معركة مع الأخطبوط

توقَّف «فهد» بسرعة، والتفت إلى «أحمد» الذي كان يرى اندفاع سمكة القرش في اتجاههم. تحدَّث «أحمد» بلغة الإشارة منذ أصبحوا في قاع المحيط، قال «أحمد»: رائحة الدم.

بسرعةٍ أخرج «قيس» أنبوبةً صغيرة، فتحها بسرعةٍ ثم ضغط عليها، انساب منها لونٌ أحمر أخذ ينتشر في الماء، في حين استمر الشياطين في تقدمهم، أما سمكة القرش فقد اندفعَت في سرعةٍ كبيرة، في اتجاه اللون الأحمر.

مرةً أخرى قال «أحمد»: أظن أنها سوف تعود.

أضاف «خالد»: أخشى أن نكون قد دخلنا مزرعةً لأسماك القرش، يُربِّيها «شون كوماكي» لتَحرُس الجزيرة، فيضمن ألا يدخلها أحد!

ردَّ «أحمد» بلغة الإشارة أيضًا: ربما، وهذه مسألةٌ يستخدمها رجال العصابات كثيرًا … وأظن أننا تعاملنا مع إحدى مزارع القرش في واحدة من مغامراتنا السابقة.

استمرَّ الشياطين في تقدُّمهم، لكنهم كانوا يتقدَّمون في حذر؛ فقد كانوا في انتظار عودة سمكة القرش من جديد، ولم تمُرَّ دقائقُ حتى كانت سمكة القرش قد عادت، قال «قيس» بلغة الاشارة: إنَّها معركةٌ ضرورية، وسوف أدخلها.

كانت سمكة القرش مندفعةً في اتجاه الشياطين الذين تفرَّقوا متباعدين، حتى لا تصيبهم بضربةٍ واحدة، أخرج كلٌّ منهم خنجره واستعد؛ فهم لا يعرفون إلى مَن سوف تتجه، مرَّت من بينهم لكنها فجأةً استدارت في عنف، وأصبح فمها في اتجاه «مصباح»، وعندما اقتربَت منه رفع خنجره، ثم غمده بقوة في رأسها. انفجر الدم بغزارة، لكنها استدارت له مرةً أخرى، غير أن الشياطين كانوا قد بدءوا هجومهم عليها، وانهالوا على جسمها الضخم ضربًا، إلا أن السمكة لم تستسلم فقد رفعَت ذيلها، وضربَت الشياطين بقوة فتفرَّقوا. قبل أن يصل ذيلها إليهم استدارت وكأنها تُحِس بالألم، وهجمَت على «أحمد» الذي لم يهرب؛ فقد هاجمها هو الآخر، تعلَّق في رقبتها، وانهال بخنجره عليها.

في نفس الوقت كان بقيَّة الشياطين قد اشتركوا في المعركة الرهيبة، ولم تمُرَّ دقائقُ حتى كانت السمكة الضخمة تترنَّح، ثم تستقر في هدوء عند القاع.

كانت المنطقة قد أصبحَت حمراءَ من أثَر دمِ السمكة؛ ولذلك قال أحمد» بلغة الاشارة: إنَّ هذه ليست المعركة الأخيرة؛ فرائحة الدم سوف تجذب أسماكًا أخرى.

أضاف «مصباح» بسرعة: يجب أن نُغيِّر اتجاهنا، ونبتعد عن هذه المنطقة، حتى نكون في مأمن.

بسرعةٍ اتجه الشياطين إلى منطقةٍ أخرى، ثم غيَّروا اتجاههم ليكونوا في مقابل الجزيرة. قال «فهد»: ينبغي أن نطفئ الأنوار؛ فقد تكون هي السبب في تجمُّع الأسماك حولنا!

بسرعةٍ أطفأ كل واحدٍ منهم البطارية المثبَّتة في رأسه، وتقدَّموا في هدوء، لقد كانوا يشعرون بالتعب الشديد نتيجة المعركة مع سمك القرش، حتى إن «قيس» جذب الحبل عدة مرات، وبطريقةٍ خاصة، ففهم الشياطين أنه لم يعُد يقوى على السير. توقَّف الشياطين، كانت هذه مسألةً صعبة، فماذا يفعلون الآن والوقت يمُر وهم يريدون الوصول إلى جزيرة «آندمان» ليلًا؟ وبلغة الحبل تحدَّث «أحمد» إليهم: ما الموقف الآن؟ إننا سوف نتعطَّل كثيرًا، وهذا ليس في صالحنا.

شعَر «خالد» بدواماتٍ تقترب منه، فكَّر: هل تكون أسماك القرش قد ظهَرتْ مرةً أخرى؟ … جذب الحبل ليقول: يبدو أنَّنا في خطر، إنَّني أشعر بدواماتٍ تقترب مني.

أضاء «أحمد» البطارية، فظهَرتِ الأعماق ليلًا، ولمح في اتجاه «خالد» سلحفاةً مائية ضخمة، فكَّر بسرعة: إنَّ هذه فرصة يجب أن نستغلها … جذب الحبل عدة مرات، فأضاء الشياطين بطارياتهم، تحدَّث إليهم بلغة الإشارة، قال: هذه السلحفاة التي تتجه إلينا يمكن استغلالها.

اقتربَت السلحفاة أكثر حتى أصبَحَت بينهم تمامًا، كانت ضخمة الحجم وكأنها قاربٌ صغير، قال «فهد»: يمكن أن نتعلَّق بها؛ فهي سوف تُعطينا الفرصة لنرتاح قليلًا، بجوار أنَّها تتجه فعلًا إلى الشاطئ.

وبسرعةٍ اقتربوا منها، وفي حركةٍ بهلوانية استطاع «أحمد» أن يُعلِّق الحبل في رقبتها، ثم أمسك بطرفه ومد يده الأخرى، فتعلَّق بها «مصباح»، وفي يد «مصباح» تعلَّق «خالد»، ثم «فهد»، ثم «قيس».

كانت السلحفاة تعوم دون أن يعوقها شيء سوى ثقل الشياطين، لكن المياه المالحة كانت تجعل ثقلهم ممكنًا، شعروا فعلًا بالراحة؛ فقد كانت السلحفاة تقوم بكل المهمة. مرَّت عشر دقائق، لكن فجأةًّ غيَّرتِ السلحفاة اتجاهها. أشار لهم «أحمد» أن يتركوا الحبل فتركوه، وبهدوءٍ سبح وهو يجذب الحبل برفق، فغيَّرتِ السلحفاة اتجاهها إلى ناحية الشاطئ، أشار إليهم فتعلَّقوا بالحبل مرةً أخرى، وظلَّت السلحفاة تتقدَّم.

كان الشياطين قد استعادوا بعض نشاطهم بسبب مساعدة السلحفاة لهم، إلا أن سعادتهم لم تستمر مدةً طويلة؛ فقد ظهر أخطبوطٌ ضخم، يمد أذرعتَه الكثيرة في كل اتجاه، فجأةً التفَّت إحدى الأذرع حول إحدى زعانف السلحفاة، ثم التفَّت الأخرى حول رقبتها، أسرع الشياطين بالابتعاد … وبدأَت معركةٌ رهيبة بين السلحفاة والأخطبوط، كان الشياطين يراقبون المعركة وهم مذهولون؛ فلأول مرة يرون معركة من هذا النوع، غير أن «فهد» تحدَّث إليهم بلغة الاشارة: إن الأخطبوط يمكن أن يقضي على السلحفاة، وفي هذه الحالة نكون قد خسرنا مُعاونًا عظيمًا.

ردَّ «قيس»: أنت تعرف أن الأخطبوط شرس تمامًا.

قال «فهد»: هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي، نرقُب المعركة حتى تنتهي، ونخسر صديقتنا السلحفاة.

أشار «أحمد» بضرورة دخول المعركةِ، ثم هجم بسرعة على إحدى أذرع الأخطبوط، الذي أسرع هو الآخر ولفَّ ذراعه حول جسم «أحمد». وفي نفس الوقت كان بقية الشياطين قد تعلَّقوا بأذرع الأخطبوط التي كانت كثيرة تمامًا، وتخلَّى الأخطبوط عن صراعه مع السلحفاة ودخل معركة مع الشياطين، لكنهم استطاعوا أن يصنعوا معركةً طيبة؛ فقد استعملوا خناجرهم وتمكَّنوا من الإجهاز عليه … حتى سقط على الأرض في قاع المحيط.

لقد فقد الشياطين قوتهم في معركة الأخطبوط وأصبحوا يشعرون بالتعب جميعًا، وعندما نظروا حولهم بحثًا عن السلحفاة … كانت قد اختفت.

ابتسم «أحمد» وهو يشير إلى الشياطين قائلًا: لقد تخلَّت عنا صديقتنا السلحفاة!

ولم يكن أمامهم إلا أن يتقدموا في بطء. نظر «قيس» في ساعته الإلكترونية، كانت قد تجاوزَت منتصف الليل، أشار إلى الشياطين قائلًا: لا يزال الوقت في صالحنا؛ فالساعة تجاوزَت منتصف الليل بقليل.

توقَّفتْ يداه عن الإشارة، غير أنه أضاف بعد لحظة: كم بقي في الطريق الآن؟

أخرج «أحمد» جهاز المسافات ثم ضغط على الزرَّ، فسجل الجهاز رقمًا. جعل «أحمد» يبتسم، أشار إلى الشياطين قائلًا: أمامنا ثلاثة أميال فقط.

أشار «قيس»: هل نستطيع أن نجلس قليلًا؟ إنَّني متعب بلا حدود. وأشار إليهم «أحمد» فتعلَّق كلٌّ منهم ببعض نباتات القاع، ثم جلسوا على الأرض، كان منظرهم طريفًا فكانوا وكأنهم يجلسون فوق سطح الأرض وليس في قاع المحيط، حتى إن «مصباح» أشار وهو يبتسم: نحن في حاجة إلى كوب شايٍ ساخن!

وأشار «فهد»، قائلًا: أتمنى طبق شوربة ساخنًا.

وقال «أحمد»: أتمنى الوصول إلى الشاطئ.

مرَّت عشر دقائقَ استعاد الشياطين خلالها بعض قُوَّتهم ونشاطهم، فترك «أحمد» النباتات التي يمسكها، فدفعه الماء واقفًا، وأسرع الشياطين يُنفِّذون نفس الشيء، وبدءوا يغادرون المكان، لكن خطواتهم كانت بطيئة، فقال «قیس»: لماذا لا نجرِّب الخروج إلى السطح؟ فقد يسعدنا الحظ بدرفيل، وأنتم تعرفون أنه صديق الإنسان!

قال «خالد» بالإشارة: إنَّها مغامرةٌ غير مأمونة.

ردَّ «قيس»: فلنُجرِّب. مَن يدري؟

اتفقوا على التجربة، فإذا لم تنجح فيمكن أن يعودوا إلى القاع مرةً أخرى، أعطى «أحمد» إشارةً ثم بدءوا يَسْبحون إلى السطح، كانوا يرتفعون بسرعة وكأنهم من مخلوقات المحيط، وعندما وصلوا إلى السطح شَعَروا بالنشوة؛ فقد لاحت على البعد أضواءٌ صغيرة. قال «قيس»: يبدو أنَّها الجزيرة.

قال «فهد»: قد تكون إحدى البواخر العملاقة.

قال «أحمد»: لا أظن؛ فتوزيع الإضاءة يقول إنَّها الجزيرة، وليست باخرة.

سكت لحظة ثم أضاف: ينبغي أن نجتهد قليلًا، الإضاءة تُحدِّد اتجاهنا، بجوار أنَّها تبعث فينا الأمل للوصول!

وبدءوا يَسْبحون، ولم تمُرَّ دقائقُ حتى شعر «فهد» أن جسمًا أملس قد لامَسَه، ثم مرَّت دوَّامةٌ صغيرة بجواره جعلَتْه يهتز قليلًا، مرةً أخرى لامَسَه الجسم الناعم، اخرج خنجره بسرعة ثم أضاء البطارية وهتف: لقد ظهر الصديق.

كان درفیل متوسط الحجم يسبح بجوار فهد … مد يده وأمسك إحدى زعانفه، وكان الدرفيل قد شعر أن «فهد» يحتاج إلى مساعدة؛ فقد ضرب الماء برأسه. هتف «فهد» مرةً أخرى: هل تسمعوني، لقد وصل صديقنا الدرفيل.

وما كاد ينتهي من جملته حتى ظهَرت مجموعةٌ من الدرافيل أخذَت تدور حول الشياطين، قال «أحمد» في سعادة: إنَّها نجدة من السماء.

وتعلَّق كلٌّ منهم بأحد الدرافيل التي أخذَت تسبح في رشاقةٍ متجهةً إلى الشاطئ، كانت أنوار الجزيرة تقترب، وكان الشياطين يشعرون بسعادة غامرة؛ فرغم أنهم تمنَّوا ظهور أحد الدرافيل إلا أنهم لم يتصوَّروا أن تتحقق أمنيتهم بهذه السرعة، ظلَّت الدرافيل في تقدُّمها لكن فجأةً ضرب أحدها الماء في عنف جعل الشياطين يلتفتون إليه.

فكَّر «أحمد» بسرعة: هل تكون معركة أخرى مع الدرفيل؟

من جديد ضرب الدرفيل الماء بعنف … أسرع «أحمد» إليه، ثم قال: الشياطين جميعًا هنا؟

ردُّوا الواحد بعد الآخر إلا «قيس»، فإن صوته لم يتردَّد بين أصوات الشياطين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤