الفصل السابع والعشرون

السرُّ المصون

دخلت ماري بيوري، عندما تركها برايس، إلى المنزل في انتظار عودة رانسفورد من لندن. وكانت تنوي أن تُخبره بكلِّ ما قاله برايس وأن تتوسَّل إليه أن يتخذ خطواتٍ فوريةً لتصحيح الأمور، ليس فقط لكي يَبْرأ من الشكوك ولكن أيضًا لكي يُوضَع حدٌّ لمكائد برايس. وكان لديها بعضُ الأمل في أن يعود رانسفورد بأخبارٍ مُرضية؛ فهي تعلم أن زيارته السريعةَ إلى لندن لها علاقة بهذه الأمور، وتذكَّرت أيضًا ما قاله في الليلة السابقة. وهكذا، بينما كانت تُحاول السيطرة على غضَبِها من برايس ونَفادِ صبرها من الموقف برُمَّتِه انتظرت بصبرٍ قدْرَ استطاعتها حتى اقترب الوقت الذي يُتوقَّع فيه رؤية رانسفورد وهو يعود عبر كلوس. كانت تعرف مِن أي اتجاه سيأتي، وبقيَت بالقرب من نافذة غرفة الطعام تترقَّب وصوله. ولكن جاءت الساعة السادسة ولم ترَ له أيَّ أثر، وعندما بدأَت تعتقد أن قطارَ ما بعد الظهر قد فاته، رأته، على الجانب الآخر من كلوس، يتحدَّث بجِدِّية إلى ديك، الذي جاء الآن نحو المنزل بينما عاد رانسفورد إلى حديقة فوليوت.

جاء ديك بيوري على عجَل. وأدركَت أخته على الفور أنه قد سمع للتو أخبارًا كان لها تأثيرٌ رصين على حماسه المتقد دائمًا. ونظر إليها كما لو كان يتساءل بالضبط كيف يُبلغها بالأمر.

قالت، مستخدمةً الكلمة التي تستخدمها هي وشقيقها دائمًا للإشارة إلى وصيِّهما: «رأيتك مع الدكتور للتو.» وتابعت: «لماذا لم يَعُد إلى المنزل؟»

اقترب ديك منها، ولمس ذراعها.

وقال، وهو يكاد يهمس: «اسمعي!» وأضاف: «عليكِ ألَّا تجزعي، إن الدكتور على ما يُرام، ولكن حدث شيءٌ فظيع للتو. في منزل فوليوت.»

سألَته في حِدَّة: «ماذا؟» وأردفَت: «تحدَّث، يا ديك! أنا لستُ خائفة. ما الأمر؟»

هزَّ ديك رأسه كما لو أنه ما زال لم يُدرك المغزى الكاملَ لأخباره.

وأجاب: «إن الأمر صادمٌ لي!» وتابع: «أنا لم أستوعبه، أنا أعرف فقط ما قاله لي الدكتور؛ أن آتِيَ وأُخبِرَك. انظري هنا، إنه أمرٌ سيئ للغاية. لقد مات فوليوت وبرايس!»

رغمًا عنها، جفَلَت ماري متراجعةً للخلف بفعل الصدمة الكبيرة، وتمسَّكَت بالطاولة التي كانا يقفان بجانبها.

وصاحَت متعجبة: «ماتا!» وأردفت: «عجبًا! لقد كان برايس هنا، يتحدَّث معي، منذ أقلَّ من ساعة!»

قال ديك: «ربما.» وأضاف: «لكنه ميت الآن. الحقيقة هي أن فوليوت أطلق عليه النارَ بمسدس، فقتله على الفور. ثم سمَّم فوليوت نفسَه — قال الدكتور إنه تناول من الحبوب نفسِها التي قتَلَت ذلك الرجل كوليشو، ومات على الفور. لقد حدث هذا في بيت البئر العتيق بمنزل فوليوت. كان الدكتور هناك والشرطة أيضًا.»

سألت ماري: «ماذا يعني كلُّ ذلك؟»

أضاف ديك: «لا أعرف. بخلاف هذا، لقد اكتشفوا حقيقة الجريمتين الأُخريَين — جريمتَي مقتل برادن وكوليشو. كان فوليوت متورطًا فيهما؛ ومَن برأيكِ كان الآخَر؟ لن تُخمني أبدًا! ذلك الرجل فلادجيت، خادم الكاتدرائية. لكن هذا ليس اسمه الحقيقي على الإطلاق. لقد قتَل هو وفوليوت برادن وكوليشو، على أيِّ حال. ومِن ثَم ألقت الشرطة القبضَ على فلادجيت، وأطلق فوليوت النارَ على برايس وقتل نفسَه عندما حاولوا إلقاء القبض عليه.»

سألته ماري: «هل أخبرك الدكتور بكل هذا؟»

أجاب ديك: «أجل.» وأضاف: «هذا فقط وليس أكثر. لقد نادى عليَّ بينما كنتُ أمرُّ أمام باب منزل فوليوت. وهو سيأتي بمجرد أن يستطيع. يا للعجب! بالقطع، ستعمُّ الثرثرة في المدينة! على أي حال، ستتضح الأمور الآن. لماذا كان برايس هنا؟»

أجابت ماري: «لا تهتمَّ؛ لا أستطيع الحديث عن ذلك، الآن.» كانت تُفكِّر بالفعل كيف أن برايس كان يقف أمامها، نشطًا وحيًّا، قبل ساعة واحدة فقط؛ كانت تُفكر، أيضًا، في تحذيرها له. وأضافت: «كلُّ شيء مروِّع للغاية! ويصعب فهمه!»

قال ديك، وهو يلتفت نحو النافذة: «ها هو الدكتور قادم الآن.» وتابع: «وسيُخبرنا بالمزيد.»

نظرت ماري بقلق إلى رانسفورد وهو يُسارع إلى الداخل. لقد بدا وكأنه رجلٌ مرَّ للتو بأزمةٍ ومع ذلك كانت تُدرك بطريقةٍ ما أنه يشعر بالارتياح، كما لو أن همًّا ثقيلًا قد انزاح فجأة. ومِن ثَم أغلق الباب ونظر إليها مباشرة.

وسألها: «هل أخبرَكِ ديك؟»

قال ديك: «بكلِّ ما قلتَه لي.»

خلع رانسفورد قفازه وألقى به على الطاولة بشيء من التعب. فسارعَت ماري بالتحدُّث.

وقالت: «لا تقُل المزيد — لا تقل أيَّ شيء — حتى تشعرَ بأنك قادرٌ على ذلك.» وأردفَت: «فأنت متعَب.»

رد رانسفورد: «كلا!» وأضاف: «أُفضِّل أن أقول ما يجب أن أقوله الآن — حالًا! لقد أردتُ أن أُخبركما عن كل هذا، وما الذي يعنيه، وكلِّ شيء متعلِّق به، وحتى اليوم، وحتى خلال الساعات القليلة الماضية، كان من المستحيل أن أفعلَ هذا؛ لأنني لم أكن أعرف كلَّ شيء. أما الآن فأنا أعرف! حتى إنني أعرف أكثرَ مما كنتُ أعرفه قبل ساعة. دعوني أُخبِرْكما الآن وأنتهِ من هذا الأمر. هيا اجلسا هناك، كلاكما، واستمعا.»

ومن ثَم أشار إلى أريكةٍ بالقرب من المدفأة، فجلس الأخ والأخت عليها، وهما ينظران إليه في تعجُّب. وبدلًا من أن يجلس هو الآخر، اتكأ على حافة الطاولة، وهو ينظر إليهما.

وقال في خجل: «يجب أن أُخبركما ببعض الأشياء المحزنة.» وتابع: «لكنَّ العزاء الوحيد هو أن الأمر قد انتهى الآن، وجرى توضيحُ أمورٍ معينة، أو يمكن توضيحها، ولن يُصبح لديكما المزيدُ من الأسرار. ولا أنا! فقد اضطُرِرت إلى كتمان هذا السرِّ في بئرٍ عميقة لمدة سبعةَ عشرَ عامًا! ولم أعتقد قط أنه يمكن البَوحُ به مثلما حدث، بهذه الطريقة البائسة والرهيبة! لكن حدث ذلك الآن، ولا شيء يمكن أن يمنعه. والآن، لتوضيح كل شيء، فقط أعِدَّا نفسَيكما لسماعِ شيء يبدو، في البداية، صعبًا للغاية. إن الرجل الذي سمعتما عنه باسم جون برادن، الذي جاء إلى هنا لِيَلقى حتْفَه — على نحوٍ غيرِ متعمَّد، مثلما أعتقدُ بشدةٍ الآن — هناك في بارادايس، كان، في واقع الأمر، جون بريك، والِدَكما!»

نظر رانسفورد إلى مستمِعَيه بقلقٍ عندما قال هذا. لكنه لم يلحظ أيَّ علامة على مفاجأةٍ أو انفعالٍ مفرط. حيث نظر ديك إلى أصابع قدَمَيه بشيء من العبوس، كما لو كان يُحاول استيعاب الأمر، بينما واصلت ماري النظر نحو رانسفورد بعينَين ثابتتَين.

كرَّر رانسفورد، وهو يتنفس بحريةٍ أكبرَ الآن بعد أن صرَّح بأسوأ الأخبار: «والدُكما — جون بريك.» وتابع: «ويجب أن أعود إلى البداية لأوضِّح لكما الأمور عنه وعن والدتكما. لقد كان صديقًا مقرَّبًا لي عندما كنا شابَّين في لندن؛ حيث كان يعمل في وظيفة مدير بنك، وكنتُ أنا طبيبًا مبتدئًا. وقد اعتدنا قضاءَ إجازتنا معًا في ليسترشير. وهناك التقينا بأمكما، التي كان اسمها ماري بيوري. وتزوجها هو، وكنتُ أنا إشبينَه. ثم ذهبا للعيش في لندن، ومنذ ذلك الوقت لم أُقابلهما كثيرًا، فقط بين الحين والآخر. وخلال تلك السنوات الأولى من حياته الزوجية تعرَّف بريك على رجلٍ جاء من الجزءِ نفسِه من ليسترشير الذي قابلنا والدتَكما فيه — رجل يُدعى فولكينر راي. ويمكنني إخباركما أيضًا أن فولكينر راي وستيفن فوليوت هما اسمان للشخص نفسِه.»

توقَّف رانسفورد، ملاحظًا أن ماري ترغب في طرح سؤال.

حيث سألته: «منذ متى وأنت تعرف ذلك؟»

أجاب رانسفورد على الفور: «لم أكن أعلمُ قبل اليوم.» وأضاف: «لم يكن لديَّ أدنى فكرةٍ عن ذلك! لو كنتُ أعرف فقط — لكني لم أعرف! ومع ذلك، للعودة لحديثنا، هذا الرجل راي، الذي يبدو دائمًا أنه رجلٌ متمكِّن من فن الإقناع، وقادرٌ على خِداع الناس بكل سهولة، أصبح بطريقةٍ ما على اتصالٍ وثيق بوالدكما بشأن الأمور المالية. كان راي في ذلك الوقت يعمل وكيلًا ماليًّا من نوعٍ ما في لندن، ويُشارك في أعمالٍ مختلفة، على ما أظن، لها طبيعة المقامرة. وكان يُساعده في ذلك رجلٌ كان إما شريكًا له أو كاتبًا أو وكيلًا خاصًّا للغاية، واسمه فلود، وهو الرجل نفسُه الذي عرَفتُماه مؤخرًا باسم فلادجيت، خادم الكاتدرائية. بالاتفاق بينهما، يبدو أن هذين الاثنين قد أقنَعا والدكما في بعض الأحيان بالقيامِ بأشياءَ حمقاءَ وغيرِ حكيمة للغاية كانت، على سبيل المثال لا الحصر، تتمثَّل في إقراضِ مبالِغَ مختلفة من المال كقروض قصيرة لمعاملاتهما. ولبعض الوقت كانا يَفِيان بوعودهما له، ودائمًا ما كانت تُسدَّد القروض على الفور. لكن في النهاية، عندما اقترضا منه مبلغًا كبيرًا — بضعة آلافٍ من الجنيهات — لصفقةٍ كان من المقرَّر أن تُجرى في غضونِ يومين، هرَبا بالمال، واختفيا تمامًا، تارِكَين والدكما ليتحمَّل النتائج. يُمكنكما بسهولة فهمُ ما حدث بعد ذلك. كانت الأموال التي أقرضها بريك لهما هي أموالَ البنك. وعندما أجرى البنكُ تفتيشًا بنحوٍ غيرِ متوقَّع على الأرصدة، اكتشف الأمر بِرمَّته، وجرت مقاضاته. لم يكن لديه دفاع — فقد كان، بالطبع، مذنبًا من الناحية الفعلية — وحُكم عليه بالسجن مع الأشغال الشاقة.»

كان رانسفورد يخشى روايةَ هذا الأمر، ولكن ماري لم تُبدِ أيَّ إشارة، وطرح ديك فقط سؤالًا حادًّا على نحوٍ مفاجئ.

حيث سأل: «لم يكن ينوي سرقة أموال البنك لنفسه، على أي حال، أليس كذلك؟»

رد رانسفورد على عجل: «كلا، كلا! على الإطلاق!» وأضاف: «لقد أخطأَ خطأً كبيرًا فيما يتعلق بتقدير الموقف، يا ديك، لكنه وثق في هذين الرجلَين، وخاصةً راي، الذي كان العقلَ المدبِّر. حسنًا، كان هذا هو القدَر المحزِن لوالدكما. الآن نصل إلى ما حدث لأمِّكما ولكما. قبل إلقاء القبض على والدكما، عندما علم أن كلَّ شيء قد ضاع، وأنه ليس بيده شيء ليفعله، أرسل لي على عجل، وأخبرَني بكل شيء في حضور والدتكما. وتوسَّل إليَّ أن أتولَّى رعايتها ورعايتكما على الفور. وكانت هي مُعارِضة لذلك، لكنه أصرَّ. فأخذتكم جميعًا إلى مكانٍ هادئ في الريف، حيث اتخذَت والدتُكما اسمَها قبل الزواج. وهناك، في غضون عام، تُوفِّيَت. إذ كانت امرأةً ضعيفة البِنْية طوال حياتها. وبعد ذلك — حسنًا، كلاكما يعرف جيدًا كيف سارت الأمور منذ أن بدأتما تكبران وتَعِيان ما يجري حولكما. سنترك ذلك، فلا علاقة له بالقصة. أريد أن أعود إلى والدكما. لقد رأيتُه بعد إدانته. وعندما جعلته يشعر بالسعادة لأنكما وأمَّكما بخير، توسَّل إليَّ أن أبذل قصارى جهدي للعثور على الرجلَين اللذَين دمَّرا حياته. وقد بدأت ذلك البحثَ في الحال. لكن لم يكن هناك أيُّ أثر لهما — فقد اختفيا تمامًا كما لو كانا قد ماتا. وقد استخدمتُ كل الوسائل لتتبُّعِهما — دون الوصول إلى نتيجة. وعندما انتهت أخيرًا مدةُ سجن والدكما وذهبتُ لرؤيته عند إطلاق سراحه، كان عليَّ أن أُخبره أنه حتى تلك اللحظة كانت كلُّ جهودي عديمةَ الجدوى. وحثَثتُه على نسيانِ أمرهما، وبدءِ الحياة من جديد. لكنه كان مُصرًّا. لقد كان مُصرًّا على أن يجد كِلا الرجلَين، وخاصةً راي! وقد رفض بنحوٍ قاطع حتى أن يرى طِفلَيه إلى أن يجد هذين الرجلَين ويجبرهما على الاعتراف بخطئهما في حقه؛ لأن ذلك، بالطبع، كان سيُبرئه إلى حدٍّ ما. وعلى الرغم من كلِّ ما أمكنَني قوله، فقد سافر إلى الخارج بحثًا عنهما — حيث حصل على بعض الأدلة، الواهية وغيرِ المحددة، ولكنها قائمة، على وجود راي في أمريكا، ومن ثَم سافر سعيًا وراءه. ومنذ ذلك الوقت وحتى صباحِ وفاته هنا في رايتشستر، لم أرَه قط مرةً أخرى!»

سألته ماري: «هل رأيته في ذلك الصباح؟»

أجاب رانسفورد: «لقد رأيته، بالطبع، بنحوٍ غيرِ متوقَّع.» وتابع: «لقد ذهبتُ عبر كلوس، وعُدت عبر الممر الجنوبي للكاتدرائية. وقبل أن أُغادر الرِّواق الغربي بقليلٍ رأيت بريك يصعد السلالم إلى المقصورات. فعرَفتُه في الحال. لكنه لم يرَني، فأسرعتُ إلى المنزل منزعجًا للغاية. ولسوء الحظ، حسَبما أظن، جاء برايس ورآني في حالة الانفعال تلك. لديَّ سببٌ للاعتقاد بأنه بدأ في الشك والتآمر منذ تلك اللحظة. وفورَ سماعي بموت بريك، والظروفِ التي صاحَبَت ذلك، وُضِعت في معضلةٍ رهيبة. إذ إنني كنت قد قررتُ ألا أُخبِرَكما أبدًا عن تاريخ والدكما إلى أن أتمكَّن من تتبُّع هذين الرجلَين وانتزاعِ اعترافٍ منهما يُبرئه من كل شيء باستثناء المسئولية العمَلية عن الجريمة التي عُوقب بسببها. في ذلك الوقت، لم يكن لديَّ أدنى فكرةٍ عن أن الرجلين كانا في متناول قبضتي، ولا أنه لم يكن لهما أيُّ يدٍ في موته، لذا التزمتُ الصمت، وتركته يُدفن تحت الاسم الذي اتخذه — جون برادن.»

توقَّف رانسفورد ونظر إلى مستمِعَيه كما لو كان يدعوهما لطرح سؤالٍ أو تعليق. لكن لم يتكلم أحدٌ منهما، فواصل حديثه.

وتابع: «أنتما تعرفان ما حدث بعد ذلك.» وأردف: «إذ سرعان ما تبيَّن لي أن أمورًا شريرةً وسرية كانت تحدُث. مثل موت المسكين كوليشو. كما كانت هناك أمورٌ أخرى. لكن حتى آنذاك لم يكن لديَّ أيُّ شك في الحقيقة الفعلية — الحقيقة هي أنني قد بدأت أشكُّ بعض الشكوك الغريبة في برايس والعجوز هاركر — بِناءً على أدلةٍ معيَّنة حصلتُ عليها بالصدفة. لكن، طوال هذا الوقت، لم أتوقَّف قط عن تحقيقاتي حولَ راي وفلود، وعندما كان مدير البنك الذي زاره بريك في لندن هنا لحضور جلسةِ التحقيق، أخبرتُه بنحوٍ خاص بالقصة كاملةً ودعَوتُه إلى التعاون في خيطٍ معيَّن كنت أتتبعُه آنَذاك. وقادنا هذا الخيطُ فجأةً إلى الرجل الذي يُدعى فلود — أو فلادجيت. ومع ذلك، لم يكتشف وكلاؤنا على نحوٍ مؤكَّد أن فلود هو فلادجيت، إلا في هذا الأسبوع بالذات، ومن خلال التحريات عن فلود، اكتشَفوا أن راي هو فوليوت. واليوم، في لندن، حيث قابلتُ هاركر العجوزَ في البنك الذي أودعَ فيه بريك الأموال التي أحضرها من أستراليا، جرى توضيح كلِّ شيء من قِبَل آخرِ وكيلٍ لي كان يتولَّى عملية البحث. لقد اتضح كيف يمكن لرجلٍ أن يختفيَ بسهولة في مدَّة معينةٍ من الحياة، ويظهرَ بعد ذلك في مدةٍ أخرى لاحقةٍ! فعندما خدَع هذان الرجلان والدَكما بخصوص تلك الأموال، اختفيا وانفصلا — وحصل كلٌّ منهما، بلا شك، على حصته. وذهب فلود إلى مكانٍ ناءٍ في شمال إنجلترا، بينما سافر راي إلى أمريكا. ومن الواضح أنه جمع ثروةً هناك، وطاف حول العالم مدةً، ثم غيَّر اسمه إلى فوليوت، وتحت هذا الاسم تزوجَ من أرملةٍ ثريَّة، واستقر هنا في رايتشستر لزراعة الورود! لكن كيف وأين صادفَ فلود مرةً أخرى هذا ليس معروفًا على وجه الدقة، لكننا عرَفنا أنه قبل بضعِ سنوات كان فلود في لندن، في ظروف سيئة للغاية، والاحتمال هو أنهما التقَيا مرةً أخرى آنَذاك. وما نعرفه هو أن فوليوت، بصفته رجلًا مؤثرًا هنا، قد حصل لفلود على الوظيفة التي كان يَشغَلُها، وجرت الأمور مثلما جرت. وهذا هو كل شيء … كل ما أحتاج إلى إخبارِكما به في الوقت الحالي. هناك بعض التفاصيل، لكنها ليست ذاتَ أهمية.»

ظلت ماري صامتة، لكن ديك نهض ويداه في جيبَيه.

وقال: «هناك شيء واحد أريد أن أعرفَه.» وأردف: «أيٌّ من هذَين الرجلين قتلَ والدي؟ لقد قلتَ إنها كانت حادثةً غيرَ متعمَّدة — لكن هل كانت كذلك بالفعل؟ أريد أن أعرف المزيد عن ذلك! هل تقول إنها كانت حادثةً غيرَ متعمدة لمجردِ أن تهدأَ الأمور قليلًا؟ إذن لا تفعل! فأنا أريد أن أعرف الحقيقة.»

أجاب رانسفورد: «أعتقد أنها كانت حادثةً غيرَ متعمدة.» وأردف: «فقد استمعتُ باهتمامٍ شديد إلى رواية فلادجيت لما حدث. وأعتقدُ اعتقادًا راسخًا أن الرجل كان يقول الحقيقة. لكن ليس لديَّ أدنى شكٍّ في أن فوليوت قد سمَّم كوليشو — لا شك لي في هذا على الإطلاق. لقد أدرك فوليوت أنه إذا افتضحَ أمر فلود، فسيفتضحُ أمره هو أيضًا.»

استدار ديك بعيدًا لمغادرة الغرفة.

ثم قال: «حسنًا، لقد انتهى الأمر بالنسبة إلى فوليوت!» وتابع: «أنا لا أهتم به، لكنني أردتُ أن أعرف على وجه اليقين حقيقةَ الآخر.»

•••

عندما ذهب ديك وترك رانسفورد وماري وحدهما، ساد صمتٌ عميق في الغرفة. كان من الواضح أن ماري تُفكِّر بعمق، واستدار رانسفورد، بعد نظرةٍ إليها، ونظر من النافذة نحو كلوس المشمِسة، وهو يُفكِّر في المأساة التي شهدها للتو. وقد انغمس في أفكاره لدرجةِ أنه انتفض عندما شعر بلمسةٍ على ذراعه، فنظر حوله ليرى ماري واقفةً إلى جانبه.

وقالت: «لا أريد أن أقول أيَّ شيء الآن، عما أخبرتَنا به للتو. لقد خمَّنتُ بعضًا منه، وتكهَّنت بالبعض الآخر! لكن لماذا لم تُخبرني؟! من قبل! هل كان ذلك بسبب عدم الثقة؟»

صاح متعجبًا: «الثقة!» وأضاف: «كان هناك سببٌ واحد فقط؛ كنتُ أرغب في تبرئةِ ساحةِ والدك — بقدْر الإمكان — قبل أن أُخبرك بأي شيء. لقد كنتُ أرغب في إخباركِ! ألم تُدركي أنني كرهتُ البقاء صامتًا؟»

فسألته: «ألم تُدرك أنني أردتُ أن أشاركك كلَّ عنائك حيالَ ذلك؟» وأضافت: «كان هذا ما آلمني — لأنني لم أستطِع فعْل ذلك!»

أخذ رانسفورد نفَسًا طويلًا ونظر إليها. ثم وضع يدَيه على كتفَيها.

وقال: «ماري!» ثم أردف: «أنتِ … أنتِ لا تقصدين أن تقولي … كوني واضحة — هل تعنين أنكِ يمكن أن تهتمِّي برجلٍ عجوز مثلي؟»

كان يُمسكها بعيدًا عنه، لكنها فجأة ابتسمَت واقتربت منه.

وأجابت: «لا بد أنك كنت أعمى للغاية؛ لأنك لم ترَ ذلك منذ مدة طويلة!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤