطنية الاستقلالية باسم الدفاع عن الوطن؛ فحب الوطن من الإيمان. وديانات آسيا الغالب عليها الديانات الوطنية والقومية، الهندوكية الدين الوطني للهند، والشنتوية الدين الوطني لليابان، والكونفوشيوسية الدين الوطني للصين؛ لذلك أتى الإسلام الآسيوي إسلامًا وطنيًّا يُدافع عن الاستقلال الوطني للشعوب مثل المسلمين في الفلبين.

إن التشابُهَ والاختلافَ بين الإسلام والحضارات الآسيوية لا يعتمد فقط على تاريخ الأديان المقارن كوحدات مستقلة خارج المجتمع والتاريخ بل هو رصد لأوجه التشابه والاختلاف في الممارسات الاجتماعية وتأصيلها على نحوٍ نظري، ويمكن إعطاء مزيدٍ من الشواهد الاجتماعية والسياسية والتاريخية على هذا التقابل إيجابًا أم سلبًا مع دراساتٍ لعديدٍ من الحالات، ليس الإسلام الآسيوي هو صاحب خصوصية فريدة فقط بل الإسلام الأفريقي والإسلام العربي بل والإسلام الأوروبي الأمريكي أيضًا، وما أسهل بعد ذلك من إعطاء الأمثلة من مندناو وسنكيانج وكشمير وبورما وتايلاند والهند والفلبين على هذا التقابل، فالتقرير الكمي لا يقلُّ أهميةً عن الوصف الكيفي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤