الفصل الثالث عشر

برايس يُسأل سؤالًا

انتقل ميتشينجتون إلى غرفةٍ خاصة، وأشار إلى برايس لِيَتبعَه. وأغلق الباب بحذرٍ، ونظر بتمعُّنٍ إلى رفيقه، وكرَّر كلماته الأخيرة، مع هزِّ رأسه.

وهمس قائلًا: «لقد تُوفي مسمومًا! — دون أدنى شك.» ثم أردف: «باستخدام حمض الهيدروسيانيك — الذي، حسَبما أفهم، هو الشيء نفسُه الذي يُعرف بحمض البروسيك. وهما يقولان إنهما لم يَجِدا أيَّ صعوبة في اكتشاف ذلك! وهكذا قُضي الأمر.»

سأله برايس: «هذا ما قاله لك كوتس، بالطبع؟» ثم أردف: «بعد تشريح الجثَّة؟»

أجاب ميتشينجتون: «أخبرَني كلاهما — كوتس، وإيفرست، الذي ساعده.» ثم أضاف: «قالا إن الأمر كان واضحًا منذ البداية. و… يا للعجب!»

قال برايس: «ماذا؟»

قال ميتشينجتون، الذي كان من الواضح أنه متحيِّر بسبب الغموض المُحيط بالقضية: «لم يكن في تلك القارورة المعدنية، على أيِّ حال.»

قال برايس مؤكدًا: «لم يكن كذلك! — بالطبع لم يكن كذلك!» ثم أردف: «يا إلهي، يا رجل — أنا أعرف ذلك!»

سأله ميتشينجتون: «كيف علمتَ بذلك؟»

أجاب برايس على الفور: «لأنني سكبتُ بضع قطراتٍ من تلك القارورة في يدي عندما عثرتُ على كوليشو لأول مرةٍ وتذوقتُ ما بداخلها.» وتابع: «شاي بارد! مع الكثير من السكر. ولم يكن فيه حمضُ هيدروسيانيك حيث، أينما وُجدت تلك المادة السامَّة، تنبعث منها دائمًا رائحة قوية أو ضعيفة — تُشبه رائحة اللوز المر. ولم يكن هناك رائحةٌ في تلك القارورة.»

قال ميتشينجتون: «ومع ذلك كنت مهتمًّا جدًّا بأن نفحص ما بداخل القارورة؟»

أجاب برايس على الفور: «بالطبع! — لأنني اشتبهتُ في استخدامِ سُمٍّ أندرَ من ذلك بكثير.» ثم أضاف: «يا للسخف! — إنها طريقة خرقاءُ لتسميم أي شخص! — رغم أنها سريعة.»

قال ميتشينجتون: «حسنًا، هذا هو واقع الأمر!» وتابع: «سيُصبح هذا هو الدليلَ الطبي في جلسة التحقيق الخاصة بأسباب الوفاة، على أي حال. هكذا تم ذلك. والسؤال الآن هو …»

قاطعه برايس: «مَن فعلَها؟» ثم أردف: «بالضبط! حسنًا — سأردُّ على هذا على الفور، يا ميتشينجتون. أيًّا كان مَن فعل ذلك فهو إما غبيٌّ كبير أو ذكيٌّ ملعون! هذا هو رأيي حول هذه الجريمة!»

قال ميتشينجتون: «أنا لا أفهمك.»

أجاب برايس مبتسمًا: «إن ما أعنيه واضحٌ بما فيه الكفاية.» ثم أردف: «إنَّ قتلَ أيِّ شخص بهذه المادة أمرٌ سهل للغاية — ولكن لا يوجد سمٌّ يمكن اكتشافه بسهولة أكبرَ من هذا. إنها طريقةٌ ساذَجة لتسميمِ أيِّ شخص — إلا إذا كنتَ تستطيع أن تفعل ذلك بطريقةٍ لا يمكن لأي شكٍّ أن يربطَك بها. وفي هذه القضية — من المؤكد أن مَن وضع هذا السمَّ لكوليشو كان متأكدًا — متأكدًا تمامًا، ضع هذا في اعتبارك! — من أنه يستحيلُ على أي شخص أن يكتشفَ أنه هو مَن فعل ذلك. لذلك، أقول ما قلته — من المؤكَّد أن هذا القاتلَ ماهر ملعون. وإلا، سيُكتشَف بسرعة كبيرة. وكلُّ ما يُحيرني هو: كيف وُضع السم؟»

سأل ميتشينجتون: «ما المقدار الذي يُمكن أن يقتل أيَّ شخص — بسرعة كبيرة؟»

أجاب برايس: «ما المقدار؟ إنَّ قطرةً واحدة تُسبِّب الموت الفوري!» وأردف: «تُسبب شللَ القلب، في التو واللحظة، على الفور!»

ظل ميتشينجتون صامتًا بعضَ الوقت، وهو ينظر بتأملٍ إلى برايس. ثم التفت إلى درج مقفل، وأخرج مِفتاحًا، وأخذ شيئًا من الدرج — شيئًا صغيرًا، ملفوفًا بالورق.

وقال: «سأُخبرك بشيءٍ مهمٍّ يا دكتور.» وتابع: «بينما أنت تعلمُ الكثير بالفعل، سأخبرك أكثر قليلًا. انظر إلى هذا!»

فتح يده وأظهر لبرايس علبةَ دواء صغيرة مصنوعة من الورق المقوَّى، كُتب على وجهها بضعُ كلمات — «حبَّة واحدة بعد الوجبات — السيد كوليشو.»

سأل ميتشينجتون: «خطُّ يدِ مَن هذا؟»

نظر برايس عن قرب، وجفل.

وردَّ مُغمغمًا: «خط رانسفورد!» وتابع: «رانسفورد — بالتأكيد!»

قال ميتشينجتون: «كانت هذه العلبةُ في جيب صدرية كوليشو.» وأضاف: «هناك حبوبٌ بداخلها. انظر!» ونزع غطاء العلبة وكشف عن أربع حبات مغلَّفة بالسكَّر. ثم قال: «إنها لن تتسعَ لأكثرَ من ست حبات.»

استخرج برايس حبةَ دواء واشتمَّ رائحتها، بعد أن كشط القليلَ من طبقة السكر.

وقال: «هذه مجردُ حبوبٍ للهضم.»

فسأل ميتشينجتون: «هل يُمكن أن يكون السمُّ قد وُضع في واحدة من تلك الحبوب؟»

أجاب برايس: «من الممكن.» ثم وقف يُفكر لحظةً. وسأل في النهاية: «هل عرَضتَ هذه الحبوبُ على كوتس وإيفرست؟»

أجاب ميتشينجتون: «ليس بعد.» وتابع: «أردتُ أن أعرف، أولًا، ما إذا كان رانسفورد قد أعطى هذه العلبةَ إلى كوليشو، ومتى. أنا ذاهب إلى منزل كوليشو الآن — لديَّ تحريات معيَّنة يجب إجراؤها. من المؤكَّد أن أرملته لديها معلوماتٌ عن هذه الحبوب.»

قال برايس: «أنت تشتبهُ في رانسفورد.» وأردف: «هذا مؤكد!»

وضع ميتشينجتون علبة الدواء بعنايةٍ في الدرج وأعاد غلقه.

ثم قال: «لديَّ بعض الأفكار غير المريحة بالتأكيد — التي أُفضِّل عدمَ وجودها — حول دكتور رانسفورد.» وتابع: «عندما يبدو أن هناك شيئًا يتناسبُ مع شيء آخَر، كيف سيُفكر المرء؟ إذا كنت متأكدًا من أن تلك الشائعةَ التي انتشرَت، حول معرفة كوليشو بشيءٍ ما — كما تعلم، قد وصلَت إلى أذنَيْ رانسفورد — بالقطع، يجب أن أقول إن الأمر يبدو تمامًا كما لو أن رانسفورد أراد إخراسَ لسانِ كوليشو للأبد قبل أن يتمكَّن من قول المزيد — وربما، في المرة القادمة شيء محدَّد. إذا بدأ الرجال في التلميح إلى أنهم يعرفون شيئًا ما، فلن يتوقَّفوا عند التلميح. ربما كان على كوليشو أن يتحدَّث بصراحةٍ قبل مُضيِّ مدة طويلة — معنا!»

سأل برايس سؤالًا عن عقد جلسة التحقيق وغادر. وبعد بعض التفكير، استدار في اتجاه الكاتدرائية، وشقَّ طريقه عبر منطقة الأديرة القديمةِ متجهًا إلى كلوس. كان على وشك القيام بحركةٍ أخرى في لعبته الخاصة، بينما كانت هناك فرصةٌ جيدة. كان كل شيء في هذه المرحلة يرمي أوراقًا ممتازةً في يده — كان يعتقد أنه من الحماقة عدمُ استغلالها لصالحه. وهكذا توجَّه مباشرةً إلى منزل رانسفورد، وقبل أن يصلَ إليه، التقى برانسفورد وماري بيوري، اللذَين كانا يسيران عبر كلوس من نقطةٍ أخرى، عائدَين من محطة السكة الحديد، حيث ذهبَت ماري خِصِّيصى لمقابلة وصيِّها. وكانا في وسط محادثة عميقة لدرجةِ أن برايس قد اقترب منهما قبل أن يُلاحظا وجوده. وعندما رأى رانسفورد مساعده السابق، عبس تلقائيًّا — حيث كان يُفكر في برايس، والمقابلة التي أجراها معه فيما بعد الظهر اليوم السابق، طَوال اليوم، وكان لديه شعورٌ غيرُ مريح بأن برايس يلعب لعبةً ما. وسرعان ما لاحظَ برايس ذلك العُبوس — وكذلك الإجفالَ المفاجئ الذي لم تستطِع ماري كبْحَه — وكان سريعًا في بدءِ الحديث معهما.

قال بهدوء: «كنتُ ذاهبًا إلى منزلك، يا دكتور رانسفورد.» ثم أضاف: «أنا لا أريد أن أفرضَ نفسي عليك، الآن أو في أيِّ وقت — ولكن أعتقد أنه من الأفضل أن تمنحَني بضع دقائق.»

كانوا قد وصَلوا عند بوابة حديقة رانسفورد في ذلك الوقت، ففتحها رانسفورد وأمرَ برايس بأن يتبعه. وقاده عبرَ الطريق إلى غرفة الطعام، وأغلق البابَ على ثلاثتهم، ثم نظر إلى برايس. اعتبر برايس النظرةَ سؤالًا، فطرح هو سؤالًا آخر، بالكلمات.

حيث قال: «هل سمعتَ بما حدث اليوم؟»

أجاب رانسفورد: «بخصوص كوليشو — أجل.» وتابع: «لقد أخبرَتني الآنسة بيوري لتوها — بما قاله لها شقيقُها. ماذا في ذلك؟»

قال برايس: «لقد جئتُ لتوي من مركز الشرطة.» وأضاف: «وقد أجرى كوتس وإيفرست تشريحًا للجثة بعد ظهرِ اليوم. وقد أخبرني ميتشينجتون بالنتيجة.»

سأله رانسفورد، دونَ أيِّ محاولة لإخفاءِ نفادِ صبره: «حسنًا؟» ثم أضاف: «وماذا كانت؟»

أجاب برايس وهو يُراقب رانسفورد بتمعُّن لاحظَته ماري: «لقد مات كوليشو مسمومًا.» وأردف: «بحمض الهيدروسيانيك. ولا شكَّ في ذلك على الإطلاق.»

سأله رانسفورد، بنفادِ صبرٍ أكبر: «حسنًا؟ — وماذا بعد؟» ثم أضاف: «ولأكونَ صريحًا، ما علاقة كل هذا بي؟»

أجاب برايس: «جئتُ إلى هنا لأقدِّم لك خدمة.» وأردف: «وما إذا كنتَ ترغب في قَبولها أو لا، فهذا شأنك. ربما تعرف أنك في خطر. كوليشو هو الرجل الذي ألمحَ — كما سمعتُما أمسِ في شقتي — إلى قدرته على إفشاء سرٍّ بخصوص قضية برادن — إذا كان يريد ذلك.»

قال رانسفورد: «حسنًا؟»

قال برايس: «إن الشرطة على علمٍ بأنك كنتَ في منزل كوليشو في وقتٍ مبكرٍ من هذا الصباح.» ثم أضاف: «يعرف ميتشينجتون ذلك.»

ضحك رانسفورد.

وسأله: «وهل يعرف ميتشينجتون أنني سمعتُ ما قاله لك، بعد ظهر أمس؟»

أجاب برايس: «كلا، لا يعرف.» وتابع: «لا يمكن أن يعرفَ ما لم أُخبِره. وأنا لم أُخبره — ولن أخبره. لكن إنه يشتبهُ بالفعل.»

قال رانسفورد مع ضحكةٍ أخرى: «يشتبهُ بي بالطبع.» ثم استدار عبر الغرفة وفجأةً واجه برايس، الذي ظل واقفًا بالقرب من الباب. وانفجر قائلًا: «هل تقصد حقًّا أن تُخبرني بأن ميتشينجتون أحمقُ لدرجة الاعتقاد بأنني سأسمِّم رجلًا عاملًا فقيرًا — وبهذا الأسلوب الأحمق؟» ثم أضاف: «بالطبع أنت لا تقصد ذلك.»

أجاب برايس: «أنا لم أقُل قطُّ إنني أقصد ذلك.» وتابع: «أنا أخبرك فقط بما يعتقدُ ميتشينجتون أنها أسبابٌ للشك. لقد أسرَّ لي بذلك لأني كنت مَن وجد جثة كوليشو. ويوجد بحوزة ميتشينجتون علبةُ دواءٍ للهضم مِن الواضح أنك أعطيتَها لكوليشو.»

صاح رانسفورد: «يا للسخف!» وأردفَ: «هذا الرجل أحمق! دَعْه يأتِ ويتحدَّثْ معي.»

قال برايس: «لن يفعلَ ذلك — الآن.» وتابع: «لكني أخشى أن يكشف عن كلِّ هذا في جلسة التحقيق. والحقيقة هي أنه يشتبهُ — بسبب أمرٍ أو آخرَ — بك فيما يتعلق بالقضية السابقة. إنه يعتقد أنك أخفيتَ الحقيقة — أيًّا كانت — فيما يخصُّ معرفتك ببرادن.»

قال رانسفورد فجأةً: «سأُخبرك فيما يشتبهُ!» وتابع: «إن الأمر كالتالي؛ إنه يشتبهُ في أنَّ لي يدًا — أو أنَّني مَن تسببَ، إذا أردتَ! — في وفاةِ برادن، وأنني الآن مَن تخلَّصَ من كوليشو لأن كوليشو يُمكن أن يُثبت أنني مَن تسبَّب في وفاة برادن. هذا هو ما يظنُّه!»

قال برايس موافقًا: «هذه طريقةٌ واضحة لوصف الأمر، بالتأكيد.» وأردف: «لكن هناك طريقة واضحة جدًّا، أيضًا، لتبديدِ أيٍّ من هذه الأفكار.»

سأله رانسفورد في حدَّة: «أيُّ طريقة؟»

قال برايس مقترحًا: «إذا كنت تعرفُ بالفعل أيَّ شيء عن قضية برادن، فلماذا لا تكشفُ عنه، وتنتهي من الأمر برمَّته.» ثم أردف: «هذا من شأنه أن يُنهي الأمر.»

ألقى رانسفورد نظرةً طويلة صامتة على سائله. ونظر برايس إليه بالمثل، وراقبَت ماري بيوري كِلا الرجُلَين بقلق.

ثم قال رانسفورد أخيرًا: «إن هذا شأنٌ خاص بي.» وأضاف: «وأنا لا أقبلُ مِن أحد أن يجبرني أو يُهددني أو يتملَّقَني. أنا ممتنٌّ لك لأنك أعطيتَني تلميحًا عن خطرٍ يُحدق بي، على ما أظن! وأنا لستُ مجبرًا على أن أقول أكثرَ من ذلك.»

قال برايس: «وأنا كذلك.» ثم أضاف: «لقد جئتُ فقط لأخبرك.»

وهنا، بعد أن نجحَ برايس في القيام بكلِّ ما يريد القيامَ به، خرج من الغرفة والمنزل، وراقبَه رانسفورد، بينما كان يقف في النافذة ويداه في جيبَيه، وهو يرحل بعيدًا عبر كلوس.

قالت ماري بهدوءٍ: «يا سيدي!»

فاستدار رانسفورد بحدَّة.

وتابعَت حديثها في توتُّر: «ألن يكونَ من الأفضل، إذا … إذا كنتَ تعرف أيَّ شيء عن ذلك الرجل البائس — أن تُفصِحَ عنه؟ لماذا تترك الشكوك تحومُ حولك هكذا؟»

بذل رانسفورد جهدًا لتهدئة نفسِه. كان غاضبًا بشدة — غاضبًا من برايس، وغاضبًا من ميتشينجتون، وغاضبًا من سحابة الحماقة والغباء التي بدا أنَّها تتراكم.

وسألها: «لماذا ينبغي عليَّ — بافتراضِ أنني أعرف شيئًا ما، وهو الأمر الذي لا أُقِره — لماذا ينبغي عليَّ أن أسمح لنفسي بأن يجبرَني ويُخوفني هؤلاء الحمقى؟» وتابع: «لا أحدَ يستطيع أن يمنع أن تُثار الشكوك حوله — إنه سوءُ حظي الذي أوقعَني في تلك الدائرة في هذه الحالة. لماذا ينبغي أن أُهرَع إلى مركز الشرطة وأقول: «ها أنا ذا، سأُفصح عن كلِّ ما أعرف؛ كل شيء!» لماذا؟»

سألَته: «ألن يُصبح هذا أفضلَ مِن معرفة أن الناس يُشيعون عنك أشياء؟»

أجاب رانسفورد: «بخصوص ذلك، لا يُمكنك منعُ الناس من إشاعةِ أشياءَ عنك — خاصة في مدينةٍ مثل هذه. ولولا الحقيقةُ المؤسفة أن برادن جاء إلى باب العيادة، لَما أُشيع شيء. لكن ما المشكلة في ذلك؟ لقد عرَفتُ مئات الرجال طوال حياتي، أجل، ونسيتهم! كلَّا! لن أقعَ ضحيةً لهذه الخدعة، كل هذا ينبعُ من الفضول. وبخصوص هذه القضية الأخيرة، فكل هذا هُراء!»

قالت ماري: «لكن إذا كان الرجل قد تسمم حقًّا؟»

قال رانسفورد بابتسامةٍ جدية: «لِندَعِ الشرطةَ تجد الفاعل!» ثم أردف: «هذا هو عملهم.»

لم تقُل ماري شيئًا للحظة، وتحرَّك رانسفورد بقلقٍ في الغرفة.

ثم قال فجأة: «أنا لا أثقُ في ذلك الرجل المسمَّى برايس.» وتابع: «إنه يُخطِّط لشيءٍ ما. أنا لا أنسى ما قاله عندما طردتُه في ذلك الصباح.»

سألته: «ماذا قال؟»

أجاب رانسفورد: «إنه سيُصبح عدوًّا سيئًا.» ثم أضاف: «وهو يتظاهر الآن بأنه صديقٌ — لكن عندما يقوم الرجل بما قد تُسمينه أفعالَ الصداقة غيرَ الضرورية، فإن هذا يدفع إلى الشك في حقيقةِ نواياه. وأنا قد أسمح لأي شخص بالتدخل في شئوني — شئونك — ما عدا بيمبرتون برايس!»

قالت: «وأنا كذلك!» وأردفَت: «ولكن …»

توقَّفت عن الكلام لحظةً ثم نظرَت بتوسُّل إلى رانسفورد.

وقالت: «أتمنى لو تُخبرني بما قد وعَدتَ أن تُخبرني به.» وتابعَت: «أنت تعرف ما أعنيه — عني وعن ديك. بنحوٍ ما، أنا لا أعرف كيف أو لماذا بالضبط لديَّ شعورٌ غير مريح بأن برايس يعرف شيئًا ما، وأنه يخلط كلَّ ذلك مع هذا الأمر! فلماذا لا تُخبرني من فضلك؟»

رانسفورد، الذي كان لا يزال يسيرُ في أرجاء الغرفة، توقَّف ووضع يدَيه على الطاولة، ونظر إليها بجدِّية.

وقال: «لا تسألي عن هذا الأمر الآن!» وتابع: «أنا لا أستطيعُ فعل ذلك الآن. الحقيقة هي أنني أنتظر شيئًا — بعض التفاصيل. وبمجرد أن أحصلَ عليها، سأتحدَّث إليكِ، وإلى ديك. في غضون ذلك، لا تسأليني عنه مرةً أخرى، ولا تخافي. وبخصوص هذه القضية، اتركي الأمر لي، وإذا قابلتِ برايس مرةً أخرى، ارفُضي مناقشةَ أي شيء معه. انظري هنا! — هناك سببٌ واحد فقط لادِّعائه الصداقةَ والرغبةَ في إنقاذي من المشاكل. وهو ظنُّه أنه يستطيع بهذا أن يكسبَ وُدَّكِ!»

تمتمَت ماري وهي تهزُّ رأسها: «إنه مخطئ في ظنه!» ثم أردفَت: «أنا لا أثقُ به. وأصبحتُ كذلك أكثرَ من أي وقتٍ مضى بسبب ما حدثَ أمس. فهل يُمكن أن يفعل الرجلُ الأمين ما فعلَه؟ أن يدعَ مفتش الشرطة هذا يتحدَّثُ بحرية، كما فعل، مع إخفاء بعض الأشخاص خلف ستارة؟ وبعد ذلك أن يضحك على ذلك؟! كرهتُ نفسي لوجودي هناك — ولكن هل كان من الممكن فِعلُ أي شيء؟»

قال رانسفورد: «لن أكرهَ نفسي بسبب بيمبرتون برايس.» ثم أضاف: «دعيه يلعب لُعبته — فأنا متأكدٌ من أن لديه واحدةً.»

ذهب برايس لمواصلة لعبته — أو مرحلة أخرى منها. إذ لم تجعله قضيةُ كوليشو ينسى مقبرة ريتشارد جينكينز، والآن، بعد مغادرة منزل رانسفورد، سار عبر كلوس متجهًا نحو بارادايس بهدفِ إجراء المزيدِ من التحقيقات. لكن عند ممرِّ الفِناء العتيقِ المُقنطَر، قابل سمبسون هاركر العجوز، الذي كان يتسكَّع بأسلوبه المعتاد الذي يبدو بلا هدف. وابتسم هاركر عندما رأى برايس.

وقال: «حسنًا، كنتُ أريد أن أتحدَّثَ معك يا دكتور!» وأردف: «إنه أمرٌ مهم. هل لديك دقيقةٌ أو دقيقتان، يا سيدي؟ تعالَ إلى منزلي الصغير، إذن — حيث نستطيع التحدُّثَ في هدوء.»

كان لدى برايس الكثيرُ من الوقت الذي يُمكن أن يُخصِّص منه أيَّ قدْرٍ من أجل شخصٍ مثيرٍ للاهتمام مثل هاركر؛ لذا تبِع الرجلَ العجوز إلى منزله — وهو مكانٌ صغير يقع وسط مجموعةٍ متشابهة من البِنايات العتيقةِ الطراز خلف كلوس. قاده هاركر إلى رَدهة صغيرة، مريحة ودافئة، بها عدةُ رفوفٍ للكتب ذات المظهر القانوني والمِهْني المثير للفضول، وبعض اللوحات القديمة، وخِزانة من التحف والمقتنَيات، مخبَّأةً في زاوية مظلمة. أشار إليه الرجلُ العجوز كي يجلسَ على كرسيٍّ مريح، ثم ذهب إلى خِزانة، وأخرج دورقًا من الويسكي وعلبة سيجار.

وقال بينما يجلس بالقرب من برايس، بعد إحضار كأسَين وماءِ الصودا: «يُمكننا إجراءُ حديثٍ هادئ ومريح هنا، يا دكتور.» ثم أردف: «أنا أعيش بمفردي تمامًا، مثل الناسك — أما أعمال المنزل المعتادةُ فتقوم بها خادمةٌ تأتي فقط في الصباح. لذلك نحن بمفردنا تمامًا. هيا أشعل سيجارك — إنه من النوعِ نفسِه الذي أعطيتُك إياه في بارثورب.» وتابع، بينما جلس برايس يستمع: «حسنًا، والآن هناك سؤالٌ أريد أن أطرحه عليك — بيني وبينك فقط — وبأقصى قدرٍ من السرِّية، من فضلك. لقد كنتَ أنت مَن استدعاه فارنر ليرى جثةَ برادن، وقد تُرِكت بمفردك مع جثة برادن، أليس كذلك؟»

رد برايس، وتزايد الشكُّ بداخله فجأة: «حسنًا؟» ثم أردف: «وماذا في ذلك؟»

قرَّب هاركر كرسيَّه قليلًا من كرسيِّ ضيفه، وانحنى نحوه.

ثم سأله هامسًا: «ماذا … ماذا فعلتَ بقُصاصة الورق تلك التي أخرجتَها من حقيبة برادن؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤