الغموض يلُفُّ قصر «كوماكي»

ضرب الدرفيل الماء بقوة مرةً أخرى، غاص «أحمد» بسرعة في نفس المنطقة التي ضرب فيها الدرفيل الماء. لمح عن بُعدٍ ضوء الكشاف يهبط إلى القاع. وكانت المفاجأة أن الدرفيل كان يهبط بجواره. وقبل أن يصل إلى القاع كان قد لحق ﺑ «قيس»، الذي كان يأخذ طريقه إلى قاع المحيط. أمسك به بسرعة ثم احتضنه، كان يبدو متهالكًا تمامًا. غاص الدرفيل إلى أسفل أكثر، ثم أمسك بثياب «قيس»، وبدأ يجذبه إلى السطح. كان الدرفيل يُقدِّم مساعدةً عظيمة؛ فقد أنقذ «قيس» من الغرق، وصلا إلى السطح حيث كان الشياطين في الانتظار. صدَرتْ عن «قيس» آهةٌ، فعرف «أحمد» أنه تعب فقط، وأنه قد استنفذ كل قُواه فعلًا.

حملَه «أحمد» من تحت إبطَيه، ثم أمسَكَ بزعنفة الدرفيل الذي انطلَق في اتجاه جزيرة «آندمان»، وحوله كان الشياطين يتقدَّمون وقد تعلَّق كل واحدٍ منهم بدرفيل. ولم يمُر وقت، فقد كانت أنوار الجزيرة قد وضحت تمامًا. وبدأ الشياطين يلمسون الأرض بأرجلهم، وفجأةً توقَّفتِ الدرافيل، ثم أخذَت تقفز في الهواء وكأنها تُودِّع الشياطين … ابتسموا. وبدءوا يقطعون المسافة إلى الشاطئ.

كان «قيس» يمشي مستندًا على «أحمد» و«خالد»، وهو مجهد تمامًا. وعندما وضعوا أقدامهم على الشاطئ ألقَوا بأنفسهم على الرمال … فقد كانوا جميعًا في حاجةٍ إلى الراحة.

همس «فهد»: إنَّ الوقت لا يزال أمامنا حتى الصباح، ونحن في حاجةٍ شديدة للنوم. إنَّني أشعر أن عقلي قد توقَّف عن التفكير.

لم يَرُد أحد من الشياطين؛ فقد كانوا جميعًا في غاية الإجهاد. مرَّت لحظةٌ قبل أن يقول «مصباح»: إننا لن نقوى على تكملة المغامرة؛ فنحن متعبون تمامًا.

ابتسم «أحمد» وقال: إن بقاءنا حتى الصباح هنا يعني أننا سوف نقع في قبضة رجال «شون كوماكي»، إن لم يكن في يد «الروبوت».

عليكم بالاسترخاء لمدة نصف ساعة، بعدها سوف نكون جاهزين للمغامرة، وهذه مدةٌ كافية لكي يستعيد الجسد نشاطه مرةً أخرى.

كان الشياطين مستلقين على الأرض من الإجهاد وقد أغمضوا أعينهم بينما كان «أحمد» يفكِّر: تُرى هل يشعر أحد من رجال العصابة بوجودهم؟ أم أن «الروبوت» أو الحارس الإلكتروني يبدأ حراسته للجزيرة عند وصولهم إليها؟ كان يجب أن يعرف هذه المعلومة، أو أن وصولهم ترصده إحدى الأجهزة الحديثة التي تُحيط الجزيرة؟ أو أن «شون كوماكي» قد عرف بوجودهم فعلًا، وأنه يتركهم حتى يصلوا إليه ويكون الحارس الإلكتروني في انتظارهم؟

ظلَّ «أحمد» يفكِّر ويقلِّب الاحتمالات في رأسه، ليصل إلى نتيجة، لكنه لم يصل إلى نتيجةٍ مؤكدة. في النهاية قال لنفسه: إنَّ تحرُّكَهم، والاقتراب من القصر سوف يكشف كل شيء. أخرج جهاز المسافات من جيبه ثم ضغَط زِرَّ التشغيل، فانطلق الشعاع غير المرئي، وارتد بسرعة. وسجَّل الجهاز المسافة إلى القصر وكانت ثلاثة كيلومترات. قال في نفسه: إنها مسافةٌ كبيرة فعلًا. ظلَّ مستغرقًا في تفكيره، لكن فجأةً جاءه صوت «قيس» يقول: أظن أننا مراقبون الآن؛ فليس من المعقول أن نصل إلى الجزيرة دون أن يرصدنا أحد!

ابتسم «أحمد» وقال: هل استَعدتَ نشاطك؟

رد «قيس»: نعم، وأشعُر الآن أن بإمكاني الاستمرار في المغامرة، ثم أضاف بسرعة: ألسنا مراقَبين؟

مرَّت لحظة قبل أن يقول «أحمد»: لا أدري؛ فالمسافة بيننا وبين قصر «شون کوماکي» كبيرة، ثم ذكر المسافة وقال: وأظُن أنها تحتاج إلى وقت.

جاء صوت «باسم» يقول: أقترح أن نبدأ السير الآن على مهل، حتى لا نستنفد قوانا مرةً أخرى، وحتى نصل في وقتٍ مناسب.

ردَّ «أحمد»: إنَّه اقتراحٌ طيب.

انتظر لحظة ثم قال: هل الشياطين كلهم جاهزون؟

ردُّوا وكأنهم على اتفاق: نعم، ويمكن أن نبدأ السير الآن.

قال «فهد»: ينبغي أن نُخفي ملابس الضفادع البشرية؛ فقد نحتاجها مرةً أخرى.

وبسرعةٍ كان كلٌّ منهم يحفر حفرةً على الشاطئ، ثم يُخفي ملابسه فيها. تمطَّى «خالد» وهو يقول: إنني أشعر بالحرية، بعد أن تخلَّصتُ من الملابس.

وبدأ الشياطين السير. كانت أضواء قصر «شون كوماكي» تظهَر من خلف جبلٍ مرتفع، يقف في مقدمة الجزيرة، ويبدو كأنه نوعٌ من الحراسة الطبيعية.

قال «أحمد»: ينبغي أن نكون أكثر حذرًا عندما نتجاوز الجبل؛ فهو يقف حاجزًا بيننا وبين أجهزة القصر!

ردَّ «خالد»: لا أظن؛ فالمؤكد أن أجهزة القصر قد رصدَتْنا منذ وصولنا. وسوف نُفاجأ بما لم نتوقَّعه!

قال «فهد»: إننا نملك الأجهزة التي تؤثِّر على أجهزتهم!

ثم أخرج جهازًا دقيقًا ضغط على زرٍّ فيه، ثم قال: الآن، لن يستطيعوا رصدنا. هذا إذا لم نصطدم بهم وجهًا لوجه، فإنهم لن يعرفوا بوصولنا.

تساءل «قيس»: هل استخدمتَ جهاز التشويش؟

رد «فهد»: «نعم».

وصلوا إلى قاعدة الجبل الذي كان يرتفع أمامهم كسَدٍّ، فقال «مصباح»: أظُن لو أنَّنا درنا حوله، فإن ذلك لن يستنفد جهدنا؛ لأن صعود الجبل صعب.

ردَّ «قيس»: إنَّه سوف يحتاج لبعض الوقت.

قال «مصباح»: يمكن أن نَجدَّ في السير قليلًا، حتى نُعوِّض الوقت.

اتفق الشياطين على أن يدوروا حول الجبل؛ فهم يحتاجون لقُوَّتهم. ومَن يدري ماذا ينتظرهم؟

كانوا يتقدَّمون بسرعة حتى انتهَوا من قاعدة الجبل، وبدأ القصر يظهر أكثر. كانت أضواء القصر لامعة، فتساءل فهد: يبدو أن الحياة لا تزال نشطةً داخل قصر «شون کوماکي»، مع أن الوقت متأخر!

رد «أحمد»: هذا يعطينا نوعًا من الاطمئنان.

فقال «خالد»: أو ربَّما يكون كمينًا ينصبه لنا «شون کوماکي».

ابتسم «أحمد» وهو يقول: كل التوقعات يمكن أن تكون صحيحة الآن؛ فنحن لا نعرف ماذا خلف الأضواء.

كان «فهد» لا يزال يضغط على زر التشغيل في جهاز التشويش، حتى لا ترصدهم الأجهزة إن كانت موجودة، وكان «أحمد» يفكِّر فيما سوف يحدُث. كان يقول لنفسه: «إنَّ الحارس الإلكتروني هو الموجود الآن. وهذا يعني أنَّ التعامل معه سوف يكون صعبًا، حتى ونحن نعرف الشفرة التي برمجهم بها «شون کوماکي»؛ فنحن لا نعرف شيئًا عن البرنامج الذي يعمل به «الروبوت»، ثم إنَّ الخريطة التي وصلَتْنا من رقم «صفر» مع الشفرة. تقول إن «الروبوت» يَحرُس القصر من كل الجهات. وهو مُبرمَج بطريقةٍ تجعله يتحرَّك تبعًا لحرارة جسم الإنسان. وهذا سوف يجعل التعامل معه مستحيلًا إلا إذا أوقفنا حرارةَ أجسامنا. وهذه مسألةٌ غير طبيعية؛ لأنَّ ذلك يعني النهاية.

ظلَّت أفكاره تدور مع كل خطوةٍ يخطوها. وكانت المغامرة تبدو صعبةً تمامًا الآن. وهم قد أصبحوا على خطواتٍ منها، أخرج جهاز المسافات ثم ضغط زر التشغيل … ارتد الشعاع وسجَّل رقمًا يقول: إنَّ الباقي كيلومتر واحد. قال في نفسه: لقد بدأَت المغامرة، وبرغم الأخطار الشديدة التي قابلناها إلا أنَّها لا تساوي شيئًا أمام ما نقابله الآن. فكَّر لحظةً ثم همس: الحديث يجب أن يكون بالإشارات الآن؛ فربما تكون هناك أجهزةٌ لتسجيل الصوت عن بُعد.

قال «قيس» بالإشارة: إنَّها أول مغامرة يدخلها في حياته، بها كل هذه الصعوبات!

ردَّ «أحمد» بالإشارة: هذا يعني أهمية المغامرة وخطورتها؛ فنحن نتعامل مع عدوٍّ غير عادي.

أضاف «فهد» بالإشارة أيضًا: أتصوَّر أنَّنا مَرَرنا بمغامراتٍ أصعب منها كثيرًا، وأنَّ المسألة هي هذا الغموض الذي يحيط بها؛ ﻓ «شون کوماكي» ليس أكثر قوةً ولا استعدادًا من «سادة العالم» أو «اليد الحديدية».

قال «خالد»: هذا صحيح؛ فرغم خطورة المغامرة، إلا أنَّ الشياطين لا يعرفون المستحيل.

ابتسم «أحمد» وقال: هذا صحيح.

قال «مصباح»: نحن نتقدَّم الآن، في خطٍّ واحد … وأعتقد أن أي خطرٍ سوف يدهمنا مرةً واحدة، جميعًا، وأقترح أن نرسم خطَّتنا الآن قبل أن نصل، خصوصًا وأنني أرى أنَّ القصر قد أصبح قريبًا منَّا.

صمت الشياطين قليلًا، ثم قال «أحمد»: إنَّني اتفق مع «مصباح» في وجهة نظره. وأقترح أن أتقدَّم أنا و«خالد» أولًا، ويكون «فهد» و«مصباح» و«قيس»، بعدنا بقليل، فإذا حدَث شيء، مفاجأة مثلًا، فإن المجموعة الخلفية سوف تأخذ حِذْرها، ويكون هناك مَن يساعدنا، بدلًا من أن نقع كلُّنا دفعةً واحدة.

قال «مصباح»: هذا اقتراحٌ جيد. وينبغي أن نُنفِّذه من الآن.

وبسرعةٍ توقَّف الشياطين الثلاثة «قيس» و«مصباح» و«فهد»، وتقدَّم «أحمد» و«خالد». كان الاثنان يتقدَّمان متباعدَين قليلًا عن بعضهما، حتى تكون لديهما فرصة الحركة والتصرُّف. كان القصر قد ظهر تمامًا، وكانت المسافة بين الشياطين وقصر «شون کوماكي» لا تزيد على خمسمائة متر. توقَّف الشياطين لحظةً؛ فلم يكن خارج القصر ما يشير إلى وجود حراسةٍ ما، ولم يكن ﻟ «الروبوت» أي أثَر.

تحدَّث «أحمد» إلى «خالد» بالإشارة قائلًا: أشعر أن هناك كمينًا في انتظارنا؛ فلا يظهر أمامنا أي نوع من الحراسة.

ردَّ «خالد» بالإشارة أيضًا: قد يكون ذلك صحيحًا. وقد تكون حركة «الروبوت» مفاجأةً، فمَن يدري؟ فقد يكون في مخبأ في جدار القصر.

لم يتحرك الشياطين من أماكنهم؛ فقد بدا الموقف غامضًا تمامًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤