الفصل الثاني والعشرون

آراء أناس آخرين

أصبحَت الأبراج العالية لكاتدرائية رايتشستر في نطاق رؤية برايس قبل أن يتخذَ قرارًا بشأن الخطوة التالية في هذه المرحلة الأخيرة من مَسْعاه. لقد خرج من فندق ساكسونستيد وهو يشعر بأن عليه أن يفعل شيئًا ما على الفور، لكن لم يكن واضحًا تمامًا في ذهنه ما هو هذا الشيء بالضبط. ولكن الآن، بينما هو يقود دراجته فوق تلَّةٍ صغيرة على الطريق، ويرى رايتشستر ممتدةً تحته، وشمس الصيف مشرقة على أسطُحِها الحمراء وجُدرانها الرمادية، اتخذ قرارًا فجأة، وبدلًا من قيادة دراجته مباشرةً إلى الأمام نحوَ المدينة العتيقة انحرف إلى طريقٍ فرعي، وشق طريقه عبر الضواحي الشمالية، وتوجَّه إلى ملاعب الجولف. كان شِبهَ متأكدٍ أنه سيجد ماري بيوري هناك في تلك الساعة، وقد أراد رؤيتها في الحال. لقد حان وقتُ ضربته الكبرى.

لكن ماري بيوري لم تكن هناك — لم تذهب إلى هناك في ذلك الصباح حسَبما قال رئيسُ عمال حمل المضارب. لم يكن هناك سوى عددٍ قليل من اللاعبين. وقد اقترب واحدٌ منهم، قادمًا نحو مبنى النادي، فعرَف برايس أنه ساكفيل بونهام. وعند رؤيةِ ساكفيل، خطرت لبرايس فكرة. إن ماري بيوري لن تأتيَ للعبِ الجولف قبل وقتِ ما بعد الظهر؛ لذا سيتناول برايس الغداءَ هناك ثم يتجه نحو رايتشستر لمقابلتها في الطريق عبر الحقول حيث قابلها من قبلُ بعد زيارته إلى ليسترشير. وفي غضون ذلك، سيستدرجُ ساكفيل بونهام ويجعله يدخلُ معه في محادثة. وقد سقط ساكفيل بسهولةٍ في فخِّ برايس. إذ كان من ذلك النوع من الشباب الذي يحبُّ التحدُّث، لا سيما بالأسلوب الذي يعتمدُ على التلميح والغموض. وعندما اقترح عليه برايس، بعد أن قدَّم له فاتحَ شهية في بار النادي، أن يتناولا الغداء معًا وأجلسه في ركنٍ هادئ من غرفة الطعام، انطلق يتحدَّث على الفور عن حدث اليوم.

وبينما كان يلتقطُ هو وبرايس سكِّينَه وشوكته، بادر بالسؤال: «هل سمعتَ بأخبار العثور على ماسات ساكسونستيد المفقودة؟» وتابع: «إنه أمرٌ غريب، أليس كذلك؟ بالطبع، إن الأمر له صلة بهاتين الجريمتَين!»

سأله برايس: «هل تظن ذلك؟»

قال ساكفيل بأفضلِ أسلوبِ جزمٍ لديه: «هل يمكن لأيِّ شخص أن يظن أيَّ شيء آخر؟» وأردف: «عجبًا، إن الأمر واضح. ممَّا جرى الكشفُ عنه — وهو ليس كثيرًا، بالتأكيد، ولكنه كافٍ — إنه واضح تمامًا.»

سأله برايس: «ما نظريتك؟»

أجاب ساكفيل: «إن زوج أمي — وهو عجوزٌ مخضرم! — يُلخِّص الأمر برُمَّته بدقة.» ثم أضاف: «لقد كان ذلك الرجل العجوز، برادن، كما تعلم، يحتفظُ بهذا السر. إذ جاء إلى رايتشستر من أجل هذا الموضوع. لكنَّ هناك شخصًا آخرَ يعرف السر. وقد تخلَّص ذلك الشخصُ من برادن. لماذا؟ حتى يُصبح السرُّ عندئذٍ بحوزةِ شخصٍ واحد فقط — القاتل! فهمت؟! ولماذا؟ لماذا؟»

كرَّر برايس: «حسنًا، لماذا؟» وأردف: «فأنا لا أفهم، حتى الآن.»

قال ساكفيل بتعالي الشباب: «لا بد أنك بطيء الفهم، إذن.» وتابع: «بسبب المكافأة بالطبع! ألا تعلم أنَّ هناك عرْضًا ثابتًا — لم يُسحَب قط! — بخمسة آلاف جنيه مقابلَ أي معلومات عن تلك الجواهر؟»

أجاب برايس: «نعم، لا أعلم.»

تابع ساكفيل: «إنها حقيقةٌ، يا سيدي — حقيقة خالصة.» وأضاف: «خمسةُ آلاف مقسَّمة على اثنَين تُساوي ألفَين وخَمسمائة لكلٍّ منهما. لكن خمسة آلاف، غيرَ مقسمة، تساوي ماذا؟»

قال برايس: «خمسة آلاف — بالقطع.»

قال ساكفيل بلهجة العالم ببواطن الأمور: «بالضبط! وإنَّ المرء لَيفعل الكثيرَ من أجل الحصول على خمسة آلاف.»

قال برايس: «أو من أجل نصفها — بحسب حُجَّتِك.» وتابع: «ما تهدفُ إليه أنت — أو زوجُ والدتك — بذكر هذا هو أن أصابع الاتهام تتَّجهُ نحوَ شريك برادن في السر. أليس كذلك؟»

سأل ساكفيل: «ولِمَ لا؟» وأردف: «انظر إلى ما عَلِمناه من الرواية المذكورة في الصحيفة هذا الصباح. لقد انتظر ذلك الرجلُ الآخَر، جلاسديل، قليلًا حتى تهدأَ الأمور حول موت برادن، ثم تقدَّم وأخبر الدوق أين خُبِّئت ماساتُ الدوقة. لماذا؟ ليحصل على مكافأة الخمسة الآلاف جنيه! إن الأمر واضح للغاية! فقط رجال الشرطة حمقى.»

سأل برايس، من أجلِ معرفةِ كلِّ أفكار رفيقه: «وماذا عن كوليشو؟»

قال ساكفيل: «جزءٌ من اللعبة.» وتابع: «الرجل نفسُه الذي تخلَّص من برادن تخلَّص من ذلك الرجل! ربما كان كوليشو يعرف القليلَ وكان لا بد من إسكاته. ولكن، سواءٌ كان جلاسديل هذا قد فعل كلَّ شيء بنفسه أو بمساعدةِ شخصٍ ما، فهو المتَّهم الأساسي في الجريمة، كما يقول زوج أمي. وسيُصبح الأمر كذلك. استنادًا إلى المنطق!»

سأل برايس: «هل تقدَّم أيُّ شخص بشأن تلك المكافأة التي عرَضها زوج أمك؟»

أجاب ساكفيل: «غيرُ مسموح لي بالرد.» وأضاف، وهو يميل نحو رفيقه عبر الطاولة: «لكني أستطيع أن أُخبرك بهذا — إن الأمر معقَّد للغاية! افهم! وسوف تتكشَّف الأمور. يجب أن تتكشف! لا يمكننا — كعائلة — تركُ رانسفورد بمفرده في تلك الأزمة، كما تعلم. تجب علينا تبرئةُ ساحته. لهذا السبب بالتحديد عرَضَ السيد فوليوت مكافأته. بالطبع، يتحمَّل رانسفورد، كما تعلم، يا برايس، الكثيرَ من اللوم — كان عليه أن يفعل المزيد بنفسه. وبالطبع، كما تقول والدتي وزوجها، إذا لم يهتمَّ رانسفورد بهذا الأمر بنفسه، حسنًا، فيجب أن نفعلَ ذلك من أجله! لا يمكننا التفكير في أي شيء آخر.»

وافق برايس على ذلك قائلًا: «هذا تصرفٌ جيد جدًّا منكم جميعًا، بالتأكيد.» وأضاف: «إنه فعلٌ حصيف ولطيف للغاية.»

قال ساكفيل، الذي لم يكن قادرًا على إدراكِ نبرةِ السخرية أو معرفة أن الرجالَ الأكبرَ سنًّا يسخرون منه: «أوه، حسنًا!» ثم أضاف: «إنه واحدٌ من تلك الأشياء التي يتعيَّن على المرء القيامُ بها — في ظل هذه الظروف. بالطبع، الآنسة بيوري ليست ابنةَ دكتور رانسفورد، لكنها ربيبتُه، ولا يُمكننا أن نسمح للشكوك بأن تحوم حول وصيِّها. اترك الأمر لي، يا صاح، وسترى كيف ستنتهي هذه الأمور!»

سأل برايس: «أنتم تعملون شيئًا في الخفاء، أليس كذلك؟»

أجاب ساكفيل مع غمزةٍ واثقة: «انتظر قليلًا!» وأردف: «هذا أقلُّ ما ينبغي — ماذا تظن؟»

أجاب برايس بأن ساكفيل على حقٍّ بلا شك، وبدأ يتحدَّث عن أمورٍ أخرى. ومن ثَم ظل في مبنى النادي حتى تجاوزَت الساعة الثالثة بعد الظهر، وبعد ذلك، ولأنه كان على درايةٍ جيدة بتحرُّكات ماري بيوري من خلال المراقبة الطويلة لها، انطلق في السير نحو رايتشستر، تاركًا دراجته في النادي. وإذا لم يُقابل ماري في الطريق، كان ينوي الذَّهابَ إلى منزلها. حيث سيَخرج رانسفورد في جولةِ زياراته المسائية، بينما ديك بيوري لا يزال في المدرسة، وسيجد ماري وحدها. وكان من الضروريِّ أن يراها بمفردها، وفي الحال؛ لأنه منذ الصباح طرأَت على ذهنه نظرةٌ جديدة تمامًا للأمور، بِناءً على المعلومات الإضافية التي حصل عليها، وقد رأى الآن فرصةً لم يسبق لها مثيلٌ من قبل. صحيح — هكذا قال لنفسه، بينما كان يسير عبر الملاعب والحقول التي تقع بين حافتها وبين رايتشستر — أنه لم تكن لديه، حتى الآن، المعرفةُ الدقيقة بالقاتل الفعلي لبرادن أو كوليشو التي كان يُريدها، لكنه كان يعرف شيئًا سيُمكِّنه من أن يسألَ ماري بيوري بصراحةٍ عما إذا كانت ستجعله يصبح صديقًا أو عدوًّا. وكان لا يزال يُفكِّر في أفضل طريقةٍ لعرض فكْرته عليها عندما دخل أخيرًا إلى كلوس، بعد أن أخفقَ في مقابلتها على الطريق، وعندما اقترب من منزل رانسفورد، رأى السيدة فوليوت تُغادره.

لقد صادفَت ماري بيوري، مثل برايس، يومًا مشحونًا بالأحداث. في البداية، تلقَّى رانسفورد برقيةً من لندن، في الصباح الباكر، جعلته يُهرَع، دون تناول الإفطار، لاستقلال أول قطارٍ سريع متاح. وترك ماري لاتخاذِ الترتيبات اللازمة بشأن عمله اليومي؛ لأنه لم يوظِّف أحدًا ليحلَّ محلَّ برايس بعدُ، وكانت مضطرَّةً إلى البحث عن طبيبٍ ممارسٍ عامٍّ آخرَ يُمكنه إيجاد وقت بين مهامه الخاصة للكشف على مَرْضى رانسفورد الذين حالتهم عاجلة. ثم كان عليها أن تُقابل الزائرين الذين أتَوا إلى العيادة متوقِّعين أن يجدوا رانسفورد هناك، وفي منتصف صباحٍ مزدحم، جاء السيد فوليوت، ليُحضِر لها باقةً من الورود، وبمجرد قَبولها، أظهر علاماتٍ لا لبس فيها على الرغبة في النميمة.

إذ سأل عندما جلس في غرفة الطعام: «هل رانسفورد بالخارج؟» ثم أضاف: «أعتقد أنه يكون كذلك، في هذا الوقت من اليوم.»

أجابت ماري: «إنه غير موجود.» وتابعت: «لقد ذهب إلى لندن على متن أول قطارٍ سريع، وقد عانيتُ كثيرًا لترتيب أمور مرضاه.»

سألها فوليوت: «هل علِم بالعثور على جواهر ساكسونستيد قبل ذَهابه؟» وأردف: «أظن أنه لم يعلم — فالأمر لم يصبح معروفًا إلا بعدَ صدور الصحيفة الأسبوعية هذا الصباح. إنه لأمر غريب! لقد علمتِ به، بالطبع، أليس كذلك؟»

أجابت ماري: «لقد أخبرني دكتور شورت.» وأضافت: «لكني لا أعرف أيَّ تفاصيل.»

نظر فوليوت إليها بتأمُّل للحظة.

ثم قال: «إنَّ للأمر علاقةً بتلك الأمور الأخرى، كما تعلمين.» وتابع: «عجبًا! ما الذي يفعله رانسفورد حيالَ كلِّ ذلك؟»

سألت ماري، في الحال بحذر: «ماذا تقصد بعبارةِ حيالَ كل ذلك، يا سيد فوليوت؟» ثم أضافت: «فأنا لا أفهمك.»

قال فوليوت: «كما تعرفين؛ كلُّ تلك الشبهات، وما إلى ذلك.» وتابع: «إنه لَموقفٌ سيِّئ بالنسبة إلى طبيبٍ مثلِه، كما تعرفين، وينبغي عليه أن يُبرئ نفسه. هل تقدَّم أحدٌ للحصول على تلك المكافأة التي قدَّمها رانسفورد؟»

أجابت ماري: «لا أعرف شيئًا عنها.» وأردفت: «لكن دكتور رانسفورد قادرٌ على الاعتناء بنفسه جيدًا، حسَبما أظن. هل تقدَّم أيُّ شخص للحصول على مكافأتك؟»

نهض فوليوت من كرسيه مرةً أخرى، كما لو أنه غيَّر رأيه بشأن التلَكُّؤ، وهز رأسه.

وقال: «لا أستطيع أن أقول ما قد علمه — أو فعَله — المحامون الخاصون بي.» ثم أردف: «لكن القضية غريبة، كما تعلمين، وينبغي كشفُها. إنه لأمر سيئ بالنسبة إلى رانسفورد أن تُحيط به الشكوك. وهو أمر يحزنني.»

سألته ماري: «ألهذا السبب عرَضتَ المكافأة؟»

لكن فوليوت لم يُجِب على هذا السؤال المباشر. وإنما تمتمَ بشيءٍ ما حولَ استحسانِ فعل شخصٍ ما لشيءٍ ما ثم غادر، وهو ما جعل ماري تشعر بالارتياح. إذ لم تكن لديها رغبةٌ في مناقشة لغزَي بارادايس مع أي شخص، خاصةً بعد تأكيد رانسفورد في الأمسية السابقة. ولكن في منتصف وقتِ ما بعد الظهر، جاءت السيدة فوليوت لزيارتها، وهي زيارةٌ نادرة، وقبل أن تختليَ بماري خمسَ دقائق، أثارت الموضوعَ مرةً أخرى.

حيث قالت: «أريد أن أتحدَّث إليكِ بشأنِ مسألةٍ خطيرة للغاية، يا عزيزتي الآنسة بيوري.» ثم أضافت: «ويجب أن تسمحي لي أن أتحدَّث بصراحة عن … عن عدةِ أشياء. أنتِ بالطبع تعلمين أنني أكبُرك سنًّا، وما إلى ذلك!»

سألتها ماري، وهي تُعِد نفسها لما شعرَت أنه سيأتي بالتأكيد: «ما الأمر، يا سيدة فوليوت؟» ثم أردفت: «هل هو خطيرٌ جدًّا؟ واعذريني، هل هو بخصوصِ ما ذكره السيد فوليوت لي هذا الصباح؟ لأنه إذا كان الأمر كذلك، فلن أُناقش ذلك معكِ أو مع أي شخص.»

أجابت السيدة فوليوت في مفاجأة حقيقية: «لم يكن لدي أيُّ فكرة أن زوجي كان هنا هذا الصباح.» وأضافت: «ما الذي أراد التحدُّثَ عنه؟»

قالت ماري: «في هذه الحالة، ما الذي تريدين التحدُّثَ عنه؟» وتابعَت: «على الرغم من أن هذا لا يعني أنني سأتحدَّثُ معك عنه.»

بذَلَت السيدة فوليوت بعضَ الجُهد لِفَهم هذه الملاحظة، وبعد أن تفحَّصت مضيِّفتها بنحوٍ نقدي للحظة، شرَعَت في الكلام مستخدِمةً أكثرَ أساليبها الناقدة.

وقالت: «يجب أن تُدركي، يا عزيزتي الآنسة بيوري، أنه من الضروريِّ للغاية أن يسعى شخصٌ ما بكل الطرق لإقناعِ دكتور رانسفورد بالتحرُّك في هذا الأمر.» ثم أردفَت: «إنه يضَعُكم جميعًا — هو، وأنتِ، وأخاكِ الصغير — في موقفٍ سيئ للغاية بسبب صمتِه! وفي مجتمعٍ مثل — حسنًا، مثل مجتمعنا في مدينة الكاتدرائية، كما تعلمين — لا يمكن لأي رجل ذي سمعةٍ طيبة أن يلتزم الصمتَ عندما تتأثر سُمعته.»

التقطَت ماري بعضَ أعمال الإبرة وبدأت في الانشغال بها.

ثم سألت: «هل تأثرَت سمعة دكتور رانسفورد؟» وتابعت: «لم أكن على علمٍ بذلك، يا سيدة فوليوت.»

صاحت السيدة فوليوت: «أوه، يا عزيزتي، لا يُمكنكِ أن تظَلِّي — هل نقول؟ — بريئةً للغاية بمثلِ هذا النحو!» وأردفَت: «إن هذه الشائعاتِ بالطبع شريرةٌ وقاسية للغاية، لكنك تعلمين أنها انتشرت. يا إلهي! — عجبًا، لقد صارت مثارَ حديث الجميع!»

ردَّت ماري: «لا أعتقد أن وصيِّي يهتمُّ مطلقًا بهذا، يا سيدة فوليوت.» وتابعَت: «وأنا متأكدة تمامًا من أنني مثله.»

قالت السيدة فوليوت بأرقى أسلوبٍ لها: «لا أحدَ منا — وخاصة مَن هم في مستوانا الاجتماعي — يستطيع تجاهلَ الشائعات وأحاديثَ النميمة.» وتابعت: «وإذا صادفَنا سوءُ حظٍّ وتحدَّث أحدٌ عنا، فمن واجبنا الرسميِّ والمُلزم أن نُصحِّح صورتنا في أعين أصدقائنا والمجتمع. على سبيل المثال، يا عزيزتي، إذا سمعتُ أيَّ شيء يطعن في — دعيني أقُل — سُمعتي الأخلاقية، فيجب أن أتَّخذ الخطوات، الأكثرَ صرامة، وجُرأةً، وقوة، لوضعِ الأمور في نِصابها الصحيح. لن أظل موضعَ شبهة — ولو دقيقةً واحدة!»

قالت ماري، وهي تنحني مقتربةً أكثرَ من عملها الذي تنسجه: «أتمنى ألا تتعرَّضي أبدًا لتجرِبةِ تبرئة سُمعتك الأخلاقية، يا سيدة فوليوت.» وأردفت: «مثلُ هذه الضرورة ستصبح مروعةً بالفعل.»

صاحت السيدة فوليوت: «ومع ذلك فأنتِ لا تُلحِّين — أجل، تُلحين! — على دكتور رانسفورد كي يتَّخذ خطواتٍ قويةً لتبرئة نفسه!» وأردفت: «الآن هذه، في الواقع، ضرورةٌ ملحَّة!»

ردَّت ماري: «إن دكتور رانسفورد قادرٌ تمامًا على الدفاع عن نفسه والعناية بها. ليس لي أن أُخبره بما يجب أن يفعله، أو حتى أن أنصحه بما يجب أن يفعله. وبما أنكِ ستتحدَّثين عن هذا الأمر، فأنا أقول لكِ بصراحة، يا سيدة فوليوت، إنني لا أعتقد أن أيَّ شخص محترمٍ في رايتشستر لديه أقلُّ شك أو اشتباه في دكتور رانسفورد. وكان إنكاره لأي مشاركة أو تواطؤٍ في هاتَين القضيتين المؤسفتين — فمجردُ التفكير في ذلك أمرٌ سخيف بقدْرِ ما هو شرير — كافيًا تمامًا. وأنت تَعلمين جيدًا أنه في جلسة التحقيق الثانية تلك قال — تحت القسَم، أيضًا — إنه لا يعرف شيئًا عن هذه الأمور. أُكرِّر، ليس هناك شخصٌ محترم في المدينة يشك في ذلك!»

قالت السيدة فوليوت، بسرعة: «أوه، لكنكِ مخطئةٌ تمامًا!» وأردفَت: «مخطئة تمامًا، بكل تأكيد، يا عزيزتي. بالطبع، يعرف الجميعُ ما قاله دكتور رانسفورد، ذلك المسكين، بانفعالٍ شديد وأنا متفهِّمة للأمر الذي تُشيرين إليه، ولكن ما الذي يمكن أن يقوله علاوة على ذلك لدحضِ الشكوك؟ إن ما يريده الناسُ هو الدليل على براءته. يُمكنني — لكنني لن أفعلَ — أن أُخبرك بالعديد من أفاضلِ الناس الذين — في واقع الأمر، يتشكَّكون للغاية في هذه المسألة، يمكنني ذلك حقًّا!»

سألتها ماري بطريقةٍ باردة كان من شأنها أن تُصبح تحذيرًا لأي شخصٍ غيرِ زائرتها: «هل تعتبرين نفسَكِ من بينهم؟» وأضافت: «هل لي أن أفهمَ ذلك من كلامك، يا سيدة فوليوت؟»

أجابت السيدة فوليوت على الفور: «بالتأكيد لا، يا عزيزتي.» وتابعَت: «وإلا ما كنتُ قد فعلت ما فعلت لإثبات براءةِ الرجل الأحمق!»

ترَكَت ماري عملها ووجَّهَت عينَيها المذهولتين إلى وجه السيدة فوليوت الكبير.

وتساءلت: «أنتِ!» وتابعَت: «لإثبات … براءة دكتور رانسفورد؟ عجبًا، يا سيدة فوليوت، ماذا فعلتِ؟»

تلاعبَت السيدة فوليوت قليلًا بالمِقبض المرصَّع بالجواهر لمظلَّتِها. وأصبح تعبيرُ وجهها خَجولًا تقريبًا.

ثم أجابت بعد بُرهة وجيزةٍ من التردد: «أوه، حسنًا!» وتابعَت: «ربما يجب أن تعرفي أيضًا، يا آنسة بيوري. بالطبع، عندما ازدادت كلُّ هذه المشكلة المحزنة سوءًا بسبب تلك القضية الثانية — موت عامل البناء المساعد، كما تعلمين، قلتُ لزوجي إنه يجب على المرء فعلُ شيءٍ ما؛ نظرًا إلى أن دكتور رانسفورد كان شديدَ العناد ورفضَ التكلُّم. وبما أن المال لا يُهم — على الأقل هكذا يعتبر — بالنسبة إليَّ أو إلى السيد فوليوت، فقد أصررتُ على أنه ينبغي أن يُقدِّم مكافأةً قدْرها ألفُ جنيه مقابل كشف حقيقة هذا الأمر. إنه رجلٌ كريم وسخي، وقد اتفقَ معي تمامًا، ونفَّذ العملية من خلال مُحامِيه. ولا شيء يُمكن أن يُسعدنا أكثرَ، يا عزيزتي، من ظهورِ مَن يُطالب بهذه الألف جنيه لإظهارِ الحقيقة! لأنه بالطبع، إذا كان سيُصبح هناك — كما أفترض — اتحادٌ بين عائلتَينا، فمن المستحيل تمامًا قَبولُ وجودِ أيِّ سحابةِ شك تحوم حول دكتور رانسفورد، حتى لو كان هو الوصيَّ عليكِ فقط. لا يمكن لزوجة ابني المستقبلية، بالطبع …»

تركَت ماري أعمال الإبرة مرةً أخرى وحدقَت في وجه السيدة فوليوت لمدة دقيقة كاملة.

ثم قالت في النهاية: «سيدة فوليوت!» وأردفَت: «هل تظنِّين أنني أفكِّر في الزواج من ابنك؟»

أجابت السيدة فوليوت: «أعتقد أن لديَّ كلَّ سبب وجيه للاعتقاد في ذلك!»

ردَّت ماري بحِدَّة، وهي تجمع عملها وتتَّجه نحوَ الباب: «ليس لديك أيُّ شيء!» وأضافت: «أنا لا أفكِّر على الإطلاق في الزواج من السيد ساكفيل بونهام! إن حتى التفكير في هذا الأمر سخيفٌ للغاية!»

بعد خمس دقائق، غادرَت السيدة فوليوت، وقد اكفهرَّ وجهُها. وبعد وقتٍ وجيز، بينما أخذت ماري تُتابعها بنظرها عبرَ كلوس، رأَت برايس يقترب من بوابة الحديقة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤